مصطفى إنشاصي
كما أن بعض أشقائنا منظري العروبة في موقفهم الرافض للدولة الإسلامية فهم يزعمون مزاعم كثيرة.. نذكر أمثلة لها:


البعض يرى أن برامج الإسلاميين تخلو من أي بُعد أو محتوى ثقافي عروبي ويتهمهم بأنهم يقدمون الانتماء الإسلامي على الانتماء العروبي، ويعيد علينا دروسه عن أن الإسلام والعروبة صنوان وأنهما مترادفان، وأن اللغة العربية هي وعاء الإسلام ومادته ومحتواه ... وغيرها من الطروحات العروبية التي فُرض علينا قراءتها وسماعها طوال عقود حياتنا، وما يقولونه لا يعارضه أي إسلامي لكن الاختلاف يقع عندما يحتجون بالإسلام ويقبلون به محتوى ثقافي للعروبة ويرفضونه نظام حكم ومنهج حياة!


في الوقت الذي تُعتبر فيه الثقافة هي نتاج ترجمة العقيدة إلى سلوك، ولم تتكون الثقافة الإسلامية قبل الإسلام ولكنها تكونت بعد الإسلام وكانت نتاج ممارسة الإسلام نظام سياسة وحكم ومنهج حياة في حياة المسلمين، وقد صهرت لغة القرآن الأمة كلها على اختلاف انتماءاتها العرقية والدينية مسلمين وغير مسلمين في الحضارة الإسلامية، لأن أهل الذمة في الإسلام الذين يقبلون بالحكم الإسلامي هم جزء من الأمة، فهم قبلوا بـ"أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا".


ذلك العروبي الذي يحتج بحديث الرسول صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بأن العربية ليست بالجنسية ولكن مَنْ تكلم العربية فهو عربي، بمعنى أن مَنْ كانت ثقافته عربية فهو عربي، يتعصب لعروبته ويستعلي بعرقه على غيره بزعم أن الإسلام بدون العرب – وفي ذلك بعض الحق - لا يمكن أن تقوم له قائمة، لذلك يرفض أن يُقدم العربي المسلم الذي يؤمن بالإسلام دين وسياسة ومنهج حياة انتماءه الإسلامي على أصله العرقي، كما يرفض الاعتراف أن هذه النظرة الاستعلائية اكتسبها من ثقافته القومية الغربية التي ترى أن الجنس الأبيض هو الأحق بالسيادة على العالم، ولا أريد القول التوراتية (شعب الله المختار)!


إن قبول العروبي بالإسلام عقيدة تُنطق باللسان فقط ورفضه له نظام حكم وسياسية ومنهج حياة، وتحويل تراثه الفكري والثقافي والحضاري الذي أنتجته الممارسة العملية للإسلام عقيدة ونظام حكم ليكون المحتوى الثقافي لدعوته العروبية، ذلك فهم للإسلام على الطريقة الغربية؟! ولا أعلم ماذا سيتبقى من ذلك المضمون والمحتوى الثقافي للقومية العربية عندما نستبدل القيم والآداب والقواعد الإسلامية التي تشكل المحتوى الثقافي والهيكل الحضاري للمجتمع بالقيم والآداب والقواعد الغربية؟!


كما أنه لم يُجيبنا إجابة علمية وعقلانية على سؤال: ما هو المحتوى الفكري والثقافي الذي كان للعروبة قبل الإسلام؟
ترى هل هو ما أنتجه العرب قبل الإسلام من فنون وآداب باللغة العربية مثل المعلقات والشعر الجاهلي؟ أو أنه الصراعات القبلية التي كانت تستمر لعقود طويلة من السنين وتقتل أجيال عدة لأتفه الأسباب؟ أم هو تلك التبعية التي كانت تدين بها كثير من القبائل في شمال الجزيرة العربية وجنوبها للفرس أو الروم؟ أم هي تلك الوحدة التي حدثت بين بعض القبائل العربية التي أساسها الحمية العربية فقط في عهد الملكة زنوبيا؟!


كما أنه لم يقل لنا شقيقنا العروبي ما هو المحتوى الفكري والثقافي العروبي للقومية العربية بعد الإسلام: هل هو اللغة العربية فقط كلغة أم هو القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى باللغة العربية التي هي لغة أهل الجنة، وما أنتجه المسلمون عرب وعجم من حضارة وما مارسوه من نظم حكم سمحت لأتباع الديانات الأخرى التي قبلت بحكم الإسلام أن تشارك مشاركة فعالة ومشهودة في صنع تلك الحضارة التي تشكل المحتوى الفكري والثقافي للعروبة من وجهة نظر القوميين؟


إن كانت اللغة العربية والشعر الجاهلي ومعلقاته؛ فاللغة العربية موجودة قبل نزول القرآن الكريم وبعثة الرسول صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بمئات إن لم يكن آلاف السنين ولم تجمع القبائل العربية حول قيادة واحدة أو في دولة ذات كيان سياسي مثل غيرهم من الشعوب الأخرى! وإن كان القرآن الكريم فالقرآن هو كتاب الله الذي أنزله على رسوله محمد صلَ الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليكون منهجاً هادياً للمسلمين والعالم إلى طريق الله ومنهج الحق والاستخلاف في الأرض، وعلى هذا الأساس قبلت الشعوب المسلمة الأخرى الإسلام ورضيت بحكم العرب المسلمين لها ولم تشعر فيه بغربة أو تعتبر العرب محتلون لها...إلخ!


وأن العروبي وغير العروبي عندما يعود للتاريخ ليبحث فيه عن جذوره القومية لا يمكنه أن يجد لها أي أصول سواء على الطريقة الإسلامية أو الغربية بالمفهوم العلمي المعاصر إلا بعد الإسلام فقط! وأنه إذا ما أُفرغت العروبة من محتواها الفكري والثقافي والحضاري الإسلامي تصبح كلمة بلا مضمون ولا معنى!


كما نسي شقيقنا العروبي أن الذي أسس لثقافته؛ ثقافة الفرقة التي مزقت الأمة بين مسميات قومية أتاحت له الفرصة لاحتلالها وإذلالها وفرض التبعية عليها هو الغرب، نعم إنه الغرب؛ إنه نابليون بونابرت الذي دق أول إسفين بين قوميات الأمة عندما أعلن كاذباً في بيانه الأول الذي وجهه للمصريين: أنه جاء ليحررهم من الاحتلال العثماني! كما زعم أيضاً أنه مسلم ليفصل الإسلام كمنهج ونظام حياة عن حياة المسلمين، وأنه أول ما وصل القاهرة بدأ حربه ضد الأزهر كرمز للسيادة والحكم الإسلامي، وبدأ يسن القوانين الوضعية ويفرضها على المصريين بديلاً عن الشريعة الإسلامية.


وأن نابليون كان ينفذ ويطبق خلاصة تجارب مائتي عام من الحروب الصليبية التي فشل فيها الغرب في هزيمة الإسلام وكسر هيمنته الحضارية على العالم، تلك الخلاصة التي وضعها لويس التاسع بعد خروجه من الأسر في دار ابن لقمان بالمنصورة في أخطر وثيقة مكنت للغرب من تمزيق الأمة وتشتيت شملها وهزيمتها وفرض التبعية عليها، وقد جاء فيها:
"إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال الحرب، وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة بإتباع ما يلي:
أ‌) إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين وإذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملاً في إضعاف المسلمين.
ب‌) عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح.
ت‌) إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء حتى تنفصل القاعدة عن القمة.
ث‌) الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه يضحي في سبيل مبادئه.
ج‌) العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة.
ح‌) العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد حتى تصل إلى الغرب.


لذلك آن أوان الكف عن التنظير وتفجير الصراعات المصطنعة التي كانت سبباً في نكبة الأمة وشق صفها، والتأمل في واقعنا وفي وصايا تلك الوثيقة بموضوعية وحيادية وليسأل كل منا نفسه جميعاً عروبيين وإسلاميين وعلمانيين وغيرهم: أليس واقعنا المعاصر هو خلاصة نجاح الغرب في تنفيذها؟!
ولنسأل أنفسنا: ما هي أقصر الطرق لوحدة الأمة واستعادة وعيها ونهضتها من جديد؟ هل هو في إصرارنا على التمسك بما هو جزء من المخططات الغربية؟ أو في أن يكون لنا رؤيتنا ومنهجنا في الحكم والسياسة الخاص بنا ونابع من ديننا وتاريخنا ويصلح لواقعنا؟!