منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

العرض المتطور

  1. #1

    رائحة الميرمية.. رائحة الياسمين

    رائحة الميرمية.. رائحة الياسمين
    د. يوسف حطيني
    قبل عام بالتمام والكمال ذهبت أمي إلى رحلتها الأخيرة، انتظرت عقوداً في المنافي المتنقلة، سنةً بعد سنة، دون أن تحقق حلمها بالعودة إلى طبريا، خرجت منها فتاة في التاسعة، كبرتْ في المنفى، تزوجت في المنفى، أنجبت أولاداً منفيين، ثم رحلت منفية ليضمّها قبر لا أعرفه في مخيم اليرموك على أطراف دمشق.
    رحلت أمي بعد قضت معظم سنوات عمرها في دمشق، تنسّمت هواءها وعبق ياسمينها، شربت من مائها. ويقول العارفون: إنّ الفلسطيني حين يشم عبق ياسمين الشام تزداد فلسطينيته وهجاً، وتتألق عروبة القدس في صدره حين يشرب ماؤها.
    هل الأمر مجرد مصادفة؟
    أن تغادر أمي هذه الدنيا مساء الخامس عشر من شهر أيار (مايو)؟
    هل كان مجرد مصادفة ألا تشرق عليها شمس السادس عشر من أيار؟
    ذكرى النكبة تتجدد هذا العام على المستوى الوطني والشخصي..
    جنازة أمي التي لم أحضرها كانت نكبة أخرى.. كانت رحلة عذاب مضنية.. لم يسمح الثوار الذين حرروا المخيم من أهله للجنازة أن تمرّ، سمحوا لفردين من أفراد العائلة (هما أخي وأختي) بمرافقة الجثمان الطاهر إلى مقبرة المخيم، إضافة إلى سائق السوزوكي، أية مأساة عاشتها أمي في حياتها وفي مماتها، قبل أن تتوسّد تراب المخيم.. والمخيم الذي زغردت أمي في مظاهراته ومسيراته يحاصرها، ويمنع أحبابها من مرافقتها في الطريق إلى رقدتها الأبدية.
    الخامس عشر من أيار (مايو):
    كان هذا التاريخ يعني لي الكثير: يعني ذكرى النكبة التي تتوغل في الزمن عاماً بعد عام، وتتسع منافيها حرباً إثر حرب..ذكرى التشرد والاستيطان والجوع والحصار والقهر والشهداء والمعتقلين والأسرى..
    صار هذا التاريخ يعني لي أكثر: صارت زيارة قبر أمي تمرّ عبر حواجز وأسلاك وحدود تفصل المنفيّ عن منفاه الغالي.. كاد المخيم يصبح وطناً يحلم النازحون منه بالعودة إليه، بعد أن كان جسر عبور نحو الوطن.. والكثيرون ممن سيزورون قبرها صاروا بعيدين جداً.. ألقت بهم عصا المؤامرة الكبرى في السويد وإيطاليا وهولندا أو في قعر الأبيض المتوسط طعاماً للحيتان..
    كان المخيم حلمنا بالعودة.. كان حلمنا بفلسطين..
    واليوم إذ تبتعد أمّي.. تبتعد فلسطين، يريدونها أن تبتعد، أن تُنسى، وأن تجزّ عنقها على مذبح ثورات مشبوهة..
    ترى.. هل صارت فلسطين بعيدة إلى هذا الحد؟
    أشمّ في الجو عبق الميرمية، أو لعله عبق الياسمين..
    هل هو عبق فلسطين؟ عبق دمشق؟ عبق المخيم؟ عبق أمي؟
    إنه يصل إلى أنفي زكيّاً معطّراً على كل حال.
    See Translation
    ‎رائحة الميرمية.. رائحة الياسمين

    د. يوسف حطيني

    قبل عام بالتمام والكمال ذهبت أمي إلى رحلتها الأخيرة، انتظرت عقوداً في المنافي المتنقلة، سنةً بعد سنة، دون أن تحقق حلمها بالعودة إلى طبريا، خرجت منها فتاة في التاسعة، كبرتْ في المنفى، تزوجت في المنفى، أنجبت أولاداً منفيين، ثم رحلت منفية ليضمّها قبر لا أعرفه في مخيم اليرموك على أطراف دمشق.

    رحلت أمي بعد قضت معظم سنوات عمرها في دمشق، تنسّمت هواءها وعبق ياسمينها، شربت من مائها. ويقول العارفون: إنّ الفلسطيني حين يشم عبق ياسمين الشام تزداد فلسطينيته وهجاً، وتتألق عروبة القدس في صدره حين يشرب ماؤها.

    هل الأمر مجرد مصادفة؟

    أن تغادر أمي هذه الدنيا مساء الخامس عشر من شهر أيار (مايو)؟

    هل كان مجرد مصادفة ألا تشرق عليها شمس السادس عشر من أيار؟

    ذكرى النكبة تتجدد هذا العام على المستوى الوطني والشخصي..

    جنازة أمي التي لم أحضرها كانت نكبة أخرى.. كانت رحلة عذاب مضنية.. لم يسمح الثوار الذين حرروا المخيم من أهله للجنازة أن تمرّ، سمحوا لفردين من أفراد العائلة (هما أخي وأختي) بمرافقة الجثمان الطاهر إلى مقبرة المخيم، إضافة إلى سائق السوزوكي، أية مأساة عاشتها أمي في حياتها وفي مماتها، قبل أن تتوسّد تراب المخيم.. والمخيم الذي زغردت أمي في مظاهراته ومسيراته يحاصرها، ويمنع أحبابها من مرافقتها في الطريق إلى رقدتها الأبدية.

    الخامس عشر من أيار (مايو):

    كان هذا التاريخ يعني لي الكثير: يعني ذكرى النكبة التي تتوغل في الزمن عاماً بعد عام، وتتسع منافيها حرباً إثر حرب..ذكرى التشرد والاستيطان والجوع والحصار والقهر والشهداء والمعتقلين والأسرى..

    صار هذا التاريخ يعني لي أكثر: صارت زيارة قبر أمي تمرّ عبر حواجز وأسلاك وحدود تفصل المنفيّ عن منفاه الغالي.. كاد المخيم يصبح وطناً يحلم النازحون منه بالعودة إليه، بعد أن كان جسر عبور نحو الوطن.. والكثيرون ممن سيزورون قبرها صاروا بعيدين جداً.. ألقت بهم عصا المؤامرة الكبرى في السويد وإيطاليا وهولندا أو في قعر الأبيض المتوسط طعاماً للحيتان..

    كان المخيم حلمنا بالعودة.. كان حلمنا بفلسطين..

    واليوم إذ تبتعد أمّي.. تبتعد فلسطين، يريدونها أن تبتعد، أن تُنسى، وأن تجزّ عنقها على مذبح ثورات مشبوهة..

    ترى.. هل صارت فلسطين بعيدة إلى هذا الحد؟

    أشمّ في الجو عبق الميرمية، أو لعله عبق الياسمين..

    هل هو عبق فلسطين؟ عبق دمشق؟ عبق المخيم؟ عبق أمي؟

    إنه يصل إلى أنفي زكيّاً معطّراً على كل حال.‎
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    كم أحب عطاءك ياصديقي...
    تلك الزوايا الرائعة....
    ع ك
    موقع عدنان كنفاني
    http://www.adnan-ka.com/

المواضيع المتشابهه

  1. فكرة رائدة
    بواسطة أسامه الحموي في المنتدى فرسان التجارب الدعوية
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-19-2018, 08:47 PM
  2. من عبق رائحة القهوة.
    بواسطة أبو فراس في المنتدى فرسان الغذاء والدواء
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-24-2013, 02:39 AM
  3. رائحة البارود
    بواسطة الحمري محمد في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-20-2008, 01:15 PM
  4. رائحة الخديعة
    بواسطة يحيي هاشم في المنتدى فرسان القصة القصيرة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-04-2007, 08:27 PM
  5. رائحة الفم!
    بواسطة ريمه الخاني في المنتدى أنت تسأل والأطباء يجيبون
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 06-07-2006, 11:02 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •