منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 2 من 2

العرض المتطور

  1. #1

    شجر الكينا...بقلم آرا سوفاليان

    شجر الكينا...بقلم آرا سوفاليان
    ارتبطت بموعد في الساعة الحادية عشر من صباح اليوم الاثنين مع صديق قديم ولأني لا أحب الاعتذارات والتأجيل فلقد قررت الذهاب الى الموعد وهو في بوابة الصالحية، وخرجت من البيت في تمام الساعة 9:45 أي قبل الموعد بساعة وربع، وقررت ان اترك السيارة وشأنها وأصعد بالميكرو من جرمانا الى باب توما بإستخدام ميكرو جرمانا باب توما والانتقال الى ميكرو المهاجرين باب توما والذي قرر ان يكون له خط سير خاص به يغاير خط السير الذي فرضته الدولة، بحيث يصل الى الجسر الابيض وينزل من نزلة الطلياني الى ساحة عرنوس ثم السبع بحرات ثم السادات برج الروس باب توما.
    ووقفت انتظر ولم أحظى بميكرو ينقلني الى باب توما لا على القاعد ولا على الواقف ولا على الراكع ولا على السقف ولا على الطبون الخلفي...وانتظرت وضاعت اول ربع ساعة ولحقتها الثانية ونسيت أن جرمانا لم يعد فيها مكان لإستعاب أحد وهي بحاجة لألف ميكرو آخر بفانوس...فتخليت عن عنادي وذهبت الى سيارتي، ولأن لونها ابيض فلقد رأيت أن سقفها قد تحول الى لون آخر وهو اللون الحَشَري وفي منظر لم أراه في عمري كان سقف السيارة وغطاء المحرك مغطى بألوف الحشرات الصغيرة الغريبة...انسللت الى داخلها فكانت كالفرن الملتهب وكنت أنا كقالب الكاتو...وتبعتني بعض الحشرات وبدأ اللسع والضرب وتم تشغيل السيارة ومشيت بسرعة وفتحت الشبابيك الاربعة فدخلت حشرات جديدة، وسلكت الطريق القديم، ودخلت في الزحمة، قررت اغلاق النوافذ وتشغيل المكيف، ويبدوا ان هذه الحشرات شعرت بالبرودة واحبتها فبادرت الى مهاجمة يداي المكشوفتين علبارد، وعدت للضرب فكنت اسارع لضرب الحشرة قبل ان تشحذ سلاحها للإقتصاص مني وكنت بارعاً في تقدير الزمن وكنت بارعاً أكثر بتلافي وقوع عدة حوادث...ووصلت الى منطقة معمل بوظة امية فكانت زحمة مروعة سببها اغلاق الطريق الموصل الى باب شرقي بحيث: على القادمين الانعطاف الى اليسار والتشابك مع القادمين من الباب الشرقي، والشتم والسب والتنتيع والترهيب والتهديد بالصدم في بادئة عهر لم نعرفها في سوريا من قبل، رأيت الشارع المقابل الذاهب من باب شرقي الى دوار البيطرة والشاحنات الثقيلة تعن وتزأر دون ان تتمكن من التقدم ولا خطوة واحدة فصرفت النظر عن التفكير بولوجه مع انه وفي فترة ماضية كان كقطار الشرق السريع يوصل الى المجتهد ثم الحجاز والى ساحة المحافظة أما اليوم وفي مثل هذا الظرف فإن خزان البنزين لن يكفي لقطع هاذا الطريق من الباب الشرقي والى ساحة المحافظة، حمدت الله على نعمه ونزلت من نفق باب شرقي فكانت علقة جديدة في الظلام والخوف كل الخوف ان يأتي مستهتر فيحطم سيارتي من الخلف فأضئت الفوانيس الخلفية مع ضوء الاشارة، وفكرت ان اذهب الى باب توما ثم الى برج الروس وصعوداً الى خلف ثانوية أمية وولوج العمارة وحتى سوق الهال القديم فتراجعت على الفور والسبب لا علاقة له بحشود السيارات المتوقفة والتي يفترض بها انها ذاهبة الى باب توما بل بالعلقة الكارثية المروعة في منطقة العمارة ومنطقة سوق الهال فلقد علقنا يوم السبت الماضي مع ان السبت عطلة علقنا بعد انصياعنا لنصيحة صديق علقنا ساعتين ونصف في هذا الطريق واضطررنا لإطفاء محرك السيارة مرات كثيرة وعندما وصلنا الى سوق الهال تبين ان هناك شاحنة متوقفة في وسط الشارع يعتقد صاحبها بالمعجزات بمعنى انه سيتم تفريغها من قبل الجان في ظلّ عدم وجود عمّال لتفريغها ونقل محتوياتها الى محال تجار الجملة فلقد اوقفها ووقف معها ينتظر رحمة الله، وبيده دفتر يحوي اسماء التجار كما يلي: عشرة كراتين بصل لأبو عبدو الميداني وأولاده وكرتونتين أسود بيض العجل وكرتونتين كوسا بيض النمر وثلاثة كراتين بندورة...ويا شباب حطو ايدكون...وعلقنا ليتبين ان هناك شاحنة تحمل كراتين السمك وهي للحاج ابو الأسود الدؤلي وأولاده، وشاحنة اخرى تحوي كراتين الفول والبازيلا غرض المونة وهي لمحلات ابو زيد وأولاده من مرتو الثانية...وعلت الزمامير وهجمت الدبابير، واستطعنا الوصول الى الجسر وهناك علقة الله مولاها والسبب التفتيش ومن قبل عنصر واحد لا غير ووصلنا وفتحنا الغطاء الخلفي، وسمعنا الدبجة، ومضينا وعلقة اخرى على الجسر ودخلنا ممنوع المرور في المرجة وعلقة اخرى في حارات سوق الكهرباء والشرطي يستند الى دراجته ويضحك، فهو لا يستطيع مخالفة ألف سيارة يشكلون طابور ممنوع المرور...إذاً تركت باب توما وشتمت الملك توما الذي هرب الى القسطنطينية مولياً الدبر.
    وصلت الى ساحة العباسيين بشق النفس وكان هناك شرطي سير ابن حلال يفتح معبر بين السيارات المتوقفة من كراجات القابون وحتى الباب الشرقي وما بعد، ودخلت في المعبر ووصلت الى نهاية كورنيش التجارة اريد الانعطاف الى اليسار ووقفت في الرتل خمسة دقائق عشرة دقائق ولم يتحرك الرتل وصار رباعي ثم سداسي ووضع سائق تكسي يقف امامي وضع السرعة الخلفية محاولاً الرجوع الى الخلف وانا لا استطيع الرجوع لأني محصور بينه وبين سيارة تقف خلفي وأصر الرجل على ارهابي وكان هذا من شأنه تحطيم أحد المصباحين الاماميين عندي، فنزلت وقلت له: يا دب انتظر حتى نجد فسحة في الخلف فأرجع وترجع انت، قال لي والله سنقف الى الظهر دون ان يتحرك هذا الرتل سانتي واحد، قلت له ان اخترت ان تزج بنفسك هنا وعليك ان تحترم خيارك، ورجعت الى الذي يقف خلفي وطلبت منه ان يمنحني شبر لا غير ففعل وتوقف ورجعت وناورت ووجدت نفسي خارج الرتل ومع ذلك لا يمكن لصاحب التكسي الذي شعر نفسه بأنه مغدور مع الدولة لا يمكنه الخروج، فخرجت انا وصرفت النظر عن الولوج في هذا المسرب...ولكن ما هي البدائل؟
    رجعت الى ساحة العباسيين وعلقت من جديد و ربع ساعة اضافية للوصول من نهاية كورنيش التجارة الى ساحة العباسيين وحتى ساحة القصور، وكانت في الساحة سيارات تراجع اصحابها ورجعوا من الشارع المؤدي الى وزارة النفط رجعوا من هناك الى ساحة القصور وموت أحمر...ودخلت في الشارع الذاهب من ساحة القصور الى مشفى الهلال فكان مقطوع من ناحية فرن السنابل فدخلت الى اليمين فوجدت مدرسة في مواجهتي فدخلت ايضاً ممنوع المرور اريد الوصول الى مخبر النجمة فوجدت ميكرو باص يقف عرضانياً ويمنع السيارات من الوصول الى مخبر النجمة، تابعت صعوداً للوصول الى كازية القصور فوجدت عشرة سيارات متوقفة في وسط الشارع الموصل الى الكازية وقد غادرها أصحابها فعدت من حيث اتيت ودخلت في الحواجز الاسمنتية الموصلة الى فرن السنابل ووقفت فقال لي العنصر هل سيارتك أمنية؟ قلت لا قال لماذا دخلت الى هنا قلت له كل الطرقات مغلقة والعودة الى ساحة القصور مستحيلة لأن خلفي كل هذه السيارات قال لي: اذهب الى اليسار وادخل في الطريق الموصل الى الغساني فيعيدك الى ساحة العباسيين، قلت له: اجرب الوصول الى اقرب نقطة من ساحة المحافظة فقال لي: ضع سيارتك في الغساني واذهب سيراً على الأقدام...وذهبت الى الغساني وتابعت حتى آخر الشارع الذي يفترض أن يذهب بي الى مشفى الهلال ولكن واجهت سد اسمنتي فصعدت كغيري على المنصف اليساري وممنوع المرور بإتجاه جامع الفردوس ودخلت في الحارة التي يتوسطها مستودع ضخم لجرّات الغاز وكان السير متوقفاً ووصل بائع الغاز بيده عربية معدنية فيها جرات غاز وسألته: عندك غاز؟ فرماني بنظرة احتقار لم أوفق بواحدة مثلها منذ ولدت وحتى اليوم، ومع ذلك حاولت الافساح له لأن حمله ثقيل والمسامح كريم، ودخلنا الجادة الضيقة التي يستقبلك محل شاورما عياش في مقدمتها والذي يطلس لك الصندويشة بالدهن ويضع فيها رقاقة شاورما أرق من ورقة السيكارة ويحشيها بالمخلل والبقدونس والنتيجة هي صاندويشة مخلل وبقدونس...وعليك ان لا تبحث عن الشاورما لأنك لن تجدها...ومشينا بالرتل العجيب حتى وصلنا الى معمل الكونسيروة هذا المعمل العتيد الذي بني في عهد الوحدة وتم تفشيله ليتحول الى مستودع للقمامة والى كراج كبير يحوي سيارات المدراء والموظفين القائمين على هذا المعمل المتوقف والذي لا ينتج شيئاً.
    بعد عصة لا بأس بها وصلنا الى التفتيش ووصلنا الى المنطقة ما قبل شعبة التجنيد وكنت أمني نفسي بوضع السيارة في مكان ما على اليمين ولكن لا تعزّب حالك ووجدت ان هناك منعطف على اليمين قرب الحديقة وهذا المنعطف يوصل الى شارع الثورة ويعيدك الى كورنيش التجارة أو يأخذك من تحت النفق الى سوق الحميدية...وخرجت سيارة متوقفة على اليمين فشكرت ربي على هذه النعمة وحاولت أخذ المحل الذي فرغ ولكن كانت خلفي سيارة كيا حمراء اللون يجلس فيها السائق والى جانبه رجل خمسيني تخلص للتوّ مما بقي من شعر على جوانب صلعته بإستخدام الموس...ويبدوا ان الرجل كان في عجلة من أمره وساءه ان أقف لأضع سيارتي في المكان الفارغ فشتمني وحرك كلتا يديه بحركة عصبية هستيرية ولم يترك شتيمة إلاّ وصدع رأسي بها أم وأخت وأب وكل شيء، وعندما وصلت نافذته الى محاذاة نافذتي قلت له: أبى متوفى وإن كان أبوك على قيد الحياة فأنا أتمنى له طول العمر، واتمنى لأمك وأختك ما أتمناه لوالدك، وأتمنى لبناتك ان كنت متزوج وعندك بنات أتمنى لهم ايام جميلة غير تلك التي كانت من نصيبنا، وانا أعتذر منك لأن الاستمرار في هذا الطريق سيعيدنني الى ساحة العباسيين ولهذا فأنا مضطر للوقوف هنا والمتابعة سيراً على الأقدام، وصمت الرجل لأنه أدرك تماماً محتويات السطل الذي أفرغته فوق صلعته، ولكنه لم يعتذر.
    أقفلت السيارة وقصدت ساحة المحافظة وبدأ الهرش فلقد استغلت الحشرات الحالة التي انا فيها فشحذت سلاحها وثقبت كلتا يداي...ومشيت بإتجاه السبع بحرات فهربت من الطريق الموصل الى المالية وسلكت الطريق الثاني الموصل مباشرة الى السبع بحرات ولاحظت انه لم تعد توجد ولا حشرة واحدة على ملابسي، اخترعت قضية أتسلى بها وفكرت في حلّ هذا اللغز، وفكرت وكنت اسير في جهة مدرسة اللاييك استغل بعض الظل الذي تهيئه أشجار الكينا وحدقت في الغصون المتدلية فلم أعثر على برغشة واحدة وقطعت الشارع الى الطرف المقابل وتفيئت من جديد بظل شجر الكينا...وصرخت وجدتها...وجدتها... شجر الكينا يكره الحشرات والحشرات تكره شجر الكينا...شجر الكينا هذا زرعه الفرنسيون في طريق شارع بغداد الذاهب من السبع بحرات الى باب توما أو العباسيين...تذكرت راهبة كانت تدرسنا في مرحلة الطفولة وتعطينا مادة الاحياء وبالفرنسية...وقالت من جملة ما قالت...ان الفرنسيين عندما وصلوا الى سوريا لا حظوا أن هناك نسبة غير طبيعية من البعوض والبرغش في دمشق فزرعوا الكثير من شجر الكينا لمواجهة هذه الحشرات وللتخفيف من مرض الملاريا الذي ينتقل بمعية سلاحها الذي تشحذه في مواجهة البشر...والبشر يتركها ليشحذ سلاحه في مواجهة بشر آخرين، ووصلت الى موعدي بالطبع ولكن بتأخير قدره ساعتين بعد ضياع نصف المخزون من البنزين، والبانزين في هذه الايام رفاهية والعدادات فيها سرقة وهناك اتاوى اضافية.
    درجت العادة في السنين الماضية وفي جرمانا بالذات ان نهرع لإقفال الابواب والنوافذ بعد سماع صوت الرجل صاحب المدفع الدخاني الابيض وهو يتهادى على شاحنته ويطوف جرمانا طولاً وعرض وهو يلبس كمّامة لا تفيده في شيء، ونشتم السموم التي ينشرها، وكنّا بالطبع لا ندرك قيمة الرجل ولا قيمة شاحنته من قبل، أما اليوم وبعد النظر الى ساعدي المموهتين والمشوهتين والمبخوشتين والمخردقتين، فنحن نتمنى أن نرى حتى خياله لنقول له: يا ليت مدفع الدي دي تيه يعود يوماً لنخبره ما فعل المشيبا.
    آرا سوفاليان
    كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
    الاثنين 03 06 2013
    arasouvalian@gmail.com

  2. #2
    سلمت يداك يا أخي , قصة لم أشبع من أحداثها , زادك الله علماً , لك الشكر والتحية

المواضيع المتشابهه

  1. محطة إف إم...بقلم آرا سوفاليان
    بواسطة arasouvalian في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 02-13-2014, 02:46 PM
  2. درب يسد وما يرد...بقلم آرا سوفاليان
    بواسطة arasouvalian في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-03-2014, 06:10 PM
  3. جيراير سوفاليان... بقلم آرا سوفاليان
    بواسطة arasouvalian في المنتدى فرسان الفني
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 06-25-2013, 03:35 AM
  4. حشيش...بقلم آرا سوفاليان
    بواسطة arasouvalian في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 03-30-2013, 04:52 PM
  5. ثمن الرأفة... بقلم آرا سوفاليان
    بواسطة arasouvalian في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-07-2012, 08:34 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •