منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 4 من 4

العرض المتطور

  1. #1
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355

    التطميناتُ الرّبّانيّة النفسيّة (2)

    التطميناتُ الرّبّانيّة النفسيّة (2)



    · ثَمَّ أمْرٌ قد سُنّ وقدِر : أنّ كلّ عُسْرٍ مقرونٌ بيُسْر:

    أذاع هذه البشارة قول المليك المقتدر:{ فإنّ مع العسر يسرا، إنّ مع العسر يسرا } (سورة الشرح الآيتان 4،5)

    فـ ( أخبر تعالى أن مع العسر يوجد اليسر ثم أكد هذا الخبر) (ابن كثير:تفسير القرآن العظيم،8/431) ،لذا قال مجاهد ـ رحمه الله تعالى ـ ( تتبع العسرَ اليسرُ ) (الطبري:جامع البيان 30/236، والسيوطي:الدر المنثور 6/616)

    فبشرت هذه الآية القرآنية: ( إنّ مع الضيق سعة، ومع الشدة رخاء، ومع الكرب فرج، وفي هذا وعد منه سبحانه بأنّ كل عسير يتيسر، وكل شديد يهون، وكل صعب يلين، ثم زاد سبحانه هذا الوعد تقريراً وتأكيداً، فقال: مكرراً له بلفظ ( إنّ مع العسر يسرا ) أي: إن مع ذلك العسر المذكور سابقا يسرا آخر ) (الشوكاني: فتح القدير5/571)

    قال الزجاج: (ذكر العسر مع الألف واللام ثم ثنى ذكره ، فصار المعنى: إن مع العسر يسرين ) (الزجاج : معاني القرآن ، 5/341) وذلك ( لما تقرر من أنه إذا أعيد المعرف يكون الثاني عين الأول، سواء كان المراد به الجنس أو العهد، بخلاف المنكر إذا أعيد، فإنه يراد بالثاني فرد مغاير لما أريد بالفرد الأول في الغالب ) (الشوكاني:فتح القدير 5/571،والمعافري، أبو بكر بن العربي:كتاب القبس في شرح موطأمالك بن أنس دراسة وتحقيق: محمد عبد الله ولد كريم،ط1، بيروت دار الغرب الإسلامي 2/583) لذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في معنى هذه الأية ( لن يغلب عسرٌ يسرين ) (أخرجه الحاكم في مستدركه2/621، والهندي في كنز العمال 2/14، رقمه 2946) (فالعسرمحفوف بيسرين: يسر قبله ويسر بعده ) (ابن القيم: الضوء المنير على التفسير 6/405،وبدائع الفوائد، 2/155) لذا مضى أحدهم ينسج شعراً فيقول:

    إذا ضاقت بك الدنيا ففكّر في ألم نشرحْ ..... فعسرٌ بين يسرينِ إذا فكّرته تفرحْ

    * استبطاء النصر المبين عادة جارية في نفوس المؤمنين أتباع المرسلين :

    ووجه كونها بشارة ؛ أن النصر يكون قريباً منهم في تلك الأحايين ، كشف عن ذلك صريح أي القرآن، كما في قول العزيز الرحمن: {حتى إذا استيأس الرّسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا فنجّي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين} (سورة يوسف آية 110)

    ففي هذه الآية القرآنية: (يخبر الله تعالى أن نصره ينزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، عند ضيق الحال، وانتظار الفرج من الله تعالى في أحوج الأوقات إلى ذلك كما في قوله تعالى: { وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } (سورة البقرة آية 214)

    وجاء عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قول الله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا } ( ابن كثير:تفسير القرآن العظيم 4/109) قال: ( لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم جاءهم النصر على ذلك ) (الطبري : جامع البيان 13/82. وابن كثير : تفسير القرآن العظيم 4/425. و الشوكاني: فتح القدير 3/78)

    ومثل ذلك جاء عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ حيث قال عند قوله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل} من إيمان قومهم أن يؤمنوا بهم وظن قومهم حين أبطأ الأمر أنهم قد كذبوا، بالتخفيف. (انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم4/111، والطبري: جامع البيان 13/85)

    وسأل فتى من قريش سعيد بن جبير، فقال له: (يا أبا عبد الله كيف هذا الحرف، فإني إذا أتيت عليه تمنيت أني لا أقرأ هذه السورة {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا} قال: نعم، حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم، وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوا، فقال الضحاك بن مزاحم: مارأيت كاليوم قط رجل يدعى إلى علم فيتلكأ، لو رحلت في هذا إلى اليمن كان قليلا ) (ابن كثير:تفسير القرآن العظيم 4/111، وانظر:الطبري:جامع البيان 13/84)

    ونظير تلك الأية الكريمة في تبيان استبطاء النصر لدى المرسلين والمؤمنين ماسطره الكتاب المبين من قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يأتكم مثل الذين خلوامن قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب} (سورة البقرة آية 214)

    قوله مثل الذين خلوا من قبلكم )أي: سنتهم، كما في قوله تعالى: { فأهلكنا أشدّ منهم بطشا ومضى مَثلُ الأوّلين} ( سورة الزخرف آية 8) ( ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/572)

    قوله: (مسّتهم البأساء والضراء ): قال ابن مسعود وابن عباس وأبوالعالية ومجاهد وسعيد ابن جبير والحسن وقتادة والضحاك والربيع والسدي ومقاتل بن حيان: البأساء: الفقر ( انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/571 ،وانظر الطبري: جامع البيان 2/341، وابن ابي حاتم:تفسير القرآن العظيم،2/380) ، قال ابن عباس: والضراء: السقم( ابن كثير:تفسير القرآن العظيم1/571 ، وانظرالطبري: جامع البيان 2/34 ، وابن ابي حاتم: تفسير القرآن العظيم،2/380 ) والضرّاء : كل ما يضرّهم ويضيرهم سواء أكان مورده سياسيّاً أم اقتصادياً أم اجتماعيّاً أم أمنيّاً أم نفسيّاً ...

    قوله: وزلزلوا أي خوفا من الأعداء زلزلوا زلزالا شديدا، وامتحنوا امتحانا عظيما {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله} أي: يستفتحون على أعدائهم، ويدعون بقرب الفرج والمخرج، عند ضيق الحال والشدة ) (ابن كثير:تفسير القرآن العظيم 1/572)

    قال ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ (وكما تكون الشدة يتنزل من النصر مثلها، ولهذا قال تعالى: {ألا إن نصر الله قريب} وفي حديث أبي بن رزين: ( عجب ربّك من قنوط عباده، وقرب غيثه، فينظر إليهم قنطين فيظل يضحك، يعلم أن فرجهم قريب) ( أخرجه البوصيري في الزوائد1/85، غير أنه قال في سنده مقال ) ( ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 1/572)

    وجاء عن الطبري ـ رحمه الله تعالى ـ في تفسيره لهذه الأية قوله: ( فمعنى الكلام: أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة ولم يصبكم مثل ما أصاب من قبلكم من أتباع الرسل من الشدائد والمحن والاختبار فتبتلوا بما آبتلوا واختبروا به من البأساء وهو شدة الحاجة والفاقة، والضراء وهي: العلل والأوصاب، ولم تزلزلوا زلزالهم، يعني: ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف والرعب شدة وجهد حتى يستبطئ القوم نصر الله إياهم فيقولون: متى الله ناصرنا، ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريب، وأنه مُعْليهم على عدوهم،ومُظهرهم عليه،فنجز لهم ما وعدهم،وأعلى كلمتهم، وأطفأ نار حرب الذين كفروا) (الطبري: جامع البيان2/341)

    وحول تأخر النصر وما يكتنف هذا الظرف من حِكَم وعلل، شرع صاحب الظلال ( أنظر: قطب، سيد: في ظلال القرآن 4/2425ـ2427ـ بتصرف يسير. ـ ) رحمه الله تعالى ـ بتسليط الضوء على ذلك، فكان مما أفاد به وأجاد في هذا الشأن، واستطرد فيه عند قوله تعالى { إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور} ( سورة الحج آية 38)
    قوله: لقد شاء الله تعالى أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم ويكمن وراء ذلك دوافع حركية ؛ إذ يتم نضجهم هم في أثناء المعركة، فالبنية الانسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها كما تستيقظ وهي تواجه الخطر؛ وهي تدفع وتدافع، وهي تستجمع كل قوتها لتواجه القوة المهاجمة .. عندئذ تتحفز كلّ خلية بكل ما أودع فيها من استعداد لتؤدي دورها، ولتتساند مع الخلايا الأخرى في العمليات المشتركة،ولتؤتي أقصى ما تملكه، وتبذل آخر ما تنطوي عليه، وتصل إلى أكمل ما هو مقدور لها وما هي مهيأة له من الكمال.
    والأمّة التي تقوم على دعوة الله في حاجة إلى استيقاظ كلّ خلاياها، واحتشاد كلّ قواها، وتوفر كل استعدادها، وتجمع كل طاقاتها، كي يتم نموّها ويكمل نضجها، وتتهيأ بذلك لحمل الأمانة الضخمة والقيام عليها .

    وعليه: فالنصر السريع الذي لايكلف عناء، والذي يتنزل هيّنا ليّنا على القاعدين المستريحين يعطل تلك الطاقات عن الظهور، لأنه لايحفزها ولا يدعوها: فوق أن النصر السريع الهيّن الليّن سهل فقدانه وضياعه لأنه مجرد عن التضحيات العزيزة فهو رخيص الثمن، إضافة إلى أن الذين نالوه لم تتدرب قواهم على الاحتفاظ به ولم تشحذ طاقاتهم وتحشد لكسبه، لذا فهي لا تتحفز ولا تتحشد للدفاع عنه.

    وثمّ دوافع نفسية ؛ فالتربية الوجدانية والدّربة العملية التي تنشأ من النصر والهزيمة، والكرّ والفرّ، والقوة والضعف، والتقدم والتقهقر ، ومن المشاعر المصاحبة لها من الأمل والألم، والفرح والغم، والاطمئنان والقلق، ومن الشعور بالضعف والشعور بالقوة ... ومعها التجمع والفناء في العقيدة والجماعة، والتنسيق بين الاتجاهات في ثنايا المعركة وقبلها وبعدها وكشف نقط الضعف والقوة وتدبير الأمور في جميع الحالات ... وكلها ضرورية للأمة التي تحمل الدعوة وتقوم عليها وعلى الناس.

    من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله، جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم، ولم يجعله لُقية تهبط عليهم من السماء بلا عناء.

    والنصر قد يبطئ على الذين آمنوا ، وعلى الذين ظُلِموا وأخرِجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ، فيكون وراء هذا الإبطاء حكم ومغازي من ذي العزة والكبرياء؛ منها:

    مغازي فكرية : فقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله ، وهي تعاني وتتألم وتبذل، ولاتجد لها سنداً إلا الله، ولا متوجهاً إلا إليه وحده في الضراء، وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على المنهج بعد النصر عندما يأذن به الله ، فلا تطغى ولاتنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها الله به .

    وقد يبطئ النصر لأن في الشرّ الذي تكافحة الأمة المؤمنة بقيّة من خير، يريد الله أن يجرّد الشرّ منها لتتمحض خالصاً ، ويذهب وحده هالكاً ، لاتتلبس به ذرة من خير تذهب معه في الغمار.

    كما قد يبطئ النصر لأنّ الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماماً ، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصاراً من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله ، فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تتكشف لهم الحقيقة فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عارياً للناس، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية.

    وهناك مغازي حركية : إذ قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة لم تنضج بعد نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقتها، ولم تتحفز كلّ خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات ، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكاً لعدم قدرتها على حمايته طويلاً!.

    وقد يُبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزاً ولاغالياً لا تبذله هيّناً رخيصاً في سبيل الله .

    وقد يُبطئ النصر حتى تجرّب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لاتكفل النصر ، إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله .

    وثم مغازي نفسية : مفادها أن النصر قد يبطئ لأنّ الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها، والله يريد أن يكون الجهاد له وحده في سبيله، بريئاً من المشاعر الأخرى التي تلابسه، وقد سئل رسول الله – صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل ليرى ، فأيها في سبيل الله ، فقال: ((مَنْ قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)) ( أخرجه البخاري في صحيحه 8/1035، كتاب الجهاد، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، رقمه 2655)

    وقد يُبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة، فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر له معها قرار فيظل الصراع قائماً محتدماً حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر ، ولاستبقائه، { إنّ الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم } ( سورة الرعد آية 111).


    من أجل هذا كله ، وغيره مما يعلمه الله ، قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام ، مع دفاع الله عن الذين آمنوا ، وتحقيق النصر لهم في النهاية .

  2. #2
    موضوع رائع دكتور شكرا جزيلا لك.

  3. #3
    هذه من المواضيع الهامة جدا والتي يحتاج لها الجيل اكثر من مواضيع الترهيب.
    جزاكم الله خيرا

  4. #4
    Moderator
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    فلسطين - رام الله
    المشاركات
    355
    أشكر لكما مروركما أخواي الفاضلان الأستاذ برهان والأستاذ أبو فراس ، دمتما ودام قلمكما المعطاء !
    تحيتي ومودتي لكما!


المواضيع المتشابهه

  1. التطميناتُ الربّانيّة السياسية والأمنية !
    بواسطة د. عيد دحادحة في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-30-2014, 10:28 AM
  2. التطميناتُ الرّبّانيّة الاجتماعيّة !
    بواسطة د. عيد دحادحة في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-11-2013, 08:27 PM
  3. التطميناتُ الربّانيّة الاقتصاديّة !!
    بواسطة د. عيد دحادحة في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-10-2013, 06:31 PM
  4. التطميناتُ الرّبانيّة النفسيّة (1)
    بواسطة د. عيد دحادحة في المنتدى فرسان الإسلام العام
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 12-10-2012, 02:47 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •