حفلة شواء على نار واحدة...بقلم آرا سوفاليان
الموسيقي أو الفنان بشكل عام تنتابه على المسرح حالة أعرفها تماماً وعاصرتها دوماً ولكنني لا أعرف أن أصفها...تنتابه هذه الحالة في كل مرة يكون بصدد تقديم عملاً فنياً جميلاً يشعر بعده انه متفرد، خاصة بعد موجة التصفيق التي يكافئ بها من قبل الجمهور فينسى كل المشقة التي تكبدها للوصول الى هذه النتيجة...في أواسط السبعينيات من القرن الماضي طلب منا تسجيل حلقة في برنامج نجوم وأضواء وهو برنامج تقدمه المذيعة منى كردي ويخرجه عماد اليافي ويعنى بالموسيقى الغربية...وكان التلفزيون العربي السوري يبث بالأبيض والأسود...وكلفنا تنفيذ هذا الطلب شهر كامل من التدريب والتسجيل على جهاز تسجيل مخصص للاستوديو ماركة أكاي ريل شريط عريض بإستخدام ميكسر وشبكة ميكروفونات وسرعة تسجيل معينة تتناسب مع اجهزة القراءة والعرض في التلفزيون...وكان التدريب شاقاً جداً والاعادة ثم الاعادة ولأبسط الاسباب شيء غير محتمل وكنا نقضي الساعات الطوال وأحياناً حتى الفجر في التسجيل لأجل ريل صوتي فقط طوله ستون دقيقة لا غير... وهذه مرحلة الاعداد قبل التصوير...وهذا كله من أجل حلقة في برنامج تلفزيوني...فكيف اذا كان الموضوع يتعلق بمهرجان موسيقي عالمي وفي بلد كالنمسا مثلاً.
قررت الفنانة السورية لينا شماميان الانسحاب وعدم المشاركة في مهرجان سلام اورينت 2012 وبالتالي إلغاء حفلتها بسبب وجود شعار السفارة الاسرائيلية في الصفحة العامة للمهرجان...وأصرّت شماميان على الانسحاب على الرغم من الوعد الذي قطعه المنظمون وهو ازالة الشعار عن صفحات حفلة لينا شماميان، وقالوا ان السفارة الاسرائيلية هي بمثابة الراعي الذهبي وانها ستتكفل بإحضار فرقة موسيقية، وهم لا يدركون بالطبع أن كل اسرائيل وفرقها لا تساوي شيئاً في أعين السوريين لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل.
وقالت لينا شماميان " في النهاية ارتأيت أن المهرجان ككل لديه رؤى مختلفة عن رؤاي كإنسانة وفنانة"... وأضافت: "مشكلتي ليست مع الدين اليهودي أو ثقافة أي إنسان كما لمّح المهرجان. مشكلتي هي في قبول التعامل مع السلطة الاسرائيلية وسياستها اللاإنسانية في اغتصاب أرض وهدر حقوق وحياة بشر وبناء جدار عازل لا يمت بصلة لرغبتي في هدم كل الجدران على الأرض بين البشر وأولها الجدران السياسية"..."إن كانت رؤى المهرجان الحالية لا تتفق مع رؤيتي كإنسان أولا وكفنانة ثانيا، أعلن كفنانة عربية سورية اعتذاري عن المشاركة بحفلات المهرجان لهذا العام".
وهذه مقولة وفاء لسوريا الحبيبة وشعبها الأبي من فتاة سورية ذات أصول أرمنية تدرك معنى الوفاء وتجسده قولاً وعملاً...وتدرك أن سوريا التي احتضنت اللاجئين الفلسطييين وأكرمت وفادتهم وضمضت جراحاتهم، احتضنت اللاجئين الأرمن من قبل وأكرمت وفادتهم وضمدت جراحاتهم أيضاً واقتسمت معهم الزاد ورغيف الخبز وأعادت لهم كرامتهم التي أهدرها الاتحاديون الدونما الأتراك بصلفهم وقسوتهم ووحشيتهم وغرورهم، وأعطتهم حق العمل وحق المواطنة والمدرسة والكنيسة والهوية وجواز السفر وحرية مزاولة المعتقد وحرية تدريس اللغة الأرمنية والتاريخ الأرمني في مدارس الأرمن.
لينا شماميان في النمسا...فكرت أولاً بسوريا وفكرت بالاهانة التي قدمتها اللجنة المنظمة للمهرجان عن طريق طبع شعار السفارة الاسرائيلية على بروشورات المهرجان ثم فكرت بفلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني في ارضه وفي وطنه وفكرت بالترويع والقتل والجدران العازلة وسياسة اسرائيل الممعنة في اغتصاب الأرض والحقوق و إذلال الانسان الفلسطيني ثم فكرت بالشعب الأرمني الذي لاقى الابادة والذل والهوان على يد صهاينة الدونما الأتراك الاتحاديين، أجداد الصهاينة الحاليين أحفاد هرتزل ومؤتمراته وما تمخض عنها...فكرت بكل هؤلاء وقررت الانسحاب لأنها عرفت أن الموضوع ليس أكثر من حفلة شواء على نار واحدة.
آرا سوفاليان
كاتب إنساني وباحث في الشأن الأرمني
دمشق 19 10 2012
arasouvalian@gmail.com