رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
أخي السلوم الحبيب
إن منطلقات الجابري هي منطقات فكرية فلسفية، والفلسفة في منظومة الفكرالعربي الإسلامي فــن إغـريقي دخيل، حاربه الفقهاء والمحدثون، ولم يتعامل معها سوى الأصوليون الذين احتاجوا لمنطقها، وقد نمت الفلسفة الإسلامية مع الفارابي والشيخ الرئيس ابن سينا، ومع ابن باجة وابن رشد وابن طفيل وغيرهم،لكن ضربتها القاصمة كانت من قبل شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية،والغزالي منذ تهافت الفلاسفة الذي رد عليه ابن رشد بتهافت التهافت، ومن هنا؛ هل يقرأ الجابري قراءة نقدية انطلاقا من هذه الرؤية التاريخية والفقهية المستقرة؟ أم نقرؤه بالرؤيا التي حاول بها الجابري استنطاق الفهم وإعمال العقل لحلحلة الراهن، وهل كانت أطروحات المرحوم الجابري لأجل خلخلة المستقر أم محاولة لقراءة القرآن في سياقه دون المس بالترتيب الراهن؟ وهل التاريخية تعني فقط أن السابق لـه تأثير فـي اللاحق؟ أليست تعني فيما تعنيه السياق الذي ورد فيه النص؟؟؟؟؟
قد لا نتفق مع الجابري في رؤاه وأطروحاته لكن ليس لنا حق محاكمته وفق رؤية سائدة مستقرة عندنا ألفها الزمن.
شكرا لك أخي الكريم
تحيتي
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
كلام جميل
وربما نظلم الفلاسفة في طريقة تفسيرهم ومعالجتهم للقرآن
ذلك يعود لمسالة مهمة اخرى
وهو ان ليس كل علم يجب ان يتعلمه العامة
هناك امور لا يتم مناقشتها إلا مع العلماء فقط وبينهم
كأبن رشد والغزالي وغيرهم
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بلقاسم علواش
أخي السلوم الحبيب
إن منطلقات الجابري هي منطقات فكرية فلسفية، والفلسفة في منظومة الفكرالعربي الإسلامي فــن إغـريقي دخيل، حاربه الفقهاء والمحدثون، ولم يتعامل معها سوى الأصوليون الذين احتاجوا لمنطقها، وقد نمت الفلسفة الإسلامية مع الفارابي والشيخ الرئيس ابن سينا، ومع ابن باجة وابن رشد وابن طفيل وغيرهم،لكن ضربتها القاصمة كانت من قبل شيخ الإسلام أبي العباس ابن تيمية،والغزالي منذ تهافت الفلاسفة الذي رد عليه ابن رشد بتهافت التهافت، ومن هنا؛ هل يقرأ الجابري قراءة نقدية انطلاقا من هذه الرؤية التاريخية والفقهية المستقرة؟ أم نقرؤه بالرؤيا التي حاول بها الجابري استنطاق الفهم وإعمال العقل لحلحلة الراهن، وهل كانت أطروحات المرحوم الجابري لأجل خلخلة المستقر أم محاولة لقراءة القرآن في سياقه دون المس بالترتيب الراهن؟ وهل التاريخية تعني فقط أن السابق لـه تأثير فـي اللاحق؟ أليست تعني فيما تعنيه السياق الذي ورد فيه النص؟؟؟؟؟
قد لا نتفق مع الجابري في رؤاه وأطروحاته لكن ليس لنا حق محاكمته وفق رؤية سائدة مستقرة عندنا ألفها الزمن.
شكرا لك أخي الكريم
تحيتي
اخي الكريم بلقاسم
حاول الجابري الخروج على المألوف والمعروف في ديننا الحنيف وهاجم الكيان والوجود العربي بحد ذاته بل واسباب وجوده ولم يكن ليناقش بعقل ولا بمنطق كما لم يكن فكره اصلاحيا وانما هداما وهناك فرق بين العمل على اصلاح الامة وتحديثها مع الحفاظ على هويتها وانتمائها الاصيل وبين اعمال الغرائز المغرضة تجاه مقومات العروبة والاسلام واساسات تلك العروبة والاسلام فحداثته ومنطلقاته لم تكن جادة وانما غرضها غير بناء قائم على عنصرية شعوبية تاريخية تجاه العروبة والاسلام
تحياتي اليك ومحبتي الخالصة
محمد زعل السلوم
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ظميان غدير
كلام جميل
وربما نظلم الفلاسفة في طريقة تفسيرهم ومعالجتهم للقرآن
ذلك يعود لمسالة مهمة اخرى
وهو ان ليس كل علم يجب ان يتعلمه العامة
هناك امور لا يتم مناقشتها إلا مع العلماء فقط وبينهم
كأبن رشد والغزالي وغيرهم
اخي الكريم العلم بعد اليوم لم يعد نخبويا وكذلك دين الاسلام فهو للناس اجمعين وكل شيء واضح كالشمس اما تلاعب الجابري وسخريته وتهكمه المريض فهو يعود الى قصر نظره وضعف رؤيته وامتهانه لارضاء الغير من الحاقدين على دين الاسلام
لم يعد هناك من عامة في عالمنا الصغير هذا اخي الكريم
بل على العكس تماما الامة العربية والاسلامية اليوم افضل منها قبل 500 عام وهناك جيل ذكي وقوي جدا ومنفتح ومتنور بنور العقل والاسلام
وكلنا يعلم ان دين الاسلام هو دين العقل وهو واقعي جدا ودين يسر وسهولة وليس بحاجة الى تلك الالتواءات الجابرية المعقوفة
الجابري هدم كل البناء الاسلامي لتفصيل بناء اعوج كما في انظمة الحكم العربية اليوم القائمة على الوشاية الرخيصة والخدمة المجانية للاعداء المتربصين للامة واخر تربصاته تقسيم السودان وتفتيت العراق ودعم الصهيونية كل هذا بفضل فكر الجابري المتنور بين قوسين والذي سيهدمه الجيل الحديث ويعيد بناء تجربة امة عريقة امتدت فارضة لغتها على العالم لثمانية قرون
اشكرك اخي الكريم ظميان غدير على تعليقك
وكل الشكر لك
محمد زعل السلوم
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
ترتيب القرآن الكريم آخر تحديث:الجمعة ,17/12/2010
ماهر سقا أميني
من المعروف أن ترتيب الآيات والسور في القرآن الكريم لم يتم حسب ترتيب النزول، اذ كانت الآيات تنزل حسب ماتحتاج اليه الدعوة وتهيئة النفوس وتربيتها ثم يأمر الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم بوضعها في موضعها من السور ومن القرآن الكريم وذلك بتوقيف من جبريل عليه السلام حتى اذا كان العام الأخير من حياة النبي صلى الله عليه وسلم عرض الرسول على جبريل عليه السلام القرآن كاملا مرتبا كما هو اليوم بين أيدينا في رمضان مرتين وكان زيد بن ثابت حاضرا العرضتين،وهذا يعني عدة أمور: منها أن القرآن الكريم الذي نزل على مدى ثلاث وعشرين سنة رتب خلال هذه المدة بكاملها بترتيب لم يتفق مع ترتيب النزول وانما رتب لأغراض تتبدى فيها صور الاعجاز والبيان ووحدة الموضوع في السورة نفسها،ومنها أن الترتيب سبق الاكتمال وهذا دليل صارخ على أن القرآن الكريم من عند رب العزة لأنه مامن أحد حتى الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم ماالذي ستأتي به الأيام وماالذي سيأتي من آيات؟ والمدة كما ذكرنا مدة طويلة لا يمكن فيها التنبؤ بما سيأتي من آيات تناسب الحدث وتتفق مع الظروف النفسية للصحابة الكرام،ومنها أن هذا دليل على وجود القرآن الكريم بتناسقه المعروف اليوم في اللوح المحفوظ قبل التنزيل، وهذا عكس ما ذكره الجابري من قصة (نمو القرآن)وتكونه،وأخيرا فان العلماء قد أجمعوا على استحالة القطع بترتيب القرآن حسب النزول لاهتمام الصحابة الكرام ومن تبعهم بالترتيب المأمور به من قبل الرسول الأعظم والموحى به من قبل رب العالمين،وان جاز البحث والاهتمام بترتيب النزول لأغراض بحثية وأكاديمية فقط فانه لا يمكن اعادة ترتيب المصحف حسب النزول لا من حيث الامكان ولا من حيث الأمر الشرعي، أما أن يقول الجابري بأنه لا يفهم سببا لترتيب المصحف على الشكل الذي بين أيدينا فهو جهل بتراث عظيم من الدراسات التي قام بها المفسرون وعلماء الاسلام مما يفسر اعجاز التناسق البديع بالترتيب الحالي .
ثم ان الجابري لم يعتمد أقوال علماء المسلمين في أسباب النزول وترتيبه-مع ما فيها من تعدد في الروايات-وانما اعتمد الترتيب الاستشراقي الذي وضعه “نولدكه” الألماني ثم “بلاشير” الفرنسي،وهو ترتيب أقل ما يقال فيه أنه افتراضي وبالتالي فان ما يبنى عليه لا يأخذ صفة القطع،كما أنه وضع كما يقول الجابري- من أجل فهم تطور الوحي المحمدي،وقد ذكرنا أن هذا مرفوض قطعا من الوجهة الاسلامية لأن الوحي ليس من الظواهر البشرية أو الطبيعية القابلة لدراسة تطورها أو نموها،وهو غرض استشراقي غير نظيف يأخذ عند الجابري صيغة مواربةهي التعرف على المسار التكويني للقرآن مع مسار السيرة النبوية من أجل وضع منطق جديد للاجتهاد(ص245) .
إن الغرض من فهم القرآن الكريم عند الجابري أو تفهيمه-على حد تعبيره- حسب تاريخ النزول هو البحث في بيئة النزول عما يعطل النص أو ينحرف به إلى معان أخرى تتسق مع قيم الحداثة التي يؤمن بها ويريد للقرآن الكريم أن يكون داعيا اليها أو مقرا بها أو غير معارض لها،وقد رأينا كيف استطاع من خلال هذا المنظار أن يعطل حكم ارث المرأة في الاسلام باعتباره كان مناسبا للظرف الاجتماعي والانتاجي الذي نزل فيه في حين أنه يرى أن المصلحة اليوم تقتضي المساواة في الارث بين الأخ والأخت مما يتفق مع العدل الذي يسعى اليه التشريع،في حين أن الحق الذي يتماشى مع التصور الاسلامي لكل من دور الرجل والمرأة في المجتمع هو مسؤولية الرجل عن الانفاق على المرأة لتكون أقدر على القيام بواجبات الأمومة والرعاية ولكي لا يضطرها العمل للخروج إلى بيئات تسبب لها الازعاج والأذى،وبالتالي فان لها نصيبها من الارث الذي لا تنفق منه حتى على نفسها في حين يكون للرجل نصيب يتفق مع مسؤولياته عن زوجته وأخواته ووالدته وكل من حوله من النساء فضلا عن أولاده ممن يعول .
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
لقرآن وتجاوز الزمان والمكان آخر تحديث:الجمعة ,10/12/2010
ماهر سقا أميني
يقول الجابري إنه سيعتمد منهجاً يراه هو الأصح في فهم القرآن الكريم وهو (أن القرآن يشرح بعضه بعضاً)، ومع أن هذه القاعدة ليست بالجديدة إلا أنها عنده تقوم على حساب الأخذ بالأحاديث الصحيحة، ومن المعلوم أن السنة جاءت شارحة للقرآن الكريم ومفصلة مجمله، بل ومكملة له بحيث يصح اعتبارها وحياً ثانياً لا يقل أهمية عن الوحي الأول، ومن المعروف أن بعض السنة قد نسخ بعض القرآن، إلا أن الجابري يبدو غير واثق بالسنة النبوية وأساليب جمعها وتدوينها ومقاييس الحكم عليها فنجده يقول: (سنتعامل ايجابيا مع أي اجتهاد أو رواية نجد في القرآن ما يشهد لهما بالصحة من قريب أو بعيد، ذلك هو سلاحنا ضد الوضع سواء كان بدافع الترغيب والترهيب أو بدوافع سياسية أو مذهبية، وهو سلاحنا أيضاً ضد “الإسرائيليات” وأنواع الموروث القديم السابق على الاسلام) . (ص 28)
ومن الواضح من أسلوب الجابري اهتمامه بالترويج لمفهوم الظاهرة القرآنية التي لا حدود واضحة فيها بين الوحي (قرآنا وسنة) والتعامل والفهم البشريين لهذا الوحي، فالاجتهاد لا صلة له بالوحي في حين أن الرواية للأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم هي من صميم الوحي، ولا ينسب للنبي صلى الله عليه وسلم اجتهاد في التشريع، وإنما كل ما يصدر عنه في هذا الصدد هو وحي من الله عز وجل، وعند الأصوليين وعلماء الحديث آلة متكاملة لفرز الوضع عن الصحيح إذ لا يكفي في ذلك الاحتكام الى القرآن الكريم الذي لم يجمع كل ماجاء في السنة النبوية،والتهويل من أمر الوضع والادعاء بعدم القدرة على السيطرة عليه من محاب الحداثيين الذين يريدون اختزال الاسلام الى القرآن الكريم فقط ثم يخضعونه للتأويل فلا يبقى منه الا اسمه .
ثم ينتقل الجابري الى تشريح القرآن الكريم الى ما هو زمني نسبي وماهو مطلق لا زمني، حيث يقول: “إن كان الموضوع مما ينتمي إلى النسبي التاريخي رجعنا به إلى ترتيب النزول، وإن كان ينتمي إلى المطلق واللازمني طرحناه على مستوى القرآن ككل بوصفه يشرح بعضه بعضا، ويكون الحكم فيه قصد الشارع وليس الزمن والتاريخ” . (ص 29)
ترى ما الضابط في توزيع القرآن الكريم الى آيات زمنية تاريخية سيرى الجابري أنها استنفذت دورها لتجاوز زمنها أو سيجد تفسيراً يربط بين أحد جوانب زمنها وما فيها من حكم أو قيمة وبالتالي سيجد فرصة لتغيير اتجاه الحكم والقيمة لتغير الظرف،وآيات مطلقة لا زمنية سيعتبرها معبرة عن قصد الشارع المتجاوز للزمان والمكان؟
إن الذي لا يريد أن يفهمه الحداثيون أن الوحي وإن نزل في زمان ومكان معينين الا أنه (كله)متجاوز للزمان والمكان ويمكن تنزيله على كل زمان ومكان، فنحن لسنا أمام نص بشري تحده ظروف ودرجة نمو إنتاجه، بل أمام نص إلهي قادر على العطاء من دون تأويل مجحف في كل زمن عطائه يوم نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم، وخير بيان لهذا هو الدراسة التفصيلية للأحكام الشرعية والأخلاق الاسلامية العاصمة والحافظة والمرشدة للسلوك الانساني في أي ظرف أو زمان أو مكان، وعلى سبيل المثال إن العفاف قيمة إسلامية والحجاب فريضة إسلامية وكلاهما ثابتان ومطلوبان من يوم نزول القرآن إلى يوم القيامة، ولا يمكن لزمان أن يشعرنا بضرورة اعادة تعريف العفاف أو تجاوز الحجاب لانعدام مبرراته الإنسانية الزمنية، والزكاة فريضة إسلامية بمصارفها وأنصبتها ونسبها ولا يمكن لزمان أن يغير في حكم هذه التفاصيل بدعوى وجود ظروف تختلف عن ظروف التنزيل، ولنسأل أنفسنا الآن في القرن الحادي والعشرين عن جدارة أحكام الزكاة في معالجة مشكلات العالم، وسوف نجد أنه لا يمكن لأي ابتكار آخر في التكافل أو توزيع الثروة يضعه البشر أن يحل محل الزكاة،مهما تغيرت الظروف واختلفت طبيعة الاقتصاد في المجتمعات، فنحن أمام شريعة موحاة هي المرشدة لتطور المجتمعات ولا يمكن لتطور المجتمعات أن يتجاوزها.
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
التجربة الروحية آخر تحديث:الجمعة ,03/12/2010
ماهر سقا أميني
يقول محمد عابد الجابري: “القرآن أذن وحي من الله، حمله جبريل، إلى محمد، بلغة العرب، وهو من جنس الوحي الذي في كتب الأولين” (ص24) من الواضح أن تعريفاً كهذا ومن دون استخدام أية عبارات يستخدمها المسلمون عادة عندما يذكرون الله عزوجل، أو النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، أو جبريل عليه السلام، يركز على العلاقة بين جبريل والنبي عليه الصلاة والسلام مما تمكن تسميته بالبعد النفسي لظاهرة الوحي، وعلى التشابه بين القرآن وأشكال الوحي الأخرى، ذلك أن هذين البعدين يمكن التوسع فيهما باتجاه خلخلة المفاهيم الرئيسة وزرع الشكوك المطلوبة، ونحن نرى أن هذين البعدين لا يعرفان القرآن الكريم بقدر ما يعرفه ذكر حقيقة الوحي، ومضامين القرآن، واحكامه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وانتقاله بالتواتر، ومكانة القرآن في حياة المسلم تعبداً وتحكيماً وتنظيماً للحياة، فالقرآن شيء وعملية نقله عبر الوحي شيء آخر، والقرآن ليس فقط من جنس الوحي الذي في كتب الأولين بل هو أيضاً آخر ما نزل به الوحي على الأرض ولا يوجد بعده وحي آخر، وهو ناسخ لكل الكتب السابقة، الا أن الجابري سيذكر فقط ما يناسب توجهه نحو تعطيل أكثر القرآن وإعادة فهمه من جديد بالطريقة التي تناسب العصر، من هنا نجد أن مصطلح (دلائل النبوة) لا يعجبه لأنه يشير بشكل واضح إلى الإعجاز الذي لا يأتي ذكره أبداً في تعريفه للقرآن، وهو يستخدم بدلا عنه مفهوم (الظاهرة القرآنية) .
ان الجابري لا يريد منا الوقوف على دلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في شخصه وحياته ومعجزاته، وفي إعجاز القرآن الكريم، بقدر ما يريد لنا أن نبحث عن أثر أو أصل اجتماعي أو ثقافي أو طبيعي للظاهرة القرآنية . ويعود الجابري ليستخدم عبارة (تجربة روحية) في الاشارة إلى الوحي أو النبوة أو الرسالة، فيقول: وفي القاموس الاسلامي يكون صاحب هذه التجربة الروحية نبياً فقط إذا اقتصر على معاناتها في داخله، غير مهتم بما هو عليه الحال خارج ذاته، ويكون نبياً ورسولاً عندما يجد نفسه مطلوباً منه أن يبلغها بلسانه إلى الناس (ص26-27) .
إن النبوة أو الرسالة ليست تجربة روحية بالمعنى الذي قد يوجد عند الشاعر أو الفيلسوف أو الناسك، ثم من قال إن النبي هو من يعاني هذه التجربة في نفسه غير مهتم بما عليه الناس من حوله؟ إن هذا الوصف لا يمكن أن ينطبق على النبوة في حال من الأحوال، لأن الأنبياء لم يكونوا معتزلين الناس بل لعبوا أدوارا مهمة في تغيير من حولهم، وإن لم يكونوا مأمورين بالتبليغ، ثم من قال إن الرسول يدعو إلى أن يجسد الناس تجربته الروحية في مضامين عقدية وسلوكية؟ إن الرسول يأتي بكتاب أو برسالة واضحة المعالم والتفاصيل، ويكون على الناس من حوله أن يصدقوه بأن هذه الرسالة قد أتته وحياً، من خلال مايكون لديه من معجزات وقدرات على الحوار والإقناع مع التسديد من رب العالمين، فالفارق واضح بين الإيمان بالرسالة والاستجابة لأوامر الوحي بعد تصديق صاحب الرسالة، ومحاولة تجسيد تجربته الروحية في أفكار وسلوكات، كأنما القوم يشرعون لأنفسهم في ضوء تجربة نفسية خاصة برسولهم، والتجربة الروحية أو النفسية لأي شخص انما هي تجربة فردية .
أما ثالثة الأثافي فهي أن الجابري يدعي أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم قابل نزول الوحي عليه في المرة الأولى بالمخاوف والظنون نفسها التي قابله بها المشركون في قريش (كاهن، ساحر، مجنون، شاعر) . والحق أن النبي عليه الصلاة والسلام فاجأه الوحي في المرة الأولى فقال: (خشيت على نفسي، وقال: زملوني زملوني) . وهذا دليل صدقه عليه الصلاة والسلام-في حال صدقنا الرواية، أما في حال عدم تصديقنا لها فلا مكان لمناقشة الموضوع أصلاً - ولكنه لم يشك عليه الصلاة والسلام في نفسه أو قدراته أو في أنه هو صاحب الكلام الذي نزل عليه، وسرعان ما فهم عليه الصلاة والسلام أنه انما أوحي إليه من رب السموات والأرض، وهكذا فإن وصف الوحي بهذه الطريقة يلبس على الناس من حيث أنه تجربة روحية نفسية فردية لا تنتمي إلى السماء أبداً.
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
نمو القرآن أم تنزله منجماً؟ آخر تحديث:الجمعة ,26/11/2010
ماهر سقا أميني
يرى الجابري أن تعريف القرآن الكريم يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التعرف إليه من خلال رصد عملية نموه الداخلي وتتبع الكيفيات التي تم التعامل بها معه خلال مسيرته نحو اكتمال وجوده بين الناس كنص نهائي مصون من الزيادة والنقصان (ص20) .
والذي يقرأ هذا الكلام لا يمكن أن يفهم منه إيمان الجابري بما يؤمن به كل مسلم، وهو أن القرآن الكريم كان قبل تنزله نصاً كاملاً في اللوح المحفوظ وأن تنزيله منجماً كان لحكم تشريعية ولتثبيت فؤاد المصطفى عليه الصلاة والسلام، فما المقصود بالنمو الداخلي إذا كنا نتكلم عن كلام الله عز وجل، ثم يبدو واضحاً غمزه في سلامة النص وأحكامه قبل جمعه وتدوينه ليتحول إلى نص (مغلق) - على حد تعبير صاحبه أركون - لا يزاد عليه ولا ينقص منه .
إن الفارق شاسع بين الحديث عن تنجيم تنزل القرآن الكريم، والنمو الداخلي والتكون للنص خلال 23 سنة هي فترة الوحي، وهذا يظهر قناعة الجابري بأن القرآن الكريم يخضع كأي نص بشري للمنهج البنيوي في تحليل النصوص، ويدعي الجابري أنه قد أتى بما لم يأت به الأقدمون حيث أن علماء الأمة برأيه لم يتناولوا في علوم القرآن الكريم ما يسميه بالأسئلة التكوينية، والحق أن علوم القرآن كما هي عند علماء الأمة ومفسريها ومنهم السيوطي صاحب الاتقان لم تترك تفصيلاً من تفاصيل ما يتصل بالقرآن الكريم إلا وأشبعته درساً إلا أنهم لم يكونوا ليأتوا بما لا يتفق مع قدسية القرآن الكريم، ومع ذلك فإن الجابري يريد منا أن نعيد الأسئلة القديمة ونأتي بأسئلة جديدة تمليها علينا اهتمامات عصرنا لرفع مستوى فهمنا للظاهرة القرآنية بحيث نكون معاصرين لها وتكون معاصرة لنا . (ص23) .
كيف نعاصر التنزيل بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام مادام صاحبنا لا يرى المعاصرة إلا في فهم السياقات التكوينية للنص القرآني؟ أنكون معاصرين أكثر من الصحابة الذين نقلوا وبالتواتر الذي لا يحتمل الخطأ أو التواطؤ معه ما رأوه وسمعوه بأنفسهم؟ ثم إن الجابري يلقي عبارة تشكيكية من دون أن يقف عندها كثيراً، (إن المرجع في حفظ القرآن الكريم من الضياع هم قراؤه الذين حفظوه عن ظهر قلب فقط)، ومن الواضح أن تدوين القرآن الكريم بدأ مع أول نزول لآيات منه مع الحفظ، فكان الحفظ في الصدور وفي السطور معاً منذ البدء في خدمة حفظ وعصمة القرآن الكريم، ولم يغادر النبي عليه الصلاة والسلام الدنيا إلا بعد أحكام القرآن الكريم وترتيبه بالتوقيف من جبريل عليه السلام، أما ما حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان الجمع والتوثيق والتدوين بعرض ما في السطور على ما في الصدور، وكل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حضور وشاهدون على ذلك .
لغرض واضح يحاول كثيرون أن يوقعوا الناس في وهم أن القرآن الكريم الذي بين أيدينا اليوم هو النص النهائي الذي تم إغلاقه بعد زيادة ونقص وإضافة وحذف وهو ادعاء يخرج عن الملة باجماع الأمة كلها، وما حدث من نسخ بعض الآيات ورد ذكره في القرآن الكريم الذي هو بيننا اليوم وهو لا يزيد على آيات قليلة نسخ حكمها أو تلاوتها وأمرها معروف ومذكور في كتب علماء الأمة، أي أنها ليست سراً نخفيه ولكنها في الوقت نفسه ليست سبباً للإآيهام بأن الحذف قد نال شطراً من القرآن الكريم، والنسخ المعلوم هو نسخ تم بأمر إلهي وفي حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وأجد نفسي في حاجة إلى أن أؤكد بأن القرآن الكريم قد تم أحكامه من حيث آياته وترتيبها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبالعرض على جبريل عليه السلام، وقد كان زيد بن ثابت الذي كلف بجمع القرآن الكريم من قبل أبي بكر رضي الله عنه بالمقارنة بين المسطور وبين ما في الصدور وبوجود الشهود حاضراً العرضتين اللتين عرضهما الرسول الأعظم للقرآن الكريم كاملاً مرتباً على جبريل في آخر رمضان في حياته عليه الصلاة والسلام .
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
طامات حداثية آخر تحديث:الجمعة ,19/11/2010
ماهر سقا أميني
من دون سابق تمهيد خرج الجابري على الناس بكتاب (مدخل إلى فهم القرآن الكريم)، الذي يعتبر بحثا في علوم القرآن مما لا نظن أنه أهل له، ثم بثلاثة أجزاء ادعى فيها أنه يعيد فهم القرآن الكريم ولكن حسب ترتيب النزول، أي ليس بالترتيب القرآني التوقيفي الذي رتب في حياة النبي عليه الصلاة والسلام وباملاء من جبريل عليه السلام، معتبراً أن هذا الفهم يلقي أضواء على تطور الدعوة والمفاهيم القرآنية، ومع أن هذا قد سبقه اليه كثيرون ومنهم من أهل العلم الثقات، الا أن أحدا لم يجرؤ على حشو ماكتب بالمغالطات التي أتى بها في عملية تزوير واضح ومقصود لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهانحن نقف وقفات سريعة عند بعض هذه المفاهيم تحذيرا من فكر روج له كثيرا باعتباره فتحا في دراسة العقل العربي والدين الاسلامي، وهو في الحقيقة لا يختلف عن غيره من محاولات الحداثيين في تزييف الحقائق الكبرى في الاسلام وفي محاولة التهجين الفاشلة بين قيم الحداثة الغربيه وهيكل الحقائق الاسلامية الأصيلة . فهو لا يعترف بمعجزة للنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم غير القرآن الكريم، ويعتبر أن المعجزة في الدين تحيل إلى الخرافة واللاعقل (ص 45) وهو ماكان قد ذهب إليه هيكل في بدايات القرن العشرين وتابعه على ذلك رشيد رضا، أي أن أصل هذه الشبهة يرجع إلى حوالي المئة عام، ومع أن هذا يضرب عرض الحائط بكثير من صحيح القرآن الكريم والسنة الصحيحة الا أن الجابري متأثرا بعقلنة الغرب المغالية في الوضعية والسببية يتجاوز كل ذلك، وحبذا لو استمع الجابري لرد الشيخ محمد عبده على ذلك عندما قال: ان الله تعالى موجد الكائنات فليس من العسير عليه أن يضع نواميس خاصة بخوارق العادات، غاية مافي الأمر أننا لا نعرفها، ولكننا نرى أثرها على من اختصه الله بفضل من عنده، على أننا بعد الاعتقاد بأن صانع الكون قادر مختار، يسهل علينا العلم بأنه لا يمتنع عليه، أن يحدث الحادث على أي هيئة تابعا لأي سبب اذا سبق في علمه أنه يحدثه كذلك(رسالة التوحيد) . ويرى الجابري أن التعريف الذي يقول “القرآن الكريم كلام الله منه بدأ، بلا كيفية قولاً، وأنزله على رسوله وحياً، وصدقه المؤمنون على ذلك حقاً، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى حقاً ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر” هو تعريف مذهبي ولا يعترف بحق الآخر في الاختلاف حول القرآن الكريم . (ص18-19) .
وبالعودة إلى التعريف السابق حاولت وغيري ممن لجأت اليهم أن أقف عند (المذهبي والذي لا يعترف برأي الآخر )فيه فلم أجد الا القول بأن القرآن من كلام البشر وهو كفر صريح بتعريف الاسلام بغض النظر عن الترحيب الحداثي بنسبية كل الحقائق، أو القول بأن القرآن مخلوق وهي فتنة قديمة عمرها أكثر من ألف عام وقد تجاوزها الفكر الانساني والاسلامي ومامن حاجة لاعادة احيائها . ويحاول الجابري أن يصور التعريفات المختلفة التي أتى بها العلماء للقرآن الكريم على أنها تعريفات مختلفة ومتعارضة، في حين أنها تتكامل فيما بينها لتشكل عقا ثمينا بين الاختصار والاطناب، ويقول إنه يريد أن يستمد تعريف القرآن من القرآن نفسه فيقف عند آيات تحمل معاني: التنزيل، التصديق للكتب السابقة، التفريق، العربية، ويعفو عن آيات كثيرة تتكامل مع هذه الآيات في التعريف الواضح القاطع من مثل: الحفظ بالتواتر، خاتم الكتب السابقة وناسخها، الاحكام، الاعجاز، الوحي، فهل يعني هذا شيئا آخر غير التزوير؟ أم أنه التمهيد لخلخلة الايمان بالقرآن الكريم الذي هو أصل هذا الدين وحافظه إلى يوم القيامة؟
إنه المدخل إلى تناول ما أسماه الجابري بالظاهرة القرآنية وهو مصطلح استخدمه المرحوم مالك بن نبي في عنوان كتاب له يتناول القرآن الكريم كحدث كوني على المستوى النفسي للرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم والمستوى الاجتماعي خلال فترة التنزيل والوحي، الا أن الجابري يستخدم المصطلح نفسه ليشير بذلك إلى القرآن الكريم والى كل القراءات التي تدور في مجاله بما فيها السنة النبوية، وهذا الخلط بين القرآن والسنة وفهم الصحابة والتابعين واجتهادات العلماء في التفسير والتأويل وصولا إلى الفهوم المنحرفة للقرآن من أخطر ما يمكن طرحه تحت عنوان واحد دون تفريق بين وحي وغير وحي وبين ثابت ومتحول .
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
فن المراوغة والمشي على الرؤوس آخر تحديث:الجمعة ,12/11/2010
ماهر سقا أميني
يتظاهر محمد عابد الجابري بتقدير النص الشرعي (القرآن الكريم بصفة خاصة) ثم يعتبر ما يراه عقله الحداثي (مصالح) هو الأصل حيث يجب أن تؤول الآيات لتخدم هذه المصالح حتى ولو اضطره ذلك إلى القول بعكس ما تتجه إليه الآيات، وبالتالي فنحن أمام محاولة إنطاق النص ما لم يقله، وفي هذا تزوير خطير قد لا يقل عن الطعن المباشر في الشريعة، إذ يكفي فيه استحسان ما لم يستحسنه الشرع، أو تقبيح مالم يقبحه الشرع .
وكمثال على هذا التزوير نذكر موقفه من قضية الإرث ونصيب المرأة الذي يعادل نصف نصيب الرجل في حالات يكون فيها على الأغلب الذكر مكلفاً بأعباء الإنفاق على إناث نلن نصف حصته من الإرث دون أن يكلفن بالإنفاق حتى على أنفسهن، إلا أن الجابري له رأي آخر مع أن النصوص هنا واضحة وقطعية ونهائية ولا تحتمل التأويل وهي متسقة مع التصور الإسلامي الشامل لدور كل من الذكر والأنثى، ولكن ما العمل إن كان هذا التصور بالكامل لا يعجب الجابري ولا يراه محققاً للمصلحة؟!
يقول: (لنأخذ مثلاً نصيب البنت في الإرث في الإسلام، وهو الثلث كما يتبين من قوله تعالى “للذكر مثل حظ الأنثيين” كيف نقرأ هذا الحكم قراءة تجعله معاصراً لنفسه ومعاصراً لنا في الوقت نفسه؟ القرآن لا يبين الاعتبارات التي تبرر هذا التمييز، إذن لا بد من إعمال العقل بالرجوع إلى المقاصد وأسباب النزول ومعهود العرب، فالواقع أن المجتمع العربي في الجاهلية وزمن النبوة كان مجتمعاً قبلياً رعوياً، والعلاقة بين القبائل الرعوية هي علاقة نزاع حول المراعي، والزواج في هذا المجتمع إذا تم بتزويج البنت لشخص من غير قبيلتها كان يثير مشكلات تتعلق بالإرث في حال وفاة أبيها ذلك أن نصيبها سيؤول إلى قبيلة زوجها على حساب قبيلة أبيها، ما قد يتسبب في منازعات وحروب، ومن أجل تلافي مثل هذه النزاعات عمدت بعض القبائل إلى عدم توريث البنت بالمرة، بينما منحتها قبائل أخرى الثلث أو أقل، واذا أضفنا إلى ذلك محدودية المال المتداول في المجتمع القبلي سهل علينا إدراك كيف أن توريث البنت قد يؤدي إلى الاخلال في التوازن الاقتصادي بين القبائل خصوصاً مع تعدد الزوجات، وكان معمولاً به بكثرة .
“ولا شك - والكلام لا يزال للجابري - أن الاسلام قد راعى هذه الوضعية ونظر إلى وجه المصلحة، وهو تجنب النزاع والفتنة، فقرر نوعاً من الحل الوسط يناسب المرحلة الجديدة التي دشنها قيام الدولة المحمدية في المدينة -والتعبير للجابري - أما اليوم وقد قل تعدد الزوجات وصارت علاقات المصاهرة تبتعد أكثر فأكثر وأصبحت المرأة تشتغل وتكسب مالا وتسهم في النفقة على البيت والأولاد، وبالتالي خف المانع الذي كان يبرر عدم إعمال القاعدة الكلية، أعني المساواة بين المرأة والرجل، فإن الجزئي في هذه الحالة، لا أقول يجب أن يعطل، بل أقول يجب أن ينظر إليه كاستثناء يعمل به في أحوال ويعلق في أحوال، لأن مجتمعاتنا تجتاز في الوقت الراهن مرحلة يتعايش فيها الجديد مع القديم، وضعية المدينة مع وضعية البادية والأرياف” انتهى كلام الجابري .
ما الذي يختلف فيه هذا التحليل عن التفسير المادي الجدلي الذي يجعل الفكر و(الدين) كتجل من تجليات هذا الفكر تبعاً للتطور الاقتصادي الاجتماعي للمجتمعات؟ ثم هل القرآن الكريم وحي من السماء خاتم للرسالات وأحكامه نهائية تُصِلح بضم التاء وكسر اللام كل زمان ومكان، أم أنه انجاز عبقري بشري لمرحلة من التطور الاجتماعي الاقتصادي للمجتمعات؟ إن كلام الجابري يجعل القرآن الكريم معاصراً لوقت نزوله ولكنه لا يمكن أن يكون معاصراً للمرحلة الانتقالية التي نحن فيها - حسب تعبيره - ولا للمراحل القادمة حيث سيلغى الحكم نهائياً عندما تنعدم مبرراته كما يقرر الجابري .
إن الحكم الشرعي المقرر في آية لا تحتمل التأويل تحول في عرف الجابري إلى (استثناء) أملته وتمليه الظروف في حين أن القاعدة المثلى هي عكس ما تقرره الآيات تماماً، وهذا يتطلب منا أن نقر المشي على الرؤوس بدلاً من الأقدام وأن نجعل قيم الحداثة الغربية هي الأساس الذي نأول على أساسه كلام الحق سبحانه وتعالى.
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
الإسلام الملفق والإسلام السلفي آخر تحديث:الجمعة ,05/11/2010
ماهر سقا أميني
من الواضح أن محمد عابد الجابري كبد نفسه مشاق عملية تلفيقية مجهدة قد تسر بعض الراغبين في تقديم إسلام ليبرالي حداثي لا يحمل من إسلام القرآن والسنة النبوية المشرفة الا العناوين الكبيرة، وهو بهذا قد يكون قد جنب نفسه المواجهة مع الإسلام الحقيقي حتى انطلت حيلته على بعض من كان يجب أن يكون أوعى من ذلك كالشيخ سلمان العودة الذي رأى في إنتاجه (جهداً مخلصاً لا يخلو من الأخطاء) .
ولتوضيح المقصود يسمي الجابري الإسلام المستمد من القرآن والسنة وفهم السلف الصالح والقواعد الفقهية الأصولية المعتبرة بالسلفية، وهي بتعبيره: (استقامة السلوك والتجديد في الدين والعمل من أجل المستقبل من خلال الدعوة إلى الرجوع إلى سيرة السلف الصالح) . إلا أن هذه السلفية في رأيه: (لا تناسب الأمة الإسلامية في العصر الحاضر للحفاظ على وجودها واستمراريتها، لأنها نوع من المقاومة الذاتية لأمراض داخلية ذاتية المنشأ، وقد كانت كافية وناجعة عندما كانت الحضارة العربية الإسلامية هي حضارة العالم لعصرها، أعني غير مزاحمة ولا مهددة بحضارة معاصرة لها على صعيد الزمن) .
ولذلك فهو يقرر (أن النموذج الذي يجب استلهامه من أجل إعادة بناء الذات؛ ذاتنا نحن وتحصينها وتلقيحها ضد الذوبان والاندثار والاستلاب ينبغي ألا يكون من نوع “النموذج- السلف” الذي يُقدّم نفسه كعالم يكفي ذاته بذاته، بل يجب أن يشمل جماع التجربة التاريخية لأمتنا مع الاستفادة من التجربة التاريخية للأمم التي تناضل مثلنا من أجل الوجود والحفاظ على الوجود، وأيضاً من التجربة التاريخية للأمم التي أصبحت اليوم تفرض حضارتها كحضارة للعالم أجمع . لقد كانت السلفية كافية وفعالة وإجرائية يوم كنا وحدنا في بيت هو بيتنا وبيت لنا في الوقت نفسه، أما وقد أصبحنا جزءاً في كل فإن الطريق الوحيد لإثبات وجودنا والحفاظ على خصوصيتنا داخل هذا الكل هو طريق التعامل معه بالمنطق الذي يؤثر فيه؛ منطقه هو ولكن من مواقعنا لا من مواقع غيرنا، ومنطق الكل الذي ننتمي إليه اليوم- أعني منطق الحضارة المعاصرة- يتلخص في مبدأين: العقلانية، والنظرة النقدية . العقلانية في الاقتصادي والسياسة والعلاقات الاجتماعية، والنظرة النقدية لكل شيء في الحياة؛ للطبيعة والتاريخ والمجتمع والفكر والثقافة والإيديولوجيا . هذا في حين أن منطق سيرة السلف الصالح التي تُمثل “المدينة الفاضلة” في التجربة التاريخية للأمة العربية الإسلامية- كان شيئاً آخر، كان منطقه يقوم على المبدأ التالي: الدنيا مجرد قنطرة إلى الآخرة، وقد أدى هذا المنطق وظيفته يوم كان العصر عصر إيمان فقط وليس عصر علم وتقنية وأيديولوجيات) .
هكذا وبكل تسطيح يضع الجابري مفهوم السلف -الذي يعرفه تعريفا ينأى به عن الجمود-مقابل النموذج الحضاري الفعال، ويضع مفهوم الايمان مقابل مفهوم العلم والتقنية والايديولوجيات، اننا لا نرى في السلف قصورا معرفيا ولا عجزا عن الحوار مع العالم بلغته التي يفهمها، والتاريخ الإسلامي شاهد على ذلك، فمنذ أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدأت الافادة من تجارب الآخرين في تنظيم الدواوين والأمور الاقتصادية، وشهد التاريخ الإسلامي ذروات من الانتاج العلمي والثقافي والعسكري على أكتاف من لم يتجاوزوا فهم السلف للإسلام والقرآن والقواعد الأصولية، ان العقلانية التي يبشر بها الجابري هي العقلانية الحداثية الأوروبية التي تلغي من النشاط العقلي كل شيء إلا (العقل العقلاني) حسب تعبير أحد الأساتذه الكبار، والتي لا تؤمن بأي مرجعية أخرى غير العقل المتحول والمتغير والمتجاوز نفسه باستمرار، أما النظرة النقدية فنحن معها مالم تعصف بالثوابت ومالم تحتل على الإنسان المعاصر في تغليب الشك على اليقين وترجيح الظنيات على القطعيات والثقة بالافتراضات دون أية مرجحات، لقد تحولت بعض الأساطير العلمية القائمة على مجرد التخمينات إلى حقائق مسلم بها لا لشيء إلا لأنها يمكن أن تحل محل الفهم(السلفي)للإسلام أو للدين بشكل عام .
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
ما قالته وما لم تقله الشريعة آخر تحديث:الجمعة ,29/10/2010
ماهر سقا أميني
اعتمد محمد عابد الجابري في تزويره لأحكام الشريعة حتى الآن على عدة محاور، الأول أن الاجتهاد في الفروع لم يعد كافيا في زماننا لتغير المصالح وتطور المناهج المعرفية، وأنه لا بد من بناء قواعد أصولية جديدة لتفعيل النصوص، حيث إن علم أصول الفقه المتعارف عليه قد حصر نفسه في (الألفاظ) وما تعنيه حقيقة أو مجازاً، كما ربط الحكم بالعلة، كربط التحريم بالإسكار في ما يخص أي مشروب أو مادة يتعاطاها الإنسان، في حين أن ربط الحكم بالمصلحة والحكمة يعطي النص آفاقاً جديدة وفعالة في كل زمان ومكان، كما أنه لم يفد من مفهوم أسباب النزول وصولاً إلى (منطق النص) في التعامل مع الأوضاع والمتغيرات، وبما أن الله غني عن العالمين فالأصل هو تحقيق مصالح العباد وهكذا يمكن تغيير الأحكام طبقاً لما يحقق هذه المصالح في كل عصر .
ومن الواضح أن ظاهر هذا الكلام قد يخدع، إلا أن قليلاً من الفحص والتدقيق يبين أن القواعد الفقهية الراسخة والمتعارف عليها في كل مكان لم تبد يوماً قصوراً أو عجزاً في التعامل مع أي مستحدث جديد، وأن الألفاظ وما تعنيه ضمن المتعارف عليه في فقه اللغة وأساليب التعبير والبيان السائدة فيها أمر جوهري في التعامل مع نصوص تعتمد اللغة في التعبير، أما ربط الحكم بالمصلحة والحكمة فهو أمر يعوم أحكام الشريعة ويجعلها تبعاً للأهواء والمفاهيم والتصورات البشرية غير المنضبطة والتي قد لا تتفق بين ثقافة وأخرى، أما الوصول إلى (منطق النص) في التعامل مع المتغيرات فهو أمر لا يقف من النص موقف الاحترام والتقديس اللازم، ومع ذلك فقد أسهب الفقهاء الأصوليون في الحديث عن ضوابط المصلحة في التشريع الإسلامي، ولأسباب النزول مكانة كبيرة عند الأصوليين، إلا أن تصبح سبباً لتعطيل النص بناء على ظروف مكانية معينة، والله غني عن العالمين والشريعة لرعاية مصالح العباد ولكن من دون أن يترك الأمر للتحسين والتقبيح العقليين واللذين قد يصعب الاتفاق عليهما كما قد تتدخل الأهواء في صياغتهما (كتفضيل السجن على الحدود المذكورة في النصوص بشكل قاطع وواضح ونهائي للسارق أو شارب الخمر أو مرتكب الفاحشة) .
ويتابع الجابري فيقول: “إن الأمور الخمسة التي حصر فيها فقهاؤنا القدامى (الضروريات) كانت ولا تزال وستبقى أموراً ضرورية بالفعل، أي مقاصد أساسية لكل تشريع يستهدف فعلاً خدمة (مصالح العباد)، غير أن (مصالح العباد) اليوم لم تعد مقصورة على حفظ الدين والنفس العقل والنسل والمال، بل إنها تشمل بالإضافة إلى الأمور الخمسة المذكورة أموراً أخرى نعتقد أنه لابد من أن ندرج فيها: الحق في حرية التعبير وحرية الانتماء السياسي، والحق في انتخاب الحاكمين وتغييرهم، والحق في الشغل والخبز والمسكن والملبس، والحق في التعليم والعلاج . . إلى غير ذلك من الحقوق الأساسية للمواطن في المجتمع المعاصر . أما الحاجيات فبالإضافة إلى ما ذكره فقهاؤنا القدامى، هناك حاجيات جديدة مثل الحاجة إلى توفير الصحة والوقاية من الأمراض بإعداد ما يكفي من مستشفيات وغيرها، والحاجة إلى ما لابد منه لتنشيط الإبداع الفكري في مختلف المجالات العلمية والفنية والنظرية، والحاجة إلى ما لابد منه لاكتساب معرفة صحيحة بالواقع والأحداث، أما التحسينات التي يتطلبها عصرنا فحدّث ولا حرج” .
ولا أعرف كيف لم بستطع الجابري قراءة أكثر مايذكر في المقاصد الخمس التي يذكرها، فهل الحق في الطعام والسكن والملبس والعلاج إلا فرع من حفظ النفس؟ وهل الحق في التعليم وتنشيط الإبداع الفكري إلا فروع من حفظ العقل؟ ثم أليس التاريخ الاسلامي بدءاً من السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين وفي أكثر من موقع شاهداً على أن حريات التعبير والإيمان والمشاركة في الحكم محفوظة نصاً وواقعاً؟ إلا أن الجابري أراد من حديثه شيئا آخر يقول: “إذا كانت هناك ضرورات عامة خالدة كتلك التي أحصاها فقهاؤنا بالأمس، فإن لكل عصر ضرورياته وحاجياته وتكميلياته .
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
تزوير الشريعة بناء على أسباب النزول آخر تحديث:الجمعة ,22/10/2010
ماهر سقا أميني
في سعيه لإنجاز قواعد أصولية جديدة تحل محل علم أصول الفقه كما عرفه المسلمون ومارسوه منذ أكثر من ألف سنة ولم يشك واحد منهم بأنه لم يجد حلاً لمعضلة أو حكماً لمسألة ضمن هذه الأصول،ينتقل الجابري إلى تعويم آخر أشد خطراً من (بناء معقولية الأحكام على المقاصد) فيقول: (لا سبيل إلا باعتبار المقاصد والمصالح أساساً للتشريع، ذلك لأنه في هذه الحال يتجه المجتهد بتفكيره لا إلى اللفظ (الحقيقة، المجاز، الاستعارة، الخصوص، العموم)، بل إلى (أسباب النزول)، وهذا باب عظيم واسع يفتح المجال لإضفاء المعقولية على الأحكام بصورة تجعل الاجتهاد في تطبيقها وتنويع التطبيق باختلاف الأحوال وتغير الأوضاع أمراً ميسوراً) .
إنها محاولة لسلب اللغة العربية عقلها ومنطقها في التعبير لصالح عملية عقلية غير مأمونة ولا راشدة تتكئ على مفهوم أسباب النزول لتوطد علاقة النص بحادثة معينة في زمان ومكان معينين،ثم لتتصور علاقة ما (عقلية) بين سبب النزول والنص،ثم لتعمم هذه العلاقة المخترعة بوصفها منطق النص في التعامل مع المتغيرات .
يقول: (إن بناء معقولية الحكم الشرعي على (أسباب النزول) في إطار اعتبار المصلحة يُفسح المجال لبناء معقوليات أخرى عندما يتعلق الأمر ب(أسباب نزول) أخرى، أي بوضعيات جديدة، وبذلك تتجدد الحياة في الفقه، وتتجدد الروح في الاجتهاد، وتصبح الشريعة مسايرة للتطور قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان) .
ولبيان خطر ما يقصد نراه يقول: (إذا تحررنا من سلطة القياس والانشداد إلى الألفاظ، وانصرفنا باهتمامنا بدلاً من ذلك إلى البحث عن (أسباب النزول)، وهي هنا الوضعية الاجتماعية التي اقتضت نوعاً ما من المصلحة وطريقة معينة في مراعاتها، فإننا سنجد أن قطع يد السارق تدبير مبرر ومعقول داخل تلك الوضعية، وهكذا فبالرجوع إلى زمن البعثة المحمدية والنظر إلى الأحكام الشرعية في إطار الوضعية التي كانت قائمة يومئذ سنهتدي إلى المعطيات التالية: أولاً إن قطع يد السارق كان معمولاً به قبل الإسلام في جزيرة العرب . ثانياً: إنه في مجتمع بدوي ينتقل أهله بخيامهم وإبلهم من مكان إلى آخر طلباً للكلأ، لم يكن من الممكن عقاب السارق بالسجن، إذ لا سجن ولا جدران ولا سلطة تحرس المسجون وتمده بالضروري من المأكل والملبسح . الخ، وإذن فالسبيل الوحيد هو العقاب البدني . وبما أن انتشار السرقة في مثل هذا المجتمع سيؤدي حتماً إلى تقويض كيانه، إذ لا حدود ولا أسوار ولا خزائن، فلقد كان من الضروري جعل العقاب البدني يلبي هدفين: تعطيل إمكانية تكرار السرقة إلى ما لا نهاية، ووضع علامة على السارق حتى يُعرف ويحتاط الناس منه، ولا شك أن قطع اليد يلبي هذين الهدفين معاً،وإذن فقطع يد السارق تدبير معقول تماماً في مجتمع بدوي صحراوي يعيش أهله على الحل والترحال، ولما جاء الإسلام وكان الوضع العمراني الاجتماعي زمن البعثة لا يختلف عما كان عليه من قبل احتُفظ بقطع اليد كحد للسرقة من جملة ما احتُفظ به من التدابير والأعراف والشعائر التي كانت جارية في المجتمع العربي قبل الإسلام، مع إدراجها في إطار أخلاق الإسلام” والنتيجة في رأي الجابري: (إسقاط الحد في جرائم السرقة والزنا وشرب الخمر والقذف، والاكتفاء فيها بالسجن، لأن الحدود ليست غاية في ذاتها وإنما هي وسيلة لردع وزجر النوازع الذاتية الفردية الهدامة، أي التي تمس مصلحة الجماعة أو الأمة) .
وهكذا تصبح دراسة أسباب النزول عند الجابري خطوة نحو اختراع علاقة ما يراها (عقلية)بين النص وسبب نزوله في البيئة التي نزل فيها،ثم يسعى لتعميم هذه العلاقة لتعصف بكل النصوص المشابهة ولتلغي كل الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، وأمام تأويلات كهذه لن يبقى من أحكام الشريعة إلا ما يناسب العقول والأهواء المعاصرة .
من السهل والحال كهذا ربط كل النصوص بأسباب نزولها والبحث في أسباب النزول عن متعلقات بيئية لم تعد موجودة الآن وبالتالي تعطيل النص أو تأويله بناء على تصور عقلي يعكس اتجاه النص إن شئنا عكساً كاملاً .
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
ثوابت الشريعة ومتحولات المصلحة آخر تحديث:الجمعة ,15/10/2010
ماهر سقا أميني
مازلنا مع محمد عابد الجابري في دعوته الى تجديد الشريعة لتناسب منطق العصر، وقلنا: إن سبيله إلى ذلك كان بالإغارة على القواعد الأصولية التي رأى أنها كانت كافية لحاجات ومصالح العباد يوم وضعها، كما أنها تناسب التطور المعرفي الذي وصل إليه الفقهاء في ذلك العصر، أما اليوم ومع اختلاف المناهج المعرفية ومصالح العباد فلابد من وضع أصول جديدة لاستنباط الأحكام .
والحق أن الأمر مع قليل من الفحص والتدقيق نجده مخالفاً بشكل تام لهذا الافتراض، فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين والسنة النبوية شارحة للقرآن مفصلة لمجمله مضيفة اليه مايلزم كوحي آخر، والرسول صلى الله عليه وسلم شهد لصحابته بأنهم خير القرون ثم القرن الذي يليهم ثم القرن الذي يليهم، وبالإضافة إلى هذه الشهادة فقد وضع القواعد الأصولية رجال عرفوا بسلامة لغتهم ومعرفتهم بالسنة المطهرة وقربهم من عصر النبوة وعمل الصحابة والتابعين، وفي رأينا أننا كلما ابتعدنا عن عصر النبوة خفتت أنوارها وزاد اللحن في التعبير والفهم، بالإضافة إلى تدخل الثقافات الأخرى في تشكيل العقل العربي، ونحن عندما نتحدث عن القرآن الكريم والسنة الشريفة فإنما نتحدث عن (وحي) لا علاقة للواقع الزمكاني بصياغته، وبالتالي فإن نجوعه باق إلى يوم القيامة لا يؤثر فيه تقادم زمان ولا تغير مكان .
رأى الجابري أن الحكم الفقهي يجب أن يدور مع المصلحة لا مع العلة،ومن الواضح أن هذا باب يفتح المجال واسعاً أمام تزوير الشريعة لأنه قد لا يسهل الاتفاق على المصلحة،يقول في ذلك: (أما دوران الأحكام مع المصالح فشيء يفرض نفسه ما دمنا نقرر أن المصلحة هي الأصل في التشريع، وأعتقد أن هذا المبدأ هو الذي صدر عنه الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب، وإذن فالاجتهاد يجب أن يكون لا في قبول هذا المبدأ أو عدم قبوله بل في نزع الطابع الميكانيكي عن مفهوم الدوران، والعمل من أجل الارتفاع بفكرة المصالح إلى مستوى المصلحة العامة الحقيقية كما تتحدد من منظور الخلقية الإسلامية، إنه بدون هذا النوع من التجديد سيبقى كل اجتهاد في إطار القواعد الأصولية القديمة اجتهاد تقليد وليس اجتهاد تجديد حتى ولو أُتي بفتاوى جديدة) .
ولكن من الذي سيحدد المصلحة العامة الحقيقية من منظور الخلقية الإسلامية؟ أن الأمر ينطوي على تعويم للشريعة لتتحول إلى أحكام مرتبطة بتصورات عامة للأخلاق، في حين أن الشريعة بالإضافة إلى كونها مقاصد تتألف من أحكام تفصيلية واضحة وقاطعة ونهائية، وإلا عدنا لنقول: إن الزكاة مثلاً كانت تناسب العصور البدائية والمقابل لها في هذا الزمان هو التأميم، من الواضح تدخل الهوى في تعويم الشريعة وتحويلها إلى مبادئ عامة يمكن أن نأخذ منها في كل زمن مايناسب هوانا ومتطلباته .
إن الجابري صريح في دعوته إلى تبني العقلانية في تجديد الشريعة، وهو يقول في ذلك:”إن عملية تأسيس معقولية الأحكام هي العملية التي بدونها لا يمكن تطبيق الشريعة على المستجدات، ولا على الظروف والأحوال المختلفة المتباينة، ولما كان مقصد الشارع الأول والأخير هو مصلحة الناس (فالله غني عن العالمين)، فإن اعتبار المصلحة هو الذي يؤسس معقولية الأحكام الشرعية، وبالتالي فهو أصل الأصول كلها، وواضح أن هذه الطريقة تتحرك في دائرة واسعة لا حدود لها؛ دائرة المصلحة وبالتالي فهي تجعل الاجتهاد ممكناً ولدى كل حالة) .
أليست هذه دعوة إلى اقتلاع كل الثوابت في الشريعة وتحويل أحكامها إلى متحولات تحددها المصلحة كما يتصورها الناس في كل زمان، وما الذي يعصم الناس من سوء الفهم والتقدير والحكم إن لم يكن النص الإلهي المحفوظ الذي لا تتدخل الأهواء في تأويله؟ وقد رأينا في هذا الزمان من يصوت على أحكام الشريعة كتعدد الزوجات والحجاب والطلاق وغيرها، فهل هذا هو المطلوب ببناء معقولية الشريعة بناء على المصلحة العامة كما يتصورها الناس؟
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
تغيير القواعد الأصولية آخر تحديث:الجمعة ,08/10/2010
ماهر سقا أميني
من أولويات أي مشتغل بالفكر فضلاً عن المفكرين الكبار أصحاب المشاريع الضخمة كالجابري أن التفكير هو عملية عقلية تعتمد اللغة (مفردات ومصطلحات وعلاقات يعبر عنها النحو والصرف) ثم تنتقل من هذا المستوى إلى بناء النظريات والمناهج التي تستخدم هذه المكونات من أجل الكشف عن الحقائق النظرية أو وضع البرامج العملية، وبالتالي يمكن القول إن استيراد المناهج من ثقافات أخرى لصياغة علاقات بين أفكار ومفردات ومصطلحات من ثقافة ما فيه الكثير من المغالطة المنطقية والعلمية والعملية، وهذه هي مشكلة التغريب التي وقع فيها أكثر الحداثيين العرب والمسلمين، حيث يريدون لنا التعامل مع اللغة العربية والأدب العربي والدين الإسلامي من خلال مناهج أقل ما يقال عنها إنها غير مناسبة للموضوعات ذات الصلة والبحث .
ونعود إلى ما أراده الجابري من مقولة (تجديد الشريعة) والذي يقصد به إعادة بناء علم أصول الفقه اعتمادا على تغير المصالح والمناهج، أن القواعد الأصولية عنده يجب تغييرها تحت عنوان عريض هو “تحقيق المصلحة أو الحكمة من التشريع”، ومع أن الاختلاف على تعريف المصلحة أو الحكمة من التشريع أمر جد وارد، بل لعله يصعب الاتفاق على تحديدهما على مستوى الأمة بمعزل عن الأهواء، ومع أن هذا سيجعل قراءة النصوص الأصلية مجرد تابع لما يتواضع عليه الناس إذا استطاعوا الاتفاق على ما يحقق المصلحة والحكمة فإن الجابري يرى أن هذا هو الطريق الوحيد لإعادة تفعيل النصوص بما يتناسب مع الحالة الراهنة .
ولتوضيح ما أراد نرى أنه من القواعد الأصولية التي يريد الجابري تغييرها كي تبدو الشريعة مواكبة للعصر ومسايرة للتطور ما قرره معظم الفقهاء من دوران الحكم الشرعي مع علته في عملية الاجتهاد، ومعلوم أن العلة وصف منضبط في الشيء الذي صدر فيه الحكم؛ وبهذا الوصف يُعرف وجود الحكم فإذا وجد وُجد الحكم . ويريد الجابري تغيير ذلك بأن يكون دوران الحكم الشرعي مع الحكمة والمصلحة لا مع العلة، فإذا وُجدت الحكمة والمصلحة وُجد الحكم، وإذا عُدمت ألغي الحكم، ويضرب لذلك مثالاً وهو: الحكم بإباحة الفوائد المترتبة على بعض المعاملات المالية التي هي نوع من شهادات الاستثمار وسندات البنوك وذلك لعدم وجود الاستغلال في هذا النوع من المعاملات، ويقول: “ومعلوم أن منع الاستغلال هو الحكمة من تحريم الربا” .
وإلحاق الحكم بالعلة أمر تقره العقول وتتفق عليه، سيما مع النظر في المقاصد الخمسة للشريعة: حفظ النفس والدين والعقل والمال والعرض، كما أن هذا لا يقوم إلا فيما لم يرد فيه نص واضح وقاطع، أما عند وجود النص فالحكم ثابت وإن لم تتضح العلة من التحريم، أما الجابري فيريد لنا أن نلحق الحكم بالمصلحة أو الحكمة حتى فيما ورد فيه نص، فتحريم الربا نصه واضح ولا يحتاج إلى بحث عن علة أو ربط بمصلحة أو حكمة إلا من باب الاستئناس، فإن رأى الجابري في معاملات البنوك ما لا يتعارض مع الحكمة التشريعية من حيث إنها لا تنطوي على استغلال، فان النص الذي يحرم كل دين جر نفعا لا يحتاج إلى تعليق وهو قاطع وواضح ونهائي، فضلا عن أن هناك مئات الدراسات عن دور النظام الاقتصادي الربوي (الذي يراه الجابري بريئا من الاستغلال) في استرقاق الأمم أو ما سماه أحد قراصنة الربا في كتاب ترجم إلى العربية حديث “الاغتيال الاقتصادي للأمم”، أم أن الجابري لم يكن يرى كيف تدفع الشعوب من لقمتها فوائد قروض دولها؟
والمثال الذي يورده الجابري هو مافعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما كما يقول أوقف العمل بالنص في عام الرمادة فلم يقطع يد السارق تحقيقا للمصلحة، والحق أن عمر رضي الله عنه ما كان له ولا يمكن أن يوقف الأخذ بنص واضح، إنما أخذ بنص آخر وجمع بين النصين وهو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ادرؤوا الحدود بالشبهات”، فما كان لينفذ حداً في عام جاع فيه الناس وقد يكون الجوع سبباً في سرقة أحدهم.
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
التعسف في تحليل العقل العربي آخر تحديث:الجمعة ,17/09/2010
ماهر سقا أميني رأينا أن الجابري في تشخيصه وتحليله للعقل العربي بناء على الآليات الداخلية في أي علم من العلوم، قسم العلوم عند العرب إلى علوم البيان، وعلوم البرهان، وعلوم العرفان .
فأما علوم البيان (الفقه وأصوله وعلم الكلام ثم النحو وعلوم اللغة) كما يراها الجابري فهي علوم نشأت على ضفاف (النص) مع قليل من القياس يرجع أي حكم جديد إلى النص بتماثل العلة، وبالتالي فان هذه العلوم لا تمثل (عقلا) بالمعنى الذي يرضيه، ومن الواضح أن هذا العرض يفتقر إلى كثير من الفهم الذي ما كان يجدر بواحد من أمثال الجابري أن ينقصه، فالفقه وأصوله كما أسس له الامام الشافعي، وعلم الكلام ولا سيما عند الأشاعرة ثم علم النحو (والنحو عقل اللغة) واللغويات كما هي عند سيبويه وابن جني هي أنماط من (العقل البرهاني) حسب تعبير الجابري وان كانت لا تروق له لأنها لا تمثل امتدادا للعقل اليوناني الأرسطي .
أما علوم العرفان، وهي علوم يقدم فيها العقل استقالته-حسب الجابري- فتبدأ مع بداية الترجمة، عندما أمر خالد بن يزيد بن معاوية (ت 85ه) بترجمة كتب الكيمياء، والتنجيم، وكتب الطب اليونانية والقبطية وقد شارك في ذلك الطبيب الرازي وغيره، تلك الكتب التي تقدم رؤية هرمسية غنوصية للكون والإنسان، وقد ظهر أثر ذلك واضحاً لدى بعض الفرق الاسلامية كالجهمية وبعض المتصوفة، ثم جاء بعد ذلك دور التيارات الباطنية ممثلة في إخوان الصفا وفلسفة ابن سيناء، التي تزعمت التيارات الباطنية الإشراقية، ثم غدت بعد ذلك طابعاً عاماً لكثير من التيارات المنحرفة التي كان مدار التفكير فيها والمنهج المفضل للوصول إلى المعرفة قائماً على أساس الكشف والعرفان والإشراق الذوقي الباطني .
وهكذا يضمن الجابري داخل ما سماه بعلوم العرفان:التصوف والفلسفة والباطنية والسحر والتنجيم، ويؤسسها نظام معرفي يقوم على (الكشف والوصال) و(التجاذب والتدافع) كمنهاج ويسميه ب(اللامعقول العقلي) .
ان هذا (الجراب العجيب) الذي جمع فيه الجابري بين كل ما سبق فيه كثير من التجني والفرز التعسفي لأشكال مختلفة جداً من النشاط العقلي، سيما عندما يعتبر واحداً مثل الامام الغزالي ممثلاً لهذا التيار، فمن المعروف أن الغزالي كان أستاذاً في علم الكلام استطاع أن يقف في وجه (هذر) الفلاسفة الذين أساءوا استخدام عقولهم فيما لا قدرة لها عليه - ومنهم ابن سيناء -كما استطاع أن يقف في وجه الباطنية العابثة بالنصوص ودلالاتها المباشرة القاطعة، فضلاً عن كونه حجة في الفقه الشافعي وله فيه تصانيف كثيرة، فهل يوضع الغزالي مع ابن سيناء مع اخوان الصفا في كفة ميزان واحدة؟ ومن أين للجابري أن يقرر بأن الغزالي اعتمد الكشف والإلهام حصراً في النهاية كمصدر وحيد للمعرفة؟!
ثم يقرر الجابري: (إن العقل البياني العربي استقال من خلال ما يعرف بالتصوف السيئ)، والحق أن التصوف لم يقو يوما على تعطيل الشريعة إلا في حالات ضيقة جداً لا تستحق أن يقال عنها بأنها أدت إلى استقالة العقل البياني العربي (العقل المتعامل مع النص) بل لقد شهدنا رجالاً كانوا أفذاذا في العلوم الشرعية والتعامل مع القرآن الكريم والحديث الشريف مع صوفيتهم التي لم تكن أكثر من تحقيق لمرتبة الاحسان كالغزالي والقشيري والحارث المحاسبي وابن عجيبة المغربي .
أما عن البرهان فيذكر الجابري تبعاً لما يراه المستشرق كارل بروكلمان أن المأمون إنما أمر بترجمة الفلسفة اليونانية لمواجهة العرفان المانوي الغنوصي الذي اعتمده الزنادقة لمواجهة الدولة الإسلامية، وقد كان الكندي (185-252هـ) أول فيلسوف عربي حيث أكد على أن المعرفة إنما تكون حسية أو عقلية أو إلهية أداتها الرسل المبلغة عن الله، ثم جاء بعده الفارابي (260-339هـ) الذي حاول (الجمع بين الحكيمين)، أرسطو وأفلاطون محاولاً (التوفيق) بين تيارات الفلسفة اليونانية المختلفة، متوصلاً بذلك إلى أن العرفان إنما هو ثمرة للبرهان .
لقد بقيت مدرسة بغداد كما يرى الجابري من المأمون وحتى الخليفة القادر (381-422هـ) مركزاً علمياً مخلصاً لاستراتيجية المأمون الثقافية القائمة على الارتكاز على أرسطو ومنطقه وعلومه، ثم تسلم بعد ذلك ابن رشد الراية، وهو المفكر الذي احتفظ بصورة فلسفة أرسطو نقية كما جاءت عنه، رافضاً إضافات الفارابي وابن سينا إلى هذه الفلسفة . وهذا الخط هوالوحيد الذي استحق اعتراف الجابري واعجابه .
تعديل / حذف المشاركة
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
الفكر الإسلامي بين الأرسطية والعلم آخر تحديث:الجمعة ,24/09/2010
ماهر سقا أميني
لا بد من العودة إلى مناقشة أفكار محمد عابد الجابري للكشف عن سقطات ما يسمى بعلمنة الإسلام، أو أنسنة الإسلام، ونحن إذ نفعل ذلك فإننا نناقش الأفكار التي تعتبر في عرف الكثيرين رائدة في مجالها، حيث تؤلف الكتب وتجرى الدراسات التي تكرس هذا الاتجاه المشوه لحقيقة الإسلام، أما الشخص نفسه فأمره إلى الله ولا نقدم بين يديه تعالى حكماً على أحد، وقد عرف الفكر العربي والإسلامي دراسات نقدية من هذا النوع شكلت إغارات حقيقية على أفكار الغير، وما “تهافت الفلاسفة” للغزالي ثم “تهافت التهافت” لابن رشد إلا مثال واحد على ذلك .
فمن الغريب مثلاً على قامة كالجابري وهو من ألف سفرين كبيرين في فلسفة العلوم أن يبقى مصراً على حماسته للتفكير الأرسطي ولكل من اتكأ عليه من الفلاسفة العرب مع أن مناهج التفكير العلمي الحديث لم تتطور إلا بعد تحررها من سطوة أرسطو ومنطقه .
إن إعجاب الجابري بأرسطو وتلامذته العرب جعله لا يهتم كثيراً بما عرفه بأنه من علوم البيان عند المسلمين كالفقه واللغة والنحو والبيان بل جعله يتجاهل شخصاً كابن تيمية رحمه الله لمجرد إيمانه بأن العقل والنقل لا يتضادان، وأن كل المقولات الفلسفية قابلة للفحص النقدي وقد ألف في (نقض منطق أرسطو) في حين أن ابن رشد الذي اعتبر أن كلا من النقل والعقل نسق بمفرده يحكم على صحته من خلال تناسقه الداخلي يعتبر الأمثل والأرشد عند الجابري، مع أن هذا يعني أن القول بقدم العالم يمكن أن يتجاور في دماغ واحد مع خلق الله للعالم وحدوثه، ويعني التسليم بالترتيب الفلكي الأرسطي الذي أصبح اليوم ضرباً من الفكر الأسطوري التراثي .
إن ما يراه الجابري في التراث البياني (الفقهي) الإسلامي هو مجرد قياس الغائب على الشاهد، والقياس على العلة نفسها، مع أن علم أصول الفقه اشتمل على نشاط عقلي وفكري مهم يتصل بالاستحسان والاستقراء والاستنباط والمصالح المرسلة وفقه الأولويات . . كل هذا لم يعجب الجابري، فبقي مصراً على أن من يستحق وصف العقلانية في الإسلام والتراث الإسلامي هم النقلة عن أرسطو فقط .
أما بالنسبة لريادة المسلمين في المنهج التجريبي والتي لم يقف وراءها إلا القرآن الكريم، وقد تجاوزوا به كل الثقافة الهيلينية القديمة، فإنها لا تلقى الاهتمام الكافي عند الجابري مع أن علماء غربيين كثراً شهدوا لريادة المسلمين في هذا النوع من المنهج الذي أسس لظهور العلم الحديث .
ومع كل هذا فإن ما يجب الوقوف عنده هنا أن العالم عندما يكتشف قانوناً أو سنة من سنن الكون أو المادة فإنه لا يخلقه من العدم، وإنما يكتشفه من خلال الملاحظة والتجريب، إنه الكون المخلوق الذي يشهد بعظمة الخالق وتتكشف أسرار الإبداع فيه للملاحظين ممن يقرؤون في الكون آيات الله في الأنفس والآفاق، واليوم نحن أمام علم تجاوز مجرد القدرة على الملاحظة والتجريب معتمداً على الفروض وتطبيقاتها الناجعة ما يعيد للخلق تلك الهالة من السحر والغموض مصداقاً لقوله تعالى: “وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً” . ويظهر النزوع المتطرف إلى العقلنة غير المنضبطة عند الجابري في مفهومه لتجديد الشريعة، يقول في هذا المعنى: “والتجديد بالنسبة للرؤية الإسلامية جزء من الحياة نفسها بدليل الحديث النبوي المشهور “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها”، وبما أن الإسلام لا يفصل بين الدين والدنيا، فإن تجديد أمور الدين يعني في الوقت ذاته تجديد أمور الدنيا . وبما أن أمور الدنيا تتغير من زمان إلى آخر، فإن مفهوم التجديد ومتطلباته لابد أن يتغير حسب الظروف والعصور . وهكذا فإذا كان بعض الفقهاء القدامى قد فسروا “التجديد” على أنه كسر للبدعة والعودة بالمسلمين إلى سيرة السلف الصالح، فينبغي ألا نقف عند حدود هذا المعنى تقليداً لهم وتقيداً بالتعريف الذي أعطوه للبدعة، والذي استمدوه من ظروف عصرهم ومعطيات واقعهم” .
إن هذا سيعني عند الجابري تعويم الشريعة وتحويلها إلى مقاصد عامة ضارباً بعرض الحائط كل ما هو ثابت وقطعي في أصول قراءة النصوص الأصلية والاستنباط منها، وهو ما أطلق عليه عنده وعند أركون الانتقال من الاجتهاد إلى التجديد .
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
ضرورات تجديد الشريعة عند الجابري آخر تحديث:الجمعة ,01/10/2010
ماهر سقا أميني
يرى محمد عابد الجابري أن المطلوب اليوم هو الانتقال من الاجتهاد إلى التجديد، والاجتهاد هو إعمال العقل في النص (القرآن والسنة) من أجل استنباط الأحكام والقيم ضمن المقاصد العامة للشريعة، وأهم ما يميز الاجتهاد هو اعتباره للنصوص فوق تاريخية لا تتغير ولا يمكن تجاوزها أو الخروج من دلالاتها الواضحة إلى التأويل إلا ضمن أصول حددها الفقهاء، في حين أن التجديد المطلوب لا يتعامل مع النصوص بهذه الأولوية، بل إنه يحتال في جعلها تابعة لما يسميه مستجدات العصر والتطور المعرفي والتغير الفكري الزمكاني، وبالتالي تفقد النصوص الأصلية قدسيتها ويعمل بها كل أساليب تحليل النصوص البشرية، ويتحول التأويل إلى بوابة لفوضى في الفهم والتفسير وتحديد القيم والأحكام لا يمكن معها الركون إلى شيء .
يقول محدداً (التجديد) الذي يحتاج إليه المسلمون اليوم: “والحق أن ما يحتاج إليه المسلمون اليوم هو “التجديد” وليس مجرد “الصحوة”، إن التحديات التي تواجه العالم العربي والعالم الإسلامي تتطلب ليس فقط رد الفعل بل الفعل، والفعل في العصر الحاضر هو أولاً وأخيراً فعل العقل . . لأن العصر يقوم كل شيء فيه على الفعل العقلاني” .
ولنتعرف إلى ملامح التجديد عند الجابري الذي يقول: “إن المطلوب اليوم هو إعادة بناء منهجية التفكير في الشريعة انطلاقاً من مقدمات جديدة ومقاصد معاصرة، وبعبارة أخرى: المطلوب اليوم تجديد ينطلق لا من مجرد استئناف الاجتهاد في الفروع، بل من إعادة تأصيل الأصول، من إعادة بنائها) . وقبل الوقوف عند المقدمات والمقاصد الجديدة وقبل الوقوف عند المقصود من إعادة بناء النصوص” يتابع الجابري قائلاً: (إنما نريد أن يتجه تفكير المجتهدين الراغبين في التجديد حقاً والشاعرين بضرورته فعلاً إلى القواعد الأصولية نفسها، إلى إعادة بنائها بهدف الخروج بمنهجية جديدة تواكب التطور الحاصل، سواء على صعيد المناهج وطرق التفكير والاستدلال أو على صعيد الحياة الاجتماعية والمعاملات الجارية فيها التي تفرضها مستجدات العصر وضروراته وحاجاته . إن القواعد الأصولية التي ينبني عليها الفقه الإسلامي لحد الآن ترجع إلى عصر التدوين (العصر العباسي الأول)، وكثير منها يرجع إلى ما بعده . أما قبل عصر التدوين هذا فلم تكن هناك قواعد مرسمة تؤطر التفكير الاجتهادي بمثل ما حدث بعد، والفقهاء الذين وضعوا تلك القواعد قد صدروا في عملهم الاجتهادي ذاك عن النظام المعرفي السائد في عصرهم، وعن الحاجات والضرورات والمصالح التي كانت تفرض نفسها في ذلك العصر، وبما أن عصرنا يختلف اختلافاً جذرياً عن عصر التدوين ذاك، سواء على مستوى المناهج أو المصالح، فإنه من الضروري مراعاة هذا الاختلاف والعمل على الاستجابة لما يطرحه ويفرضه) .
إن اختلاف المناهج والمصالح (حسب الجابري) هو الذي يملي علينا إعادة قراءة النص، ومن الواضح أن هذا يعني أولا الاستغناء عن تراث فقهي غني اعترف بعقلانيته وقدرته على التعامل مع كل الأزمنة والأمكنة الغريب قبل القريب، أما اختلاف المناهج فهو اختلاف في مناهج معرفية قد تصلح للتعامل مع النصوص البشرية كمناهج التحليل النفسي والبنيوية والتفكيكية والألسنية وغيرها، ولا أعرف سبباً لترك فهم الصحابة الكرام والتابعين القريبين من مشكاة النبوة وأساليب اللغة العربية في التعبير والبلاغة والبيان وغيرها من الزاد المعرفي الذي اشترطه العلماء للاجتهاد من أجل مناهج لا صلة لها بنص سماوي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم إن أية معرفة بشرية هي معرفة تراكمية لا تنسف كل الماضي من أجل الحاضر، إلا عند الحداثيين من المفكرين العرب فإنهم يرون إلقاء كل ما تم إنتاجه إسلامياً عبر التاريخ في مزبلة التاريخ لتحل محله مناهج مستوردة ليس لها رصيد من الصدق والثبات والنجوع .
أما بالنسبة لاختلاف المصالح فإن ما يرشد هذه المصالح ويفرزها ويحكم على إنسانيتها وأخلاقيتها هي النصوص وليس كما يتصور الجابري الذي يعتبر اختلاف المصالح سبباً في إعادة بناء النصوص وقراءتها، وحبذا لو انتقل الحداثيون من التنظير إلى الحديث المفصل مع الأمثلة الموضحة فما هي المصالح الجديرة بالاعتبار التي لا تتفق مع ما رآه المجتهدون السابقون في النصوص وما استنبطوه من أحكام؟
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
أجل ، هذا صنيع الحداثيين المقلدين
يلحون على تبديل تصميم الدار وهم واقفون خارجها
يقفون بعيدا عن معترك الاجتهاد لعجزهم عن امتلاك آلياته العلمية
فلا يجدون سبيلا إلى الفت في عضد أهله إلا بإلقاء الشبهات ..
وقد ألف الجابري رحمه قبل أن يموت كتابا
طبق فيه منهجه القائم على تحليل النص القرآني باعتباره كتابا تاريخيا لا وحيا منزلا
وسماه تفسيرا للقرآن زعما وتطاولا ، وحشاه بتطبيقات لا صلة لها بأصول العلم الشرعي
ولا تقبلها مسلمات العقل البشري السليم .
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرزاق أبو عامر
أجل ، هذا صنيع الحداثيين المقلدين
يلحون على تبديل تصميم الدار وهم واقفون خارجها
يقفون بعيدا عن معترك الاجتهاد لعجزهم عن امتلاك آلياته العلمية
فلا يجدون سبيلا إلى الفت في عضد أهله إلا بإلقاء الشبهات ..
وقد ألف الجابري رحمه قبل أن يموت كتابا
طبق فيه منهجه القائم على تحليل النص القرآني باعتباره كتابا تاريخيا لا وحيا منزلا
وسماه تفسيرا للقرآن زعما وتطاولا ، وحشاه بتطبيقات لا صلة لها بأصول العلم الشرعي
ولا تقبلها مسلمات العقل البشري السليم .
أشكرك أخي عبد الرزاق أبو عامر
لايجوز التلاعب والتزوير بالتشريع الالهي الحتمي
انهم مجموعة غاوون يتلاعبون ويمرحون بأفكارهم المريضة
محمد
رد: هل القرآن كتاب تاريخي؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل محمد زغل السلوم , حياك الله , الموضوع الذي طرحت بين أيدينا موضوع لا أرى له أي قيمة فكرية أوعلمية أو معرفية , وذلك للأسباب الأربعة التالية :
1- أن القرآن الكريم وحي من الله عز وجل وهو ينطوي على قدسية تغطي كل نصوصه بإجماع الأمة .
2- القرآن الكريم آخر الشرائع السماوية نزولاً لذلك جاء مستوعباً لكل معطيات التطوّر الحضاري ومواكباً الزخم العلمي والمعرفي إلى يوم القيامة .
3- أنه الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان يلبي حاجات البشر بكل ما يفرزه الواقع الحضاري والاجتماعي من جديد على كافة مناحي الحياة .
4- هذه الطروحات كما لايخفى على أي باحث من ورائها أيد ماكرة تهتدف إلى تجريد القرأن من أهم خاصيتين :
أ - خاصية الإجاز . ب - خاصة القدسية .
وبذلك يغدو مجرد وثيقة تاريخية بل مجرد نصوص عادية لها طابع البشرية وعند ئذ ينزلها أولئك على منهجهم الذي صاغوه والذي يهدف في النهاية إلى سلخ المسلمين عن أحكام القرآن والزج بهم في نفق العلمانية المظلم . ولاننس أن العلمانيين لايقرّون بشيء اسمة القدسية ولا يعترفون أن القرآن وحي سماوي . بل هو كتاب من كتب الثراث العربي , ولعل من تحدثت عنه محمد عابد الجابري واحد من هؤلاء . ومثله أيضاً الدكتور طيّب تيزيني في كتابه الموسوعي من التراث إلى الثورة , حيث يميل إلى اعتبار القرآن واحداً من كتب الثراث العربي , أخي محمد أشكرك على إثارة هذا الموضوع وإن كنت لا أرى له أي قيمة فكرية أوعلمية , لكن يكفي أنه أثار انتباهنا إلى تلك الثلة التي تتربص بالقرآن والسنة معاً لتزاد الأمة بدينها تمسكاً أكثر من أي وقت مضى , جزاك الله خيراً , المأمول أن تطرح مواضيع هادفة في قادمات الأيام , وفقك الله لكل خير .