-
باحث في علم الاجتماع
الدولة الإسلامية: الحرية والحقوق الفردية والمدنية كذبة (12)
مصطفى إنشاصي
الزعم أن الدولة المدنية تحترم كل الأديان وتعامل أتباعها على أساس المواطنة والحقوق المتساوية وتلتزم الحياد تجاهها ولا تنحاز لدين ضد آخر زعم غير صحيح في كل الدول المدنية والديمقراطية الغربية وتكذبه سياسات تلك الدول، لأنه لا يتمتع فيها الفرد بالحرية المطلقة ولا تحصل فيها الأقليات على حقوق متساوية مع بقية مواطني تلك الدول!
لا أريد الخوض هنا في تفاصيل يطول الحديث فيها عن القيود التي يضعها الغرب لمنع إحداث أي تغيير على نظمه ودوله المدنية (العلمانية) الديمقراطية، وذلك أمر طبيعي لأن كل مجتمع أو نظام يضع قيود ومحاذير يحاول من خلالها منع الخروج عليها أو اختراقها لتغيير واقعه وقيمه العامة وتصوراته الفلسفية للحياة والكون!
ولا عن عدم صحة مزاعمه عن المساواة بين جميع مواطنيه على أساس حقوق المواطنة، ولا عن مزاعمه عن الحريات وحقوق الإنسان والحريات العامة والفردية وغيرها التي يشعل بعض أقطار وطننا ناراً وقتلاً ودماراً بزعم دعمه لحقوقهم في التغيير وإقامة الدول المدنية التي يتساوى فيها الجميع على أساس المواطنة!
لأن الحقيقة أن الغرب العلماني الديمقراطي لا يؤمن بحرية الفرد في الاختيار إلا في ما يتعارض مع الفطرة السوية وفي ما يدمر المجتمعات وقيمها الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية، لذلك نجده يسن تشريعات ذات طابع ديني لأنماط حياتية وسلوكية وأخلاقية تتناقض مع الفطرة السوية والطبيعة الإنسانية، وهي كثيرة ليست مجال حديثنا ولكن نُذكر بنماذج منها لتتضح الفكرة للبعض الذي قد تغيب عنه مضامين ما نقصد؛ مثل: إباحة ممارسة المنكر والفاحشة -فعل قوم لوط - إباحة زنا الزوج أو الزوجة في حال رضاهما، بيوت الرذيلة، سن قوانين تبيح زواج المثليين وبناء أسرة من رجل ورجل أو امرأة وامرأة، السماح بتشكيل جماعات عقائدية منافية للفطرة والأديان المتعارف عليها … وأخرها إكراه العالم التوقيع على اتفاقية سيداو في الأمم المتحدة التي تبيح زواج وزنا المحارم!
أهذا يقبله عقل سوي أو فطرة سوية؟! ذلك هو الغرب المريض غير السوي لا في فطرته ولا فكره ولا سلوكه غلبته المادة وانحدر إلى درك حيواني لم ينحط إليه الإنسان في عصور الهمجية، وإذا حاولت أن تغير شيء من ذلك يمنعك القانون ويحاربك ويعتبرك إرهابي!
ليس ذلك فحسب ولكن على الرغم من زعم الدول الغربية بأنها أنظمة مدنية (علمانية) ديمقراطية تؤمن بالحرية الفردية وحرية الاختيار وتساوي بين جميع مواطنيها نجدها تحارب بشدة في بعض أقطارها التي تعتبر نفسها حارسة لقيم الحضارة والثقافة والديمقراطية الغربية أي مظهر إسلامي هو من صميم الاختيار الفردي ومن صميم حرية الفرد بحسب مزاعمها عن الحريات والحقوق الفردية، وهي لا تفعل ذلك بتلقائية وعفوية ولكن بتدبير ووعي وسبق إصرار وترصد، لماذا؟! لأنها ترفض وتحارب أي شيء يتعارض مع قيمها الغربية ونظامها العام وإن صح التعبير (المقاصد والكليات العامة لأنظمتها العلمانية).
فكثير من دول الغرب المدنية مازالت لا تعترف بدين الأقلية الإسلامية فيها، وتُفرق بين مواطنيها على أساس الدين وتعتبر المسلمين مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة أو أكثر، ومازال المسلمون لم يتساووا بأقرانهم من مواطني تلك الدول في كثير من الحقوق المدنية والدينية وغيرها، والإسلام يُحَارب تحت شعارات كثيرة حتى أن كثير من دول الغرب التي تبيح التعري وزواج المنحرفين والشواذ كحرية شخصية تعارض حجاب المرأة المسلمة ونقابها ولا تسمح به حفاظاً على قيم الثقافة والحضارة الغربية، ولا تعتبره حرية فردية وشخصية، وبعضها يمنع بناء المساجد أو الأذان أو الاعتراف بالأعياد الإسلامية ومنح المسلمين إجازات فيها مساواة ببقية المواطنين …إلخ!
ناهيك عن أمريكا التي تزعم أنها حامية حقوق الإنسان في العالم التي مازالت بعض ولاياتها تُفرق بين مواطنيها على أساس اللون والعرق! ألا يتعارض ذلك مع الحقوق المدنية والحريات الفردية الكاذبة التي يحاولون تصديرها لنا لإثارة الفتن من خلالها بين أبناء الوطن الواحد وتمزيق وحدة أقطارنا، والواقع شاهد على ذلك؟!
أليس ذلك النهج من الدول المدنية (العلمانية) الديمقراطية الغربية هو الوجه الحقيقي للغرب الذي يحاول الحفاظ على مفاهيمه وتصوراته وقيمه التي ارتضتها لنفسها ولمجمعاتها حتى وإن خالف نهجه الفطرة السوية والقيم الإنسانية ودمرت الفرد والمجتمع وتناقض مع شعاراته ومزاعمه عن الحقوق الفردية والحريات الخاصة والعامة؟!
على ذلك أليس من حق الإسلام بل الأولى بالمسلمين أن يحافظوا هم على فطرتهم السوية وقيمهم الإنسانية من غزو واختراق قيم الغرب الشيطانية المدمرة للحياة الإنسانية والمهلكة للحرث والنسل لمجتمعهم وعقول أبنائهم، سواء كان ذلك طاعة لله وهو ما نرجوه أو غيرة وحفاظاً على مستقبل أبنائهم ومجتمعهم؟!
إن كان البعض غير مبالٍ بعواقب دعوته ليكون نظام الحكم في أقطار وطننا مدنياً (علمانياً) على الطريقة الغربية دون النظر لاختلاف مصدر وطبيعة الدين الإسلامي والقيم الإنسانية العالمية التي يدعو إليها، واختلاف مسار التطور التاريخي والاجتماعي لمجتمعاتنا وما تتمتع به من خصوصية تختلف عن المجتمعات الغربية، وسواء يفعل ذلك عن علم ووعي بما يريد أو عن نتيجة للهزيمة النفسية والفكرية والانبهار بالغرب وقيمه ونظمه، ليس من حقه أن يفرض ذلك على الغالبية العظمى في مجتمعنا تحت سوط الإرهاب الفكري والأمني واتهام الإسلام بما ليس فيه، أو باستخدام الأسلوب التحريضي الغوغائي الفوضوي وغيره ذلك، وأن يكون ديمقراطياً كما يزعم وإن كنت لست مع الاستفتاء على أي أمر من أمور الدين إلا أنه قطعاً لدابر الفتنة يتم سؤال الناس عن النظام الذي يريدونه منهجاً يحكم حياتهم ويحترم خيار الجماهير؟!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى