. . . بعد سبعةٍ وعشرين يوماً ، سأكونُ على موعدٍ مهيبٍ مع حضرةٍ راقية ، تهابُ لها القامات ، وتنحني لها الهامات ، وتنطلقُ لأجلها الإيحاءات لتهبَ أعذبَ الإلهامات .
ستكون محاضرتي بعنوان ( مفهوم الحب في فكر الدكتور أسعد علي ) ، وذلك في المركز الثقافي العربي في المزة يوم الثلاثاء 20 / 12 / 2024 الساعة الرابعة ، وسوفَ أحاولُ فيها أن أتحدثَ عن أستاذي العظيم الدكتور أسعد علي ، ذلك الإنسانِ الذي تنحني أمامَهُ الرؤوسْ تقديراً واحتراما ، وتفرحُ لمرآهُ النفوسْ غِبطةً ونشوة .
وسأعودُ بالذاكرةِ إلى نهايةِ الثمانيناتِ من القرنِ الماضي حيثُ كان لقائي بهِ في المدرج الأول في جامعةِ دمشقَ كليةِ الآدابِ قسمِ اللغةِ العربية ، سأعودُ لأذكُرَ كيف كُنَّا نطربُ جداً للاستماعِ إلى كلامِهِ العبِقِ البديع ، فقد كان كلامُهُ دوماً مبنياً على منطقٍ قويمٍ ونابعاً من قلبٍ سليم ، وكان يهبُنَا فِكراً حُرَّاً ، وفهماً دقيقاً ، وعلماً واسعاً ، ونوراً ساطعاً ، كان بكلماتِهِ العظيمةِ يدُلُّنا على مقامِ اللهِ القيُّومِ العليم وعلى مكانةِ الرُّسُلِ الكِرامِ ذوي الشأنِ العالي الرفيع .
الدكتور أسعد علي إنسانٌ يبعثُ مرآهُ السكينةَ والودَّ في نفسِ كلِّ مَن يَلقاه ، عالـمُهُ الأوحدُ هو الصمتُ فهو مشغولٌ دوماً مع الملائكةِ وقُدُّوسِها ، فإذا ما تحدثَ فإنهُ لا يقولُ جملةً إلا وتستندُ على آيةٍ من كلامِ اللهِ عزَّ وجلّ ، أو حديثٍ من أحاديثٍ النبيِّ الكريمِ أو ثمرةٍ من ثمراتِ نهجِ البلاغةِ العظيم ، أو تستدلُّ على معجزةٍ من معجزاتِ هذا الكون .
إنه شخصيةٌ متفردةٌ في الكون ، تراهُ فتشعرُ أنك ترى في خِصالِهِ ومحامِدِهِ وفي خَلْقِهِ وخُلُقِهِ كلَّ الأنبياءِ وكلَّ الأولياءِ وكلَّ الصالحين ، فهو يجمعُ في شخصيتِهِ الراقيةِ أبوَّةَ آدمَ وأمومةَ حواء عليهما السلام . . . إنَّهُ أبٌ وأمٌّ للجميع .
حاولتُ عاماً عام 1988 حين التقيتُ بالدكتور للمراتِ الأولى أن أصفَ حديثَهُ ، فكتبت :
في وصفِ الحديثِ ، وصفٌ لصاحبِ الحديث .
رباهُ ؛ ما أشدَّ خوفي ووجلي إذ أتجاسرُ وأتطاولُ وأحاولُ أن . . .
ومنذُ ذلكَ الوقتِ تعلَّقتْ نفسي وتمسَّكتْ بجزءٍ من الرداءِ الصوفيِ للعلَّامةِ الدكتور أسعد علي ، وحاولتُ أن أربطَ نفسيَ الضئيلةَ بوشيجةٍ من قلبِهِ الواسع ؛ فمكَّنَني هذا التعلُّقُ من أن أرشُفَ قطرةً من المنبعِ الأسعديِّ العظيم .
وإنَّ تعلُّقي هذا قد فَسَحَ الطريقَ أمامي لأحاولَ الولوجَ إلى ساحاتِ الأدب ، وفتحَ أمامي الأبوابَ لأُجرِّبَ الغوصَ في بحارِ الشوقِ والوله ؛ وإنَّ كلَّ ما قدمتُهُ وأقدِّمُهُ ما هو إلا ريشةٌ في مَهَبِّ رياحِ الصوفيةِ العاتي الذي أتنسَّمُ عطرَهُ الزكيَّ من نفحاتِ أستاذي العظيم ، وهذهِ الريشةُ إنْ أخذتْ شيئاً من صوفيةِ العلَّامةِ الكبيرِ الدكتور أسعد علي فلا تلتقطُ إلا كما تلتقطُ إبرةُ الخياطةِ قطرةً إنْ هيَ غُمِستْ بماءِ البحر .
لا يظُنَنَّ أحدٌ أني أبالغُ أو أتيهُ في الوصف العميق ، لا ، حين نتحدثُ عن الدكتور أسعد علي فنحنُ لا نتحدثُ عن إنسانٍ عادي ، إنه رجلٌ فريدٌ في هذا العالم ، شخصيةٌ متفردةٌ وطاقةٌ روحيةٌ عجيبة ، صِلاتُهُ الروحيةُ في عوالمِ الدنيا والكونِ أمرٌ عجيبٌ حقاً ، والتنزلاتُ الحُسنى التي تأتيهِ تؤيدُهُ بطاقةٍ كبرى من روحِ القدس .
الدكتور أسعد علي صاحبُ المحاضراتِ العظيمة ، ومؤلفُ الكتبِ الغزيرةِ الوفيرة ، الإنسانُ المعجزة في هذا العالم ، كتُبُهُ المنشورةُ يتجاوزُ عددُها الألف ، وكتبُهُ غيرُ المنشورةِ تفوقُ ذلك بكثير .
كُتِبَ وصفٌ لهُ على غلافِ أحد كتبِهِ الجامعية ( أسعد علي ، دكتور في الأدب وفي الفلسفة ، مجازٌ في الحقوقِ وفي التربية ، أستاذٌ في الجامعة اليسوعية ، أستاذٌ محاضرٌ في الجامعتين اللبنانية والعربية ) .
لقد زرعَ الأستاذُ الدكتور أسعد علي في نفوسِنا بذاراً لا يكفينا العُمُرُ كلُّهُ لكي نجنيَ ثمارَها ؛ بذاراً نُورِثُ الكثيرَ من قِطافِها لأولادِنا وأحفادِنا .
لقد درَّبَنا على الخروجِ من أقفاصِ نفوسِنا الضيِّقة ، وعلَّمَنا كيفَ ننطلق ، وكيف نحلِّقُ عالياً فوقَ المحيطاتِ والبحار .
ولا يفوتني أن أسردَ مقالةً صغيرةً للأستاذ الدكتور أسعد علي من كتابِهِ ( فن المنتجب العاني وعرفانه ) وهو رسالةٌ الدكتوراة في الآدابِ / وقد نوقشت في 5 / 10 / 1967 ، يقول :
كلُّ ذرةٍ من ترابِ بلادي عشيقةٌ أحبُّها .
أغارُ عليها وأجاهدُ من أجلِها .
كلُّ فردٍ من بني قومي أخٌ أحبُّهُ ،
يُفرحني إذا ارتفعَ ويُحزنني إذا سقط .
كلُّ إنسانٍ من بني آدم زميلُ مصيرٍ أصادقُهُ ،
يُسعدني إذا صدقَ ووفى ويُشقيني إذا كذبَ وخان . .
ــــــــــــــــ
أستاذي العظيم : أكتبُ لكَ بفيضٍ من قطراتِ عيني بل بماءٍ من مِداد قلبي ؛ يا من علَّمتني الصفاءَ في التفكير والنقاءَ في التدبير ، وأوصلتني إلى فم النبع ، يا من علَّمتني كيف أستغني أحياناً عن ألفِ كتابٍ وأغتني عنها بصحيفةٍ واحدة أو نصفِ صحيفةٍ تعلِّمني ما معنى ( ولَذكرُ الله أكبر ) ، أو تعلِّمُني فلسفةَ لقمان ، أو تعلِّمُني الطاعةَ والاستقامة .
أستاذي : لقد طالَ الوقتُ ومازلتُ مقصِّراً .
أطالَ الله عمرك أيها المعلِّمُ العظيم ، وأمدَّك بثوبِ الصحَّةِ والعافية .
ــــــــــــــــ
أتشرفُ بدعوتكم لحضور محاضرتي ( مفهوم الحب في فكر الدكتور أسعد علي ) ، وذلك في المركز الثقافي العربي في المزة يوم الثلاثاء 20 / 12 / 2024 الساعة الرابعة عصراً .
الدعوةُ مفتوحةٌ لأهلِ الذوقِ السُّعداء .