-
باحث في علم الاجتماع
الغرب والإسلام فلسطين في المخططات اليهودية – الغربية (17)
الغرب والإسلامفلسطين في المخططات اليهودية – الغربية (17)مصطفى إنشاصيدون أن نتعمق في التاريخ كثيراً لنبدأ من فترة قريبة؛ من الحركة الحسيدية اليهودية الصوفية التي أسسها (إسرائيل بن إليعازر 1700-1760)، وقد بدأت هذه الحركة في جنوب بولندا في القرن الثامن عشر معتمدة على أفكار حركة القبالاه اليهودية، وقد لعبت دوراً كبيراً في تطوير مفهوم (القومية اليهودية) وربط (فكرة الخلاص) باغتصاب فلسطين لا انتظار المسيح اليهودي الذي يعيدهم إليها سلمياً! حيث غدت هذه الحركة تربط صوفية الأرض باغتصاب فلسطين.دعوة نابليون بونابرت عشية حملته على الشرق الإسلامي وليس على (مصر وبلاد الشام) فذلك اسم الحملة الحقيقي في الوثائق الفرنسية عام 1798، لإعادة اليهود لوطنهم المزعوم التي يعتبرها العلمانيين أنها هي التي فتحت أعين الغرب على أهمية فلسطين الإستراتيجية، وأهمية استغلال اليهود الذين لم يفكروا من قبل بفلسطين وينتظرون المسيح اليهودي لعيدهم إليها سلماً، علماً أن دعوته لليهود ليساعدوه في حملته على شرق وطننا مقابل أن يمنحهم فلسطين جاءت بناء على رسالة وصلته من مجلس السنهدرين اليهودي الإيطالي.بعد حملة محمد علي على بلاد الشام تشكل شبه إجماع أوروبي على ضرورة زرع اليهود في فلسطين كما ذكرت صحيفة التايمز اللندنية في مقال عنوانه "سوريا - إرجاع اليهود" عام 1838م: "لم يعد اقتراح وضع الشعب اليهودي في أرض آباءه بحماية الدول الخمس مجرد فكرة بل اعتباراً سياسياً جاداً".بعدها أرسل اللورد اليهودي البريطاني روتشيلد إلى رئيس وزراء بريطانيا في أربعينيات القرن التاسع عشر بالمرستون، رسالة لم تخرج في مضمونها عن النتائج التي خرج بها تقرير كامبل بنرمان، كما سيأتي، الذي بناء عليها تم التحالف مع الحركة الصهيونية، فقد أوضح فيها أهمية إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين لشطر الأمة والوطن: "هناك قوة جذب بين العرب وعودة مجدهم المرهون بإمكانات اتصالهم واتحادهم، وأن فلسطين تعد الجسر الذي يصل بين مصر وبين العرب في آسيا، بوابة الشرق حيث يجب زرع قوة غريبة لتكون حاجزاً".هذا التحريض على إقامة الحاجز البشري اليهودي ليمنع وحدة الأمة، ويحول دون إعادة مجدها الماضي الذي يتطلعون إليه كما جاء في رسالة روتشيلد، لم ينفك القادة اليهود عن تكراره على الغرب طوال عشرات السنوات بعدها. فهذا تيودور هرتزل في كتابه "دولة اليهود" الذي صدر عام 1896م، يقول: "ونقيم هناك ـ فلسطين ـ جزءاً من حائط لحماية أوروبا في أسيا يكون عبارة عن حصن منيع للحضارة في وجه الهمجية، ويتوقف علينا كدولة محايدة أن نبقى على اتصال مع أوروبا التي ستضمن وجودنا بالمقابل".وتلك الفكرة بدأ حاييم وايزمان ترديدها على مسامع الحكام في لندن طوال السنوات الخمس الأولى من القرن العشرين، قبل عقد مؤتمر لندن عام 1905، حيث كان يردد: "فلسطين اليهودية هي ضمانة لإنجلترا خاصة فيما يتعلق بقناة السويس".فلسطين قضية الأمة المركزيةلقد أقلقت نظرية كون الحضارات تمر بدورات متعاقبة تنمو وتزدهر، ثم تشيخ وتذبل وتندثر،التي أطلقها الفيلسوف الألماني (أوزوالد شبنجلر) في النصف الثاني من القرن التاسع عشر متأثراً بأفكار ابن خلدون عن زوال الدول، وقد كان أول من تنبأ تنبؤاً قاطعاً بانهيار الحضارة الأوروبية الحالية، أقلقت بال زعماء الدول الأوروبية التي كانت تحتل معظم أراضي العالم القديم والجديد. ومما زاد من قلق الغرب في ذلك الوقت على مستقبل حضارته المادية، تصاعد مقاومة الشعوب المحتلة، وإصرارها على التحرر من احتلاله واستغلاله لثرواتها، واستعباده لشعوبها. وقد صاحب تلك المقاومة محاولات جادة فكرية وثقافية وسياسية لتوحيد الأمة في إطار جامع، واستعادة نهضتها. وقد آمن المؤرخ البريطاني (جيمس أرنولد توينبي) بنظرية شبنجلر عن صعود وهبوط الحضارات وزوالها، لكنه قال: "أن هذا لن يحدث للحضارة الراهنة ـ الغربية ـ، والسبب في رأيه أن الحضارة الراهنة تعلمت من التاريخ وعرفت الخطر فهي سوف تتمكن من أن تتجنب تكراره". فما هو ذلك الخطر المحدق بالحضارة الأوروبية الذي عرفته وتعمل على تجنب تكراره؟ يجيب على هذا السؤال:مؤتمر لندن وتقرير كامبل بنرمانلقد كان مؤتمر لندن الذي عقد عام 1905م أخطر عمل قام به المستشرقين الغربيين ضد الأمة والوطن، فقد عقد المؤتمر بدعوى من حزب المحافظين البريطاني، وكان يهدف المؤتمر إلى تكوين جبهة من الدول الأوروبية ذات المصالح المتوافقة في العالم آنذاك، وهي: بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والبرتغال وإيطاليا وأسبانيا. وقد اتفقت هذه الدول على التعاون الودي فيما بينها، وتأليف لجنة من خبرائها تتولى الدراسة والبحث في نمو مصالحها المشتركة التي كانت تتمتع بها. وقد اشترك في المؤتمر مجموعة من كبار علماء التاريخ والاجتماع والزراعة والبترول والجغرافيا والاقتصاد، وأضخم نخبة من المفكرين والسياسيين الأوروبيين ممثلين عن الدول الصليبية المشاركة فيه.وقد كان الموضوع الوحيد المطروح للدراسة والبحث في هذا المؤتمر، كما جاء في خطاب (كامبل بنرمان) رئيس وزراء بريطانيا عن حزب الأحرار آنذاك، هو: "... فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون السقوط والانهيار، أو تؤخر الاستعمار الأوروبي وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفذت مواردها وشاخت معالمها بينما العالم الآخر لا يزال في شبابه يتطلع إلى مزيد من العلم والتنظيم والرفاهية". وقد حدد كامبل بنرمان الخطر الذي يهدد الحضارة الأوروبية في خطابه الافتتاحي عندما قال: "إن الحضارة الأوروبية مهددة بالانحلال والفناء والواجب يقضي علينا أن نبحث في هذا المؤتمر عن وسيلة فعالة تحول دون انهيار حضارتنا".بعد سنتين أنهى المؤتمر دراسته وقدم نتائج ما توصل إليه على شكل تقرير سري خاص إلى وزارة الخارجية البريطانية، التي عندما رأت خطورته أحالته إلى وزارة المستعمرات البريطانية، ثم اختفى التقرير من غير أن يعرف أحد به. إلى أن نشره صحفي بريطاني صهيوني في معرض الدفاع عن فكرة "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين، واستشهاداً بآراء الحكومة البريطانية وقراراتها وموافقة سادة الاستكبار العالمي على ذلك، وتبريراً لقيام الكيان الصهيوني كضرورة اقتصادية وسياسية واجتماعية لأوروبا ومصالحها وسيطرتها على الشرق.وقد حدد التقرير موطن الخطر الذي يهدد الحضارة الأوروبية، بأنه يكمن في الشعب الواحد الذي يعيش على الشواطئ الجنوبية والشرقية للشريان البحري الحيوي لتلك الدول وللتجارة العالمية ـ البحر المتوسط، والتواصل بين تلك الدول ومناطق احتلالها. لذلك كانت توصياته العاجلة تتمثل في: "ضرورة فصل الجزء الإفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي وضرورة إقامة الدولة العازلة إذ أن إقامة حاجز بشري قوي على الجسر الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معا بالبحر المتوسط بحيث يشكل من هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة، وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة". وقد كان من الوسائل والسبل أيضا: "العمل على إيجاد التفكيك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة لتلك الدول وخاضعة لسيطرتها وأوصى التقرير بشكل خاص على محاربة اتحاد هذه الجماهير العربية أو ارتباطها بأي نوع من أنواع الاتحاد الفكري أو الروحي أو التاريخي وبضرورة إيجاد الوسائل العلمية القوية لفصلها عن بعضها بعض ما استطاع الاستعمار إلى ذلك سبيلا".وأخيراً صدر وعد بلفور في 2 تشرين الثاني/نوفمبر 1917، ليجسد التحالف اليهودي – الصليبي واقعاً في فلسطين وتحويلها إلى وطن لليهود، لتكون راس الحربة للصهيونية واليهودية العالمية والغرب العلماني في كل شيء الصليبي مع المسلمين! وذلك الإجماع الغربي بين جميع الطوائف والمذاهب الدينية والسياسية النصرانية على عمق خلافاتها وصراعاتها، دفع باحثاً ومفكراً يهودياً صهيونياً إلى وصف "وعد بلفور"، الذي كان أول ثمرات هذا التحالف، وصفاً بالغ الدقة، فقال: "لقد كان (وعد بلفور)، بمعنى بالغ العمق، وثيقة (مسيحية) أو لنقل قول العابر المتعجل (وثيقة بروتستانتية)".
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى