فرنسا رائدة الحرب الصليبية ضد الإسلام؟! (الأخيرة)
مصطفى إنشاصي
وصلتني بعض التعليقات على إحدى الحلقات الماضية أعتبرها وجهة نظر لها احترامها وإن اختلفت معها إلى حد ما؛ ترى أن الغرب العلماني الملحد اللا ديني في صراعه معنا في هذا العصر لا يبني سياساته العدوانية ضدنا على أسس دينية لكن على أساس المصالح السياسية والاقتصادية له في وطننا، لذلك هم يعترضون عن مصطلح الحرب الصليبية وأن استخدامه يجب أن يكون استخدام رمزي للتدليل على مدى همجية الغرب في حربه ضدنا فقط، لكن ليس بمعناه الديني الحرفي!
عن نفسي كما أوضحت للبعض لا أريد أن نختلف حول المصطلح وننشغل عن المضمون وأبعاد الهجمة اليهودية – الغربية ضد الأمة والوطن، لأني أوقات أستخدم مصطلح الهجمة الغربية الحديثة وأوقات أضيف لها مصطلح الصليبية للإشارة إلى الروح التي تحكم الغرب في حربه ضدنا، تؤكد أن الروح والدوافع الدينية لدى الغرب لم تغادر تفكيره ومخططاته ضدنا كمسلمين تحديداً! فالمجتمع الغربي عندما تخلص من سطوة وسيطرة الكنيسة نهاية العصور الوسطى الأوروبية انتكس انتكاسات مدمرة إنسانياً في علمانيته وإلحاده ووثنيته، إلى أن وصل به الحال إلى ما نحن عليه الآن من وثنية بشرية ودين "أخلاق السوق" كما وصفه المفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي، لكنه لم يتخلى فيها يوماً عن دينه عند تعامله مع الآخر المسلم ولا عن روحه الصليبية في علاقته مع المسلمين!

الغرب لم ينسى مالي الإسلامية وموقعها الاستراتيجي
الكثير منا يجهل تاريخ دولة مالي الإسلامية ذات الموقع الاستراتيجي الوسط في إفريقيا، تلك الدولة القوية ذات الحضارة والتقدم العلمي والمدنية، الدولة التجارية العظيمة التي بلغت تجارتها إلى الصين، التي عقدت معها اتفاقيات تجارية لشراء الملح منها، إضافة إلى تصديرها الذهب للعالم. كما أنها اكتشفت وطن من سماهم الفارين واللصوص الأوروبيون (الهنود الحمر) أمريكا في زمن كانت فيه أوروبا تخشى الاقتراب مما تسميه بحر الظلمات (المحيط الأطلسي). وقد دفعت مالي ثمن حقد الغرب الأسود على المسلمين مثلها مثل كل أقطار الوطن بعد خروج الغرب الهمجي الصليبي من عزلته بفضل علوم المسلمين وقد نالت نصيبها من خطف أبنائها واستعبادهم وإذلالهم وتغيير دينهم وارتكاب المجازر ضدهم كما يفعل الفرنسيين الآن!
وكما غفلنا عن مالي الإسلامية الموقع الاستراتيجي والحضارة والتجارة عالمياً غفلنا عن حقيقة أهداف فرنسا والغرب من التدخل في مالي غفلنا عن مصالح كيان العدو الصهيوني التي لا تنفصل عن مصالح الغرب، التي سرعان ما ذكرنا بها تقرير نشرته صحيفة القدس العربي بداية هذا الأسبوع وهو ملخص لدراسة صهيونية تبين أن مالي ستكون بوابة كيان العدو الصهيوني للعودة على إفريقيا مرة أخرى بعد أن انحسر وجوده ونفوذه فيها منذ عقود، وهذا يفسر لنا أسباب سرعة تأييد ودعم بنيامين نتنياهو للتدخل الفرنسي في مالي منذ بدايته!

الغرب اليوم كما هو بالأمس
والغرب الصليبي اليوم كما هو بالأمس يرفع شعارات كاذبة ووهمية وخادعة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، هدفه من ورائها القضاء على الإسلام وتدمير مقومات القوة الكامنة فيه، التي تمنعه من التمكن من السيادة على المسلمين وإخضاعهم الإخضاع التام. ولو تأملنا أوجه الهجمة الغربية الحديثة نجدها في جوهرها تستهدف الإسلام وتدمير مقوماتنا العقدية والسياسية والأخلاقية والمعنوية وتدمير قيمنا وتفكيك وحدتنا الجغرافية والمجتمعية وغيرها، واحتلالنا واستعبادنا ونهب ثرواتنا ومقدرات وطننا من خلال احتلال عقولنا باستنساخ قيمه وعقائده وسلوكياته!
فعنوان الهجمة الحديثة محاربة ما يزعمون أنه (الإرهاب) أي الإسلام ونشر قيم الحرية وحقوق الإنسان وإقامة الدول المدنية التي تقوم على أساس الديمقراطية والمواطنة وتطلق العنان للحريات الفردية وتنادي بتحرير المرأة وحرية الاختيار والتشريع القائمة على مبدأ حرية الاختيار الديمقراطي وغيرها!
ومن هذا المبدأ ينطلق دعاة العلمانية المطالبين بالدولة المدنية على الطريقة الغربية لهدم أعز وأغلى ما نملك، عقيدتنا وقيمنا الأخلاقية والاجتماعية التي تميزنا عن المجتمعات الغربية، من خلال مطالبتهم بالتغيير تحت تلك الشعارات البراقة الهدامة التي ينساق خلفها الجهلاء ومرضى النفوس بوعي أو بدون وعي وهم لا يدركون أنهم يحطمون كياناتهم الوطنية ويدمرون وحدتهم المجتمعية، ويسهلون تتدخل الغرب في أوطاننا واختراق سيادتنا الوطنية والعقدية والاجتماعية لتدمير إسلامنا، لأن ما يطالب به أنصاره في وطننا يستهدف بالدرجة الأولى خصوصيتنا الدينية ومنظومة قيمنا الأخلاقية والاجتماعية!
وأجلى مثال على ذلك إضافة إلى ما يجري في بقية أقطار الوطن: مالي! وهنا أقتطف بعض ما ورد في مقالة نشرها "مركز التأصيل للدراسات والبحوث" بعنوان "ماذا يحدث في مالي؟! اقرأ لتعرف"! أرسلها لي أحد المتابعين لحلقات الموضوع فيها ما يؤكد ما سبق أن ذهبت إليه في حلقات ماضية لكن دون ذكر دليل عليه من واقع ما يجري في مالي، حيث جاء فيها:
شهدت مالي تمرداً عسكرياً في 21 مارس 2012، حيث سيطرت مجموعة من العسكريين الماليين على السلطة، بعد استيلائها على القصر الرئاسي في العاصمة باماكو، وتم هذا الانقلاب قبل 5 أسابيع من الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في مالي، والتي كانت مقررة في 29 إبريل الماضي، وبرَّر القائمون بالانقلاب موقفهم بالقول: إن “حكومة الرئيس المطاح به لم تدعم بشكل كافٍ المعركة التي يخوضها جيش مالي ضد الطوارق العرب في الشمال الذي يعجّ بالأسلحة والمقاتلين”. فالانقلاب الذي حدث في مالي سببه العداء للإسلاميين في شمال مالي، فالانقلابيون “العلمانيون” من صغار الضباط في الجيش المالي يرون أن في سيطرة الإسلاميين على زمام الأمور في الشمال المالي خطراً عليهم، لأنّ منهجهم قائم على العلمانية وإزاحة الدين عن حياة الشعب المالي، رغم أن الإسلام هو دين أغلبية الشعب حيث يشكل المسلمون حالياً نحو 90% من سكان مالي التي تعتبر أكبر دولة في غرب إفريقيا، بينما لا تزيد نسبة (المسيحية) باختلاف طوائفها عن نسبة 5 % من الشعب المالي، ويدين بديانات أخرى بقية الشعب البالغ نسبتهم 5%!
وتزامناً مع هذا الانقلاب أعلنت عدة جماعات إسلامية في منطقة أزواد (الشمال المالي) وعلى رأسها حركة “أنصار الدين” التي تسيطر على مدينة تمبكتو في شمال مالي آنذاك أنها تخوض حرباً من أجل الإسلام في مالي وحفاظاً على الهوية الإسلامية لسكان المنطقة وأنها ضد أي ثورة لا تندلع باسم الإسلام. وقال عمر هاماهاي القائد العسكري للحركة في شريط فيديو صوّره هواة: “إن حربنا حرب مقدسة، إنها حرب قانونية.. نحن ضد عمليات التمرُّد، نحن ضد الاستقلالات، ونحن ضد جميع الثورات التي لم تنشب باسم الإسلام. وأضاف: "ما نريده نحن ليس أزواد"؟
إذن فما يحصل في مالي هذه الأيام من قِبل الإسلاميين في الشمال ليس تمرداً على الدولة ولا هدفه الانفصال وإنما هو تمرُّد على التمرد العلماني، وطلباً لحكم الشريعة وتحكيمها في حياة شعب مالي المسلم. لأجل ذلك حملت دول غربية - وعلى رأسها فرنسا - على عاتقها محاربة هؤلاء المجاهدين وكبح جماحهم؛ خوفًا من بزوغ فجر جديد لدولة إسلامية وليدة تتحاكم إلى شرع الله؛ وحتى لا يتم "تصدير" هذه الفكرة إلى غيرها من البلدان المنابذة لحكم الشريعة.
من ناحية أخرى كشف المتحدث باسم حركة أنصار الدين المالية المعارضة، سنده ولد بوعمامة، عن سر الحملة العسكرية الفرنسية في مالي، وحذّر من أن التدخل العسكري الفرنسي في مالي يستهدف بالدرجة الأولى الجزائر، داعياً الجزائريين للوقوف إلى جانب الحركة. وقال في حوار مع صحيفة (الشروق) الجزائرية: "إنه مشروع فرنسي لإعادة مكانة فرنسا في المنطقة التي حظيت بها خلال ستينيات القرن الماضي؛ ففرنسا أرادت هذه الحرب وخططت لها منذ سنوات، وهي الآن تنفذها، حيث الصراع يعود إلى سنوات، بل إلى عقود من الزمن". فقد بدأت فرنسا منذ صباح (11/1/ 2013) التدخل العسكري شمال مالي؛ لمطاردة الجماعات الإسلامية التي تسيطر على تلك المنطقة، وعلى رأسها جماعة أنصار الدين، كما أعلنت المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) أنها تنوي إرسال مقاتلين إلى مالي؛ لمساعدة الحكومة في وقف مدّ الإسلاميين!