المجازر الصهيونية التطبيق العملي لأوامر التوراة (2)
مصطفى إنشاصي
جميع الكتاب بلا استثناء عند كتابتهم عن المجازر والمذابح الصهيونية التي يرتكبها العدو الصهيوني في فلسطين وغيرها، يرجعون ذلك إلى: الديانة اليهودية، حياة الجيتو اليهودي، (اللاسامية)، ثم يحشرون واقع المجتمعات الأوروبي والتحولات التي حدثت فيه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؛ بتقديري أنه حشر قسري، ليربطوا بين ذلك الواقع الأوروبي وما سيتوصلون له من تحليل بأن: الحركة الصهيونية حركة سياسية (استعمارية)، نتاج العقلية والثقافة الأوروبية في عصر الاحتلالات الغربية للعالم، ويجردونها من أصولها وجذورها الدينية. ويعترفوا فقط: أن الحركة الصهيونية استغلت الدين اليهودي لتبرير جرائم القتل والمذابح التي ترتكبها، ولتبرير ادعاءها بالحق الديني والتاريخي في فلسطين، في الوقت الذي حقيقة الحركة الصهيونية هي: حركة دينية أسطورية غيبية في جوهرها ومضمونها كله، وهي الأداة السياسية لليهودية العالمية لتحقيق غايات الدين اليهودي. ونؤكد هنا أننا لا نعني بالدين اليهودي أنه الرسالة السماوية التي أنزلت على نبي الله موسى عليه السلام، ولكننا نقصد تلك الأسطورة وما تضمنته من خرافات التي جمعتها التوراة المحرفة والتلمود اليهودي الذي بين أيدي اليهود في الوقت الحاضر، تلك الديانة التي أصبحت ديانة وثنية بعد أن حرفها كتبة التوراة عن أصلها السماوي.

تصنيف المجازر الصهيونية
سنقدم هنا نماذج من المجازر الصهيونية كتطبيق واقعي للمعتقدات الدينية اليهودية عند العصابات الصهيونية، والتي أريد لها تحقيق أوامر الرب لإفراغ الأرض من أهلها واغتصابها، وإبادة جميع سكانها بحسب التوجهات والتعاليم التوراتية. يقول الكاتب والخبير العسكري الاستراتيجي بسام العسلي: (تقترن الحرب بالعنف، وهذا الاقتران ثابت ودائم، غير أن ظاهرة العنف في حرب اليهود ضد العرب تأخذ شكل الإرهاب المنظم، وذلك نتيجة طبيعية لارتباط المذهب العسكري الإسرائيلي بالعقيدة الدينية الداعية إلى القتل والإبادة والاستعباد ... ويهدف جيش العدو الصهيوني من خلال ممارسة الإرهاب تحقيق هدفين: أولهما: إفراغ الأرض العربية من سكانها، قدر المستطاع. وثانيهما: القضاء على الفلسطينيين حيثما كانوا، حتى لا يبقى هناك من يذكر القضية الفلسطينية أو يدافع عنها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القيادة الإسرائيلية تعتقد أن استخدام العنف في الحرب يساعد قواتها على تنفيذ واجباتهم القتالية دونما مقاومة تذكر).
وقد قام الباحث الأميركي باري بليخمان بدراسة حول الآثار المترتبة على الانتقامات الصهيونية، واعتمد على عمليات الانتقام الصهيونية والإحصائيات وردود الفعل على الجانبين العربي والصهيوني وانتهى، إلى أن: الانتقام سلوك قومي إسرائيلي وأن إسرائيل تعتبر الانتقام صورة شرعية من صور السلوك القومي. ولاحظ بليخمان أن التصريحات الإسرائيلية المصاحبة للاعتداءات تتضمن مفردات مشتركة وهي تأكيد على أن تلك الاعتداءات، واجب والتزام وأن (جيش الدفاع) كان مجبراً على التحرك، وأنه لم يكن ثمة اختيار ولا توجد بدائل أخرى.
وتحت مبرر الدفاع عن النفس ارتكبت وتُرتكب جميع المجازر الصهيونية ضد أهلنا في فلسطين وجوارها، والعالم أجمع يسمع تبريرات القادة الغربيين للإرهاب اليهودي وعمليات الإبادة التي تقوم بها عصابات جيش العدو اليهودي ضد أهلنا في فلسطين على أنها دفاعاً عن النفس! وهذا ما اعترف به البروفيسور الصهيوني جيف هلفر رئيس ما يعرف باللجنة الإسرائيلية، في ذكرى نشيطة حركة ism الأمريكية (رايشيل كوري): أن الكيان الصهيوني يقوم بعمليات إبادة جماعية للشعب الفلسطيني. وقال: أنها حينما قالت ـكوري: إن الحكومة الصهيونية تقوم بعمليات إبادة جماعية للشعب الفلسطيني كانت صادقة.

مجازر للإرهاب والتشريد
وهذا التنصنيف من المجازر هو الغالب في الحرب من العدو ضد شعبنا الفلسطيني، فمع صدور قرار مجلس الأمن 181/1947 الذي ينص على تقسيم فلسطين فإن فصلاً جديدا في ملف الإرهاب الصهيوني قد بدأ، وكان محوره هو الإرهاب الترويعي الذي يمهد للتهجير والإخلاء والترحيل والتشتيت. وقد بدأ هذا الملف في النصف الثاني من ديسمبر 1947، بعمليات اعتداء مبرمجة وشرسة على المدنيين في قرى قضاء حيفا. ثم قرى قضاء صفد. ثم قرى قضاء طبرية. وبلغ القتلى المدنيون في هذه الاقضية مئة وسبعين رجلاً وامرأة وطفلاً. ثم تلتها هجمات على سكان الطيرة وسعسع وكفر حسينية وصرفند وقالونيا وبيت سوريك وعيلبون والشجرة وناصر الدين، سقط فيها مائتان وخمسون مدنياً. لكن المذبحة الرئيسية كانت في قرية دير ياسين، ليلة التاسع/العاشر من أبريل، التي راح ضحيتها ثلاثمائة وخمسون شهيداً (من أصل سكان البلدة الأربع مئة).
مهدت هذه العمليات للهجمات على عرب المدن والبلدات، في النصف الثاني من شهر ابريل، لتهجيرهم: طبرية وصفد وعكا وحيفا ويافا. ثم اللد والرملة بعد أقل من ثلاثة أشهر. وكان قتلى كل هجوم يعدون بالمئات، وذلك لإكراه الفلسطينيين على ترك أرضهم والنجاة بحياتهم، كما ساعدت الجيوش العربية عشرات الآلاف من الناجين على ترك ديارهم وأرضهم بدفعهم إلى الهجرة بزعم أن وجودهم في قراهم ومدنهم سيعيق سير المعارك بشكل صحيح، وأن عليهم المغادرة والخروج منها لأيام قلائل إلى أن يتم دحر العصابات الصهيونية والعودة إليها، وبهذه الخدعة في أقل من ستة أشهر لجأ حوالي سبع مئة وخمسين ألف عربي فلسطيني إلى لبنان وسورية وشرق الأردن، هرباً من الموت والفظائع، وبقوة السلاح والإكراه. ولا يزالون، وأبناؤهم وأحفادهم متمسكين بحقهم في العودة، ولن يتكرر ذلك السيناريو مهما ارتكب العدو من مجازر ومذابح، ولن يتركوا مواطن هجرتهم إلى هجرة أخرى!