أين تذهب بنا كورونا؟
عبد الستار قاسم
قال عدد من قادة العالم لجماهيرهم إن جائحة كورونا تتطلب حجرا صحيا لمدة أسبوعين، وتركوا الناس يتفاءلون بأن أمورهم ستسترخي بعد ذلك، وستعود الحياة إلى وضعها الاعتيادي. لكننا نشاهد ونتابع ازدياد أعداد الإصابات بكورونا في مختلف دول العالم، والوفيات بازدياد، والحاجة للمزيد من المستلزمات الطبية تتوالى وترتفع حدتها.
هناك دول تمكنت من محاصرة الجائحة إلى حد ما مثل الصين وإيران. لم تتمكن الصين ولا إيران ولا أي دولة أخرى من القضاء على الفايراس حتى الآن، وبقيت المواجهة في حدود الحصار فقط وذلك من خلال الحجر الصحي ومنع التجول وإغلاق المحال ووقف وسائل المواصلات، الخ.
دول عديدة تعمل بجد واجتهاد على تطوير لقاح ضد الفايراس، لكن لم يتم التوصل إليه حتى الآن. هناك أدوية مخففة لأعراض الجائحة، لكن لا يوجد علاج شاف حتى الآن، وليس من المتوقع التوصل إلى علاج قريبا. بعض الدول تتعاون علميا من أجل تطوير أمصال ولقاحات، وكل الجهود المشتركة ما زالت حتى الآن في طور التجريب.
حتى لو تم التوصل إلى لقاح فإنه ليس من المتوقع أن يتم استخدامه فورا. يجب تجربة أي لقاح يتم تطويره وإخضاعه للفحص والتأكد من آثاره الجانبية قبل أن يتم استخدامه لصحة بدن الإنسان. والحيوانات دائما تتحمل العبء التجريبي الأكبر فداء للإنسان. يتطوع بعض البشر من أجل تجربة اللقاح ولقاء مردود مادي، لكن الحيوانات هي التي تدفع الثمن الأكبر لقاء بعض العلف.
المهم أن مسألة القضاء على الوباء قد تطول، بل هي ستطول. إذا لم يتمكن الإنسان من وقف زحف الوباء حتى الآن، فهل سيتمكن من القضاء عليه فورا؟ وفق ما نسمعه من المختصين في المجالات الطبية والصحية، المراد ما زال بعيد المنال. أي أن على الناس التأقلم مع مدد أطول من التي تعلن عنها الحكومات. المسألة ستأخذ أشهرا وربما أكثر من عام، ومصالح الناس ستصاب بالمزيد من الأضرار والأعطال. وهنا مربط الفرس.
إلى أي مدى سيتحمل الأفراد والدول تعطيل الحياة بخاصة الاقتصادية والمالية؟ والأولوية في النهاية لمن؟ هل للصحة أم للمال والمكاسب المادية والمعيشية؟ القرآن الكريم يقدم المال على النفس. تنص الآية 41 من سورة التوبة "انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون." وتنص الآية 11 من سورة الصف " تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله باموالكم وانفسكم ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون." ولنا في تجاربنا الحياتية ما يشير إلى تقديم المال على النفس. فمثلا يغامر اللص بحياته من أجل أن يسرق ويحصل على المال. ويغامر ترامب براحة الأمريكيين تمسكا منه بحسن سير الحياة التجارية.
ربما لا تكترث دول وشعوب مثل البلدان العربية كثيرا بالحياة الاقتصادية لأنها دول غير منتجة إلى حد كبير، وعجلتها الاقتصادية بطيئة جدا. وإن كان منها منتجون فالفضل لله وللطبيعة التي اكتنزت في داخلها الثروات. أما الدول الصناعية الكبرى فعينها باستمرار على عجلة الإنتاج التي لا يمكن أن تستمر في الدوران في ظل كساد تجاري واقتصادي. النشاط الاقتصادي والتجارة العالمية هي روح الاقتصادات المتطورة والتي هي في الغالب اقتصادات غربية. على ما نشهده الآن، قد تطول الحرب على كورونا عاما أو أكثر، فماذا سيكون مصير الاقتصادات الغربية إن حصل ذلك؟ لا الناس سيتحملون بسبب الأعباء الكبيرة التي ترتبت على معيشة الرفاه، ولا الدول ستتحمل ما يمكن أن يؤدي إلى انهيارها، أو بالتحديد انهيار حكوماتها.
فأين يمكن أن تتجه الدول الصناعية الكبرى؟ من المحتمل أن تتبنى هذه الدول استراتيجية مناعة القطيع. هذه الاستراتيجية تعني استمرار الحياة الاعتيادية، وترك الساحة للفايراس ليعمل عمله مع استمرار البحث عن لقاحات ضده. يصاب من يصاب ويموت من يموت ويعيش من يعيش. ومن خلال هذه الاستراتيجية يكتسب من يصابون مناعة ضد الفايراس، وبذلك تقل أعداد الإصابات تدريجيا إلى أن يصبح الجميع أصحاب مناعة. ويجادل أصحاب هذه النظرية أن الذين سيموتون هم غالبا من كبار السن والمرضى. وبذلك تتم (هم لا يعلنون ذلك) لكنني أقول ما يخفون)، تنقية البشر من العجّز والضعفاء صحيا، وسيؤدي ذلك إلى المزيد من النهوض الاقتصادي والتعويض عن الخسائر التي تكبدتها المصالح الاقتصادية حتى الآن. أي أن هذه الاستراتيجية تؤمن بنظرية داروين القائلة إن البقاء للأصلح، ونظرية مالثوس الاقتصادية التي تقول إن الأمراض تخفف من أعداد البشر. قال إن هناك فجوة بين ازدياد عدد السكان، وارتفاع منسوب الإنتاج من الأغذية. السكان يتزايدون بصورة هندسية، والنمو الاقتصادي يرتفع حسابيا، والأمراض كما الحروب الدموية تخفف من أعداد السكان. طبعا لا يصرح قادة الدول الصناعية بهذا، لكن الاستراتيجية تنتهي إلى هذه النتيجة بخاصة أن الدول الصناعية الكبرى تعاني من تزايد أعداد السكان من كبار السن، وهي بحاجة إلى المزيد من الشباب ولو تم استيرادهم من الدول الفقيرة.
وفق العديد من العلماء، هذه استراتيجية لن تنجح على الأغلب لأن كورونا قد يتطور جينيا ويعود لإصابة الأشخاص الذين أصيبوا من قبل. اللقاح الذي تطور لقتل جين معين، لا يصلح لقاحا لجين آخر، ولا يوجد ضمانة بأن الذين أصيبوا بداية لن يصابوا ثانية. هذا فايراس معقد جدا وفق علماء الفايروسات، وليس من السهل القضاء عليه.
ويقول الأطباء إن هذه استراتيجية تتطلب أعدادا هائلة من المستشفيات والمستلزمات الطبية والتي هي غير متوفرة.
تقديري في النهاية أن العالم الغربي الصناعي سيختار المغامرة بنفوس الناس من أجل الاقتصاد. الوقت ما زال مبكرا نحو هذه الاستراتيجية، لكن الغرب بنى رؤيته للإنسان والعالم على أسس نفعية مادية، ومن الصعب أن تتغلب الأبعاد الإنسانية على الأبعاد المادية. لكن هذا سيتبخر إذا تمكن العلماء من تطوير أمصال ولقاحات فعالة ضد كورونا. تطوير اللقاح سينقذ العالم من شرين: شر الكورونا، وشر الرأسماليين الذين لا يفهمون سوى لغة المال.