كان هذا ختام حديثنا أنا وأختي التي تصغرني بسنة ونصف السنة، لكأننا توأمين منفصلين، هي نقيضي كالسالب والموجب، آخذ منها وتأخذ مني... نتكامل عندما نتحدث معا، عدت من جولتي، خاصة الصرح المؤسساتي القانوني بدمشق:م د ، حيث كنت أبحث عن كتب والدي القانونية، التي توقعت أنها مازالت هناك في مكتبتهم، فقابلت رئيسها بصفتي ابنة رئيسها السابق، أدخلتني الموظفة المسؤولة عن غربلة الداخلين، جلست على كنبة كنت أجلي فيها عندما كان عمري عشرخشبية بسيطة، بمسند خشبي أيضا، ومقعد مكسو بالبروكار هذا القماش السوري الفاخر، لم أجد أي أثر لوالدي، ولا صور السابقين الذين اعتلزا منصبها الفخري هناك أبدا، فشعرت نفسي وكأنني جئت من العصر الحجري، طبعا فلاأحد حدث نفسه بالمرور إلى هنا مذ عام 2009 العاشر من تشرين الأول، تاريخ وفاة والدي، لم أسمع شيئا، فوجدت نفسي مضطرة للإفصاح عن طلبي وأخشى أنني تأخرت:
-كان لوالدي كتبا هنا، ولمحبته بعمله، لم يترك شيءا لنا في مكتبتنا المنزلية وهبها للجميع، ربما لأن مادرسناه لم يكن له علاقة لامن بعيد ولامن قريب باختصاصه، كلها وزعها، فهلا حصلت على بعضها؟ من حضرتكم ولو صورة عنها؟...
-بيعت كتب المجلس على معظمها، وعاد شيء ما..بإمكانك مراجعة المكتبة في المبنى الآخر.
كنت سأقول:
-وهل تباع مكاتب تلك المؤسسات المهمة؟
فابتلعت كلاما لانتاج له إلا الحسرة، حيث يباع كل شيء، واتجهت لدار في حي الحلبوني للمكاتب، الذي بات معرِضا لبيع كل مارخص ثمنه ورخصت قيمته، تملأ الأرصفة الباكية...لقلة القراء، فلقمتهم أهم، وهم يركضون ولايصلون.لكأني جئت من التاريخ فجأة وبلا توقع!.
-ماقصة الكتاب الذي وجدتموه عندما شريتم مكتبة العلامة فلان؟.
-وتحدث إلي حديثا وأنا أستمع، وكأنني أتحدث لنفسي، ولكن كان يتمازج مع أسماء لاأعرفها، غالت في عالم النسيان، وتنكرت لها الأزمان، فصدر عطاء بعضهم خارج الوطن....ومشت رجلاي دون أن آمرها، لمنزل والدي الذي مابقي فيه سوى أخت ووالده متعبة الصحة نتبادل الأدوار في رعايتها..
كنا نعتبر أنفسنا نموذجا يحتذى به، لكن الزمن أخذ دورته من المرونة، حتى قطع عمودها الفقري، ووضع بدلا عنه عمودا خشبيا مهترئا، لايعتمد عليه، وكلمة أنا تلك الكلمة الأنانية، عندما تغيب، نغيب معها، فلا يرانا أحد، شيئا منها يجعلنا نشعر بوجودنا المنسي...والدك كان إنسانا عظيما، تاه عن الأنا أكثر من اللزوم، رغم أن ماحققه كان عظيما، وهكذا نحن ، صغيرة هي أنانا، والحياة خبرات نتعلمها معا، وربما كانت ردة فعلنا تجاه غياب الأنا عن والدينا، جعلتنا نحاول أن نكون أعلاما بطريقة ما، لكن جديتنا المفرطة، ومثاليتنا الخيالية، جعلتنا كالقفل بلا مفتاح، فإمساك العصا من المنتصف، أمر ليس بقليل أبدا، ومن فهم وتعلم من التجارب الجاهزة، وفر على نفسه زمنا وتجارب فاشلة، وماوصلنا إليه حاليا أراه جيدا، بالنظر لما يمكن أن نكون عليه، لاأحد يخرج من جيناته ولا من جلده، ومن حاول التزحوح عنه قيد أنمله فهو بخير... لاتكثر من همك ماقدر يكون..
-ماذا؟
-نعم كل مخلوق مهيأ لما خلق له..وهو من يخط طريقه بأظافره، أو بأظافر غيره،فمتى تخرج معادلتنا في الحياة معادلة أقوى منها؟.
29-11-2019