كبير حسن ولكن العربية أكبر وأحسن

خطر لي أَنْ لو سمعتُ مِنْ صاحبها قصيدةَ "جِداريَّة محمود درويش"، التي أقرؤها الآن (12/7/2018)، لازددت لها تحقيقا ومنها تمكنا، وإذا اليوتيوب -أطال الله في النعمة بقاءه!- قد اتسع قبل خمس سنوات (2013)، لساعة وتسع عشرة دقيقة وثمان وعشرين ثانية (1,19.28)، مرفوعِ مسجَّل أمسية تونسية قديمة، أنشد فيها محمود درويش جداريته كلها؛ فقابلتُ المكتوبة بالمنطوقة، حفيًّا بما لم أعمله من قبل!
لقد وجدت المكتوبةَ حذفت إحدى وأربعين كلمة "سَأَصِيرُ يَوْمًا شَاعِرًا (...) سَأَصِيرُ يَوْمًا مَا أُرِيدُ"، من أوائل القصيدة، أضافتها المنطوقة- والمنطوقةَ حذفت ثماني وعشرين "مِنْ أَيِّ رِيحٍ جِئْتِ (...) وَيُوجِعُنِي الْوَرِيدُ"، من أوائلها، وأربعا وعشرين "يَا مَوْتُ يَا ظِلِّي (...) يَا مَرَضَ الْخَيَالِ"، ثم ثلاثا وأربعين "يَا مَوْتُ هَلْ هَذَا هُوَ التَّارِيخُ (...) وَتَذْرِفُ الْمَطَرَ الْمُقَدَّسَ"، من أواسطها، أضافتها المكتوبة- فعرفتُ هذه الخصلة الحيوية الكريمة المعروفة، أَلَّا يكُفَّ الشاعر ما دام حَيًّا، عن تكرار النظر في قصيدته، ولا عن تنقيحها وتهذيبها، ليكون أشدَّ الناس حيرةً بها، القائمون بعدَه على نشرها!
ووجدت المنطوقة عَيَّتْ بخمس وتسعين ومئة كلمة "بَكَى الْوَلَدُ الَّذِي ضَيَّعْتُهُ (...) وَكَانَ الْحَالِمُونَ يُرَبِّتُونَ الْقُبَّرَاتِ النَّائِمَاتِ وَيَحْلُمُونَ وَقُلْتُ"، هي حوار السجين الفلسطيني العائد من منفاه والسجّان الصهيوني الخالف على السجن أباه- من أواخر القصيدة، سَكَتَ فيها مسجَّلُ المنطوقة، وهي في المكتوبة؛ فارتبتُ في تحرُّج الناشرين من المنطوقات الجريئة، أكثرَ من تحرجهم من المكتوبات!
ووجدت المنطوقة كذلك حذفت الفاء من "فَأَيُّنَا" في المكتوبة، والواو من "وَكُلَّمَا"، وكلمة "وَالْعَرَائِسِ"، وكلمتي "عَلَى مَهَلٍ"، وكلمتي "بَلْ لتِعَمْلَ"، وكلمة "الصَّغِيرِ"، وتكرار كلمة "فَوْقَ"، وكلمتي "والْبَكَارَةَ بِالْمَهَارَةِ"- فعرفتُ قصد إغماض الإيقاع عَمْدًا، الذي يلتبس بكسره ويبقي المتلقي منه على قلق! ومن ذلك نفسه إضافة الفاء إلى "فَاجْلِسْ"، و"يَا" إلى "وَيَا أَيُّهَا الْمَوْتُ"، وإلى "يَا أَيُّهَا الْمَوْتُ"- والوقفُ كثيرًا حيث لا وقفَ والاضطرارُ إلى قطع ما يلي الوقف من همزات الوصل!
ووجدت المنطوقة كذلك غَيَّرَتْ "يَصْنَعُنِي وَيَصْرَعُنِي" في المكتوبة إلى "يَصْرَعُنِي وَيَصْنَعُنِي"، و"الصَّحِيحِ" إلى "الْفَصِيحِ"، و"عَمَّا قَلِيلٍ" إلى "بَعْدَ قَلِيلٍ"، و"الْأُخْرَى" إلى "الْأُوْلَى"، و"الشَّفَقِ" إلى "الشَّبَقِ"، و"فَعَلَتْ لَنَا" إلى "فَعَلَتْ بِنَا"، و"عَنِّي" إلى "مِنِّي"، و"فَرَسًا" إلى "فَرَسِي"، و"الْبَيْضَاءِ" إلى "السَّوْدَاءِ"، و"أُوزِيرِيسُ" إلى "أُوزُورِيسُ"، و"أَعْرِفْ" إلى "يَعْرِفْ"، و"فَاصْمُدْ" إلى "فَاصْعَدْ"، و"هَذَا الِاسْمُ" إلى "هَذَا الْإِسْمُ"، و"الرَّحِيلِ" إلى "الْغِيَابِ"- فعرفتُ جَذْبة الإيقاع، التي يغيب بها عن المؤدِّي الطَّروب أحيانا وجهُ التدقيق! ومن ذلك نفسه تغيير "هَوْدَجِك" إلى "هَوْدَجَك"، و"الْآنَ" إلى "الْآنِ"، و"أَمْ إِنَّ" إلى "أَمْ أَنَّ"، و"لَمْ يَعُدْ أَحَدٌ" إلى "لَمْ يَعُدْ أَحَدًا" ، و"نُقْطَةَ الضَّعْفِ الْأَخِيرَةَ" إلى "نُقْطَةَ الضَّعْفِ الْأَخِيرَةِ"، و"جَلْجَامِشَ" إلى "جَلْجَامِشِ".
ووجدت المنطوقة كذلك حرفت "وَاسْفِكْ" في المكتوبة إلى "وَاسْفُكْ"، و"تَخْطَف" إلى "تَخْطُف"، و"زَهَقْت" إلى "زَهِقْت"، و"مَلِلْتني" إلى "مَلَلْتني"، و"أَمْلِك" إلى "أَمْلُك"، و"نَكْبَر" إلى "نَكْبُر"، و"الذَّهَاب" إلى "الذِّهَاب"، و"الزِّفَاف" إلى "الزَّفَاف"، و"تَكْرَار" إلى "تِكْرَار"، و"شَهَادَة" إلى "شِهَادَة"، و"الْعَلَاقَة" إلى "الْعُلَاقَة"، و"عَلَاقَتنا" إلى "عِلَاقَتنا"، و"وَحْدَة" إلى "وِحْدَة"، و"الْمُنَاخ" إلى "الْمَنَاخ"، و"مَقْعَدِي" إلى "مِقْعَدِي"، و"رَعْوِيَّة" إلى "رَعَوِيَّة"، و"الشَّمَال" إلى "الشِّمَال"، و"شَمَالِيَّة" إلى "شِمَالِيَّة"، و"النُّعْمَان" إلى "النِّعْمَان"، و"جُمَّيْزة" إلى "جِمِّيزَة"، و"الْكَتَّان" إلى "الْكِتَّان"، و"جُغْرَافِيَا" إلى "جِغْرَافِيَا"، و"هِيرُوشِيمَا" إلى "هَيْرُوشِيمَا"، وهربت من فصيح نطق الأعداد "1400 مَرْكَبَةً وَ1200 فَرَسٍ" ، "75 سَنْتِيمِتْرًا"- فعرفتُ سَطْوة الأخطاء المشهورة، التي فضَّلها بعضُ اللغويين مُخطئًا، على الأَصْوِبة المهجورة؛ فجعلت عمله هذا من الفسوق اللغوي الذي ينبغي أن يستتاب عنه! ومن ذلك نفسه ترقيقُ بعض الأصوات المفخمة كخاء "الخَاسِرِين"، واستعمالُ "أَبَدًا" للماضي المنفي بدل "قَطُّ".