في الذكرى 42 ليوم الأرض
لِنستعد وعينا بالتاريخ والثقافة..؟!
مصطفى إنشاصي
منذ أن خلق الله تعالى هذا الكون وهو يحدث فيه كل يوم عشرات بل مئات وآلاف الأحداث ولكن القليل منها ما سجله ويسجله التاريخ، والفارق بين ما يسجله التاريخ وما لا يسجله هو: الوعي؛ نعم الوعي! لأن الوعي بالحدث هو الذي يُعطي للحدث قيمته التاريخية، وهو الذي يجعل من الحدث الذي يمكن أن يكون حدثاً عابراً مثل عشرات الأحداث الأخرى التي لم يعرفها الناس ولم يسمعوا بها حدثاً تاريخياً، كما أن الوعي بقيمته وأهميته هو الذي يحول الحدث ليصبح جزء من ثقافة جماعة ما أو شعب ما! كما أن الوعي بقيمة وأبعاد الحدث وأثره في حياة أصحابه هو الذي يُكسبه الصفة الجمعية في وعي أي أمة، ويحوله إلى ثقافة وممارسة يومية ويُكسبه رمزيته، والوعي بالحدث هو الذي يُعطيه بُعده العالمي أيضاً إن استطاع أصحابه أن يُكسبوه ذلك البعد ليتحول إلى رمز عالمي يحمل أبعاد سياسية أو اجتماعية أو سياسية أو غيرها، يكون لها دلالتها ومعناها الذي ما أن يُذكر حتى يستحضرها السامع مباشرة.
ذلك ما حدث مع يوم الأرض الفلسطيني؛ الذي بدأت حكايته منذ عقود سابقة على تاريخ حدوثه في 30/3/1976، ولكن إعلان الحكومة الصهيونية في أوائل عام 1975 عن مشروع لتهويد الجليل باسم "مشروع تطوير الجليل"، وبدء تنفيذه في 13/2/1976 حيث صدر قرار عسكري بإغلاق المنطقة (9) واعتبارها منطقة عسكرية، ومنع أصحاب الأرض الأصليين (فلسطيني الأرض المحتلة 1948) من الوصول إليها، وأعقبه إسحاق رابين بقرار مصادرة 20 ألف دونم من الأراضيهم! وعلى الرغم من أن الأرض المصادرة تخص سكان منطقة البطوف؛ إلا أن الجماهير الفلسطينية جمعاء في فلسطين المحتلة عام 1948 قد أعلنت يوم 30/3/1976 يوماً للإضراب الشامل والتظاهر في المدن والقرى العربية، احتجاجاً على سياسة التعسف الصهيونية، وسياسة التمييز العنصري، ومصادرة الأراضي، التي تمارسها الحكومات الصهيونية منذ عام 1948 ضدهم، في محاولة لاقتلاعهم من أرضهم، وتمزيقهم إلى مجموعات صغيرة منعزلة!
لو لم يدرك فلسطينيي الأرض المحتلة عام 1948 ويعوا حقيقة أبعاد مشروع الكيان الصهيوني لتهويد الجليل الذي تسبب في إشعال تلك المواجهات الدامية، على مستقبل وجودهم وحقوقهم في حال استمر صمتهم واستسلامهم لسياسات الحكومات الصهيونية التي تستهدف وجودهم ثقافة وهوية، ما كان لذلك الحدث أن يدخل التاريخ ويصبح جزء من الوعي الفلسطيني وثقافته. نعم إن الوعي بخطورة ذلك المشروع اليهودي على واقع ومستقبل أهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948 هو الذي جعل الفلسطيني الذي سلبته سياسة الخداع الصهيوني طوال نحو ثلاثة عقود وعيه بمخاطر الاندماج في الحياة اليومية والأحزاب الصهيونية يُدرك خطأ ثقته بتلك الأحزاب، ويدرك مسئوليته الوطنية في الحفاظ على ما تبقَ من أرضه ونقل تلك المسئولية للأجيال القادمة.
نعم إنه الوعي وإلا ما كان حطم الفلسطيني المخدوع وهم شعارات الأحزاب الصهيونية عن النضال الأممي من أجل الحصول على الحرية وتحقيق الديمقراطية، والبحث عن المساواة والحقوق المدينة وتحسين وضعهم كأقلية في الوقت الذي كان هدف تلك الأحزاب الصهيونية إذابته ودمجه في الواقع الصهيوني، وسلبه انتمائه الوطني وطمس هويته الثقافية الفلسطينية المميزة، وتحويله إلى مسخ تابع وعبد ذليل وخادم للمشروع الصهيوني.
كذلك لو لم يدرك فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948قيمة إحياء ذكرى يوم الأرض وشهدائه الذين ضحوا من أجل الحفاظ على أرضهم سنوياً؛ وجعله رمزاً لمقاومتهم وتمسكهم بحقهم في أرضهم لما استطاعوا الحفاظ على ما تبقَ من أرضهم ووقف مصادرتها. كما أنه لو لم يعي الشعب الفلسطيني في ديار الغُربة واللجوء والشتات قيمة ذلك الحدث وإحياء ذكراه سنوياً للتأكيد على حقه في العودة إلى أرضه ودياره التي هُجر منها عام 1948؛ لَما اكتسب يوم الأرض تلك القيمة والرمزية العالمية التي تُشير وتؤكد على حقهم التاريخي في فلسطين، ورفضهم ومقاومتهم للمشروع الصهيوني الاستئصالي للوجود الفلسطيني كأرض وتاريخ وثقافة وواقع، وتصفية قضيتهم وشطبها من قائمة حركات التحرر وحق الشعوب في تقرير المصير!
وللأسف أننا في ذكرى يوم الأرض الفلسطيني في عامها الثاني والأربعون، وفي زمن التغييرات السريعة والمطردة التي تحدث في أقطار وطننا على جميع الأصعدة، وما يحدث على أرض فلسطين نفسها وخاصة في شرق مدينة القدس المحتله عام 1967، من تغيير لحقائق ومعالم التاريخ والجغرافية، والهوية والثقافة، وكل ملامح المشهد العربي والإسلامي الممتد لمئات وآلاف السنين، وتسارع ذلك بعد قرار الرئيس الأمريكي رونالد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من (تل أبيب) إلى القدس، الذي أعطى دفعة لحكومة الكيان الصهيوني إلى تسريع الخطى في تهويد شرق مدينة القدس ذات الطابع العربي – الإسلامي التي تعتبر أرضاً محتلة، تمهيداً لهدم المسجد الأقصى تحديداً أو فرض سياسة التقسيم الزماني والمكاني عليه، ما يعني فقدان وضياع السيادة الإسلامية علبه كما حدث في المسجد الإبراهمي في الخليل!
على الرغم مما أحدثه يوم الأرض وإحياء ذكراه السنوية في الوعي الجمعي الفلسطيني من آثار إيجابية انعكست على منح الفلسطيني في كل مكان مزيداً من القوة والصلابة للتمسك بأرضه ورفض التفريط فيها مهما بالغت الحكومات الصهيونية في سياسات التعسف والاضطهاد والتضييق، إلا أنه مازال وعي بعض الساسة والقيادات الفلسطينية دون استثناء فصيل أو طرف لم ينضج بعد، ولم يرتقِ ليدرك مخاطر استمرار حالة الانقسام، والمناكفات السياسية والحزبية، والصراع على السلطة والكرسي، على مستقبل الشعب والقضية!
ونقولها بكل مرارة:
أن ساستنا فقدوا الوعي بالتاريخ والهوية والثقافة الفلسطينية، ففقدوا ما تبقَ من الجغرافية الفلسطينية، وأضاعوا المقدسات الإسلامية، وبدل الانشغال في مواجهة قرار الرئيس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، ساعدوا بفقدانهم للوعي بالحدث والتاريخ في استكمال خطة فك الارتباط مع غزة التي طرحها أرئيل شارون في مؤتمر هرتسيليا في كانون الأول/ديسمبر 2003، ونفذها في أيلول/سبتمر 2005، وكشف عن أهدافها وأبعادها الحقيقية في أيلول/سبتمبر نفسه للكاتب الصهيوني (أولف بن) أثناء رحلة العودة من نيويورك بعد المشاركة في الاحتفال بالذكرى الستون لتأسيس الأمم المتحدة، عندما سأله عن مصير الكنتونات التي سيخلفها الجدار في الضفة الغربية بعد الانتهاء من بنائه وإن كانت ستكون جزء من الدولة الفلسطينية أو لا؟! فأجابه شارون:
أن الضفة الغربية لن تعود للفلسطينيين، وأنه لن يكون لهم أي سيادة على أي جزء منها! وأن الهدف منها تكريس واقع الفصل بين قطاع عزة والضفة الغربية، وكأنهما شعبين وأرضين منفصلتين، وليستا وحدة جغرافية وسكانية وسياسية واحدة في الواقع والقانون الدولي. واختصر ألف بن رؤية شارون لخطة الفصل أحادي الجانب؛ بقوله: أنها ليست فصلاً بين الكيان الصهيوني وقطاع غزة فقط، بقدر ما هي فصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وأطلق على تلك الرؤية: إقامة الدولة الواحدة المشطورة إلى قسمين: فلسطين الشرقية في الضفة وفلسطين الغربية في قطاع غزة!
إن ما يحدث الآن بين السلطة الفلسطينية وحماس بحضور شهود الزور (الفصائل الفلسطينية) شاءوا أم أبوا؛ هو استكمال لخطة شارون لفك الارتباط بين الضفة وغزة وتصفية القضية، تمهيداً لتنفيذ ما يسمى صفقة القرن!