زياد الدريس
الأربعاء، ١٥ فبراير/ شباط ٢٠١٧

لا يزال سؤال: «لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟» الذي أثاره شكيب أرسلان في أربعينات القرن الماضي، طريّاً وساخناً رغم البرود المعرفي الذي يغشى العالمين العربي والإسلامي.

هناك من يعيد ويستعيد السؤال الأرسلاني ذاته كل حين، بحثاً عن لحظة مناسبة لاقتناص الإجابة الملائمة والمشبِعة لفضول السؤال المؤلم.
من أشهر من يحرثون في أرض هذا السؤال بحثاً عن كنز الإجابة، الباحث الفرنسي من أصل مصري رشدي راشد، والباحث الأميركي من أصل لبناني جورج صليبا، الذي لم تمنعه مسيحيته يوماً من إنصاف الحضارة الإسلامية، كغيره كثير من باحثي المسيحيين العرب.
آخرون، وإن كانوا قلّة لكنهم في تزايد، لا يضعون لسؤال الأمير شكيب جواباً، بل يضعون إزاءه سؤالاً: هل حقاً تأخر المسلمون، أم أنهم كانوا دوماً متأخرين ولم يعرفوا التقدم أبداً؟! هذا السؤال البائس وغير المنصف لحضارة ثمانية قرون لا يثيره مرجفون غربيون فقط كما قد نظن، بل وبائسون أو يائسون عرب ومسلمون.
هؤلاء المحبطون يقولون أن حضارة بغداد وقرطبة وسمرقند لم يصنعها عرب ومسلمون، بل كوادر غالبيتهم غير عربية وغير مسلمة، وبالذات من اليهود القاطنين في الأندلس. فإذا قلنا لهم أن هؤلاء مدينون لمظلة الحضارة العربية والإسلامية، فهي التي كانت تظللهم وتظلل الجميع، قالوا بل الحضارة هي المدينة لجهود أولئك الأفراد النوابغ. ولكن حين نقلب الصفحة إلى العصر الحديث ونقول أن (بنية التخلف) ليست حكراً ولزاماً على كل عربي، فها هم الباحثون والمخترعون العرب يملأون الجامعات ومراكز البحث الغربية ويحققون إنجازات فائقة. قالوا إن نبوغ هؤلاء العرب أو المسلمين ليس مردّه نبوغهم الفردي بل مظلة البيئة الحضارية الغربية التي نشأوا فيها!
لذا يبقى سؤال شكيب أرسلان ضروري التردد والإنعاش حتى لا تذبل جذوة استعادة المجد يوماً ما، وإن تأخر كثيراً.
من هذا المنطلق، تأتي أهمية الدعوة التي أطلقها حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد، مطلع هذا الأسبوع، إلى: استئناف الحضارة.
فالتكوين اللغوي لمفردتَي الشعار ليس عشوائياً، فكلمة (استئناف) فيها إيحاءان إيجابيان: إقرارٌ بوجودٍ سابق، وانطلاقٌ نحو وجودٍ لاحق.
إنه شعارٌ يستوعب الماضي والمستقبل في آن.
لكن من أين نبدأ رحلة استئنافنا للحضارة؟
من تعزيز الثقة الشعبية أم من الإصلاح النخبوي؟
وهل يجب أن تسير قاطرة الاستئناف في مسار أفقي أم في مسار عمودي؟
في ظني أن أكبر مشكلة نواجهها هي سوء ترتيبنا للأولويات. فنحن مثلاً ننشغل بملف الاحتباس الحراري أكثر من انشغالنا بمشكلة الاحتباس الحضاري الذي نعانيه حقاً ويجب أن نعطيه الأولوية، لا أن نجعل الآخرين يفرضون أولوياتهم علينا.
(استئناف الحضارة) نداءٌ يدعو إلى التفاؤل... لمن أراد منا أن يتفاءل.
* كاتب سعودي