من المعاجم الفريدة في بابها كتاب (مقاييس اللغة) لابن فارس حيث يكشف فيه ما يربط بين مواد كلمة واحدة، فيقول في مقدمة كتابه: "إن للغة العربية مقاييس وأصولاً تتفرّع منها فروع".


لنضرب مثلاً مادة (قصّ) – المقاييس ج5، ص11:


"القاف والصاد أصل صحيح يدل على تتبع الشيء. من ذلك قولهم: اقتصصت الأثر إذا تتبعته، ومن ذلك اشتقاق القِصاص في الجِراح، وذلك أنه يفعل به مثل فعله بالأول، فكأنه اقتص أثره.
ومن هذا الباب القصة والقصص كل ذلك يُتتبَّع فيُذكَر.
وأما الصدر (أي عظامه) فهو القَصّ، وهو عندنا قياس الباب لأنه متساوي العظام، كأن كل عظم يتبع الآخر.


ومن هذا الباب: قصصت الشعر، وذلك أنك إذا قصصته فقد سوّيت بين كل شعرة وأختها، فصارت الواحدة كأنها تابعة للأخرى مساوية لها في طريقها".


لاحظنا معنى تتبع الشيء في كل كلمة منها.


من هنا أصل إلى المِقصّ لقص الورق وسواه، فقد أصر الحريري في كتابه (دُرّة الغواص في أوهام الخواصّ) ص 252 على أن الصواب مِقَـصّـان ومِقراضان...إلخ وأنكر قولنا – المِقصّ والمِقراض، بل أنكر أن نقول للاثنين زَوج- "لأن الزوج في كلام العرب هو الفرد المزاوج لصاحبه، فأما الاثنان المصطحبان فيقال لهما زوجان، كما قالوا: عندي زوجان من النعال أي نعلان".


كذلك قال ابن سِـيدَهْ في (المُحْكَم) – ج 6، ص 64:


"المِقصّان ما يُقّصّ به الشعر ولا يُفرد. هذا قول أهل اللغة".


ولا يعجبن أحد لحكاية التثنية، فاللفظة العبرية هي بالتثنية= מספריים، وبالإنجليزية scissors بالجمع، ولكن بعض المعاجم العربية يسّرت لنا، فلنأخذ بها!


أورد (لسان العرب) المِقصّ بالإفراد أكثر من مرة، فالمِقص ما قصصت به أي قطعت (مادة قصص).
وفي (تاج العروس)- "قص الشعر والظفر يقصهما قصًّا : قطع منهما بالمِقص، بالكسر، أي المِقراض، وهو ما قصصت به، ومنه قص الشارب، وهما مِقَصان، والجمع مقاصّ . وقيل المقصان لا مفرد له".


كذلك الزَّمَخْشَرِي في (أساس البلاغة)، ص 666- مادة (قصص):


أورد (المِقَـصّ) مفردًا، فقال " قص الشعر والريش وقصّصه ....، وعنده مِقَصّ جيد، ومَقاصّ جياد".


ثم في (أدب الكاتب) لابن قتيبة وفي باب (مِفْـعَل و مَـفْـعَل)، ص 557:


"والمَـقَـصّ الموضع الذي يُقصّ فيه، والمِـقَصّ المِقراض".


من هنا نجد تخريجًا منطقيًا لأن نقول (مِقصّ) بالإفراد وبكسر الميم، فهل يُعقَل أن يقول أحدنا اليوم:


قصصت الورق بالمِقصّين؟! أو أحضر لي المقصين؟!


عندها أيحضر لنا واحدًا أم اثنين؟


في هذا السياق تذكرت تشبيه شوقي، وقد أحببت أن أختم به:


لا يعجبنَّكمُ ساعٍ بتفرقة
إن المِقصّ خفيف حين يقتطع