للأجيال القادمة كي لا تنسى للتعميم والنشر
الشهداءأنبل بني البشر

د.غازي حسين

تصف التصريحات وبعض الكتابات في البلدان الغربية- الاستشهادي بأنه إرهابي متعطش للدماء وفقير عاطل عن العمل مجرم ومرتزق دفعته ظروفه المادية السيئة القيام لقتل نفسه وغيره من أجل النقود.
إن واقع وحقيقة المقاومة الفلسطينية يكذّب الروايات اليهودية والغربية وينفي كل المزاعم والأباطيل التي تعممها «إسرائيل» وتتبناها الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
فالشهداء في المقاومة هم من الفئات المثقفة والمتعلمة والمؤمنة بالله والوطن ومن كافة الفئات الاجتماعية، ويحمل بعضهم الشهادات الجامعية في الطب أو الهندسة أو الصحافة أو الصيدلة وغيرها من الشهادات.
ويؤمنون بمشروع سياسي يقوم على طرد الاحتلال وتحرير الشعب والوطن من الاستعمار الاستيطاني اليهودي.
ويقدمون أرواحهم عن إيمان ووعي وقناعة لوقف الإبادة والمجازر الإسرائيلية واستعادة الحقوق والأرض المغتصبة ووقف الاغتيالات والقتل والتدمير والسير في طريق التنمية والتطور ولإقامة الدولة الوطنية على كامل التراب الفلسطيني.
لذلك يلتف الشعب والأمة حول المقاومة ، لدرجة يأتي فيها الشهيد في مرتبة القداسة، مما أذهل الصديق والعدو الذين يشاهدون مظاهر توزيع الحلوى والزغاريد ومظاهر الفرح عند كل جنازة للشهيد، تلك المظاهر التي تحوّل التشييع والعزاء إلى عرس وطني ومناسبة للتعبير عن الاعتزاز والافتخار لكنس الاحتلال واستعادة الأرض والحقوق المغتصبة وتحرير فلسطين .
إن مسيرة الشهداء في تاريخ الشعب الفلسطيني من أجل تحرير فلسطين من الغزاة والمحتلين والمغتصبين الصهاينة مستمرة لم تتوقف. فالتمسك بالثوابت والحقوق وعروبة فلسطين وبيت المقدس أدت إلى الشهادة والاستشهاد وتأسيس فصائل المقاومة وإشعال الانتفاضات إلى نهضة وطنية تنطلق من الشرائع السماوية والقوانين الوضعية للدفاع عن النفس والوطن والتمسك بالحقوق ومواجهة النظم الاستعمارية والعنصرية والاستعمار الاستيطاني اليهودي.
وولدت الشهادة وتقديم الشهداء والعمليات الاستشهادية أزمة سياسية وقانونية وأمنية وأخلاقية واجتماعية لإسرائيل واليهودية العالمية والإمبريالية الأميركية. وحملت «إسرائيل» على الانسحاب من غزة وجنوب لبنان. وأسقطت مشروع بقاء الاحتلال والاستعمار الاستيطاني على أرض فلسطين. ووجهت للمشروع الصهيوني ضربات مؤلمة وعميقة نفسية وسياسية واجتماعية واقتصادية تقود إلى انهيار النظام الاستعماري والعنصري الصهيوني في فلسطين العربية قبل منتصف القرن الحالي.
فالمقاومة والشهادة والعمليات الاستشهادية هي التي أبقتْ قضية فلسطين حية حتى اليوم وهي التي سوف تقود في المستقبل إلى زوال الكيان الصهيوني الاستعماري والعنصري، الدخيل على المنطقة والغريب عنها، والشهيد هو الإنسان العظيم الذي عاهد الله فصدق، دعاه الوطن لتحريره من المحتل فأسرع، قاتل العدو الإسرائيلي فاستبسل، وقارعه فأبدع، من أجل أن ينتصر الوطن والأمة ورفع راية الله وفلسطين ، وقرر الشهادة واستشهد من أجل بيت المقدس والمسجد الأقصى ومدينة الإسراء والمعراج.
فالإيمان بالوطن والتمسك بالثوابت والاستعداد للتضحية هو الطريق الأكيد لتحقيق النصر وزوال النظام الاستعماري والعنصري في فلسطين العربية.
إن الشعب الفلسطيني الذي يملك شبّانه وشاباته إرادة الشهادة والاستشهاد والمقاومة هو الشعب الذي يملك حتمية النصر على المجتمع الإسرائيلي.
يتساءل البعض عن الدافع الذي يحمل الاستشهادية ريم الرياشي، وهي أم لطفلين لتنفيذ عملية جريئة في حاجز للاحتلال الإسرائيلي في معبر إيريز في قطاع غزة وقتلت أربعة جنود صهاينة.
فدعاة الاستسلام والطابور الخامس وبعض الجهات الرسمية الفلسطينية والعربية اليائسة والفاشلة والعاجزة والمنحطة والانتهازية والفاسدة تحاول أن تنتقد عمليات المقاومة للمحافظة على مناصبها ومصادر تمويلها وامتيازاتها ولإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية وتنتقد العمليات الاستشهادية التي تصيب المدنيين الإسرائيليين بدعوى أنها غير أخلاقية، وأن ضحاياهم من الأبرياء، ولأنها تثير المجتمع الدولي، وعندما تستهدف العمليات الاستشهادية الجنود والمستوطنين يبحثون عن ذريعة أخرى لانتقادها بحجة سوء التوقيت السياسي أو لأن منفِّذة العملية امرأة وهي أم لطفلين، فالانتقاد والتشكيك هو الهدف الأساسي من كتبة بعض الرسميات الفلسطينية والعربية لأنهم رفعوا سلفاً رايات الاستسلام لإسرائيل ولأميركا ويريدون من منظمات المقاومة الركوع ورفع الرايات البيضاء وكسر إرادة الشعب والأمة والموافقة على الإملاءات الأميركية.
إن الاستشهادية أو الاستشهادي يختار هذا الطريق الطليعي في حياة الشعوب والأمم الحية بملء إرادته، إذ إنه لا يمكن إجبار أحد على السير في هذه الطريق إلاّ الإيمان بالله وحب الوطن والحياة الحرة السعيدة والاعتقاد الراسخ بعدالة القضية وشرعية مقاومة الاحتلال.
ومن هذه الناحية بالذات يمكن أن يفهم المرء سبب تنامي ظاهرة الاستشهاديين والاستشهاديات.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: )ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يرزقون(.
فالشهادة ضرورة من الضرورات وركن من أركان العقيدة والإيمان لبناء الوطن والحفاظ على استقلاله وسيادته وحريته وثرواته ومنجزاته، والشهادة هي أسمى ما يقدمه المواطن أو المواطنة من تضحيات، إذ يضحون بحياتهم، وهي أثمن ما لديهم من أجل قضايا الوطن والعقيدة، وبالتالي من أجل تحقيق الانتصار للشعب والأمة.
إن الشهداء أصحاب قضية يؤمنون بها، والشهداء من أجل القدس وفلسطين، هم من أنبل شهداء الأمة لأنهم يتحدّون "إسرائيل" واليهودية العالمية والولايات المتحدة الأميركية وعملائها من العرب، إنهم أصحاب قضية عادلة، بل أعدل قضية ظهرت في المئة سنة الأخيرة من تاريخ البشرية، إنها قضية الإسلام والمسيحية الشرقية والشعب والأمة والعدالة والشرعية الدولية.
وعندما يستشهد المقاوم المؤمن بقضيته ومن أجل قضيته تقدم حياته لتحيا قضيته، قضية فلسطين، وهكذا مات لتعيش قضيته وشعبه وأمته، وبالتالي فاستشهاده هو الحياة لفلسطين والقضية.
لذلك تخشى "إسرائيل" المقاومة، لأن المقاومة ستحقق الأهداف الفلسطينية وتقتلع الاحتلال والكيان الصهيوني.
إن الشهداء يضحون من أجل الشعب والأمة، لذلك فهم مشاعل النور التي نسير على هداها في النضال من أجل تحرير الوطن واستعادة الأرض والمقدسات والحقوق المغتصبة ومن أجل بناء الوطن الحر والمستقل فالتضحية والشهادة والاستشهاد ضرورة لتحرير الوطن وبنائه في حياة الشعوب والأمم كافة فالشهيد إنسان حر عظيم، استبسل في محاربة العدو الإسرائيلي وقرر الاستشهاد من أجل فلسطين ، واستشهد من أجل القضية التي يؤمن بها، فالشهادة من أجل العقيدة والوطن هي من أرقى أنواع النضال والتضحية والعطاء، وأرقى مراتب الإنسانية والتضحية بالذات، لأن الشهيد وجد حياته في حياة الآخرين والحياة الحرة والكريمة وعودة اللاجئين .
تلعب ثقافة المقاومة والانتفاضة والشهادة والاستشهاد في التربية والثقافة العربية الإسلامية دوراً أساسياً في مواجهة الإمبريالية الأميركية والصهيونية العالمية، وعندما يصل الاستشهادي إلى مرحلة التفاني والتضحية وتقديم النفس من أجل الله والوطن والمسجد الأقصى، ولدحر اليهود أعداء الله والوطن عن القدس يكون قد وضع اللبنة الأساسية لتحرير فلسطين من رجس الصهاينة.
وعند التدقيق بالشهداء والاستشهاديين نجدهم من الأطباء والمهندسين وطلاب الجامعات الذين يؤمنون بالمقاومة والشهادة والاستشهاد وسيرتهم الذاتية ومواقفهم تجاه عائلاتهم وأصدقائهم مواقف نبيلة ومشرفة، ويعملون لدنياهم كأنهم يعيشون أبداً ويعملون لآخرتهم كأنهم يموتون غداً لذلك يراهم المرء يعيشون حياتهم بشكل طبيعي، ويتابعون تعليمهم، ويقدمون الامتحانات، ويقومون بواجباتهم الاجتماعية ويزورون الأقارب والأصدقاء، ويعيشون حياة طبيعية حتى لحظة القيام بالعملية الاستشهادية باختصار إنهم شباب وشابات مميزون وخيرة أبناء شعبهم وأمتهم.
أكدت عمليات المقاومة تصميم الشعب الفلسطيني على الاستمرار في خيار مقاومة الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي مهما غلا الثمن وطال الزمن، وكرست الإصرار على النضال حتى إزالة الاحتلال والعنصرية من الأراضي الفلسطينية المقدسة.
وأكدت تمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه التاريخية الثابتة في فلسطين، وأعطت مثالاً واضحاً للعالم بأسره على قدرة الشعب الفلسطيني في الدفاع عن مقدساته، والتزام الشعب الفلسطيني بالدفاع عن المسجد الأقصى وحماية القدس أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من التهويد.
وتؤكد المقاومة والعمليات الاستشهادية واستمرار الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني رفض الشارع الفلسطيني مشروع التسوية الأميركية لأنه مشروع إسرائيلي بلباس أميركي.
وعرّتْ عمليات المقاومة المجتمع الإسرائيلي وأظهرت ضعفه وتضعضعه وخوفه وهشاشته، وأثبتت عجز المؤسسات الأمنية والعسكرية وفشلها في منع العمليات وعجزها عن حماية مواطنيها، وبالتالي أسقطت نظرية «أمن المجتمع الإسرائيلي».
وأكد استطلاع أجراه معهد غالوب الإسرائيلي أن 63% من الإسرائيليين قلقون على أمنهم الشخصي وأن 58% ترددوا في زيارة المجمعات التجارية للأسواق بسبب العمليات الفدائية.
هبّتْ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الرسميين العرب لإنقاذ الكيان الصهيوني من ورطته ومساعدته في الصمود في وجه المقاومة والعمليات الاستشهادية باتهام المقاومة بالإرهاب.
وحملت دول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية على تصنيف المقاومة الفلسطينية المسلحة وحزب الله بالإرهاب ، ومارست الضغط على السلطة الفلسطينية لإعلان الحرب عليهما ، ولكنها فشلت.
وهكذا تجاوبت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي مع "إسرائيل" وأعلنوا جميعاً الحرب الإعلامية على منظمات المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وأدى هذا الموقف إلى تصعيد الهولوكوست الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وأعطاها غطاءً شرعياً لممارسة إرهاب الدولة كسياسة رسمية.
وبالتالي حقق السفاح شارون عن طريق مجرم الحرب بوش نجاحاً لم يحققه أحد في "إسرائيل" بتصنيف حركات المقاومة كحركات إرهابية وحمل القمة الخماسية الأميركية ـ العربية في شرم الشيخ على تبني المفهوم الاستعماري الإسرائيلي للمقاومة.