إن أفضل توصيف للفرق بين ثقافة الرقي، وثقافة الانحطاط، هو أن الأولى تخلُقُ مجتمعا غنيا يتيح لك الاستهلاك والرفاهية، ثُمَّ تنصحُك مع ذلك بالزهد فيما هو متاحٌ لك وتقدرُ عليه، وتوجهك إلى ذلك، فتفتح لك المجال لترتقي بإنسانيتك (!!)فيما الثانية، تُنْشِئُك على تقديس الاستهلاك، بينما تحييك في واحدٍ من مجتمعين:فإما أنها تحييك في مجتمع لا يوفر لك الحدَّ المعقولَ من مقوِّمات الحياة بسبب اختلالات طبقية عميقة، فتحولك من ثَمَّ إلى لص أو فاسد أو راشٍ أو مرتشٍ، وفي أحسن الأحوال فإنها تجعل منك مخلوقا يُقْنِعُ نفسَه بأنه زاهد ومتقَشِّف، لأنه فقط لا يستطيع أن يكون نَهِما وشَرِها ومستهلِكا (!!)وإما أنها تحييك في مجتمعٍ يوفر لك كلَّ شيء، فتندفعُ إلى الحيوانية التي تُقَطِّعُ إنسانيتَك إرْبا إرْبا، مع كلِّ اندفاعةٍ لك نحو تطوير مستويات استهلاكك الذي لا تقف غرائزك عند حدٍّ متوازن منه (!!)
أما الثقافة التي لا تستطيع أن تخلقَ مجتمعا غنيا أصلا، بصرف النظر بعد ذلك إن كانت ستدفع به إلى الرقي أو إلى الانحطاط، فهي ثقافةٌ تُلَوِّث الحياةَ والكرامةَ والشرفَ والكبرياءَ، كما يُلَوِّث غازُ ثاني أكسيد الكربون الهواءَ (!!)
وبإلقاء نظرة فاحصة إلى عالمنا، سنكتشف أننا إما من مُخرجات ثقافات الانحطاط بمختلف مشاربها، وإما من مُخرجات ثقافات التلويث بمختلف أنواعها (!!)