اعترافات ضد المفاوضات
د. فايز أبو شمالة
بعد عشرين عاماً من التوقيع على اتفاقية أوسلو، فإن الصورة تبدو محبطةً وقاتمةً، وقد تكسرت الأحلام الكبرى وتواضعت الأهداف، وبقدر ما كنا نشعر بأننا قريبون من تحقيق السلام في تلك الأيام ندرك اليوم كم نحن بعيدون عنه. فهدف الاتفاق لم ينجز لأن بنوده لم تنفذ، ومواعيده لم تحترم، مع استمرار حملات الاستيطان المكثف الهادف لتغيير الوقائع على الأرض الفلسطينية المحتلة كان يتم انتهاك روح الاتفاق وضرب جوهر عملية السلام.
تلك فقرة من خطاب السيد محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنه يعترف فيها بما عرفه الشعب الفلسطيني، ويدرك ما أدركه عامة الناس من المماطلة الإسرائيلية والخداع الكاذب، ولكن مشكلة السيد عباس أنه لا يستمع لصوت الشعب الفلسطيني الذي أظهرت كل استطلاعات الرأي رفض الفلسطينيين الساحق لاستئناف المفاوضات.
لم يكتف السيد عباس بتجاهل استطلاعات الرأي العام الفلسطيني، بل التف الرجل على استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، التي أشارت بغالبيتها إلى رفض قيام دولة فلسطينية، ورفض الانسحاب من أراضي الضفة الغربية، بل جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية لتعزز من مكانة اليمين الصهيوني المتطرف، ومع ذلك يقول السيد محمود عباس أمام الجمعية العامة للأم المتحدة: إنني على ثقة أن الشعب الإسرائيلي يريد السلام، وأن أغلبيته تؤيد حل الدولتين.
فلماذا يعاند السيد عباس استطلاعات الرأي الإسرائيلية، ونتائج انتخاباتهم، وهو الذي أشار إلى تطور العداء الصهيوني ضد الفلسطينيين، معززً كلامه بالأرقام التالية:
منذ بداية العام الحالي، استشهد على يد الجيش الإسرائيلي 7 فلسطينيين، وجرح 965، وقد حصل 708 اعتداء إرهابي من المستوطنين، وتم هدم 850 بيناً.
قارنوا بين أرقام هذا العام التي ذكرها السيد عباس، والأرقام التي ذكرها السيد عباس نفسه قبل عام أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث قال: لقد تم هدم 510 منشأة، وتم تشريد 770 فلسطيني، وقد حصل 535 اعتداء إرهابي.
المقارنة بين الأرقام تشير إلى توسع العدوان الصهيوني هذا العام عن العام الذي سبقه، والأرقام تؤكد أن هؤلاء الصهاينة المعتدون هم طلائع اليهود، وهم الذين يمثلون الأغلبية في إسرائيل، فأين هو الشعب الإسرائيلي الذي يريد السلام كما قال السيد عباس؟.
خلاصة القول: السيد عباس يعرف الحقائق التي يعرفها الناس جميعاً، ولكنه يصر على المفاوضات، ويفرضها خياراً وحيداً على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من عشرين عاماً؛ نزف خلالها الشعب الفلسطيني أرضه وحريته ومستقبله السياسي. فلماذا؟ لماذا يا سيد عباس؟