"الحرية" وتسميتها المشؤومة بـ"المؤقتة"
محمد إقبال*
"طاهر بومدرة" شخصية أممية بارزة.. عمل سابقا مستشارا خاصا لبعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" في العراق لفترة ثلاثة اعوام ونصف حتى مايو 2012 وكان مسؤولا عن ملف أشرف مخيم مجاهدي خلق الإيرانية في العراق في تلك الفترة.
وفي عملية تعرية وكشف للحقائق وشهادة تهز الضمائر الحية أمام مؤتمر عُقد في البرلمان البريطاني في 29 نوفمبر الماضي شارك فيه نواب من مجلسي العموم واللوردات البريطانيين وشخصيات أخرى تحدث بومدرا قائلا: ".. قبل أن يأتي المبعوث الخاص للأمين العام, مارتن كوبلر.. كنا نبحث حقا عن حل للموقف في أشرف من شأنه مراعاة حرمة الاشرفيين وكرامتهم وتوفير الأمن والسلام لهم.. ولذلك اعتمدنا على مذكرة تفاهم حقيقية كانت تضمن الحماية لهم. لكن في ذلك الوقت قدم علينا السفير كوبلر.. حيث قمت بالتشاور معه وكنت مستشاره فقلت له أن ميثاق الأمم المتحدة تنص مادته الاولى على ”نحن شعوب العالم“ لذلك فإن هذا الميثاق جاء لحماية الشعوب وليس الحكومات.. صحيح ان الدول هي التي صوتت على هذا الميثاق لكن الميثاق جاء لحماية الشعوب..».
ويؤكد بومدرة وهو الشخصية الأممية عالية المستوى أنه وبسبب مواقفه المبدئية ودفاعه عن الحق تم تسميته «مستر أشرف» من قبل كوبلر ولهذا السبب قاموا بشطب إسمه من قائمة مستلمي البريد الالكتروني الخاص بـ"اليونامي" الأمر الذي اضطره الى تقديم استقالته قائلا: «.. غير أن المشروع الأول لمذكرة التفاهم الذي كنا قد اعددناه كي يضمن حمايتهم تحول في ما بعد إلى آلة ووسيلة لممارسة الإزعاج والإيذاء بحقهم. تساءلنا أليس أشرف مكانا يسكنه الأشرفيون منذ 25 عاما؟ وما هو الداعي بعد هذه الفترة الطويلة لاخراجهم من هذا المكان؟ لماذا علينا أن ننقلهم فيما نحن قادرون على أن نقوم بالعملية نفسها هناك (أي إجراء المقابلات مع المفوضية العليا للاجئين) في اشرف لنجد مخرجا مباشرا من أشرف إلى خارج العراق؟»
ويضيف طاهر بومدرة الذي كان أول من زار مخيم ليبرتي من جانب الأمم المتحدة: «أقول إنني صُدمت. صدمت من أننا هناك.. والواقع لم تكن البنى التحتية لهذا المكان كلها ملائمة لإسكان 3400 شخص.. فما بالكم إذا أردنا أن نتحدث عن المعايير والمقاييس السيئة الموجودة في المخيم. إذن لم يكن الموقف مقبولا على الإطلاق وتم فرض هذه الظروف على الأشرفيين.. سبق لي وأوضحت لكم بأننا كنا تلاعبنا بمستندات هذا المكان وحتى صوره لكي نري العالم والأشرفيين شيئا مغايرا للواقع. وكي نقول لهم أن المكان يؤمّن لكم مقاييس مقبولة و..».
والآن يمر أكثر من عشرة شهور من دخول أول مجموعة من الأشرفيين إلى مخيم «الحرية»، ويبدأ حتى مارتن كوبلر نفسه تقريره المغرض بشكل كبير إلى مجلس الأمن بهذه العبارة ويعترف «بودي أن أؤكد أن مخيم ”الحرية” كان من المقرر أن يكون مكانا مؤقتا فقط..». وكيف يمكن تسمية مكان ”مؤقت” بعد اقامة اكثر من 3 آلاف شخص فيه لفترة اكثر من عشرة شهور؟. وليس هناك في بيانات ولا مقاييس الامم المتحدة نفسها ما يؤكد اختلاق مثل هذه التسمية لهذا المكان ووصفه بالمؤقت. ان التسمية «المؤقتة» على مخيم ليبرتي هو الوصف الذي اختلقه واطلقه مارتن كوبلر بنفسه على هذا المكان وهو يعترف بذلك، ولكنه نسي او تناسى ان مثل هذه التسمية ادت لحرمان سكان المخيم من المتطلبات والحدود الدنيا من حقوقهم الانسانية.. حيث تحول مخيم ليبرتي عمليا إلى معتقل.
وعلى سبيل المثال فيما يتعلق بمرضى في مخيم ليبرتي تقوم عناصر الاستخبارات العراقية بمرافقة المرضى حتى في العيادات الخاصة للأطباء.. وهذه العناصر هي التي تحدد كم تكون فترة الاستشارة الطبية أو فترة العيادة للمريض.. بل ان هذه العناصر تفرض على المرضى وبشكل مذل ومهين كيفية التحرك والجلوس والوقوف في مستشفيات بغداد. ناهيك عن صعوبة دخول الأدوية والمواد الغذائية الى المخيم. فالمقيمون فيه محرومون من الإستفادة من الآليات الرافعة للحمولات الثقيلة (كرينات) أو الرافعات الشوكية.. وعليهم أن يقوموا بنقل الاجسام الثقيلة بايدهم كأنهم يعيشون في العصور الوسطى. وكذلك فإن أي نوع من الاعمار أو الاعمال الانشائية ممنوعة حتى مجرد انشاء المظلات والطرق المبلطة.. إن هذه هي حصيلة عدم تحمل الأمم المتحدة لمسؤولياتها والوقوف المدهش والكارثي لمارتن كوبلر الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بجانب الحكومة العراقية والنظام الإيراني بشكل خاص.
وعلاوة على هذا، وبسبب وضع العراقيل من قبل الحكومة العراقية وعملية التسهيل التي يقدمها كوبلر إلى هذه الحكومة لم يتمكن سكان ليبرتي من بيع أموالهم المنقولة وغير المنقولة التي تبلغ قيمتها اكثر من نصف مليار دولار.
إن كوبلر والذي كان يفترض عليه ان يقوم بدور محايد كونه مسؤولا أمميا وليس موظفا عند هذا الطرف او ذاك، اصبح بسياسته غير المحايدة هذه جزءا من المشكلة.. وعليه فان سكان اشرف ولبيرتي ومن يمثلهم لا يصدقونه من قريب او من بعيد بأي شكل من الاشكال..
إن ما نتوقعه من الأمين العام للأمم المتحدة هو أن ينتهي هذا الوضع "غير الطبيعي" وأن يعين ممثلا محايدا آخر بدلا من كوبلر الذي أثبت عدم كفاءته في التعامل مع هذه القضية.
ويبقى أن نقول انه ما دام مخيم ليبرتي يحمل معه التسمية المشؤومة عبر وصفه بـ"المخيم المؤقت" فانه سيبقى سجنا بكل ما تحمل الكلمة من معنى وسيبقى سكانه محرومون من جميع حقوقهم الانسانية.. إذن فالأمين العام للأمم المتحدة مطالب بقوة وعبر الصلاحيات الممنوحة له بالاعلان ان مخيم ليبرتي هو مخيم للاجئين وانه يمنع على الحكومة العراقية أن تقوم بنهب أموال أشرف. وإن السكان يجب ان تكون لديهم القدرة وان يتمتعوا بحريتهم كاملة غير منقوصة في بيع ما يرغبون من أموالهم المنقولة وغير المنقولة لكي تمكنوا من تأمين مصروفاتهم الهائلة في هذا المخيم والمصاريف الهائلة للنقل المحتمل إلى بلدان ثالثة.
يجب أن يتمكن السكان التنقل بشكل حر خارج المخيم ومنحهم فرصة الاتصال بالمحامين والبرلمانيين والأجهزة الدولية بشكل مباشر ودون اية عوائق.. مع التأكيد على اهمية فتح الطريق امام البرلمانيين والفعاليات المختلفة لزيارة المخيم للاطلاع عن كثب عن اوضاعه من الداخل اضافة الى الظروف المعيشية والصحية للمقيمين فيه.
* خبير إستراتيجي إيراني
m.eghbal2003@gmail.com