غزة رحم الألم والموت
كتبه :تحسين يحيى أبو عاصي – كاتب فلسطيني مستقل –
tahsen-aboase2010@hotmail.com
ليس الناظر كالسامع ، وليس الذي يده في النار كالذي ينظر إليها ، فمن ذاق عرف ....
لا حصر لأنين غزة ، ولا أحد يضع خطة إستراتيجية لحل مشاكلها التي تضرب أذرعتها في كل مكان وعلى كل صعيد .... مما جعل الفلسطيني يقول بلسان الحال والمقال : لقد خذلتمونا ....
إن الفلسطيني الذي تعتبره جميع فصائلنا بأنه الدماء الفتية التي تجري في عروق أجندتهم ، يئن الليل والنهار من دون أن يأبه به أحد ، باستثناء القليل من رشات المياه على وجهه من هنا وهناك لا تسمن ولا تغني من جوع ....
حصار وفقر وغلاء فاحش ، وتدني في الأجور والمرتبات ، بطالة عمال ، وخريجين بلا أمل ، وشباب لا مستقبل لهم ، تفسخ مجتمعي ، وانهيار أسري ، يأس وإحباط ، وارتفاع نسبة المرضى النفسانيين ... الهواء ملوث ، والمياه ملوثة ، فقد حذَّرت الأمم المتحدة، أن إمدادات المياه الجوفية في قطاع غزة تواجه خطر الانهيار ، وحذر تقرير أصدره مقر برنامج الأمم المتحدة للبيئة(يونيب) في نيروبي من أن الأمر قد يستغرق قرونًا لإصلاح الأضرار التي لحقت بالخزان الجوفي للقطاع ، ما لم يتمَّ اتخاذ إجراء مناسب الآن ... وأفاد (يونيب) بأن ترميم الخزان الجوفي قد يحتاج إلى أكثر من مليار ونصف المليار دولار خلال الأعوام العشرين المقبلة،وكذلك اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي مما يعرض حياة المواطنين للخطر بسبب الأمراض . انتهى
وكذلك تلوث بحر غزة وشاطئه بسبب مياه الصرف الصحي والنفايات الصلبة ، وفقدان الحلول الجذرية لها .... فقد حذر أ.د يوسف أبودية رئيس جامعه فلسطين ورئيس المركز القومي للبحوث والدراسات من مخاطر التلوث البيئي وقله الأجهزة الكفيلة لمواجهته ، وقال : إن التحاليل المخبرية التي أجريت على عينات من مياه قطاع غزة في عدد من المختبرات المصرية بالتعاون مع نقابة المهن العلمية في مصر ، كشفت عن نسبة تلوث عالية جداً . انتهى
وانتشار أكوام النفايات في شوارع غزة حتى صارت غزة من أكثر بلاد العالم استهلاكا للأدوية وليتها تجدها ، فقد اعتبر د. اشرف القدرة الناطق باسم وزارة الصحة في تقرير سابق ,أن المؤشرات الخطيرة المتلازمة لأزمة النقص في الرصيد الدوائي تظهر أن الوضع الصحي في قطاع غزة مرشحاً لمزيد من التدهور الخطير ؛ جراء نفاذ مئات الأصناف من الأدوية والمستهلكات الطبية من المستشفيات ، ومراكز الرعاية الأولية ، ومختبرات الصحة العامة ، و بنوك الدم في وزارة الصحة ، وأوضح القدرة أنه مع إغلاق شهرأغسطس وصل النقص في الرصيد الدوائي إلى مستويات مقلقة للغاية جراء نفاذ 167صنفاً من الأدوية الأساسية إضافة إلى نفاذ 319 صنفاً من المستهلكاتالطبية . انتهى
ومشاكل نقص الوقود متعاقبة ، ومشاكل الكهرباء حدث عنها ولا حرج عليك ، والموت من خلال حرائق الشموع ، أو من خلال هدم الأنفاق فوق رؤوس فتياننا وشبابنا المساكين ، وهم يبحثون عن لقمة العيش ، تلك الإنفاق التي زادت أصحاب الكروش المنتفخة تكرشا وانتفاخا ،ففي تقرير صادر عن مركز المعلومات الصحية الفلسطيني في مايو من العام الجاري رصدت أعداد الوفيات نتيجة الحوادث المختلفة في الأنفاق من الفترة (1-6-2006 إلى 31-12-2011) حيث بلغ عدد الوفيات في الأنفاق الإجمالي في هذه الفترة ( 188) شخصا . انتهى
كما بتعرض الناس للموت عن طريق برك الصرف الصحي وبرك تجمع مياه الأمطار ، وبسبب انفجار مولدات الكهرباء ، وما يرهق المواطن من ثمن وقود لتلك المولدات ، وتكلفة صيانتها ، وما ينتج عنها من إزعاج حاد وتلوث بيئي ... وحسب إحصائيات سابقة لجهاز الدفاع المدني في قطاع غزة فإن شهر يناير الماضي شهد 32حالة حريق جراء الاستخدام الخاطئ لمولدات الكهرباء، سقط خلالها عدد من الضحايا، وأصيب عدد آخر بحروق واختناق. انتهى
وذكرت مصادر طبية فلسطينية أن عدد القتلى جراء انفجار المولدات بلغ 16 قتيلاً، بينما بلغ عددضحايا الحوادث المنزلية المختلفة التي لها علاقة باستخدام الوقود واسطوانات الغاز والمولدات منذ عام 2009 وحتى تاريخه أكثر من 75 ضحية .انتهى
وكذلك الموت الناتج عن حوادث الطرق ، والموت بسبب غزو الدراجات النارية لنا ، وما تحصده من أرواح بدون تقنين لهذا الخطر الكبير على أهلنا ... وتشير إحصائيات سابقة صادرة عن وزارة الصحة إلى أن حوادث الدراجات النارية تسببت بوفاة أكثر من 200 مواطن في قطاع غزة عام 2009 ، وإصابة أكثر من ألف بعضهم يعاني من إعاقة دائمة ، وأن مستشفى الشفاء تستقبل بين 30 و40 مصاباً في حوادث الدراجات النارية كل أسبوع. انتهى
وقال طبيب مسئول أن الحوادث باتت تسير في وتيرة متسارعة ومتزايدة، حيث كان في السابق متوسط الحالات اليومية ما بين 3-5 إصابات يومية، لكن اليوميصل متوسط الإصابات خلال 24 ساعة إلى 10 وأحياناً يصل إلى ما بين 15-20 حالة ، وأضاف: إن معظم الإصابات تكون خطيرة وتؤدي إلى استنفاد الطاقات البشرية والطبية الموجودة في مستشفى الشفاء في ظل حالة النقص التي تشهدهاوزارة الصحة ، مؤكدًا أن المسئولية تقع على الجميع في الحوادث المرورية ، وأن الزيادة ظهرت بشكل ملحوظ مطلع شهر رمضان الماضي، وتسارعت الوتيرة بشكل غير مسبوق مع بداية المدارس وانطلاق الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية، منوهًا إلى أنه وبشكل يومي تصل إصابات في جلها من طلاب المدارسنتيجة إما الاصطدام بالسيارات أو الدراجات النارية أو "التكتوك". انتهى
بدوره، أفاد الرائد فهد حرب في وقت سابق، مفتش تحقيقات الحوادث المرورية في وزارة الداخلية، أن حوادث السير أسفرت منذ بداية العام الحالي 2011 عن مصرع 79 شخصًامن بينهم 27 من الدراجات النارية، فضلاً عن إصابة المئات بينهم إصابات خطيرة ، وبعضها أدت إلى إحداث عاهات مستديمة، كما تم نقل بعض المصابين للعلاج بالخارج نظرًا لخطورة حالاتهم. انتهى
وموت آخر لأهل غزة بسبب السرطان ، وتنامي أعداد المرضى بهذا المرض وفقا لإحصائية طبية حديثة ... فعلى لسان مديرة برنامج العون والأمل لرعاية مرضي السرطان ، "أن عدد مرضى السرطان في القطاع يبلغ 11 ألف مريض مسجلين لدى وزارة الصحة وغيرها من المؤسسات ،لافتة إلى أن هناك أعدادا أخرى مصابة بمرض السرطان غير مكتشفة وغير مسجلة، وقد يكتشف الفلسطينيون خلال 5-10 سنوات المقبلة أن هناك أعدادا كبيرة . انتهى
جار لي مريض بالسرطان يدفع في كل شهر وعلى نفقته الخاصة أربعمائة دولارا أمريكيا ثمنا للدواء .... وصديق لي كلفته رحلات العلاج من هذا المرض حوالي ثلاثين ألف دولارا أمريكيا فكيف سيكون حال الفقراء من شعبنا ؟ !! لك الله يا شعب فلسطين .
الاحتلال يقصف ويحاصر ، والصواريخ الفلسطينية تخرج من قطاع غزة من دون رؤية سياسية علمية ، وصفو حياة الناس يزداد تعكرا .... فلا قيمة لصواريخ تُطلق من غزة لا تصيب أحدا من الإسرائيليين مقابل قتل وجرع العشرات منا في كل ردة فعل ، والأمثلة على ذلك واضحة ولا تحتاج إلى دليل ....
أخطاء طبية يدفع ثمنها الأبرياء ، بالإضافة إلى عدم كفاءة كثير من أطبائنا ، وتدني مستوى الخدمات الطبية وضعف الإمكانيات ، نموت في غرف التخدير، وفي غرف الولادة ومن سوء الخدمات والتشخيص ، ومنهم والدي رحمه الله ، من دون معالجة تشريعية أو قضائية أو إدارية لتلك الأخطاء ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، فمن يتحمل أمانة المسئولية عليه القيام بها ، علما بأن مؤسسات طبية وحقوقية وإنسانية وحكومية ناقشت هذا الموضوع ، ولكن على غير فائدة حتى الآن ... ولا ننكر هنا فضل وكفاءة عدد قليل من أطبائنا الذين أثبتوا براعتهم من خلال أدائهم في شتى التخصصات ...
موت متعدد المظاهر والأسباب فاق كثيرا أي ظاهرة في العالم قياسا إلى مساحة قطاع غزة وعدد سكانه ...
ثم انخفاض مستوى الأداء التعليمي ، وارتفاع نسبة التسرب المدرسي بكافة أشكاله ، وارتفاع نسبة الحوادث المدرسية ، وغياب رؤية علمية للحد من تلك الظواهر ، وعدم كفاءة كثير من معلمينا واستخدام الضرب والعقم الإداري ... فوزارة التربية والتعليم تنظم أياما وتعقد دورات وورش عمل ، وتقوم بفعاليات للبحث في أسباب تدني مستوى طلابنا ، ولا نتيجة تُذكر .
قال د. خليل حماد مدير عام الإشراف والتأهيل التربوي في عزة : "إنما نلمسه في هذه النشاطات يعد نهجاً جديداً في وزارة التربية؛ لأن إعداد مثل هذه الأيام الدراسية كان مقتصراً على الجامعات !! .وأوضح أن وزارة التربية في غزة تدرس وبشكل جدي من خلال لجان تجري دراسات مختلفة لمعرفةتدني التحصيل في مبحث اللغة العربية بشكل خاص ، والمباحث الأخرى. انتهى
غياب فرص الترفية المجاني لأطفالنا وشبابنا ... فلا مراكز للطفولة ، ولا أندية للشباب ، ولا مكتبات عامة ، باستثناء القليل الذي لم يؤد رسالته بسبب سوء التخطيط .... ومعظم حدائقنا غير كافية لتغطية المساحة الجغرافية ، وفي معظمها غير مجهزة لاستقبال الجمهور تجهيزا لائقا ...
طمس المواهب والإبداع ، وعدم الاهتمام بالمبتكرين والمخترعين والباحثين ، وغياب فرص تطوير الأفراد ، فكثير من شباب غزة أبدعوا في اكتشافاتهم واختراعاتهم من دون متابعة من احد ...
عودة التكلس القبلي من جديد ، وتغلب الانتماء القبلي على الانتماء الوطني ... وتفشي الواسطة والمحسوبية ... وانتشار ظاهرة النزق في التعامل بين الناس ، وعدم قبول الآخر ، والنفاق الاجتماعي ، وانتشار ثقافة الأنا ، والميول العدوانية ، والسلوك الخاطئ ...
100 ألف فلسطيني سيحصون على الجنسية المصرية ، فقد كشف مصدر أمنى مسئول في وزارة الداخلية المصرية ، عن منح نحو 50 ألف فلسطيني ، غالبيتهم من قطاع غزة ، الجنسية المصرية خلال الشهور القليلة الماضية.
وحسب المصدر الذي يعمل بقطاع مصلحة الجوازات والهجرة ، قال للوطن المصرية : إن وزارة الداخلية لديها تعليمات بمنح جميع الفلسطينيين من أمهات مصريةالجنسية دون أي عوائق تنفيذاً لحكم «الإدارية العليا» الذي صدر في مايو الماضي ، وهو ما أدى لارتفاع عدد الحاصلين على الجنسية المصرية من الفلسطينيين بشكل غير مسبوق بعد ثورة 25 يناير، وأشار إلى أن مصر تحتلالمرتبة الثانية الآن بعد الأردن في منح الجنسية للفلسطينيين. فهنيئا لك يا فلسطين وشكرا لقادتنا !! .
لست سوداويا ، ولا أنظر للجانب الفارغ من الكأس ، ولست من محبي جلد الذات ، فجوانب الخير عندنا كثيرة ومن أهمها التراحم والصمود ، والصبر والثبات على كل ويلات الزمن ...
ولكن ينبغي إعادة النظر في آليات تعاطي قياداتنا مع شعبنا وإلا وقعت الهاوية إن لم تكن قد وقعت بالفعل ... فشعبنا ليس رهينة لأحد ، وليس شعب إتاوات ، ولا هو حقل تجارب لأحد ، ولا بقرة حلوب لهذا وذاك ، ومن هنا ندق ناقوس الخطر لمن أراد أن يسمع ، ولكل من يعنيه الأمر... ولا بد من أن يكون لجميع أصحاب الرأي والقرار ، على المستويين الرسمي والشعبي
دورا منسجما مع جلل الحدث ، وإلا سيظل أداؤنا عشوائيا ؛ فنعيش في وهم عميق معتقدين أننا على صواب ؛ فنحصد خيبات أمل متعاقبة ...
فليست المهارة في تحرير المخالفات ، وفرض الضرائب والغرامات هنا وهناك ، ولا المهارة في تبديل السيارات القديمة بالحديثة ، ولا بمنع استيراد أنواع من الفاكهة ... إنما المهارة في حسن أداء قيادة الشعوب بشفافية وأمانة ، والتفاف الجماهير حول قائدها من أجل التغيير نحو الأفضل ... وليس من المعقول أن نعلق جميع أخطائنا على شماعة إسرائيل والاحتلال ، وكأنه لا حراك لنا ولا فعل ولا قدرة ولا إرادة ... ولا بد هنا من السؤال التالي : هل ينجح مشروح يعيش المواطنون من خلاله الألم والمعاناة والموت المتعدد المظاهر !! ؟ .
كل ما سبق لا يمكن أن يؤهلنا لنصر ولا يقودنا إلى لتحرير ...
للاتصال بالكاتب :
من داخل فلسطين جوال رقم: 9421664
من خارج فلسطين جوال رقم: 00970599421664