منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    قراءة في ديوان "مرايا النفس" للشاعر عاطف الجندي



    قراءة في مرايا النفس
    ( ديوان عاطف الجندي)

    قد يتحول العصفور إلي تمساح ليظل الصمت ضوءًا بين الممات والحياة، حتى يعلن التاريخ شهادة " نسر " يؤمن بالشعر .
    كانت هذه الشهادة ضرورية بعدما أبحرت في صفحات ديوان " مرايا النفس " للصديق الشاعر " عاطف الجندي " ولمستُ الخوف الذي يعتريه حين يحلم بالشمس، فيتردد قليلاً، ثم ينعكس ذلك التردد علي الوجه الآخر متمثلاً في المرأة والتي ما لبث أن وجدها – رغم ضعفها – تمنحه الجرأة، فبدأت أسئلته حول الصمتِ
    "أأصمت؟ للصمت طعم الخنوع، وما كنتُ يوم أجيدُ المماتَ"
    يقول " أنا رجل أتته الشمس في كف .. وسار بدرب أغنية ولا ينطق "
    ويزيد النفسُ قليلاً، فيتحول من الصمتِ إلي التمتمات، فيكرر لفظة " خلف " كما في " خلف الحلم "، "خلف جدار"، "خلف الناي"، "خلف الأمجاد "، وبتتبع نجد أن الذي كان يفصله عن العالم معنوياً هو الحلم، ثم تحول إلي مادي وهو الجدار لكنه قد يشوبه الصمت فأنطقه وأصبح "الناي"، وبعدها تولدت " الأمجاد " .
    وهنا بدأ يعلن عن نفسه بتكرار " أنا " في حواراته مع المرأة مثل قوله "أنا الفلاح"، أنا فخّارك"، "أنا في الحب عصفورُ"، ثم يقول:- " أنا ليلاي لا أهوي حديث النفس " .
    ومازال يفترض في المرأة الدفء عند الشتاء لأنها قد لا تشعر بالبرودة، فيحاول ارتداءها ويكثر منها ولكن هيهات " وألبس عند الشتاءِ الكثير ويبقي الصقيع بغير انتهاء / وأعجب حين أري في المسير نساءً يسرن بنصف الرداء " .
    وبالتالي يصل إلي نتيجة أولية وهي استدعاء الحظ ليكون بينه وبين المرأة كحل وسط
    " وأنا وأنتِ وحظنا في المنتصف / لم نعرف البدر ولن نر الشمس " .
    ولا يستسلم للمرأة مبرراً ذلك بقوله :-
    " يا سيدي الغواص مهلاً / هذه القيعان حبلي بالطحالب والردى "
    ويؤكد رؤيته فيها عندما منحته "الصُّدفْ " فرصة لذلك بقولة "الآن عادت مثل أرنبةٍ تجرجر في المساء صغارها " ولكن ترد الوقائع حين ينسي بخل المرأة في دفع مقابل " درس خصوصي " بمجرد أن عرضت مفاتنها وطرحت سؤالها " ماذا "؟
    حيث يقول :- " قالت قبّل .. بعد القبلةِ قالت أحمق / قلتُ لماذا؟ قالت بعد القبلة ماذا؟! "
    فإذا همّ بها وأرادها واجهته بالحجة في قصيدة " أنا والنخلة " إذً كيف تعيش المرأة بين الشقاء وصنع الغذاء ونفاق العمات ثم يطيب منها الجمال، فيستسلم ظاهريا بقوله :-
    " إذا ما أردت ابتعاد المنايا .. فلا تسأل النحل أين العسل "
    ويضيف في " قسمة " قوله " لكِ الموتُ والكبرياء .. ولي بين هذا وذاك البكاء "
    ويقيم في نفسه رأيه فيها لكنه ما زال " علي حافة الصمت " فيقول :-
    " علي حافة الضوء نمشي .. علي حافة الصمت نمشي كثيراً ولا نستريح سوى في الخصام وأنت إلي حفلة الضوء تمشين في غابة اللون تأتي النسور إليك ولست سوي طائر في فضاء اليمام " .
    ويدرك في لحظة أن العلاقة بين الرجل والمرأة تمثل " مباراة " بين فريقي الأهلي والزمالك، فهو إذ يطلب الجمال ترفض وإذ يصمت تختلق الإثارة ولو بالخصام كي يكون الحوار، وما أن بدأ الحوار حاولت أن توقعه في شباك " المأذون " فيهرب، بعد أن حدد قدرها الحقيقي ويقرر الإعلان عن نفسه ثانيةً وامتداد جذوره، فالوطن الأكبر..، يقول:- " في بيت الحب بني جدي، وأقام أبي فكساه سنا / وبثوب العرس أتت أمي تحلم بالشمس، فكنت أنا " و" الأنا " ظاهرة في أشعار صديقنا " عاطف الجندي " وليست الأنا النرجسية وإنما منطلقا من أعرف نفسك أولاً وحدد قدراتك كي تستطيع المواجهة والتفاعل مع المجتمع، فهو يقول في " مرايا النفس " :-
    " أنا من عانق الأشجار أغزوا النجم بالمقلاع " ..، ويعترف أنه يوماً ما كان يستجدي المرأة ..، وإن كان بلا قصد يأخذ الاستجداء شكل الأمر، فيقول :-
    " ولكني بلا قصدٍ تركت القلب للغادة .. أحبيني كسنبلةٍ " أحبيني كزنبقةٍ " أحبيني فلا مأوي بلا عينيكِ .."
    ويبدو أنه تنبه أن الحب في الشعر لا يكون إلا بالمشاركة الفاعلة ومواكبة الأحداث، بل وجب عليه التقاط المعاني وبسرعة الصوت والإشعاع، فيكون الإبداع، وتكون خصوبة التربة لينتج السلام والأمن، فهو يقول :- " أنا فخارك المخلوط بالحناءِ والطين " ويواجه نفسه ليقول "ماذا ستفعل غير أن تأبي وترفض كل مغتصبٍ وتغضب، هاهنا ستكون ثورتك المجيدة – في سبيل الله – شيئا كالعبادة / اغضب بملء الصدر أمسك في ربوع الخلد يوما بندقية / اغضب وإن نلت الشهادة لن تموت لك القضية / وتكون عند شهادة التاريخ نسراً من شهب "
    ولأنه قرر أن يكون " نسراً " مع النسور وأمام التاريخ بدأ خوض معاركه في القضايا الاجتماعية والوطنية ..، وبدأ يواجه الفقر ساخراً بقوله " فقلت المهر؟ قالت بالثمين .. فنام اللحن فوق رصيف حزني / وغام الكون وانكسرت عيوني " .. !!.
    ومن الفقر والانكسار إلي قضية الأخلاق والشهامة، فيقول:-
    " صديقي الذي سافرت زوجه صوب بئر من الزيت تبغي العمارة / يقول بأن الدنانير تأتي إلي حافة الحلم تبني وفي حسنها ألف قصرٍ وتعطيه تاج الإمارة / تعجبت من منطق كيف يرضي .، وكيف تكون الحياة تجارة / ونوعا من السوء يدعي دعارة " .
    وهنا يواجه اللطمة في المرأة، فهي إما تسافر للعمل وإما تعطي العسل بغير سؤال .، ويزيد من إصرارها انتشار قضايا الفساد والخلل .، وتضيع الأمم ..، ويتأثر بقوله تعالي :- {لا يغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم } ليتذكر " صلاح الدين " وقضايا " التحرير " ويجد أن الحل في " الشعبً ذاته ..فهو يقول :- " نستجدي صلاح الدين وخلفنا ضغط الزناد أبو لهب /
    فتخيلوا شعبا بقاعات المراقص والطرب / الشعب نارٌ في وجوه عدوكم، والشعب كنزٌ لو ترومون الذهب "
    وهكذا يتضح – بعد النبش في الذاكرة الإبداعية للصديق عاطف محمد سالم الجندي – أنه تأثر بمدرسة "النسر الأدبية " والتي يعد فيها عضواً بارزاً ويجيد أدوات "مسطرة النقد الشعرية" ..، تلك المسطرة التي صهل بها " الحصان الناري " فكانت مميزة عن غيرها وجامعةً لكل الفنون في إطار شعري ..، .
    وقد نجح شاعرنا في استخدام الصور والتلاعب اللفظي وبعض الإسقاطات والرمزية، وظهر قاموسه اللغوي بتكرار عدد من الألفاظ بعينها في مواضع مختلفة، وألفاظ أخري تختلف في معانيها وإنما تتفق في جناس تام قاصداً التورية التي تولد جهداً مشاركا بين المبدع والمتلقي.،
    وعلي سبيل التورية قوله " أبي قد مات تحت الشمس ..، وكان الداء مصريا وفيروساً يعانق موته كبدي، وكان النعش " فهنا كلمة " كبدي " للوهلة الأولي يتصور المتلقي أنها تعني " الكبد " ذلك العضوفي جسم الإنسان يرشح ذلك كلمة " فيروس " التي سبقتها، في حين أن الشاعر هنا أراد ب " كبدي " معني التعب الذي لحق به بعد وفاة أبيه، كما أن جملة " أبي قد مات تحت الشمس .." إسقاط علي ما كان ينعم به من الحرية التي تشوبها القيود الخارجية وقد أثرت في الابن، فظل يحلم بالشمس والضوء والثورة ويظهر التلاعب اللفظي أيضا في الجناس بين " صَدف "، "صُدف" بفتح الصاد في الأولي وضمها في الثانية ومثال " قلع"، "خلع"، وكلتا اللفظين يحتمل معان كثيرة، وأما من ناحية حُسن الاستهلال والخاتمة في قصائد " الجندي " والصور المبتكرة فإن ذلك يظهر جلياً في جمل شعرية ولاسيما في قصائد " الومضة "، كما إنه في حاجة إلي تكثيف أكثر والاستفادة من الفنون الأخرى والدراما والألوان والحركات ولاسيما في قصائده الطويلة وأسئلة أين الموروث والتضمين؟ رغم وجود الفأس والمحراث والمنجل وكذلك التأثر بالقرآن الكريم والتناقض بين القرية والمدينة .، أو الإشعاع الفضائي وفنون الزرع ..
    * ولأن شاعرنا أحد نسور الأدب، ويبحث دوماً عن الجديد الذي يستخلصه من المتناقضات والآراء المختلفة، أهمس في أذنه بأن السرعة لا تعني التعجل وترك ما يؤخذ علي الشاعر بحجة التجريب، وعلي سبيل المثال في قصيده " اغضب ص48 " يقول :- " لا .. لا هنالك من محارٍ ولا صدف " لو استبدل " ولا " بـ " أو" لاستقام الوزن، وأرجوألا يعيد ذلك لأحقية الشاعر في " منع المصروف " وقد منع " محار " من الصرف وبالتالي اختفي التنوين .. ذلك لأنها ليست ضرورة شعرية قياسية، وكما في قوله " لم نعرف البدر .. ولن نر الشمس ص29 " تفعيلة القصيدة هي متفاعلن ولكنه في " بدر ولن " أصبحت مفتعلن وهي لا تأتي إلا في تفعيله مستفعلن أما " نر الشمس " تحولت إلي مفاعلتن .
    وكذلك في قصيدة " ابتسامة " قوله :-
    " في عينيك تحملني ابتسامةْ / كعصفور يعانق طيره الأول / ويرسم خيط أحلامِه / وأغرق فيكِ .. في عينيك تصحبني السلامَةْ . " .
    الرويُّ هنا هو الهاء الساكنة، ولا بد لحركة ما قبل الساكن أن تكون واحدةً، ففي السطر الأول نجد "الميم" حركتها " الفتح " ويؤكدها السطر الرابع في " السلامَةْ "، أما في الثالث كلمة " أحلامِه " تمثل مشكلتين .. أولاهما أن هاء الضمير الذي تحرك ما قبلها لا تصلح أن تكون روّيًّا، وثانيهما أن " الميم " مكسورة لأن " أحلام " وقعت مضافاً إليه مجروراً، وبما يخالف السطر الأول والرابع، وهو ما يسمي بعيب " سناد التوجيه " في القافية ويعني اختلاف حركة ما قبل الروي المعيد ..، وأرجو أيضا ألا يرجع صديقنا ذلك إلي أنها شعر تفعيلة ولا يلتزم بالروي ّ أوإلي الأخطاء المطبعية مثل كلمة " ستذهو" كتبت بالذال وأصلها من " الزهو" بحرف " الزين " وكلمة " محببه " فإن الباء الثانية هي في الأصل حرف الياء لتكون الجملة " وأما القبر فدانّ من الصلوات أودعها قلوبا من محبيه " .
    وإذا كانت الصورة الخيالية أهمّ ما يميّز القصيدة، فإن " الجندي " حاول بثها في قصائده
    " أعيد البث من شعري علي الأقمار إشعاعاً فضائيا..، أريد الحب والأحلام أنسي لسعة السوطْ ليمضي الحبر كالعصفور من بيت إلي بيت.. وإن لم تقدري ثوري.. وكوني الآن تمساحاً ورديني إلي الموت "
    وكما أنه نجح في بعض الصور مثل " غابة اللون " و"أغزو الشمس" فقد تكرر استخدام التشبيه في " كزنبقةٍ " و" كسنبلةٍ " و" مثل أرنبةٍ " وكان من الأعمق حذف أداة التشبيه لاتساع المعني ..، وقد أوقعه إصراره علي توليد الصورة في النثرية أو علي الأقل في الصورة المستهلكة مثل قوله " وعادت مثل أرنبةٍ تجرجر في المساء صغارها " ..،
    وما أروع تلك الصورة التي تأتي انسيابية وبغير تكلف في قوله :-
    " فهل نحن جنسّ يحس الفصولَ .. وحواء جنسّ بخط استواء؟! "
    فهو في تساؤله شبه حواء بخط الاستواء، لكنه لم يستعمل أدوات التشبيه، وأظهر ذلك التركيب اللغوي في الجملة الشاعرة، حتى كانت هذه الصورة بروعتها ناجمةً عن صدق التجربة وأصالة الموهبة .، وأدت إلي حسن الخاتمة في قصيدة فصول.
    أما عن الرسالة التي يحملها شاعرنا فقد أكد في مختتم الديوان وبقصيدة قضيتي أنه " عاشق " وثائر للعروبة في مجدها متخذاً من القصيدة مركبته التي تدخل في عمق القضايا المهمة ..، فيقول:-
    " آمنت بالشعر الطليق قضّيةً تفني حياتي ثم تحييها ".
    ويتبقي .. أننا أمام شاعر يمتلك أدواته ويؤمن بالشعر، فيتطلع دوماً إلي الحرية والضوء ولا ينفصل عن قضايا الوطن، مثلما يرتبط ارتباطاً وثيقا بالأطفال حين يكتب لابنته " سارة " عن القيم والعقائد والوحدة الوطنية، ويلعب دوراً – من خلال الإبداع – في الوعي القومي وتجميل الذاكرة .


  2. #2

    رد: قراءة في ديوان "مرايا النفس" للشاعر عاطف الجندي

    السلام عليكم
    حقيقة الاديب الكبير عاطف الجندي غني عن التعريف اشكر لك جهدك الرائع
    ومرور اول وتثبيت
    [align=center]

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    ( ليس عليك أن يقنع الناس برأيك ،، لكن عليك أن تقول للناس ما تعتقد أنه حق )
    [/align]

    يارب: إذا اعطيتني قوة فلاتأخذ عقلي
    وإذا أعطيتني مالا فلا تأخذ سعادتي
    وإذا أعطيتني جاها فلا تأخذ تواضعي
    *******
    لم يكن لقطعة الفأس أن تنال شيئا ً من جذع الشجرة ِ لولا أن غصنا ً منها تبرع أن يكون مقبضا ً للفأس .

  3. #3

    رد: قراءة في ديوان "مرايا النفس" للشاعر عاطف الجندي


    الشاعر الكبير عاطف الجندي شاعر رقيق لدرجة النسيم العليل ، ومموسق كحفيف ورق الورد ، منساب كجدول من نضار ، كم أحب التمتع بكلماته وأسلوب صياغته ، للناقد الغالي تحيتي وللشاعر محبتي وتقديري .

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة نقدية تحليلية في ( لا أريد ) للشاعر عاطف الجندي
    بواسطة عاطف الجندى في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 01-25-2011, 12:16 AM
  2. أنت ِ القصيدة .. ديوان جديد للشاعر عاطف الجندى
    بواسطة ابراهيم خليل ابراهيم في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 12-25-2010, 11:09 AM
  3. لاأريد ديوان جديد للشاعر عاطف الجندى
    بواسطة ابراهيم خليل ابراهيم في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-04-2010, 11:02 PM
  4. إحتفاءً بشاعرية التمرد قراءة فى ديوان عاطف الجندي
    بواسطة عاطف الجندى في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 11-09-2009, 10:02 PM
  5. "قراءة في تأويل المعنى" / قراءة في "أنين الوتر" للشاعر عبد اللطيف غسري بقلم باسمة صوا
    بواسطة عبد اللطيف غسري في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-06-2009, 01:22 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •