البرمجة اللغوية العصبية [2]

بداية نقول: إن العقل الباطن هو الخلفية أو الإطار الذي من خلاله يرى الإنسان الواقع ويحكم عليه بالصحة والخطأ, ويتصرف بناءً على هذا الخلفية من المعتقدات والقيم والخبرات والتجارب, فإن العقل الباطن يتضح أثره على ثلاثة أمور مهمة:
1- الحالة الذهنية والنفسية وطاقة الإنسان:
فالإنسان صاحب النجاحات والتفوق مستصحب لنفسية وذهنية إيجابية مرتفعة تولّد عنده طاقة جبارة لمواصلة الليل بالنهار حتى إنجاز مهامه, وكل ذلك ناتج عن خلفية إيجابية من العقل الباطن دافعة نحو النجاح مهما لاح من صعوبات, وعلى العكس تمامًا فإن الإنسان الفاشل صاحب الإخفاقات المتكررة مستدعٍ لحالة ذهنية ونفسية منخفضة أورثته طاقة واهية تجعله يسقط من أول تحدٍّ, وليس عنده الإرادة الصابرة حتى إنجاز المهام, وكل ذلك بلا شك ناتج عن خلفية سلبية منخفضة من العقل الباطن.
فإذا استطعنا أن نؤثر في العقل الباطن تأثيرًا مبرمجًا بهدف الحصول على حالة ذهنية إيجابية مرتفعة وبنّاءة؛ فإننا نستطيع تحييد أثر الإحباطات والإخفاقات إلى مزيد من الإصرار والتحدي في بلوغ المقاصد المرجوة.
2- التعلم:
يشارك العقل الباطن بجزء رئيس في عملية اكتساب المهارات الجديدة؛ حيث إن مستهدف عملية التعلم هو تحويل هذه المهارات إلى عادات مستقرة في العقل الباطن تؤدَّى بشكل تلقائي, والإنسان يمر بمراحل أربع في عملية التعلم:
* الشخص غير الكفء اللاواعي: أي الإنسان في هذه المرحلة لا يدرك ولا يعي عدم كفاءته في مهارة معينة, فالطفل الصغير عندما يريد ركوب الدراجة لأول مرة لا يعي عدم قدرته على ركوبها, ويظن أن في إمكانه ركوبها مثل ما يفعل الآخرون, كما يظن بعض الناس أن اتصالهم بالآخرين ممتاز, ولا يدركون تصرفاتهم السلبية التي تعيقهم عن بناء علاقات قوية مع الآخرين, يقول فرمان هوارد: نحن عبيد ما لا ندركه.
* الشخص غير الكفء الواعي: يدرك الإنسان في هذه المرحلة عدم كفاءته إزاء مهارة من المهارات, وإدراك الإنسان لجهله خطوة كبيرة في اتجاه التغيير.
* الشخص الكفء الواعي: يبدأ الإنسان في عمل ما يلزم من الخطوات لتحصيل المهارة الجديدة, فيستمع الولد الصغير لشرح أبويه عن كيفية ركوب الدراجة وكيفية استخدام المقود ودور الفرامل وغير ذلك, وتمتاز هذه المرحلة بأنها صعبة؛ لأن الإنسان يحاول أن يكتسب عادات جديدة تختلف مع عاداته القديمة, أي أن الواعي يحاول إجبار اللاواعي على عمل جديد بالنسبة له.
* الشخص الكفء اللاواعي: تعتبر هذه المرحلة هي نهاية مراحل التعلم, فبعد تكرار الخطوات تحولت إلى عادة, فالولد الآن أصبح يركب الدراجة دون النظر إلى الأرض ولا إلى الدواسات, والرجل الثرثار اعتاد الاستماع للناس وأصبح كل شيء تلقائيًا, يقول أمرسون:إن العادة يا صديقي هي ممارسة على فترات زمنية طويلة تصبح في النهاية جزءًا من الشخص نفسه.
يتضح لنا من هذه المراحل أهمية دور العقل الباطن في عملية التعلم, فإذا تمكنا من السيطرة عليه تصبح عملية التعلم أمرًا هينًا سهلاً, وهو ما توفره لك البرمجة اللغوية العصبية.
3- التركيز والإدراك:
أحمد وأدهم صديقان منذ فترة طويلة, وقد اتفقا على الخروج في نزهة نهرية يوم السبت, وكان ميعاد التجمع الساعة التاسعة أمام برج القاهرة, وصل أحمد في الميعاد والمكان, وتأخر أدهم كثيرًا, فتضجر أحمد من هذا التأخير وانتابته مشاعر سلبية تجاه أدهم وهو يقول في نفسه: واضح أن أدهم لا يحترمني ولا يحترم مواعيده, ولو كان يحبني ما تأخر, لماذا أنا كل مرة آتي في ميعادي وهو يتأخر؟!! من الواضح أني لن أخرج معه مرة أخرى.. إنه صديق لا يوثق به!!!
ثم ذهب أحمد إلى أقرب كابينة للاتصالات وكلم أدهم على هاتفه الجوال حتى يوبخه, فقال أحمد مخاطبًا أدهم وهو منفعل: لقد اعتدت أن تتأخر عليّ, ها أنت ما زلت بيتك وأنا واقف لمدة ساعة كاملة.. أنت لا تحترم الناس ولا تقدرهم, فرد عليه أدهم: يا أحمد, لقد أصابت أبي ذبحة صدرية مفاجئة, واستقدمنا له الطبيب, وما زال عنده حتى الآن!!
نزل الخبر على أحمد كالصاعقة, فقد كان مع أدهم كل العذر في عدم مجيئه, لام نفسه كثيرًا.. كيف يكلمه بهذه الطريقة ووالده بين الحياة والموت؟! وتمنى أنه لو انتظر فسأله عن سبب تأخره وأنه لم يتسرع في الحكم عليه!!!
إن هذه القصة البسيطة التي تتكرر آلاف المرات بصور مختلفة وأنماط شتى تبين خاصية أساسية من خصائص عقولنا وهي ميلها على التركيز والنظر من زاوية رؤية واحدة, فانظر كيف نظر أحمد من زاوية رؤية واحدة وهي أن أدهم تأخر عليه لأنه لا يحترمه, ولو تعلم أحمد أن ينظر من زوايا كثيرة لربما التمس له العذر, أو حتى انتظر حتى يسأله عن سبب التأخر.
كم من إخفاقاتنا مع أنفسنا ومع الآخرين كان سببها التركيز!! وذلك لأن التركيز يعمل على أحد أمرين: إما التعميم؛ فيعمم موقفًا واحدًا على جميع شبيهاته, وبالتالي تعرضك لموقف فيه قلة وفاء تعمم الصفة على جميع أصدقائك. وإما الإلغاء؛ فيجعلك تركّز على الجوانب السلبية لاغيًا الإيجابية منها, أو العكس.
وإن كان الأمر كذلك فإن الإلغاء والتعميم لهما فوائد مهمة؛ فالتعميم يجعلك كلما دخلت حجرة مظلمة امتدت يدك تلقائيًا لتضيء مفتاح الكهرباء, كما أن الإلغاء يجعلك تتمتع بقراءة كتاب لاغيًا كل الصور والأصوات المحيطة بك.
ويسير التعميم والإلغاء جنبًا إلى جنب, ورغم الوجود المؤكّد لبعض الجوانب الإيجابية لهما إلا أنهما قد يؤديان إلى التعاسة وتضييع الفرص إذا ما استُخدموا بطريقة خاطئة, أما إذا نجحت في استعمالهما الصحيح فستتحصل على إيجابياتهما.
ولأجل ذلك كان من أولويات البرمجة اللغوية العصبية إكسابك المرونة النفسية للنظر للأمور بشكل مختلف ومن زوايا إدراكية متباينة؛ حتى تتجنب سلبيات التعميم والإلغاء.

منقول