الشــهيد . . هــــدية الأرض للســـــماء
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

لئن كان الإنسان هدية السماء للأرض، فإن الشهيد هدية الأرض للسماء.. وقصة الشهادة والشهداء، انبرى لها الأدباء والشعراء، الحكام والمصلحون كل حسب طريقته وهدفه في الحياة، ولا تُنال الحرية ولا يُؤخذ الاستقلال إلا عن طريق الشهادة رمز الخلود، حيث تذهب الأرواح رخيصة في سبيل الله وصون الأوطان.
ولقد تصدّى الشعراء، قديماً وحديثاً، لموضوع الشهيد، فنرى إبراهيم طوقان شاعر فلسطين يحيّي الشهيد، ويعلن أنه من الخالدين، لأن الله راضٍ عن جهاده، فجعله في أعلى جِنان الخلد قائلاً:

ثمَّ حيَّى ذاك الشهيد ونادى
أبهذا الشهيد لست بفانِ
رضي الله عن جهادك فاخلد
وتبوّأ في الخلد أعلى مكانِ
أما ابن الزقاق البلنسي، فيرى أنه من الواجب إرواء الشهيد بالدموع إذا تأخرت عنه سحب السماء، وأن الثرى ليس مكانه، بل في الجوانح والقلوب إن كان ذلك يرضيه فيقول:
رُدّوا الشهيد نُسقِّهِ من أدمعٍ
إن أخلفت مزن بهن رهامُ
لا تسلموه إلى الثرى فلسيفه
مذ كان من أعدائه استسلامُ
ولتدفنوه في الجوانح والحشا
إن كان يُرضيه هناك مقامُ
وها هو الشاعر خليل مطران يفخر بالشهيد، فهو من اقتحم الموت وحمى ذمار الحقيقة، بينما الأخطار تنوشه من كل جانب، فهو وأمثاله من الشهداء يغيّرون مسار الحياة، وعلى أجداثهم يُبنى وطن، يرفل بثوب الحرية، فلهم الفضل والرحمة من غفّار لا يموت عنده شهيد، فيقول:
أين الفخار فخار من قحم الشرى
فحمى الحقيقة والخطوبُ ضوارِ
يدعو الشهيد الألف من أمثاله
وبهم يتمُّ تقلُّبُ الأطوارِ
يا أيها القتلى سقى أجداثكم
فضل المُثيبِ ورحمة الغفارِ
ثم يصور لنا علي الجارم الشهداء أقوياءَ شجعاناً يخافهم الموت، يصولون في ساحة المعركة، لا يردّهم حديد ولا نار، يرون من خلالهما الفردوس، فيستعجلون الوصول إليها، فهي أجرهم المنتظر فيقول:
ذُعِرَ الموت أنهم لم يخافو ه
ولم يرهبوا لقاء الحديدِ
ينظرون الفردوس في ساحة الحرب
فيستعجلون أجر الشهيدِ
والشهيد ليس فقط من مات في ساحة المعركة، يسقط مضرجاً بدمائه، بل الشهيد أيضاً هو من قاوم باللسان والبيان ينافح عن الحق، يقول وديع عقل:
ولكل حرف من بيانك في الهدى
معنىً يسيل به نجيع فؤادِ
أنت الشهيد وليس أكرم منك أبـ
طالٌ لنا ماتوا على الأعوادِ
وهذا ابن دريد الأسدي يعتبر أن شهداء القلم والحقيقة أفضل من دم الشهداء، الذي يُراق فوق ثرى الوطن قائلاً:
ومداد ما تجري به أقلامهم
أزكى وأفضل من دم الشهداء
ويقول أحمد شوقي:
هم الشهداء حول الله حاموا
فأدناهم وكانوا الفائزينا
وإذا أردت أن تعرف تحرّك الفرسان في ساحة الوغى وصولاتهم وجولاتهم حين تحتدم المعارك، فاستمع إلى قول الشاعر فهد العسكر:
الصامدون إذا الصفوف تلاحمت
وتصادم الفرسان بالفرسان
والضاحكون إذا الأسنّة والظبا
هتكت ظلام النقع باللمعان
وإذا الصوارم والقنا يوم الوغى
ذرفت على الشهداء دمعاً قاني
أما الشاعر مطلق عبد الخالق، فإنه يسخِّر الشعر للافتخار بالشهداء، والإجادة في مدحهم وذِكْرِ محاسنهم، وحتى رثائهم ليملأ الدنيا حنيناً والزمان ثناءً، فيقول:
أنشد الشعر وحيّ الشهداءَ
وأَجُدْ فيهم أخا العرب الرثاء
واملأ الدنيا حنيناً وجوى
وفم الدهر مديحاً وثناء
وها هو أحمد محرم ينبري مجدداً لينافس فهد العسكر في وصفه لهؤلاء الفرسان، الذين يتدفقون حاسري الرؤوس للقاء الموت، ماضين جيلاً إثر جيل، يتسابقون أيّهم ينال الشهادة ويصير رفيقاً للنبي (ص) في جنان الخلد، فيقول:
دلف الفوارس في لوائك حُسَّراً
وقضوا رعيلاً للوغى فرعيلا
يتقارعون على الشهادة أيُّهم
يمسي لطه في الجِنان نزيلا
أما الشاعر الجزار السرقسطي، فإنه يهوّن من الموت بالسيف أو النبل، لأن الموت غرقاً أصعب منه، ولا بد ممن يريدون نيل الشهادة أن يقتحموا ساحات القتال، ويموتوا في قتال مشرّف بين طعن القنا وضرب السيوف فيقول:
والبحر أصعب ميتةً لغريقهِ
من ميتة بعواملٍ وشفارِ
وأحق من نال الشهادة مقصد
بالمشرفية والقنا والخطارِ
أوليس أفضل أن أموت مجاهداً
من أن أموت لقى غريقَ بحارِ

أحمد الخوص