سوريا العربية المهشمة
د. فايز أبو شمالة
لا إهانة تصفع السلطان بشار الأسد أكثر من اختراق الطائرات الإسرائيلية للأجواء السورية، رغم وجود طائرات سورية تعمل في الميدان، وتقف في حالة تحفز، وتقصف المدن السورية على مدار الساعة! فكيف نجح الطيران الإسرائيلي في إيجاد فسحة من الزمن الذي تغطيه مئات الطلعات الجوية؟ وكيف عثر على مساحة من السماء تحرسها شبكة الدفاع التي أسقطت قبل عدة شهور مقاتلة تركية عبرت الأجواء السورية بالخطأ؟
تبرير التخاذل أمام إسرائيل لم يتغير لدى نظام الأسد، فمثلما ورث كرسي الحكم فقد ورث اللغة ذاتها التي درج النظام على استعمالها عبر العصور والأزمان، فالطائرات الإسرائيلية قد تسللت على ارتفاع منخفض، كما يدعي النظام، والطائرات الإسرائيلية قد نجحت في خداع الدفاعات السورية، والطائرات الإسرائيلية تسللت من مكان قريب من الحدود اللبنانية، وعادت متسللة من المكان نفسه. فما هذه اللغة العاجزة التي تؤكد أن لا وجود لسوريا الصمود والمقاومة، وأن ما يتواجد على الأرض هو كرسي يغرق في دم الأبرياء، وجيش أتقن فن الذبح لأطفال سوريا، وأجهزة أمنية لم تتدرب إلا على قمع الشعب، وهتك أعراض النساء، إنه النظام الذي لا هيبة له إلا داخل غرف النوم، وفي رياض الأطفال، وفي شوارع المدن السورية.
فما أوقح الخاسرين! حين يتبجح المصفوع، وهو يفند إدعاء إسرائيل بأنها قصفت قافلة عسكرية محملة بصواريخ مضادة للطائرات، فيتهمها بالكذب، ويطالب الناس بأن تصدق روايته هو؛ بأن الموقع الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية عبارة عن مركز للبحث العلمي، وكأن الطائرات الإسرائيلية فشلت في تحقيق أهدافها، وكأن قصف هذا المكان لا يعد هزيمة، وكأن النظام سيقطع رأس نتانياهو لو كان المقصوف قافلة تحمل صواريخ!
لو كان بشار الأسد موالياً للحق كما يدعي، ولو كان نصيراً لفلسطين ولحركات المقاومة كما جاء في البيان، لو صدق بشار في عدائه لإسرائيل، ولو صدق في ادعائه بأن القصف الإسرائيلي جاء دعماً للمتمردين، لو كان كذلك، فمن العار أن يبتلع بشار المذلة، وينتظر يوماً كاملاً قبل أن يعلن عن اختراق الطيران الإسرائيلي سماء سوريا، ودون أن يبادر بالرد.
لو كان بشار صادقاً لتوجب عليه أن يقصف المدن الإسرائيلية بالقوة ذاتها التي قصف فيها المدن السورية، وقد دللت التجربة الميدانية أن لجيش بشار القدرة على قتل المدنيين، وأن لدى بشار الجرأة على اتخاذ قرارا ذبح الآمنين، وترويع المسالمين، وتهجير الملايين، وأثبت بشار أنه لا يرتجف حين يضحي بهذا العدد المهول من العرب السوريين.
إن التضحية بستين ألف إنسان سوري كان يكفي لأن نمسح إسرائيل عن خارطة الشرق الأوسط، وإن حجم الدمار الذي لحق بالمدن السورية كان يكفي لنسترجع الأرض العربية المغتصبة، واقتلاع الصهاينة من الجذور.