الغرب الإمبريالي، ما دخل في مسألة عربية قط، إلا أفسدها
كانت نكهتا ثورتي تونس و مصر، من الجودة بمكان، بحيث انتزعت الإعجاب والتحية من كل أنحاء العالم. فلم يخرج متظاهرٌ عن الخط السلمي ولم نسمع تبجح غربي بأنه وراء تلك الثورة أو أنه أوحى بها، وقد رأينا الحيرة التي اجتاحت الدوائر الغربية والتي لم تستطع إخفاء تخوفها وقلقها من اختفاء حليفين مهمين لها في المنطقة.
وإن لم تحقق الثورتان نتائجهما بالسرعة، وهذا أمرٌ طبيعي، فقد فتحتا أبواب الحراك العربي في مختلف الدول العربية، لتعيد دفع المطالب الشعبية الى تَصَدُر الأحداث، وهذا ما أقلق الغرب، وجعله يفكر بشكل جدي في تشويه عملية الحراك كلها، لتمييع تلك الانتفاضات ولفها في ثوبٍ يثير الشكوك حولها.
لم يكن حراك الليبيين، ولا اليمنيين ولا البحرينيين ولا غيرهم، يخرج عن نطاق الدوافع التي خرج بها التونسيون والمصريون.. ولكن أرادت القوى الغربية لإضفاء طابع السفاهة على تلك المظاهرات لتوقف النشاط الجماهيري، الذي أخذ يبتعد عن السيطرة الغربية شيئاً فشيئاً، وأرادت من ذلك:
1ـ أن تجعل من المواطن العربي، ينظر لتلك الانتفاضات نظرة مليئة بالشك والريبة، ولتتوقف عندها محاولات عند الحد التي وصلت إليه، ليُنظر في إمكانية إعادة ترتيب المنطقة حسب الرغبات الإمبريالية.
2ـ أن تعطي الحاكم العربي (الحليف معها) فرصة لإصلاحات تقلل من إمكانية حدوث ما لا يكون مرغوب فيه، ولتؤكد لهذا الحاكم أو ذاك، بأنه ليس هناك حدث في المنطقة بعيداً عن سيطرة الدوائر الغربية.
3ـ أن تبعث رسالة للراغبين في التغيير من الشعوب، بأن حركتها وإرادتها حاسمة في التغيير أو منعه، (ليبيا.. البحرين) كخطين متناقضين، لطبيعة التدخل، وإكماله أو إيقافه!
4ـ أن تبعث برسالة للقوى التي لا تقر بانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم (الصين، روسيا) بأنها هي التي تقسم نصيب المصلحة لكل دولة (الاستثمارات الصينية والروسية في إفريقيا).
النموذج الليبي من الثورات الكريهة
قد تحول طبيعة نظام الحكم المثير للجدل في ليبيا، دون التمعن بما يجري، ويجعل المراقب العربي، يبادر للتعاطف مع الثوَّار في ليبيا كما كان متعاطفاً مع الثورتين التونسية والمصرية، ولكن عدة إشارات تجعل المراقب يتوقف عن تأييده لمثل تلك الثورة الكريهة:ـ
1ـ لم يكن رفع تلك الأعلام الملكية القديمة بأعدادها الضخمة، محض صدفة.
2ـ لم يكن اندفاع أشهر قناتين فضائيتين عربيتين، وتسخير كل نشاطهما للتركيز على ما يجري في ليبيا، وكأن الدولتان اللتان تمولهما (السويد والنرويج)، فإحدى القناتين تكتفي بأخبار النشرة الجوية في ليبيا، ولا تتوقف عن التهكم ونبش المعلومات عن عائلة القذافي، للتحريض عليه، محض صدفة. في حين لا تذكر تلك القناتين أخباراً عن أخبار الحراك الشعبي في العراق أو البحرين أو غيرها إلا فيما ندر.
3ـ إن انفكاك موظفي الدولة الليبية وانضمامهم الى الحراك الشعبي الليبي، والإسراع في مطالبتهم لحمل السلاح واحتلال القرى والمدن، لم يكن شبيهاً لما جرى في تونس أو مصر أو حتى اليمن.
4ـ إن مسارعة دول الخليج ومن ثم الجامعة العربية لعقد اجتماعاتها وإحالة الملف الليبي الى مجلس الأمن، هو بحد ذاته وصمة عار في جبين الثورة الليبية (إن كانت ثورة)، فالمعروف أن تلك الآلية معروفة سلفاً أنها تحاكي رغبات الغرب، ورأينا أدائها في غزو العراق وضرب لبنان وغزة!
5ـ إن التباكي وطلب حظر الطيران عن السماء الليبية، والتذكير بالإسراع به، كلها مؤشرات لا تعطي لتلك الثورة صفة تستوجب الاحترام.
لهذا ولغيره نقول، أن الغرب الذي أعطى وعوداً في بداية القرن العشرين للعرب لإقامة دولة عربية مستقلة عن العثمانيين، وأعطى وعوداً للصهاينة في إقامة وطن قومي لهم، لم يصدق إلا مع الصهاينة، وهو لا يدخل في مسألة عربية إلا وشوهها!