المسرح في يومه العالمي
اغثني ياكاسيوس وإلا غرقتيقول دون جوان لـ كنراد في مسرحية شكسبير«جعجعة بدون طحين»: «يحق لي عندما اكون حزيناً ان لا ابتسم لفكاهة يطلقها اي كان، وعندما اكون جائعاً ان اتناول الطعام بدون استئذان وعندما يتملكني النعاس ان انام ولا اكترث لاحد، وعندما اكون سعيداً ان اضحك ولا اجامل انساناً..».
وانا اليوم ونحن نحتفل بيوم المسرح العالمي ألا يحق لي ان ابق هذه البحصة العالقة في حلقي من سنين طويلة واقول: في كل عام يجتمع المسؤولون عن الشأن المسرحي والثقافة لدينا ويلقون الكلمات بهذه المناسبة يمجدون فيها المسرح العريق ويؤكدون من خلالها على دوره الجليل في رقي الشعوب وتقدمها.
وفي كل عام يتراجع بريق « أبي الفنون» في بلادنا ويشيخ اكثر فأكثر ، دون ان يخطر في بال احد من هؤلاء المسؤولين ان يقدم فكرة ملموسة قد تساهم في اعادة الحياة للمسرح والتواصل المنقطع بينه وبين الجمهور الذي لم يتوقف يوماً عن عشقه ومحبة خشباته واجوائه، رغم ما يحكى عن سرقة الثورة الرقمية الحديثة له، التي تقدم المتعة والفائدة للناس وهم مسترخون في بيوتهم، وقد كان لنا في بعض العروض المتميزة التي شهدت تزاحماً جماهيرياً رائعاً اسوة حسنة.
وقد تنبأ اياكوفوس كامبانيليس المؤلف المسرحي اليوناني بمكانة الناس في احياء المسرح في كلمته بيوم المسرح العالمي 2001 عندما قال : « أؤمن ان المسرح لن يكف عن الوجود ، واعتقد حتى ولو بدا ذلك متناقضاً، ان هذا الفن العريق هو ايضاً من المستقبل، ليس الامر بسبب ادارة اولئك الذين يبدعون المسرح... من مؤلفين وممثلين ومخرجين وجميع العناصر الأخرى التي تسهم في العرض... ولكن لانكم انتم الناس ، الجمهور ترغبون في استمرار وجوده مستقبلاً ...».
وقد بنى كامبانيليس هذه النبوءة على اعتقاد ان الابداع المسرحي ينبع من حاجة المرء الروحية وهي حاجة لا تمحى ابداً...
فهل يحتاج منا المسرح اكثر من لفتة صغيرة توقف هذا الاستسهال والمزاجية والتجريبية الفضفاضة المفرطة في التعامل معه.
لفتة صغيرة قد ترمم ما تلف من حركتنا المسرحية بدلاً من الوقوف على اطلال الماضي متفرجين لا مبالين، وبدلاً من الحديث كل عام عن الموسم المسرحي واحصاء عدد المسرحيات المقدمة فيه ومقارنته بعدد عروض الموسم الفائت دون ان نلتفت الى عدد الناس الذين حضروا عروض الموسم التي لم نعد نميزها عن حفلات عروض الازياء، او حوارات الطرشان كما يقال ...
ففي كل عام تأتينا كلمة المسرح العالمي لنلقيها اداء لواجب او رفع عتب ببغائياً على السامعين الفرحين المهللين المدعوين ، لنكرم بعدها عدداً من روادنا المتوفين ببطاقة شكر عساها تريح نفوسهم وتطمئنها في ديار الحق ، وتخفف عنها ألماً حملته في سنوات وجودها المادي ألم هؤلاء الناس المغمورين المسروقين .
وفي كل عام ينادي من ينادي ويهتف بأعلى صوته كما هتف يوليوس قيصر لكاسيوس «اغثني ياكاسيوس وإلا غرقت».
لكن دون جواب ، فقد شبعنا عواطف مجانية ومللنا جعجعة بلا طحين وعيل صبرنا من ممارسة دور التذاكي والتعالي والحذلقة في مسرح هو لنا مرآة لحياتنا ، وهمومنا ومصائرنا الغامضة فارفعوا ايديكم عنه ودعوه يحتضر بهدوء اذا كنتم لا تريدون ايجاد الدواء...
آصف ابراهيم