4 حزيران وزمن الربيع العربي؟!
مصطفى إنشاصي
لقد شغلتنا هموم الدنيا عن المتابعة والكتابة بل لقدسأمنا واقعنا الفكري والثقافي بعد أن فقدت الكلمة قيمتها ومعناها وتأثيرها فوجدناأنفسنا نعزف عن الكتابة والمتابعة وقد مرت ذكرى نكبتنا وضياع فلسطيننا ولم نكتبولا أعلم ما الذي دفعني إلى الكتابة اليوم عن ذكرى 4 حزيران 1967 التي اختلف حولنتائجها الكتاب والمفكرين والمثقفين!
لقد شكلت نكسة أو هزيمة أو نكبة الأمة في 4 حزيران 1967منعطف خطير (انتكاس بعد صعود وهمي نحو الوحدة والنهضة والتحرير) في تاريخ الأمةالحديث والمعاصر هانت معه كل هزائم الأمة ونكباتها قبله، قبل ذلك التاريخ كان لدىالأمة أمل في التحرير والعودة إلى كامل التراب والوطن الفلسطيني أما بعده فأصبح همالأنظمة وليس الأمة التوصل إلى أي تسوية تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبله، أيإلى خطوط الهدنة (ما يسمى الخط الأخضر) التي وقعتها الجيوش العربية عام 1949 ولمتَعد العودة إلى حدود قرار التقسيم 181/1947 أو إلى كامل التراب الفلسطيني (مايسمى خطأ فلسطين التاريخية)! فقد أصبح قرار 242 أساس أي تسوية دون أن نُدرك أنه ينصعلى إيجاد حل إنساني (أكل وشرب ومسكن وموطن) لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين لاعودتهم إلى ديار الآباء والأجداد، وأخيراً انتهينا إلى مسمى وهمي (دولة فلسطينية)على جزء من أراضي الضفة الغربية فاقدة للسيادة وليس لها أي سيطرة على الأرض ولاعلى معابر الاتصال بالعالم الخارجي ولا تواصل جغرافي بين أجزائها وبلا قدس وبلاأغوار الأردن وبلا الكثير من مقومات الدولة المصادرة صهيونياً أو قد تكون هي قطاعغزة فقط!
قبل نكبة 4حزيران 1967 لأن الأنظمة العربية خاصة الزاعمة أنها ثورية وتقدمية كانت تحاول أنتُضفي على شرعية وجودها مسحة جماهيرية تلاعبت بمشاعر الجماهير وتظاهرت بحرصها علىتحرير كامل فلسطين واعتبارها قضيتها المركزية وواجب تحريرها يقع على عاتقها وكانشعارها لا للاعتراف لا للمفاوضات لا للاستسلام! أما بعد نكبة حزيران تبدل الحالليس فقط إلى التنازل عن الأراضي المغتصبة عام 1948 وتمرير الاعتراف بكيان العدوالصهيوني ولكن للمساومة أيضاً على حقوقنا الشرعية ومقدساتنا في الأراضي المحتلةعام 1967، وأصبح كل قُطر أو نظام يبحث عن حل منفرد ويسعى إلى تسوية قُطرية علىحساب حقوق الأمة في فلسطين والتخلي عن واجبه نحو المشاركة في تحريرها! وبدل أنيستمد شرعية وجوده من جماهير الأمة أصبح يستمدها من الاستسلام وقبولالتعايش مع العدو الصهيوني والتطبيع معه في جميع المجالات، ومن خلال حجم التنازلاتالتي يقدمها على حساب سيادة الدولة القُطرية لصالح المخططات اليهودية-الغربية حتىانتهى بنا الحال إلى التعاون والتنسيق والوقوف معه في نفس الخندق ضد قطاع كبير منأبناء الأمة أصبح متهماً بـ(الإرهاب) أي المقاومة!
قبل النكبة كانت تتظاهر الأنظمة أنها حريصة على تحقيقالوحدة وإن كانت جميع ممارساتها تؤكد تكريسها حدود سايكس-بيكو وسيادة الدولةالقُطرية، وقد كانت أدوات الحاكم المستبد في ذلك كثير ممَنْ زعموا أنهم مثقفونومفكرون قوميين وثوريين وتقدميين وركبوا موجة النفاق والرياء والتملق للأنظمةالعسكرية الحاكمة، في الوقت الذي كانوا يبذرون فيه بذور دولة القبيلة والعشيرةويؤسسون إلى مزيد من التفتيت لأقطار سايكس-بيكو إلى كيانات فسيفسائية (الشرقالأوسط الجديد) الذي يبدو أنه بدأت تتضح معالم خارطته السياسية والعرقية والطائفيةفي زمن ما يسمى الربيع العربي، الذي جمع روافده المتناقضة فكرياًوسياسياً وحزبياً ومصلحياً عدائها للحاكم فقط وليس مصلحة الأمة والوطن وليسبإراداتها ولكن بإرادة الأيدي التي تُحركها من خلف الستار وتلعب بها كدمى وأرقوزاتفي حركات مضحكة مبكية تنتهي دائماً بنهاياتنا المأساوية! ولإدراك ذلك يكفي نظرةسريعة لأسماء كثير ممَنْ قادوا الخريف العربي سنجد أنهم كانوا في مرحلة ما أدواتأولئك الحكام الذين سقطوا في تثبيت عروشهم وقمع الجماهير وتزييف وعي الأمة ومازالوا يؤدون نفس الدور في ثوب ثوري زائفجديد!
كما أن نظرة سريعة على واقع ثورات ما يسمى الربيع العربيوحالة العداء بين مكوناتها التي شاركت في إسقاط الحكام فقط ولم تُحدث تغيير جذريأو حقيقي في الواقع وتَفجر الصراع بينها على الكرسي والسلطة في بعض الأقطار ماساعد على استمرار حضور الأنظمة السابقة وتهديد ثوراتهم وتضييع تضحيات الجماهير سنكتشفأنهم ليسوا أهلاً لقيادة المرحلة! ونظرة لقطر آخر سنجد أن بعض مكونات ثورته يؤسس نواةجيش قبلي أو طائفي ويضع دساتير ويسن قوانين تُهيأ لانسلاخه بإقليم أو قطعة ما منأرض القُطر ليقيم عليها دولة وهمية في المستقبل بحسب إرادة مَنْ يلعبون بهم من خلفالستار! وتكاد تكون حالة الفوضى وفقدان الأمن وعودة الاستبداد والقمع وكبت الحرياتسواء بإرادة الحكومات المنتخبة التي مازالت لم تُحكم سيطرتها على الجيش والشرطة والأجهزةالأمنية التي لم يتغير منها إلا بعض الأسماء أو خارج إرادتها صفة عامة لأقطار مايسمى ثورات الربيع العربي! إضافة إلى الصراعات الحزبية التي يحاول فيها كل حزب خاصةالأحزاب التي فازت بأغلبية في انتخابات ما بعد الثورة مصادرة حقوق شركائها فيالثورة والوطن والهيمنة على كل مفاصل الدولة ومنعهم من أخذ دورهم في إعادة بناءالدولة القُطرية، ما يعني استمرار دولة الحزب التي ثارت عليها الجماهير!
الحديث يطول في ذكرى نكبتنا الثانية عن نكبتنا في زمن مايسمى الربيع العربي الذي قد يكون أمر ثمارها وأسوأ وأخطر نتائجها بعد أربعة عقودونصف، فحاضرنا هو انعكاس لواقع الأنظمة العربية والأحزاب المعارضة باتجاهاتهاالفكرية وأجنداتها وأيديولوجياتها السياسية ومصالحها الشخصية والحزبية المتناقضة، فعلىصعيد الأنظمة مازالت المحاور السياسية وامتداداتها الخارجية وحالة العداء بينهاتكاد تكون هي نفسها التي أدت إلى نكبة الأمة في حزيران 1967 مع تغير المسميات، فماكان يُعرف في ذاك الوقت بالأنظمة الرجعية المتخلفة ودعمها للأحزاب الدينية وغيرهالتنفيذ مخططات العدو اليهودي-الغربي في حماية كيان العدو الصهيوني وتوفير الأمن لههي نفسها المتهمة الآن بدعم ما يسمى ثورات الربيع العربية لتنفيذ مخطط (الشرقالوسط الجديد) الذي يقسم المقسم ويفتت المفتت ويُعطي كيان العدو الصهيوني فيالنظام الإقليمي الجديد دور الريادة والقيادة، وكأن تلك الأنظمة التي كانت سابقاًتزعم القومية والثورية والتقدمية والآن المقاومة والممانعة كانت حريصة ومازالت علىرمي اليهود في البحر! أما الأحزاب المعارضة على اختلاف توجهاتها الأيديولوجيةومشاربها الفكرية مازالت لم تبلغ مرحلة النضج وتتغلب على نزعاتها القبليةوالعشائرية وتُقدم مصلحة الأمة والوطن على مصالحها الحزبية والشخصية ومازالت صراعاتهاتشكل خطراً على مستقبل الأمة وتهدد وحدة أقطارها الجغرافية والسياسية!
وإن كنا نخشى أنيتمخض زمن الربيع العربي عن نتائج أخطر مما عليه الواقع إلا أننا على يقين أن كلذلك زبد سيذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض وأنه سيخرج من تحت الأنقاض ومنوسط هذا الحطام جيل جديد يثور على كل مخلفات العقود الماضية، سواء كانت بقاياالأنظمة أو الأحزاب المعارضة التي هي الوجه الآخر للأنظمة وتحاول أن تلبس لبوسالثوار دون أن تدرك حاجة الأمة والوطن في زمن العولمة والدول القارية لسياساتالمشاركة للجميع في بناء الوطن بعيداً عن إقحام الأفكار والأيديولوجيات والولاءاتوالتحالفات الخارجية والداخلية في سن القوانين ووضع الدساتير، وأن يكون الولاءللوطن ومصلحة المواطن وبناء الدولة الوطنية ليس كدولة قُطرية ولكن كنواة لقُطر فيحدود دولة أوسع وأرحب تجمع وتوحد الأمة في مواجهة أعدائها، ولبناء مشروع نهضةعالمي مستقل وخاص يكون مشروعاً منقذاً وبديلاً عن مشروع الهيمنة الغربي بكلمكوناته!
التاريخ: 6/6/2012