منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    العمامة والوردة : فرانسوا نيكولو

    العمامة والوردة : فرانسوا نيكولو "2"
    الشبيهان اللدودان .. السعودية وإيران في هذه الحلقة نواصل نقل كلام المؤلف عن (الشخصية الإيرانية) .. فبعد أن تحدث عن عبارة "أعطتك عمرها" قال : (وقد حدثني صديق لي زار أحد السجون،وبشكل أكثر تحديدا قسم المحكوم عيهم بالإعدام،إن هؤلاء المحكومين عندما كان يقول لهم من بعيد"صباح الخير"،كانوا يضعون أيديهم على قلوبهم دون أن يفوتهم قول عبارة الترحيب التقليدية في إيران"روحي فداك".أيمكن لنا أن نلاحظ ونحن نغادر بعض الاهتمام من مضيفنا؟ إنه يعبر عن سعادته لزيارتك وكأنك منحته بركة الحج فيدعو لك بالقول "أدام الله ظلك"،يعني بذلك أنه يأمل أن تكون دائما سالما،وإيران هي البلاد التي يقولون فيها "سيدتي"للفتاة الشابة،كما يقول فيها سائس الخيل لمهره المدللة"سيدتي".أما شاخصات المرور فهي إلى حد ما في غير موضعها،وكل سائر يستدل على طريقه بسؤال الناس،هذا السؤال الذي يخلق فرصا جديدة للتواصل ويدرك السائق أن عليه ألا يتقيد بحرفية لوحات المرور،وقد أضعت مرة طريقي عند خروجي من طهران،فسالت عن الطريق إلى "قم". كان الجواب الذي سمعته : "تابع طريقك بشكل مستقيم،وسوف تصل بعد قليل إلى مفترق طرق،وهناك تصادفك لوحة تشير إلى اتجاه قم،تأكد ألا تتبعها،خذ الاتجاه الآخر ..إلخ". وكانت نصيحة الرجل في محلها.وبشكل خاص،إذا كانت الطريق مجهولة لديك،فقد يعرض ذلك المجهول عليك أن يرافقك،ويتردد المرء أن يجعل أشخاصا بسحنة شاحبة يصعدون إلى سيارته،وقد اعتاد بعض الإيرانيين أن يطلقوا لحاهم أياما عديدة كي يظهروا بشكل رئيس تدينهم عن طريق قلة الاهتمام بالعناية بمظهرهم { واضح أن المؤلف،لم يسمع عن "إعفاء اللحى"ولو زار السعودية لو كثيرين من غير المهتمين بمظاهرهم!!! } وبساطة أكثر ليكون الواحد منهم مثل الآخرين،وفي الواقع،هؤلاء المرافقين الذين يحملون رؤوسا كرؤوس القراصنة وهؤلاء يجعلون المرء يتساءل إذا هم لن يقودوك إلى طريق مسدود ومهجور كي يخنقوك،على أنهم يظهرون لك بسرعة أنهم الأدلاء الأكثر عناية بك والذين يرفض معظمهم في النهاية كل مكافأة،كل إكرامية.(..) وبنسبة واحد إلى اثنين،يعبر الشخص المجهول الذي يدلك على طريقك عن حيرته في معرفة ما إذا كان يستطيع أن يقدم لك خدمة أخرى،كما يدعوك لتناول الشاي في بيته. وهذا تقريبا أمر مؤكد عندما تكون في الريف،وأكثر من مؤكد عندما تكون في الصحراء،وإذا هبط الليل،فهو يدعوك للمبيت عنده،وعندما تكون في نزهة قصيرة وتمر أمام متنزهين يتناولون طعامهم،بالطبع تجري العادة أن ترفض ذلك،على الأقل مرة واحدة،وإذا حدث أن قبلت بالصدفة دعوتهم،فإن فرح مضيفيك غير المنتظرين،هو فرح صادق.){ص 14 - 16}.ثم ذكر المؤلف بعض القصص التي مرت به ... تحدث بعد ذلك عن بعض الحالات التي يقوم فيها الإيرانيون بتجاهل أنظمة الجمهورية الإسلامية . (في بعض المناسبات يجري فعلا إزالة الحاجز بين الداخل والخارج،ومن هذه المنسبات الأعراس،وإذا كان البيت صغيرا جدا على الاحتفال،وهذا هو الأمر الشائع،يقوم بعض الإيرانيين،كما هي الحال في بلدان أخرى{ ومنها السعودية بطبيعة الحال} باستئجار صالة أفراح مناسبة،وداخل هذا المكان الخاص،والعام في آن واحد،توضع القوانين الإسلامية ولليلية واحدة فقط جانبا،في الصالة يلتقي الرجال والنساء،يتمايلون على أنغام الموسيقى،وتبدو النساء بكامل زينتهن وتبرجهن،أما الرجال،فتراهم قد حلقوا لحاهم،وارتدوا ربطة العنق ما يشير إلى انتمائهم للغرب،وحتى في الأوساط التقليدية ترتدي العروس ثوبا أبيض ضيقا عند الخاصرة بحيث يبرز معه الصدر ويستقيم الظهر وينسدل عليه وشاح من التول،أما العريس فلباس الاحتفال لديه هو"السموكينج"مع صدرية وعقدة البابيون بدل ربطة العنق،ماذا أقول؟ إن صورة العريس والعروس لا يمكن أن تجد مثيلا لها في أي استديو في العالم،ويجري تصوير الحفل بغزارة لتعرض الأفلام فيما بعد على جهاز الــ DVD ،ولكن في عرض عائل فقط.(..) بالتأكيد،من حين إلى آخر،وفي فترات التوتر السياسي وحملات الدعوة إلى الرجوع إلى القيم الإسلامية،تبرز ضرورة اتخاذ الاحتياطات في هذه الأجواء الحميمية،من الممكن أن يقوم أعضاء الباسيج وهم أفراد من شباب الميليشيات {هناك من يسمي الهيئة عندنا بـ"الشرطة الدينية"وإذا لم تخني الذاكرة فقد أسمتهم الأستاذة عائشة لمسين"ميليشيات"في كتابها"حُكم الأصوات : النساء العربيات يتحدثن"وهو مترجم عن الفرنسية أيضا} التابعة للنظام والذين يرافقهم عادة أفراد من الشرطة {ألا يرافق رجال الهيئة عندنا"شرطي"؟} ويراقبونهم في الوقت نفسه،بالدخول عنوة إلى أماكن تجذبهم إليها أنوار مشعة أو أصوات عالية،فيعتقلون النساء السافرات أو المرتديات ثيابا قصيرة،ثم يسكبون وبسرعة زجاجات الخمر في البلاليع كما يقومون باعتقال الرجال. وتمضي ليلة وربما ليال وأيام يظل فيها المعتقلون والمعتقلات في مراكز الشرطة،ثم تأتي أوامر بمثولهم أمام قاض بعيد عن المركز،وتصدر أحكام بالغرامات،وأوامر بالجلد،{ينقصهم "أخذ تعهد"!!!}إنها تجارب مريرة تخلف في النفس جروحا يخرج المرء منها إما مرتدعا مقررا ألا يعرض نفسه لهذه الأخطار مرة أخرى،وإما ممتلئا بغضب عميق وكبير وقد قرر ألا يسمح بأن يتعرض للإهانة مرة أخرى،من الناحية الإحصائية – على كل حال – تُعد هذه حوادث استثنائية ولكنها لا تمنع أبدا التطور الزاحف للأخلاق نحو أنماط حياة يستطيع كل فرد أن يتشربها وهو يتابع عبر التلفاز وفضائيات العالم كله حتى التي يجري البحث عنها عبر الأقمار الصناعية،واستخدام أجهزة الاستقبال ممنوعة ولكنه يعامل من جهة أخرى بالتسامح،كما الحال في كثير من الأمور في إيران.(..) أثار خبر الزلزال في 26 كانون الأول 2003 الذي وقع في الساعة الخامسة صباحا وأدى في اثني عشرة دقيقة إلى موت ثلاثين ألف إنسان وهم نيام،أثار مشاعر عميقة في إيران وفي كل أنحاء العالم،واستنفر سكان ظهران فورا،كما في كل مكان آخر،لجمع الأموال والملابس والأدوية والأغذية،وتوصل عمال النظافة في طهران وهم يبحثون عن دور لهم طالما أنهم لا يستطيعون تقديم ولو جزء بسيط من رواتبهم الضعيفة جدا إلى نتيجة أن شوارع المدينة المنكوبة،حتى ولو كانت مدمرة تستحق أن تكون نظيفة طالما أن عددا من الناجين تابعوا سكناهم تحت الخيام بين الأنقاض،وهكذا توجه ثمانون عاملا متطوعا فورا مع مكانسهم حيث بدؤوا عملهم بعد ثلاثة أيام من الكارثة تساندهم بعض الجرافات الكبيرة،وقد أصبح هؤلاء يمثلون منظمة اسمها،منظفون بلا حدود،وهي منظمة غير حكومية،وقد شهد الزوار الأجانب الذين زاروا المدينة بعد ذلك أن شوارع المدينة الشهيدة كانت بنظافة شوارع طهران.قصة أخيرة لها طابع شخصي أكثر ولكنها لا تبعد كثيرا عن السياسية،كان أحد المسؤولين الكبار في مؤسسة وطنية يستقبلني بشكل منتظم لمتابعة معالجة موضوع معقد،ومن خلال تعدد اللقاءات عقدت بيننا وبالتدريج أواصر مودة وثقة متبادلة،وقد دخلت مرة مكتبه فوجدته بالقميص فقط وقد خلع سترته،واستقبالك بدون سترة في طهران دليل على وجود تقارب بين المضيف وزائره،إذ أن المعمول به في هذا النظام المتشدد هو ارتداء السترة في كل الظروف الرسمية،وحتى في ساعات الحر الخانق. وعندما حاول أن يمد يده إلى سترته سبقته إلى خلع سترتي وألقيتها على كرسي جانبي،فتوجه من فوره وأخذها وحملها بعناية وعلقها على المشجب. وقد رجوته ألا يكلف نفسه عناء ذلك فقال : كان والدي حلاقا،وقد عملت معه عندما كنت طفلا،وتعلمت منه أن سترة الزبون هي شيء مهم لا يجوز أن تلامس الأرض أبدا،ولأنك صديقي اسمح لي أن أفعل معك الشيء نفسه.){ص 17 - 21}.بعد هذا الحدث الطويل،ورواية بعض القصص،والتي يصعب نقلها كلها – ومنها استضافته من قبل أسرة فقيرة،ورفض شرطي مرور أخذ إكرامية،رغم أن المشهور عنهم أنهم"فاسدون" – بدأ في التحليل .. ( إذن ما النتيجة التي نستخلصها من هذه القصص؟ وبالأحرى ما السؤال الذي يطرحه – بشكل منتظم – كل المراقبين حول هذا العالم الغريب"وبالتالي عن الإيرانيين أنفسهم"؟ فلماذا كل عبارات الترحيب والحفاوة التي يحيطونك بها،وفق أي معيار هي عبارات صادقة؟.يمكن أن نترجم طوعا هذا الحذر وهذا الاهتمام في العلاقات الشخصية البينية على أنهم يهدفون إلى السيطرة على التوترات القوية جدا التي تجتاز بشكل دائم الجسد الاجتماعي،كي تعوض عن الكثافة الهشة للمعايير الجماعية المقبولة من كل المجتمع. ثم عندما يبذل المرء جهدا كبيرا ليكون ودودا باستمرار مع كل الناس،فلأنه يشعر في دخيلة نفسه أنه وحيد إلى حد ما في مواجهة كل الآخرين،ناهيك عن أن يكون ضد كل الآخرين،والعمل الجماعي ليس الحصن الذي يلجأ إليه الإيرانيون،وعندما يبرز إلى السطح،فإنه حتى في النزاعات الاجتماعية أو السياسية،يحدث غالبا بشكل غير متوقع وانفجاري وإلى حد بعيد ارتجالي،وعندما تحدث أحد المراقبين الحُصفاء عن إيران"وهذا ينطبق أيضا على فرنسا"اعترف : "بأن الشّرين يشكلان ظاهرتين في الحضارات القديمة هما الغيرة والتملق .. الغيرة لأنها لا تحتمل أن تتجاوزها حضارة أخرى،والتملق بهدف دفع تلك الحضارة التي تجاوزتها إلى ارتكاب الأخطاء".إذا قلنا ذلك،وربما هناك درجات مختلفة للحقيقة،فهنالك في الوقت نفسه مستوى تكون فيه عبارات الملاطفة والثناء التي تحاط بها والكرم الذي يقدم إليك،إشارات لاندفاع صادق من الممتع أن تتلقاه في اللحظة نفسها على الأقل،ومن الممتع أن ترد عليها بالمثل بأمل أن تؤدي ذات يوم إلى وجود الثقة والحميمية،وبالإجمال فإن الإسراف في هذه الإشارات التي يجري تبادلها لا بالكلمات فقط،ولكن أيضا بالحركات والإيماءات – وضع اليد على القلب،والانحناء،وثلاث قبلات يتبادلها أبناء الجنس الواحد بالطبع – قد يعطي شعورا بالتملق،عندما يخشى كل فرد – بلا شك – كل الآخرين،فإنه يسعى أن يأنس إلى كل الناس وأن يأنسوا إليه،وكما يقول الصينيون القدامى : "إن البروتوكول هو عطر المودة".){ص 21 - 22}. مشكلة (التحليل)أن فضاءه متسع .. يستطيع (المحلل) أن يقول فيه ما يشاء ...حتى الشيء ونقيضه بما أن هناك"درجات مختلفة للحقيقة"!! .. رغم أن سعادة السفير،حاول أن يكون منصفا – حن وصف تلك الملاطفة والكرم بأنهما صادقين،أو أن ذلك من المحتمل – وبطبيعة الحال،لا يستطيع الكاتب أن يتخلص من (ثقافته الغربية) الجافة .. لذلك لابد أن يكون وراء كل ذلك الترحيب والكريم،أسباب نفسية (عندما يخشى كل فرد كل الآخرين،فإنه يسعى أن يأنس إلى كل الناس .. إلخ). لماذا لا يحصل هذا – مثلا – في الولايات التي ينتشر فيها العنف ... حيث يخشى كل فرد كل الآخرين؟!! ليس من الصعب أن يلاحظ القارئ وجود بعض الخلل في الأمثلة التي ساقها المؤلف .. فهو نفسه حضر إلى مكتب المسؤول الإيراني في بزته الكاملة .. ولم يخلع سترته إلا حين سعى المسؤول الإيراني لأخذ سترته .. إذا فالفرنسي أيضا كان يرتدي بزة كاملة ... كما أن (موردي) الثقافة الغربية،كثيرا ما حدثونا عن تحضر الإنسان الغربي،لدرجة أنه لا يحضر بعض الحفلات الموسيقية إلا وهو يرتدي (بزة كاملة)،ولا يمكن السماح بالدخول بغير تلك الصورة!! .. ونحن نرى أيضا بعض المسؤولين الغربيين،عند الاستقبال،يطبعون قبلات خفيفة على وجنات السيدات .. والسيدات فقط بطبيعة الحال!! من الدوافع النفسية للإيرانيين،ينتقل المؤلف إلى : "2 : صوت الشعب" .. وهنا يقوم بتحليل مفاصل النظام الإيراني .. (ولكن لنفهم بشكل أفضل ما يجري في محيط السلطة،يحسن بنا أن ننطلق من مجموعة دوائر لها مركز واحد،في المركز هناك عقدة صلبة تمثل كفلاء النظام الإسلامي الذين يتحلقون حول آية الله خامنئي قائد الثورة،وبالتالي فهو الشخصية الأولى في النظام،بين هؤلاء هناك جهاز "الباسدران"أي الحرس الثوري الذي يضم نخبة سياسية بقدر ما هي عسكرية،وكذلك السلطة القضائية،ومجلس حراس الدستور الاثنى عشر وشبكة خطباء الجمعة،الذين يعينهم مرشد الثورة في كل مدينة في إيران وأخيرا الإذاعة والتلفاز الرسميان والمؤسسات الدينية الكبرى.حتى لو نشأت صراعات نفوذ عنيفة بين هؤلاء جميعا،فإن كل هذه المؤسسات تعرف كيف تتجمع في الوقت المنسب لتقيم جبهة عامة ضد الخطر الخارجي.والحكومة الإيرانية المؤسسة على النمط الغربي يقودها رئيس الجمهورية سواء كان إصلاحيا كالرئيس خاتمي وبمعنى ما رفسنجاني أو كان محافظا كما هي الحال مع الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد لا تملك الحق أن تعمل بوحي من ذاتها،بالنسبة للنواة الصلبة التي أشرنا إلهيا فإن شرعيتها العليا وبشكل قاطع من العقيدة،وتبقى آلياتها مختفية تقريبا عن عيون الناس لأن ما هو مهم هو ماهيتها الخفية التي يجب أن تبقى كذلك.وهكذا لا يغادر مرشد الثورة إيران،وعندما كان خاتمي رئيسا للجمهورية توجه قليلا نحو البلاد الأجنبية لكنه لم ير عمليا الغرب. ويقولون أنه لم يزر مكة أبدا ولم يستقبل قادة أجانب خارج القادة المسلمين،أما قادة المؤسسات الدينية الكبرى فلا يمكن الوصول إليهم،ولا يظهر قادة الحرس الثوري أو السلطة القضائية أمام الملأ إلا نادرا.تتبع هذه النواة الصلبة هيئة – ولنقل هيئة مزدوجة تتواصل النواة الصلبة عن طريقها مع الخارج – وتشكل هذه الهيئة الحلقة الثانية ،وهي مجهزة بكل بهارج الحداثة ومظاهر الديمقراطية : برلمان،رئاسة جمهورية،وزراء،إدارات،مؤسسات وطنية،وحتى منظمات غير حكومية المسيطر عليها تماما.نجد بعد ذلك الحلقة الثالثة ومنها بدأ العالم الخارجي للنظام،في هذه الحلقة نصادف أولا ألئك الذين يدعمون النظام – أي نظام – كائنا ما يكون دون أن ينتموا إليه،سواء من أجل ازدهار أعمالهم الشخصية كما هي الحال مع رجال أعمال وتجار وصناعيين،أو بدوافع وطنية مثل الكوادر الإدارية المؤهلة غالبا تأهيلا عاليا والذين لم تعد تغرّهم أوهام الشباب فاختاروا أن يبقوا في إيران،على الرغم من رواتبهم القليلة،وعلى الرغم من كل الصعوبات،بهدف خدمة بلادهم.(..) في المخطط الذي عرضته،يمكن لنا أن نترجم المواجهة المستمرة بين الإصلاحيين والمحافظين والتي طبعت الفترتين الرئاسيتين لخاتمي على أنها تفسير لصراع بين الحلقتين الأولى والثانية،فالحلقة الثانية تعني استقلاليتها لمصلحة الموجة الشعبية التي حملت عام 1977 بطلها إلى سدة رئاسة الجمهورية،والتي اعتبرت إلى وقت قريب أنها تحمل مشروعها الخاص وهو الديمقراطية الشرعية. وكانت الحلقة الأولى تذكرها بلا انقطاع بوظيفتها الحقيقية والوحيدة،وهي حماية النواة الصلبة في النظام وأن تكون المترجم الأمين لها وذلك لخدمة الشرعية التي هي فعلا شرعية.واليوم أصبحت الحلقة الثانية نفسها محافظة،وبالتالي فهي من نسيج الحلقة الأولى،ولكن الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد وأصدقائه لا يرتدون العمامة وليسوا من رجال الدين الذين صنعوا الثورة،لقد جاؤوا من عالم الحرس الثوري الذي قتل العراقيين وجماعات الثورة المضادة،وهذا لا يتنافى {هكذا} أنه وأصدقاءه يبحثون عن دور لهم ليتخلصوا من العبء الثقيل الذي تفرضه على كواهلم الحلقة الأولى مستفيدين من الشرعية التي كسبوها من صناديق الاقتراع.){ص 23 - 26}.غني عن القول عدم وجود تشابه،إلا قليلا، بيننا وبين إيران فيما سبق نقله ... ثم يقارن المؤلف بين نظام النظام في إيران و النظام الشيوعي .. (كان النظام الشيوعي ينعم أيضا بخصائص النظام الديمقراطي : دستور مفصل،برلمان منتخب مباشرة من جميع المواطنين،حكومة مسؤولة أمام البرلمان،ونظام فيدرالي .. إلخ،ولكن كل الناس يعلمون أن ذلك التنظيم ليس إلا الوجه الآخر المعد للتعامل مع العالم الخارجي،أما الأمور الخطيرة فتقرر في مكان آخر بعيد عن كل ذلك،في قلب النظام حيث توجد قيادة الحزب الشيوعي واللجنة المركزية والمكتب السياسي.إذا،هل ورثت الثورة الإسلامية النظام الستاليني؟ ليس الأمر كذلك فعلا. وإذا كان النظامان متشابهين فلأنهما قد وجدا في أعماق تاريخهما طرازا مجربا للطغيان الآسيوي حيث تختفي السلطة الحقيقية التي لا يمكن الوصول إليها إلا باجتياز سلسلة من العقبات ورفع حجب متوالية. ){ص 26 - 27}. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com

  2. #2
    العمامة والوردة : فرانسوا نيكولو "3"
    الشبيهان اللدودان .. السعودية وإيران يواصل المؤلف حديثه عن الديمقراطية في إيران،ومن ضمن ذلك الحديث عن الإصلاحي محمد خاتمي .. (المثقف كثيرا والسياسي قليلا موضع انتقاد من دائم لغياب شجاعته من قبل أولئك الذين كانوا يأملون بأن يستخدم على الأقل السلاح الوحيد الباقي له،وهو الاستقالة وذلك عندما جعلوه يبتلع ما هو غير مقبول عند النظام،وقد مرت أمامه فرصتان أو ثلاث فرص لكنه لم يستغلها،ولكن إن كانت تعوزه الشجاعة فإن ميزته الكبرى أنه أعطى للمجتمع الإيراني فرصة أن يقترب من عتبة الحداثة.واكتشفت إيران عندما صوتت لخاتمي أن لها هوية جديدة مختلفة تماما عن صورتها التي تعرفها عن نفسها قدمتها لها الثورة الإسلامية لأنها الطاعة والخضوع لقواعد أصبحت،بقوة أشكال القهر تجبرها أن تأخذ شكل مدنية القرون الوسطى من طراز"مدينة الرب". أما وقد تحررت من هذه المعتقدات الضيقة،داخليا على الأقل فأعتقد أنها لن تكون أسيرتها مرة أخرى.وأخيرا كانت خيبة الأمل الشعبية من الإصلاحيين عميقة،وعنيفة،وقد حدث الطلاق عند إجراء الانتخابات البلدية عام 2003 (..) ولكنه – وعلى الرغم من كل شيء – هناك بعد ديمقراطي في هذا النظام حيث يذكر القادة دوما أنه منذ تأسيس الجمهورية،ينظم استفتاء شعبي مرة على الأقل في السنة،سواء تعلق الأمر بالبرلمان،أو بانتخابات الرئيس أو بانتخابات مجلس خبراء حماية النظام الذي يعين مرشد الثورة،أو حتى في استفتاءات الدستور المختلفة.لهذا لا نستطيع،كما يفعل المراقبون الخارجيون أن نفرق فيما يتعلق بالمسؤولين في النظام بين المنتخبين وغير المنتخبين،فكل مناصب المسؤولية تصدر عن انتخابات عامة سواء كانت انتخابات شعبية مباشرة مثل البرلمان والرئاسة،أو انتخابات على درجتين مثل : انتخاب مرشد الثورة،الذي ينتخب بالتأكيد مدة غير محددة،هي في الأصل مدى الحياة. ولكن بالإمكان في الوقت نفسه إعفاؤه إذا جرد من صلاحياته من قبل مجمع خبراء حماية النظام.هناك آخرون يجيء تعيينهم من قبل هيئات منتخبة أصلا مثل الأشخاص الاثني عشر في مجلس حراس الدستور،الذي يشبه المجلس الدستوري،وقد قرأنا في الصحافة الغربية الكثير بأن"هذه الهيئة غير المنتخبة تتدخل في العمليات الانتخابية"،وهذا صحيح تماما،ولكنه بعد كل ذلك هو إجراء صحيح أيضا بالنسبة للمحكمة العليا الأمريكية التي يسمى أعضاؤها مدى الحياة من قبل الرئيس وحده وقد أدت دورا حاسما في انتخابات بوش للدورة الأولى.ومن المفهوم تماما أن تنظيم الانتخابات الوطنية يعطي كل أنواع التلاعب وخاصة من جانب مجمع حفظ الدستور المؤلف من عشرة من علماء الدين ومن عشرة من الحقوقيين الاختصاصيين،وإحدى أهم مهمات هذا المجلس هي اختيار المرشحين وفق معايير يؤدي فيها التدين العام والأخلاق الشخصية دورا كبيرا،وتصدر قرارات هذا المجمع استنادا إلى معلومات شبكة من المخبرين المكلفين بالتدقيق في حياة المرشحين،وهي قرارات نهائية ولا تقبل استئنافا.(..) ولكن التعصب أو التحزب عند هؤلاء المتدينين لم يمنع تماما حدوث المفاجأة الكبرى في الانتخابات الأولى لخاتمي عام 1997،حيث شهدنا مدا مرتفعا في مواجهة المرشح الديني المحافظ الذي اختاره النظام.وكذلك فإن انتخاب البرلمان الإصلاحي عام 2000 لم يكن مبرمجا.(..) نورد ذلك كي نقول : إنه إن كان هناك مفاجأة في الانتخابات فلأن هناك ديمقراطية "لأنه لا مفاجآت انتخابية في أوربا الشرقية أو عند صدام حسن". (..) تناقض أخير،ربما : تظهر الثورة الإسلامية،مع الجيل الجديد الذي أفرزته الانتخابات والذي يمثل انتكاسة إلى الخلف،تظهر بصفتها ثورة حقيقية لها صورة الثورة الفرنسية أو الثورة السوفيتية وبنفس دورات التشنج ونفس الأهوال،ونفس المجازر،ونفس الإرهاب،ونفس طرق إثارة الحماس لمقاومة الغزاة،أو لنقل شعلة الأفكار الجديدة للعالم بأسره.ومهما حدث فسوف نحتفظ بذكرى الانتخابات الإيرانية المنظمة بشكل جيد وقوي وقد طبعت بكل العزة اللازمة،وبمراكز التصويت بجوها الهادئ الوديع حيث يقدم المسؤولون عن تطبيق النظام الحلوى للزائرين.){ص 31 - 36}. بهذه الأسطر ختم المؤلف الفصل الثاني،ليلج بنا إلى الفصل الثالث"جبال ومعجزات"،وفيه حديث طويل عن جمال إيران،والاختلاف بين مناطقها،وأماكن التصييف فيها .. ثم يسخر من بعض النصب الجمالية،التي وضعت تحت مظلة المتدينين،وقبله .. (وفي القرن العشرين أيضا اتسعت المدن بشكل استثنائي يرافقها هجرة عشوائية إلى المدن،لقد تجاوزوا كل الخطط المدينية"كان هناك العديد منها ولكنها سرعان ما لفها النسيان". أما المواد التي وزعوها في ساحات هذه المدن لتزيينها فهي نصب واقعية اجتماعية من نبات الشمشاد المقصوص على شكل حيوانات متعددة،حمامات السلام التي تشبه في حجمها فراخ الدجاج،وأشجار نخيل بلاستيكية مضاءة،كل ذلك من بنات أفكار البلديات المحافظة،إنها – بصراحة – أشياء تدعو للضحك. ونجد البناء العشوائي يشوه الأعمال الجيدة لا التقليدية منها فقط بل وحتى الأعمال الأكثر حداثة مثل "الفيلات"){ص 48 - 49}. بهذه اللمحة،ننتقل إلى "4 : مجد البازار"والذي افتتح بهذه العبارات .. ( في"البازار"،يصبح الفرد لاشيء،والمجموع هو كل شيء،فالعائلة التي تمسك بالمحل التجاري تأتي أولا،والاتحاد الذي ينهي الخصومات وينظم العروض،وأيام العيد القادم،كل هذا يدير في النهاية مجتمع البازار بأكمله : الأبنية الأسمنتية المتتابعة التي تعطي المشهد شكل مساكن النمل الأبيض.(..) وكل شيء في البازار متماسك ليشكل كتلة واحدة بدءا من الحمالين وانتهاء بالتجار من أصحاب الملايين،والناس هنا متنافسون ومتضامنون في آن واحد : متنافسون وإنما كل فئة داخل سويتها الخاصة بها،ومتضامنون بشكل واضح فيما إذا اعتدي عليهم بشكل جماعي،من قبل موظفي الخزينة مثلا،ومتضامنون من سوية ما تجاه سوية أخرى وفق أحكام الحماية الاجتماعية،والولاء للتسلسل التراتبي،ولكنهم أيضا متضامنون مقابل ثمن باهظ،فالحمالون يستطيعون الاقتراض من التجار ولكن مقابل أرباح ربوية. وتعقد الصفقات في كل المستويات شفاها،فلا حاجة لأختام ولا أوراق لأن كل امرئ يعرف أن أي انحراف عن الكلمة التي قطعت سوف يؤدي إلى الطرد خارج النظام وهو بالتالي نوع من الموت المدني.){ص 51 - 58}.في الفصل الخامس"تحيا أمريكا ،تسقط أمريكا" يبسط فيه المؤلف الحديث عن العلاقات الأمريكية الإيرانية،بادئا بشتم أمريكا على المنابر،ومعرجا على أهمية أمريكا التي يفضل الإيرانيون إرسال أبنائهم للدراسة فيها .. ثم تحدث عن العلاقة التاريخية بين البلدين،ووقوف أمريكا في وجه المد الاستعماري الذي كان يسعى لتقسيم إيران،وقد وصل الأمر إلى مقتل أستاذ أمريكي في إحدى الثورات الإيرانية - سنة 1906 – ولا يزال قبره "مزارا"مكللا بالورد .. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية أجبرت ضغوط الرئيس الأمريكي ترومان ستالين على سحب قواته من أذربيجان الإيرانية،والتي احتلتها القوات الروسية سنة 1941م. ثم وصل المؤلف إلى الحديث عن الثورة الإيرانية،والتصادم مع أمريكا،وبعد القطيعة الطويلة .. (من الجانب الأمريكي،يرغب الكثيرون أيضا في الخروج من الحصار ولكن دون الدخول في مخاطرة سياسية تثير نقمة الناخبين،وكان الجانب الإيراني والأمريكي،خلال سنوات وسنوات يفوتان الفرصة بعد الفرصة حيث كانت كل إشارة تبدر من هذا الطرف تدفع الطرف الآخر للتراجع وكانت كل ابتسامة ترتسم على وجه هذا الجانب تجعل الجانب الآخر يقطب حاجبيه (..) لدى الإيرانيين ما يدعوهم للسعادة. فمن دون أن يتجشموا عناء الحركة قام الأمريكيون بتخليصهم من عدوهم اللدود صدام حسين الذي منعهم النوم سنوات طويلة"وقد تخلصوا قبل مدة من أعداء ألداء آخرين في أفغانستان وهم طالبان".وباسم الديمقراطية أعطيت الفرصة لشيعة العراق للوصول إلى مراكز المسؤولية السياسية التي كانوا قد حرموا منها (..) نحن هنا أمام دافعين على الأقل لتعقيد حياة الأمريكيين الأول سياسي والثاني ديني،والمطلوب تعقيد أمورهم بما يكفي ليتابعوا الغوص في الوحل وتستنزفهم الحرب،ولكن ليس إلى الدرجة التي يؤدي فيها انفجار البلاد إلى إضعاف سلطة الشيعة العراقيين،والسماح بانفصال أكراد المنطقة بما فيهم الأكراد الإيرانيين ليجدوا أنفسهم وقد أصبحوا أمة واحدة،إن الممارسة الإيرانية هنا دقيقة فهي تعبئ دون شك الكثير من القرائح التي تعمل خلف ستار.) {ص 74 - 75}. ربما لا يعنينا الفصل الخامس كثيرا،ولكن الفصل السادس يتحدث عن موضوع يبرز بعض التشابه بيننا وبين الإيرانيين .. وهذا الفصل عنوانه "وراء مقود السيارة" ،وقد افتتحه المؤلف بالقول نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيقال البابا بيوس الحادي عشر ذات يوم : إن الحضارة الراسخة للشعوب تعبر عن نفسها بشكل طبيعي تماما عبر صورتها الثقافية". وإذا ما قيس هذا القول بالعبارات الطنانة لبدا مبتذلا،ولو بقي حيا حتى اليوم لقال كما يقول كل الناس الآن : إن الحضارة تعبر عن نفسها بطريقة قيادة الشعب للسيارة. وبهذا الخصوص تتميز إيران عن كل الآخرين،لديّ صديق،رحالة كبير،وسائق متمرس،ويتمتع ببنية قوية،أقام وقاد سيارته في بلدان لا تحتمل فيها حركة السير مثل مصر والهند،وقد شاهدته بعد وصوله إلى طهران بقليل يقود سيارته،ويقف أمام منعطف رئيس،وقد شحب وجهه.كان كل سائق سوءا كان يقود سيارة كبيرة،سيارة عادية،تاكسي،سيارة نقل صغيرة،يزاحم بالقرب من إشارة المرور الخضراء ليحصل على سبق على كل الآخرين بأي ثمن،وسط مشاة يعبرون الشارع باستمرار دون أن يعيروا التفاتا لما يجري،ووسط ثآليل من الدراجات النارية تطير هنا وهناك كالزنابير.لاشيء من العنف وسط هذه الفوضى،لا شيء من الضوضاء الدائمة لأبواق السيارات التي نسمعها في القاهرة أو في دمشق. بالعكس،إنها فوضى منظمة. مثلا،وفيما عدا حالات الإسعاف المتعلقة بحياة الناس فإن استخدام بوق السيارة في إيران ممنوع،وإذا ما استخدم فبلمسة بسيطة للزر،وفي أسوأ الحالات يتكرر صوت"بيب"مرتين أو ثلاثا،وهذا بالضبط ما يجب فعله للفت انتباه الناس الذين يفترض أنهم يقظون وحذرون،وبالنسبة للإيرانيين،هذا التنبيه يكفيهم.والصراع من أجل المرور يجري بالسيوف التي علاها الغبار،فقانون السير يجري تجاهله تماما طالما أنه يعبر عن نظام عام وهذا ما يخالف طبيعة كل فارسي،والعلاقة بين أي سائقين،أو بين سائق سيارة وسائق دراجة نارية أو حتى بينه وبين أحد المشاة في لحظة التنافس واقتراب أحدهما من الآخر هي علاقة تفاعل،وتتطلب أن يزن كل منهما بلمح البصر الحالة المعنوية للخصم،ولين عريكته أو سوء طبعه،ثقته بنفسه أو ضعفها،هل هو في عجلة من أمره أم لا،السرعة والطريقة المحتملة لاندفاعه نحو الخصم.وإذا فكر أحدهم أن يغضبه،فإنه يزداد اندفاعا،ويمكن للآخر أن يفعل الشيء نفسه،حيث يصل الاثنان غالبا إلى احتكاك هيكلي السيارتين بضعة سنتيمترات،فإذا تراجع الآخر استمتع الأول بنشوة نصر صغير. أما الذي يتراجع فيعزي نفسه بأنه أكثر عقلانية من الآخر،ومن ثم يغيب أي شعور بالإهانة،أو شعور بالبغضاء من هذا الجانب أو ذاك . وتستمر هذه الحالة إلى أن يتجدد الموقف من جديد،وهذا يمكن أن يحدث بعد بضعة ثوان بسبب الاختناقات المرورية المرعبة في طهران.وإذا شاهدنا سيارة تسير في شارع ذي اتجاه واحد وتقوم بنصف دورة عند فتحة في شارع رئيس مزدحم،أو تسير متقهقرة إلى الخلف على طريق سريع لتبلغ منفذا بعد بضع عشرات من الأمتار،فليس هناك مبرر للانزعاج أو الهياج،إذ يعتبر هذا الأمر عاديا ويستدعي من بقية السيارات التنحي أو الإبطاء لتسهيل حركة السيارة المتقهقرة،طالما أن كل سائق قد يحتاج ذات يوم لمساعدة الآخرين له وهو يقوم بالحركة نفسها. ويحدث كل فرد نفسه أنه إذا قام امرؤ بهذه المناورة فلأنه مضطر إلى ذلك،وبالتالي يجب احترامه.){ص 79 - 81}. هذا التحليل الأخير رد ممتاز على سؤال طالما حيرني!!! يسير السائق إلى جوارك ولكما نفس الحقوق .. فإذا لم يستطع تجاوزك .. استعمل المنبه .. ثم تخطاك .. ملوحا بيده – يدعو لك دعوات"طيبة"في الغالب!! – وبعد أمتار يقابله سائق آخر يسير في عكس الاتجاه .. فيتنحى له .. بكل أريحية!! وكنت أتعجب من ذلك ..والآن فهمت ... السبب – ببساطة – أنني لا أخالف أنظمة السير – وهذا أمر من الشجاع أن أعترف به .. فهو "محرج جدا"!!!! – لذلك لم أكن أفهم تلك الخدمات المتبادلة .. بالطريقة التي شرحها المؤلف.رغم التشابه في السلوكيات أو في بعضها .. إلا أن ما سننقله عن المؤلف لا يمكن له أن يوجد في شوارعنا .. (ومن خلال القواعد نفسها التي تنظم هذه الأفكار،أتذكر أنني،في بداية وجودي في إيران،أوقفت سيارتي في طهران في شارع ضيق،كي ألقي نظرة على مخطط المدينة،وكان الشارع فارغا من السيارات في تلك اللحظة،وبعد دقيقتين رفعت نظري إلى المرآة العاكسة لأجد خلفي سيارة نقل مليئة بالركاب وخلفها خمس أو ست سيارات صغيرة،وكان الجميع ينتظر بصبر أن أنتهي مما كنت فيه،ولم يستعمل أحد منهم البوق،وكانوا يفترضون أنني إن توقفت فلسبب معقول،ولذلك فلا موجب لإثارة الأعصاب. وأين الشرطة من كل هذا؟ في الواقع إن موقفهم دقيق طالما أنهم أشخاص يمثلون الجهات الرسمية،والجهات الرسمية كما يراها الإيرانيون هي عدو،وقليلا ما ينظر إلى رجال الشرطة على أنهم يمثلون القانون ولكنهم كأشخاص يستحقون الاحترام ويتلقونه شأنهم في ذلك شأن كل الناس الآخرين .. وفي هذا الميدان أيضا ينظر إلى الاحتكاك معهم – والذي يمكن أن يحدث – لا على أنه مواجهة بين الصواب والخطأ،وإنما على أنه احتكاك بين فردين بينهما معرفة واهية،يزن كل منهما الآخر ويدخل معه في مفاوضات لم يحدد موضوعها سابقا.تعمل شرطة المرور في ظروف قاسية،وفي مناخ يسممه التلوث الناتج عن حركة السيارات،وهم غالبا ما يقفون على أرضية الطريق مباشرة ومن ثم في مساواة السيارات التي تلامس في سيرها كل أجزاء جسمهم إن حالهم هذا يشبه حال مصارع ثيران قذف به رغما عنه إلى الحلبة. وحاليا،أقام رئيس شرطة طهران الأكشاك عند المنعطفات الرئيسة كي يحميهم ولو قليلا ويرفعهم فوق مستوى الأرض قليلا. ومع ذلك فما زالوا مبتسمين،ودمثي الأخلاق دون أن يفرضوا أنفسهم على الناس ولا يظهرون أي اضطراب ضد سائق السيارة الذي ينطلق مع الإشارة الحمراء أو يتجاهل أوامرهم في ألا يركن سيارته إلى جانب الرصيف. إنهم – فقط – يسجلون رقم السيارة في دفتر المخالفات ذي أرومة كي تدفع الغرامة فيما بعد،فإذا لم تسدد قيمة المخالفة فليس ذلك مهما مؤقتا،لأن كل سيارة لا يمكن أن تباع مجددا في إيران،إذا لم يقم مالكها بتسديد قيمة كل المخالفات غير المدفوعة،وهكذا تكون الكلمة الأخيرة للقانون. ولكن شيئا لا يعمل لجعل هذا القانون محبوبا أو مفهوما،ففي صباح يوم ما،وفي طريق مديني ما،وفي طريق سريع ما،وفي منعطف ما،توقف حركة المرور في صفوف من الكتل الإسمنتية دون أ، يعرف أحد لماذا جرى ذلك،وعند وصول المرء إلى هذا الحاجر،يلعن الأرض بكاملها،ويبدأ السائقون بالبحث عن طريق أخرى أفضل،وأحيانا بثمن باهظ هو القيام بدورة كبيرة أو يقومون بالانعطاف نحو الخلف،أو الرجوع إلى الوراء دون انعطاف أحيانا،تبدأ في الأسابيع التي تعقب قطع الطريق بعض الأعمال الطريقية،ويعيش الناس على أمل أن تعود حرية المرور لهذا الطريق من الآن وحتى سنة أو سنتين .. ولكن،أحيانا قد لا يتحقق شيء وتظهر تلك الكتل الإسمنتية وكأنها ستبقى للأبد.هل هناك طرق مأجورة؟ لنقل في البداية أن أجورها زهيدة جدا وأحيانا تكون اقل من عشرة سنتيمات من اليورو لكل مئة كيلومتر .. ) {ص 81 - 84}.لا داعي لأن نكمل!!! خصوصا أن المساحة المخصصة للحلقة انتهت. إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله. س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب)) Mahmood-1380@hotmail.com

  3. #3

  4. #4
    العمامة والوردة : فرانسوا نيكولو "4"
    الشبيهان اللدودان .. السعودية وإيران يواصل المؤلف حديثه عن الشوارع في إيران .. (آه،يا لقانون بذل أقل جهد ممكن! لأنه هو مثلا الذي يدفع سائق السيارة أن يبرز فجأة عند مستديرة ما كي يسلك شارعا أو طريقا يقع مباشرة إلى يساره،ليستخدمه في الاتجاه المعاكس كي لا يضطر إلى سير كل الميدان،وهذا ما يلهم السائق أيضا أن يقطع عدة كليومترات في الاتجاه المخالف مستخدما الطرف الترابي من الطريق كي يوفر عناء استخدام مستديرة ما،وهذا ما يدفع أيضا أحد المشاة لعبور الطريق السريع أو طريق مديني أو حتى ميدان مكشوف قافزا بين العربات التي تنهب الطريق بأقصى سرعتها،كي يصل بسرعة إلى منزله أو مكان عمله،ويمكن لنا أن نراقب هذا المشهد بهدوء عندما يتعلق الأمربشاب خفيف الحركة،ولكننا سنضطرب عندما نرى أفراد عائلة بكاملها،بما فهيم الزوجة والأطفال يجتازون طريقا مرصوفا بالحجارة وسط ضجيج السيارات المسرعة (..) وبعيدا عن هذا الفلكلور ،فكل ما ذكرناه له ثمن،يقدر عدد الوفيات في إيران على الطرق وفي الشوارع بـ 25000 وفاة سنويا،وبهذا تكون إيران أحد البلدان التي تسجل الأرقام الأعلى في الوفيات في هذا الميدان. {في 2009 حصلنا على المركز الأول – بكل جدارة – على مستوى العالم في حوادث السيارات : 49 وفاة لكل 100 ألف ،مقابل 48 شخصا في أرتيريا،و 41 شخص في مصر،و 39 شخص في أفغانستان ... ومقابل : في سويسرا 4.9 لكل 100 ألف ،وفي ألمانيا 6 أشخاص،وفي فرنسا 7.5 شخص!!!!!!} ومخالفات السائقين هنا كثيرة،لكن هناك أيضا قدم السيارات نفسها وضعف الصيانة للعدد الأكبر منها،ناهيك عن التحميل الزائد لسيارات الشحن،إن السيارة في إيران لا تموت أبدا (..) وماذا عن الدراجات النارية. إنها موجودة في كل مكان،فقد حلت محل الحمير في نقل الأشخاص الفقراء والمتواضعين،ونقل البضائع أيضا (..) فالشباب سواء ركبها واحد أو اثنان يستخدمونها وكأنها خيول في ميادين القتال. (..) إنما الكثيرين من راكبي الدراجات الصغيرة لا يضعون الخوذة على الرأس بل يدفعونها إلى الخلف لتستقر عند الرقبة أو على الظهر،وذلك من باب التحدي(..) وهناك استخدام عائلي للدراجة النارية،وفيه تصبح الخوذة من اختصاص الأب فقط،أما الزوجة فليس لها ما يحميها إلا بركة الشادور،وكذلك الأطفال تترك سلامتهم لعناية رب العالمين،والخير هنا أن القيادة العائلية يصحبها الحذر،لان السائق يشعر أنه مسؤول عن عدد من الأرواح. (..) وكذلك يدخل تحت هذا العنوان من التصنيف قيادة الخطيب للدراجة برفقة خطيبته،أو ببساطة أي فتى وفتاة،لديهما من الحكمة أو الجنون،الكثير أو القليل حسب قوة نبض الفتى،وتمتاز الدراجة الرياضية بفائدة مضاعفة،ففيها النشوة المشتركة بسبب السرعة والخطر المحدق من جهة،والتصاق الأجساد الذي يزداد قوة مع ازدياد السرعة من جهة أخرى. ويدهش المرء كيف تتسامح الجمهورية الإسلامية إزاء الاختلاط المضطرب في استخدام فتى وفتاة لدراجة ذات عجلتين وهو أمر شائع جدا،بينما تمنع النساء بموجب قانون غير مكتوب من قيادة الدراجات النارية بمفردهن،واللاتي سيكن موضع انتقاد المجتمع المدني،أما في سيارات الأجرة العامة،كما في كل مكان آخر،فلا يسمح للرجال والنساء في كل الظروف بأي تماس جسدي بينهم،ولا حتى بأطراف الاصابع،ولا اقتراب شديد بينهم وبينهن،قد يفرضه ظرف ما. وبالمقابل من المفيد أن نؤكد أن الكثير من النساء يقدن السيارة،وهذا شيء لا يمكن التفكير فيه في بلدان مجاورة {هل يوجد بلد غيرنا لا يسمح للمرأة بقيادة السيارة؟!!!} ولكنه ليس من اللائق أن تشاهد كما يحدث في بلداننا الأوربية امرأة تقود سيارتها وبجانبها رجل. رغم أن بعضهم تحدث عن نساء يعملن سائقات في سيارة أجرة أو سيارة ركوب كبيرة. ) {ص 85 - 89}.
    سوف نقفز إلى الفصل العاشر"الظمأ للبترول" .. (نعتقد بالتأكيد أن البترول هو الدراما الكبرى لإيران المعاصرة،فبدونه ربما كانت البلاد قد حققت تقدما أكبر،ولولاه ما أضاع الشاه علامات طريقه،ومن دونه لسقط نظام الملالي،وقد شجعت موارد البترول الضخمة مستويات متعددة من لسوك الطفل المدلل.
    لنتذكر أنه في إيران لا يدفع أحد الضرائب،وعلى الأقل لا يدفع أحد الضرائب بشكل جدي،وسوف يشعر أي مكلف بالإزعاج عند دفع أي مبلغ كضريبة،وبالتالي فلا أحد يدفع،وهذا صحيح بالنسبة للأشخاص الطبيعيين،وكذلك بالنسبة للشركات ذات الشخصية الاعتبارية،وعلى الأخص الشركات الكبرى التي تملكها المؤسسات الدينية.(..) ويستفيد الجميع تقريبا من عائدات البترول،فهي لا توفر فقط على الناس عبء الخزانة العامة،ولكنها تسمح أيضا للخزانة العامة بأن تغذي الناس.
    ويتمتع الرغيف بدعم كبير من الدولة،إذ يباع الطحين للمخابز من قبل الدولة ببضع سنتيمات من سعر التكلفة الحقيقي،وبالتالي لا يدفع المستهلك عمليا إلا أجرة اليد العاملة،بما أن الخبز يباع ببخس فإن أفقر متسول يمد لك يده بتعال – فالمتسولون الإيرانيون يتصرفون بشكل عام وكأنهم أمراء – يستطيع من أول صدقة يتلقاها مهما كانت قيمتها،أن يوفر خبز يومه. (..) كما توزع بطاقات التموين على بعض المواطنين كي يحصلوا بأسعار مخفضة على المواد الضرورية من الدرجة الأولى : الزيت،الأرز،المعلبات والأقمشة،ولا تصرف هذه البطاقات إلا للمواطنين الأشد فقرا،وقد قيل إن مرشد الثورة يهتم شخصيا بحسن استخدامها. وكذلك الوقود فهو شبه مجاني،ولنترك القارئ الأوربي يحلم قليلا : كان ثمن ليتر البنزين في محطات الوقود في إيران عام 2006 ثمانية سنتيمات من اليورو،بينما يكلف الدولة ضعف هذا المبلغ،لأنه ليس لدى إيران القدرة الكافية على التكرير،لذلك هي مضطرة لاستيراد وقود السيارات. (..) والحالة هذه،لابد من التنبيه إلى البون الشاسع بين تحقيق الوعي في استخدام الطاقة وبين وضع هذا الوعي موضع التطبيق،وتحاول الحكومة منذ سنوات نشر ثقافة اقتصاديات الطاقة في المجتمع الإيراني. وسيكون الإجراء الأكثر بساطة هو في مضاعفة أسعار الوقود مرتين أو ثلاث مرات. وقد حدث في الماضي أن رئيس وزراء الشاه اغتيل في سنوات الخمسينات،تماما بعد قيامه برفع اسعار وقود السيارات،وبقي الحادث حيا في الذاكرة ليدفع إلى التفكير مليا قبل تكرار التجربة (..) فكرة أخرى يجب أن تطبق وهي ترشيد استهلاك البنزين المدعوم وبيعه بأسعار أعلى عندما يتجاوز المستهلك حصصا معينة ثابتة،إنهم يتحدثون عن هذا الأمر كثيرا،ولكن المشروع لم ينفذ حتى اليوم. (..) وكذلك يمكننا أن نشاهد وبشكل متكرر وخلال حقبة طويلة عمليات تهريب مربحة وهي تصدر البنزين المدعوم إلى البلاد المجاورة الفقيرة بالبترول.) {ص 131 - 134}.
    نختم هذه السياحة .. بمعضلة المعضلات .. ومشكلة المشكلات .. وقضية القضايا .. وهي من أشد أوجه التشابه بين السعودية وإيران ... طبعا هي حجاب النسوان .. يقول المؤلف ... (آه،من الحجاب الإسلامي في إيران،إنه الموضوع الأبدي للحوار والتفكير .. وكنت أرى بشكل متكرر في احتفالات السفارة،الطريقة التي تتخلص فيها الشابات الإيرانيات منه،كي يكشفن عن ملابسهن ومفاتن الجمال لديهن،كأنهن فراشات تخرج من شرانقها{سبحان الله!! استعملت الكاتبة الجزائرية نفس التعبير لتصف الشابات السعوديات،إبان زيارتها الثانية للسعوية -1983 على ما أظن - وهن يستنشقن نسائم الحرية،وعباءاتهن الحريرية تهفف وتكشف عن الجنز!!(حُكم الأصوات .. ) }،كان يراودني عندها – لأعترف بذلك – فكرة آثمة،وغير صحيحة سياسيا ألف بالمائة،وهي أنه يمكن للمرء أن يكون ضد الحجاب في العالم كله ما عدا إيران،وفي الحقيقة لو حدث ذات صباح جميل أن خرجت جميع الإيرانيات فجأة إلى الشارع سافرات فلن يعارض المجتمع ذلك،إنما سيتحول كل رجل إلى ذئب يقف قبالة رجل أو ذئب آخر،وستعم الفوضى،وتتراجع الحضارة في هذا البلد آلاف السنين. كلا،فليطمئن القارئ،ولتطمئن – أكثر- القارئة،فأنا لم أورد هذه الفكرة إلا كإشارة إلى خاطئ مسكين قد تقترب فكرته من فكرة كتاب الآيات الشيطانية (..) نعم إن فرض ارتداء الحجاب الذي جرى في خطوات متتالية صغيرة في بداية الجمهورية الإسلامية،قد شكل رمزا جيدا بأن الجميع في إيران،وفي الخارج يعبرون عن الطاعة والنظام اللذين رسمهما آية الله الخميني،للإيرانيين،وكان الخميني قد أجاب – عندما كان في نوفيل دوشاتو – عن سؤال لاحد الصحفيين : أي مكان ستهيئون للنساء اللاتي يناضلن الآن هناك في إيران من أجلكم؟ فقال : هذا حقيقي،إنهن يقاتلن كالأسود،وستجعل لهم {هكذا} الثورة الإيرانية المكان الذي يستأهلنه،وكل الفسحة التي حفظها الإسلام لهن.(..) ولإكمال الصورة من المناسب التذكير أنه قبيل الثورة،كانت أقلية صغيرة من النساء الإيرانيات قد استثنين أنفسهن من ارتداء الحجاب. ولم يكن من الملائم لهن أن يتجولن سافرات في الأحياء الشعبية،والأسواق. وفي مرحلة الاضطرابات التي تفاقمت مع سقوط الشاه تبنى قسم من النساء المعطف الواسع المسمى بالفارسية"الربوش"ومنديل الرأس"الإشارب"كإشارة لرفض النظام الإمبراطوري،وبهذا النوع من اللباس الموحد المختلف بشكل جذري عن الشادور التقليدي ذي القطعة الواحدة،خرجت النساء في مظاهرات تلك الحقبة.
    عندما نشبت الثورة الإسلامية،لم يصدر أي قانون سريع لفرض الحجاب،وقد قدم الحجاب أولا على أنه سلوك طوعي إشارة إلى احترام كل امرأة محجبة للنظام الجديد،ثم فرض ارتداؤه على الموظفات،بما فيهن القطاع المهم من المدرسات،وقد جرى ذلك في إطار حملات من التخويف قادها الباسيج ضد آخر المتمردات. (..) وليست هذه هي المرة الأولى التي تتداخل فيها مسألة الحجاب بالسياسة،وبوحشية أحيانا. فقد أصدر رضا شاه الذي أراد أن يقلد آتاتورك،مرسوما عام 1935 حرم فيه ارتداء الشادور،وحاول تطبيقه بقوة الحراب،وبعد ست سنوات تقريبا،أي في عام 1941، اعتقد الإنكليز والأمريكيون والروس أن الشاه يؤيد الألمان،وخشوا أن يفتح أبواب بلاده لقواعد المحور،فدفعوه للتنازل عن العرش والتوجه للمنفى،وأدى رحيله إلى عودة فورية للحجاب الذي كان قرار منعه قد استقبل بعدم الرضى من المجتمع الإيراني،معتبرا المنع ردة دينية. (..) كما أدى في نفس الوقت إلى إغلاق عدد من مدارس الإناث،وبعد رحيل الشاه،أصبحت حرية اختيار الحجاب أو عدمه هي القاعدة الأساسية،واستمر ذلك حتى عام 1979.(..) وبالعودة إلى السياسة،نقول : إنه إذا اعتقد الخميني أن باستطاعته إخضاع المرأة الإيرانية بفرض الحجاب عليها،فقد نجح في ذلك بشكل كامل. ومما لا جدال فيه - ولو بدا ذلك متناقضا - أن الحجاب في البداية لقي قبولا لدى الفتيات الجامعيات،فقد كن - زمن الشاه - قد منعن من دخول الجامعة محجبات،وقدرت الكثير من العائلات المحافظة،ودفعة واحدة،أنها لا تتصور أن ترسل بناتها إلى هذه الأماكن الضالة ليختلطن دون قيود مع الطلبة الذكور،وعندما جاءت الثورة وفرض الحجاب في الجامعات وجرى في الوقت نفسه فصل الطلاب عن الطالبات في أروقة الجامعة لم يعد هناك ما يدعو أي عائلة لحرمان بناتها من التعليم العالي،وفي الحقيقة نجد أن 60% من الطلبة اليوم من الإناث. ولحسن الحظ،لقد أصبحت الجامعة،بالحجاب أو من دونه مكانا لممارسة العواطف. (..) إنها مراوغة سياسية أن قامت الفتيات الشابات بتقصير معطف "الرابوش"إلى خط الركبة،حيث شوهد هذا حتى في الأحياء الشعبية،مع أن معايير النظام أن يصل الطول حتى منتصف ربلة الساق،إنها مراوغة سياسية،أن ترتدي الفتيات "البيمبو الإسلامي"يتجولن به في شوارع شمال طهران : حذاء عالي الكعب يسبب الدوار،بنطال من الجينز مع قميص ذي طيات،روبوش قصير جدا بثلاث قصات مختلفة،وقميص وردي فاتح،أو أخضر بلون النعناع،أو أزرق بلون الخزامى يضيق في الأسفل كأنه من قماش السترتش فيقولب الجسد ويبالغ في إبراز الردفين{كما تفعل العباءة المخصرة عندنا!!}،وغطاء رأس صغير يسمح بانفلات خُصل كبيرة من الشعر الداكن اللون،و"ماكياج"متعدد الألوان مرسوم بشفافية،وأظافر مطلية بعناية في القدمين كما في اليدين،ونظارات شمسية،وقطعة لبان "تطقطق"في الفم توحي بالتحدي.(..) إنها مراوغة سياسية أيضا،وأخيرا،هذا الانقياد الكاذب للنساء المرتبطات بالحياة العامة واللاتي يتمتعن بثقة شخصية في النفس،إن استخدام الكثير منهن هذا الإيشارب أو حتى الحجاب المتدلي على الكتفين،في المكاتب وفي الجامعة لأنه سيبقى في مكانه طول النهار كي يرسم استدارة الوجه دون أن ينتهك معايير الحشمة الإسلامية،ونادرا ما يكشفن طرفا من شعرهن،كما ان الجسد لا يترك مجالا لمعرفة تفاصيله إلا إذا أطلقنا المجال للخيال،أما الأجزاء الظاهرة للعيان،أعني بها الوجه واليدين،ثم القدمين،تمضي هذه النسوة وقتا طويلا في فصل الصيف خاصة،للعناية بها بشكل خاص في جلسات تدليك الأظافر،والحاجبين،والرموش،والجبهة،والأنف،والوجنتين ،خط الشفتين،ووضاءة البشرة،كل ذلك يصبح موضوعا يحتل المكرز الأول في التفكير،وإذا لزم الامر لا مانع من إجراء عملية تجميل،كل ذلك لجعل كل هذه التفاصيل عملا فنيا.(..) لقد ظهر من شهادت لشبان جمعها علماء اجتماع - وهذا متوقع - أن الشادور نفسه قد انتهى به الأمر ليصبح أداة إثارة وتغذية للمخيلة،ومثلما تفعل عندنا - في الغرب - حاملات الجوارب النسائية "الجرتيير". إنه مجرد استبدال للأشياء.
    وما يدعو للكثير من الاستغراب،أن لعبة القط والفأر التي تلعبها النساء مع المعايير الإسلامية ما زالت تمارس في عهد الرئيس أحمدي نجاد،ويتردد المحافظون بشكل ظاهر،رغم سلبيات البيانات التي تصدر للتأكيد على القيم،أن يصلوا - عكس ما يريدون - إلى إحداث شروخ مهمة في المجتمع،وبشكل خاص مع الأجيال الشابة،لكن الجمهورية الإسلايمة لا تستسلم.) {ص 141 - 150}.
    إلى هنا انتهت السياحة في هذا الكتاب .. ولعلها فرصة للحديث عن فكرة طالما دارت في خلدي ... خصوصا حين أقرأ عن مساعي التقريب بين السنة والشيعة!!! وهو أمر يستطيع أن ينجزه أي (مثقفين) يتحاوران عبر أية وسيلة تتهيؤ لهما ... لكن الذي ينفع الأمة .. هو التقارب السياسي بين دولتين بحجم الممكلة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية .. ولكن تبقى المشكلة في علاقتنا بالغرب وبأمريكا تحديدا ... ومن الناحية الأخرى .. تبقى عقدة إيران : الشعور بالعظمة .. والواقع الذي يقول أن الشيعة أقلية قياسا إلى أهل السنة.
    بقي لي أن أختم بوجه آخر للتشابه بيننا وبين إيران .. قناة (mbc) تبث أفلام غربية - أمريكية في الغالب - وتحتها ترجمة باللغة العربية،وفي قناة أخرى باللغة الفارسية!!!

    إلى اللقاء في سياحة جديدة .. في كتاب جديد .. إذا أذن الله .
    س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب))
    Mahmood-1380@hotmail.com

  5. #5
    العمامة والوردة : فرانسوا نيكولو "3"
    الشبيهان اللدودان .. السعودية وإيران
    يواصل المؤلف حديثه عن الديمقراطية في إيران،ومن ضمن ذلك الحديث عن الإصلاحي محمد خاتمي .. (المثقف كثيرا والسياسي قليلا موضع انتقاد من دائم لغياب شجاعته من قبل أولئك الذين كانوا يأملون بأن يستخدم على الأقل السلاح الوحيد الباقي له،وهو الاستقالة وذلك عندما جعلوه يبتلع ما هو غير مقبول عند النظام،وقد مرت أمامه فرصتان أو ثلاث فرص لكنه لم يستغلها،ولكن إن كانت تعوزه الشجاعة فإن ميزته الكبرى أنه أعطى للمجتمع الإيراني فرصة أن يقترب من عتبة الحداثة.
    واكتشفت إيران عندما صوتت لخاتمي أن لها هوية جديدة مختلفة تماما عن صورتها التي تعرفها عن نفسها قدمتها لها الثورة الإسلامية لأنها الطاعة والخضوع لقواعد أصبحت،بقوة أشكال القهر تجبرها أن تأخذ شكل مدنية القرون الوسطى من طراز"مدينة الرب". أما وقد تحررت من هذه المعتقدات الضيقة،داخليا على الأقل فأعتقد أنها لن تكون أسيرتها مرة أخرى.
    وأخيرا كانت خيبة الأمل الشعبية من الإصلاحيين عميقة،وعنيفة،وقد حدث الطلاق عند إجراء الانتخابات البلدية عام 2003 (..) ولكنه – وعلى الرغم من كل شيء – هناك بعد ديمقراطي في هذا النظام حيث يذكر القادة دوما أنه منذ تأسيس الجمهورية،ينظم استفتاء شعبي مرة على الأقل في السنة،سواء تعلق الأمر بالبرلمان،أو بانتخابات الرئيس أو بانتخابات مجلس خبراء حماية النظام الذي يعين مرشد الثورة،أو حتى في استفتاءات الدستور المختلفة.
    لهذا لا نستطيع،كما يفعل المراقبون الخارجيون أن نفرق فيما يتعلق بالمسؤولين في النظام بين المنتخبين وغير المنتخبين،فكل مناصب المسؤولية تصدر عن انتخابات عامة سواء كانت انتخابات شعبية مباشرة مثل البرلمان والرئاسة،أو انتخابات على درجتين مثل : انتخاب مرشد الثورة،الذي ينتخب بالتأكيد مدة غير محددة،هي في الأصل مدى الحياة. ولكن بالإمكان في الوقت نفسه إعفاؤه إذا جرد من صلاحياته من قبل مجمع خبراء حماية النظام.
    هناك آخرون يجيء تعيينهم من قبل هيئات منتخبة أصلا مثل الأشخاص الاثني عشر في مجلس حراس الدستور،الذي يشبه المجلس الدستوري،وقد قرأنا في الصحافة الغربية الكثير بأن"هذه الهيئة غير المنتخبة تتدخل في العمليات الانتخابية"،وهذا صحيح تماما،ولكنه بعد كل ذلك هو إجراء صحيح أيضا بالنسبة للمحكمة العليا الأمريكية التي يسمى أعضاؤها مدى الحياة من قبل الرئيس وحده وقد أدت دورا حاسما في انتخابات بوش للدورة الأولى.
    ومن المفهوم تماما أن تنظيم الانتخابات الوطنية يعطي كل أنواع التلاعب وخاصة من جانب مجمع حفظ الدستور المؤلف من عشرة من علماء الدين ومن عشرة من الحقوقيين الاختصاصيين،وإحدى أهم مهمات هذا المجلس هي اختيار المرشحين وفق معايير يؤدي فيها التدين العام والأخلاق الشخصية دورا كبيرا،وتصدر قرارات هذا المجمع استنادا إلى معلومات شبكة من المخبرين المكلفين بالتدقيق في حياة المرشحين،وهي قرارات نهائية ولا تقبل استئنافا.(..) ولكن التعصب أو التحزب عند هؤلاء المتدينين لم يمنع تماما حدوث المفاجأة الكبرى في الانتخابات الأولى لخاتمي عام 1997،حيث شهدنا مدا مرتفعا في مواجهة المرشح الديني المحافظ الذي اختاره النظام.
    وكذلك فإن انتخاب البرلمان الإصلاحي عام 2000 لم يكن مبرمجا.(..) نورد ذلك كي نقول : إنه إن كان هناك مفاجأة في الانتخابات فلأن هناك ديمقراطية "لأنه لا مفاجآت انتخابية في أوربا الشرقية أو عند صدام حسن". (..) تناقض أخير،ربما : تظهر الثورة الإسلامية،مع الجيل الجديد الذي أفرزته الانتخابات والذي يمثل انتكاسة إلى الخلف،تظهر بصفتها ثورة حقيقية لها صورة الثورة الفرنسية أو الثورة السوفيتية وبنفس دورات التشنج ونفس الأهوال،ونفس المجازر،ونفس الإرهاب،ونفس طرق إثارة الحماس لمقاومة الغزاة،أو لنقل شعلة الأفكار الجديدة للعالم بأسره.
    ومهما حدث فسوف نحتفظ بذكرى الانتخابات الإيرانية المنظمة بشكل جيد وقوي وقد طبعت بكل العزة اللازمة،وبمراكز التصويت بجوها الهادئ الوديع حيث يقدم المسؤولون عن تطبيق النظام الحلوى للزائرين.){ص 31 - 36}.
    بهذه الأسطر ختم المؤلف الفصل الثاني،ليلج بنا إلى الفصل الثالث"جبال ومعجزات"،وفيه حديث طويل عن جمال إيران،والاختلاف بين مناطقها،وأماكن التصييف فيها .. ثم يسخر من بعض النصب الجمالية،التي وضعت تحت مظلة المتدينين،وقبله .. (وفي القرن العشرين أيضا اتسعت المدن بشكل استثنائي يرافقها هجرة عشوائية إلى المدن،لقد تجاوزوا كل الخطط المدينية"كان هناك العديد منها ولكنها سرعان ما لفها النسيان". أما المواد التي وزعوها في ساحات هذه المدن لتزيينها فهي نصب واقعية اجتماعية من نبات الشمشاد المقصوص على شكل حيوانات متعددة،حمامات السلام التي تشبه في حجمها فراخ الدجاج،وأشجار نخيل بلاستيكية مضاءة،كل ذلك من بنات أفكار البلديات المحافظة،إنها – بصراحة – أشياء تدعو للضحك.
    ونجد البناء العشوائي يشوه الأعمال الجيدة لا التقليدية منها فقط بل وحتى الأعمال الأكثر حداثة مثل "الفيلات"){ص 48 - 49}.
    بهذه اللمحة،ننتقل إلى "4 : مجد البازار"والذي افتتح بهذه العبارات .. ( في"البازار"،يصبح الفرد لاشيء،والمجموع هو كل شيء،فالعائلة التي تمسك بالمحل التجاري تأتي أولا،والاتحاد الذي ينهي الخصومات وينظم العروض،وأيام العيد القادم،كل هذا يدير في النهاية مجتمع البازار بأكمله : الأبنية الأسمنتية المتتابعة التي تعطي المشهد شكل مساكن النمل الأبيض.(..) وكل شيء في البازار متماسك ليشكل كتلة واحدة بدءا من الحمالين وانتهاء بالتجار من أصحاب الملايين،والناس هنا متنافسون ومتضامنون في آن واحد : متنافسون وإنما كل فئة داخل سويتها الخاصة بها،ومتضامنون بشكل واضح فيما إذا اعتدي عليهم بشكل جماعي،من قبل موظفي الخزينة مثلا،ومتضامنون من سوية ما تجاه سوية أخرى وفق أحكام الحماية الاجتماعية،والولاء للتسلسل التراتبي،ولكنهم أيضا متضامنون مقابل ثمن باهظ،فالحمالون يستطيعون الاقتراض من التجار ولكن مقابل أرباح ربوية. وتعقد الصفقات في كل المستويات شفاها،فلا حاجة لأختام ولا أوراق لأن كل امرئ يعرف أن أي انحراف عن الكلمة التي قطعت سوف يؤدي إلى الطرد خارج النظام وهو بالتالي نوع من الموت المدني.){ص 51 - 58}.
    في الفصل الخامس"تحيا أمريكا ،تسقط أمريكا" يبسط فيه المؤلف الحديث عن العلاقات الأمريكية الإيرانية،بادئا بشتم أمريكا على المنابر،ومعرجا على أهمية أمريكا التي يفضل الإيرانيون إرسال أبنائهم للدراسة فيها .. ثم تحدث عن العلاقة التاريخية بين البلدين،ووقوف أمريكا في وجه المد الاستعماري الذي كان يسعى لتقسيم إيران،وقد وصل الأمر إلى مقتل أستاذ أمريكي في إحدى الثورات الإيرانية - سنة 1906 – ولا يزال قبره "مزارا"مكللا بالورد .. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية أجبرت ضغوط الرئيس الأمريكي ترومان ستالين على سحب قواته من أذربيجان الإيرانية،والتي احتلتها القوات الروسية سنة 1941م. ثم وصل المؤلف إلى الحديث عن الثورة الإيرانية،والتصادم مع أمريكا،وبعد القطيعة الطويلة .. (من الجانب الأمريكي،يرغب الكثيرون أيضا في الخروج من الحصار ولكن دون الدخول في مخاطرة سياسية تثير نقمة الناخبين،وكان الجانب الإيراني والأمريكي،خلال سنوات وسنوات يفوتان الفرصة بعد الفرصة حيث كانت كل إشارة تبدر من هذا الطرف تدفع الطرف الآخر للتراجع وكانت كل ابتسامة ترتسم على وجه هذا الجانب تجعل الجانب الآخر يقطب حاجبيه (..) لدى الإيرانيين ما يدعوهم للسعادة. فمن دون أن يتجشموا عناء الحركة قام الأمريكيون بتخليصهم من عدوهم اللدود صدام حسين الذي منعهم النوم سنوات طويلة"وقد تخلصوا قبل مدة من أعداء ألداء آخرين في أفغانستان وهم طالبان".وباسم الديمقراطية أعطيت الفرصة لشيعة العراق للوصول إلى مراكز المسؤولية السياسية التي كانوا قد حرموا منها (..) نحن هنا أمام دافعين على الأقل لتعقيد حياة الأمريكيين الأول سياسي والثاني ديني،والمطلوب تعقيد أمورهم بما يكفي ليتابعوا الغوص في الوحل وتستنزفهم الحرب،ولكن ليس إلى الدرجة التي يؤدي فيها انفجار البلاد إلى إضعاف سلطة الشيعة العراقيين،والسماح بانفصال أكراد المنطقة بما فيهم الأكراد الإيرانيين ليجدوا أنفسهم وقد أصبحوا أمة واحدة،إن الممارسة الإيرانية هنا دقيقة فهي تعبئ دون شك الكثير من القرائح التي تعمل خلف ستار.) {ص 74 - 75}.
    ربما لا يعنينا الفصل الخامس كثيرا،ولكن الفصل السادس يتحدث عن موضوع يبرز بعض التشابه بيننا وبين الإيرانيين .. وهذا الفصل عنوانه "وراء مقود السيارة" ،وقد افتتحه المؤلف بالقول :
    (قال البابا بيوس الحادي عشر ذات يوم : إن الحضارة الراسخة للشعوب تعبر عن نفسها بشكل طبيعي تماما عبر صورتها الثقافية". وإذا ما قيس هذا القول بالعبارات الطنانة لبدا مبتذلا،ولو بقي حيا حتى اليوم لقال كما يقول كل الناس الآن : إن الحضارة تعبر عن نفسها بطريقة قيادة الشعب للسيارة.
    وبهذا الخصوص تتميز إيران عن كل الآخرين،لديّ صديق،رحالة كبير،وسائق متمرس،ويتمتع ببنية قوية،أقام وقاد سيارته في بلدان لا تحتمل فيها حركة السير مثل مصر والهند،وقد شاهدته بعد وصوله إلى طهران بقليل يقود سيارته،ويقف أمام منعطف رئيس،وقد شحب وجهه.
    كان كل سائق سوءا كان يقود سيارة كبيرة،سيارة عادية،تاكسي،سيارة نقل صغيرة،يزاحم بالقرب من إشارة المرور الخضراء ليحصل على سبق على كل الآخرين بأي ثمن،وسط مشاة يعبرون الشارع باستمرار دون أن يعيروا التفاتا لما يجري،ووسط ثآليل من الدراجات النارية تطير هنا وهناك كالزنابير.
    لاشيء من العنف وسط هذه الفوضى،لا شيء من الضوضاء الدائمة لأبواق السيارات التي نسمعها في القاهرة أو في دمشق. بالعكس،إنها فوضى منظمة. مثلا،وفيما عدا حالات الإسعاف المتعلقة بحياة الناس فإن استخدام بوق السيارة في إيران ممنوع،وإذا ما استخدم فبلمسة بسيطة للزر،وفي أسوأ الحالات يتكرر صوت"بيب"مرتين أو ثلاثا،وهذا بالضبط ما يجب فعله للفت انتباه الناس الذين يفترض أنهم يقظون وحذرون،وبالنسبة للإيرانيين،هذا التنبيه يكفيهم.
    والصراع من أجل المرور يجري بالسيوف التي علاها الغبار،فقانون السير يجري تجاهله تماما طالما أنه يعبر عن نظام عام وهذا ما يخالف طبيعة كل فارسي،والعلاقة بين أي سائقين،أو بين سائق سيارة وسائق دراجة نارية أو حتى بينه وبين أحد المشاة في لحظة التنافس واقتراب أحدهما من الآخر هي علاقة تفاعل،وتتطلب أن يزن كل منهما بلمح البصر الحالة المعنوية للخصم،ولين عريكته أو سوء طبعه،ثقته بنفسه أو ضعفها،هل هو في عجلة من أمره أم لا،السرعة والطريقة المحتملة لاندفاعه نحو الخصم.
    وإذا فكر أحدهم أن يغضبه،فإنه يزداد اندفاعا،ويمكن للآخر أن يفعل الشيء نفسه،حيث يصل الاثنان غالبا إلى احتكاك هيكلي السيارتين بضعة سنتيمترات،فإذا تراجع الآخر استمتع الأول بنشوة نصر صغير. أما الذي يتراجع فيعزي نفسه بأنه أكثر عقلانية من الآخر،ومن ثم يغيب أي شعور بالإهانة،أو شعور بالبغضاء من هذا الجانب أو ذاك . وتستمر هذه الحالة إلى أن يتجدد الموقف من جديد،وهذا يمكن أن يحدث بعد بضعة ثوان بسبب الاختناقات المرورية المرعبة في طهران.وإذا شاهدنا سيارة تسير في شارع ذي اتجاه واحد وتقوم بنصف دورة عند فتحة في شارع رئيس مزدحم،أو تسير متقهقرة إلى الخلف على طريق سريع لتبلغ منفذا بعد بضع عشرات من الأمتار،فليس هناك مبرر للانزعاج أو الهياج،إذ يعتبر هذا الأمر عاديا ويستدعي من بقية السيارات التنحي أو الإبطاء لتسهيل حركة السيارة المتقهقرة،طالما أن كل سائق قد يحتاج ذات يوم لمساعدة الآخرين له وهو يقوم بالحركة نفسها. ويحدث كل فرد نفسه أنه إذا قام امرؤ بهذه المناورة فلأنه مضطر إلى ذلك،وبالتالي يجب احترامه.){ص 79 - 81}.
    هذا التحليل الأخير رد ممتاز على سؤال طالما حيرني!!! يسير السائق إلى جوارك ولكما نفس الحقوق .. فإذا لم يستطع تجاوزك .. استعمل المنبه .. ثم تخطاك .. ملوحا بيده – يدعو لك دعوات"طيبة"في الغالب!! – وبعد أمتار يقابله سائق آخر يسير في عكس الاتجاه .. فيتنحى له .. بكل أريحية!! وكنت أتعجب من ذلك ..والآن فهمت ... السبب – ببساطة – أنني لا أخالف أنظمة السير – وهذا أمر من الشجاع أن أعترف به .. فهو "محرج جدا"!!!! – لذلك لم أكن أفهم تلك الخدمات المتبادلة .. بالطريقة التي شرحها المؤلف.
    رغم التشابه في السلوكيات أو في بعضها .. إلا أن ما سننقله عن المؤلف لا يمكن له أن يوجد في شوارعنا .. (ومن خلال القواعد نفسها التي تنظم هذه الأفكار،أتذكر أنني،في بداية وجودي في إيران،أوقفت سيارتي في طهران في شارع ضيق،كي ألقي نظرة على مخطط المدينة،وكان الشارع فارغا من السيارات في تلك اللحظة،وبعد دقيقتين رفعت نظري إلى المرآة العاكسة لأجد خلفي سيارة نقل مليئة بالركاب وخلفها خمس أو ست سيارات صغيرة،وكان الجميع ينتظر بصبر أن أنتهي مما كنت فيه،ولم يستعمل أحد منهم البوق،وكانوا يفترضون أنني إن توقفت فلسبب معقول،ولذلك فلا موجب لإثارة الأعصاب.
    وأين الشرطة من كل هذا؟ في الواقع إن موقفهم دقيق طالما أنهم أشخاص يمثلون الجهات الرسمية،والجهات الرسمية كما يراها الإيرانيون هي عدو،وقليلا ما ينظر إلى رجال الشرطة على أنهم يمثلون القانون ولكنهم كأشخاص يستحقون الاحترام ويتلقونه شأنهم في ذلك شأن كل الناس الآخرين .. وفي هذا الميدان أيضا ينظر إلى الاحتكاك معهم – والذي يمكن أن يحدث – لا على أنه مواجهة بين الصواب والخطأ،وإنما على أنه احتكاك بين فردين بينهما معرفة واهية،يزن كل منهما الآخر ويدخل معه في مفاوضات لم يحدد موضوعها سابقا.
    تعمل شرطة المرور في ظروف قاسية،وفي مناخ يسممه التلوث الناتج عن حركة السيارات،وهم غالبا ما يقفون على أرضية الطريق مباشرة ومن ثم في مساواة السيارات التي تلامس في سيرها كل أجزاء جسمهم إن حالهم هذا يشبه حال مصارع ثيران قذف به رغما عنه إلى الحلبة.
    وحاليا،أقام رئيس شرطة طهران الأكشاك عند المنعطفات الرئيسة كي يحميهم ولو قليلا ويرفعهم فوق مستوى الأرض قليلا. ومع ذلك فما زالوا مبتسمين،ودمثي الأخلاق دون أن يفرضوا أنفسهم على الناس ولا يظهرون أي اضطراب ضد سائق السيارة الذي ينطلق مع الإشارة الحمراء أو يتجاهل أوامرهم في ألا يركن سيارته إلى جانب الرصيف. إنهم – فقط – يسجلون رقم السيارة في دفتر المخالفات ذي أرومة كي تدفع الغرامة فيما بعد،فإذا لم تسدد قيمة المخالفة فليس ذلك مهما مؤقتا،لأن كل سيارة لا يمكن أن تباع مجددا في إيران،إذا لم يقم مالكها بتسديد قيمة كل المخالفات غير المدفوعة،وهكذا تكون الكلمة الأخيرة للقانون.
    ولكن شيئا لا يعمل لجعل هذا القانون محبوبا أو مفهوما،ففي صباح يوم ما،وفي طريق مديني ما،وفي طريق سريع ما،وفي منعطف ما،توقف حركة المرور في صفوف من الكتل الإسمنتية دون أ، يعرف أحد لماذا جرى ذلك،وعند وصول المرء إلى هذا الحاجر،يلعن الأرض بكاملها،ويبدأ السائقون بالبحث عن طريق أخرى أفضل،وأحيانا بثمن باهظ هو القيام بدورة كبيرة أو يقومون بالانعطاف نحو الخلف،أو الرجوع إلى الوراء دون انعطاف أحيانا،تبدأ في الأسابيع التي تعقب قطع الطريق بعض الأعمال الطريقية،ويعيش الناس على أمل أن تعود حرية المرور لهذا الطريق من الآن وحتى سنة أو سنتين .. ولكن،أحيانا قد لا يتحقق شيء وتظهر تلك الكتل الإسمنتية وكأنها ستبقى للأبد.
    هل هناك طرق مأجورة؟ لنقل في البداية أن أجورها زهيدة جدا وأحيانا تكون اقل من عشرة سنتيمات من اليورو لكل مئة كيلومتر .. ) {ص 81 - 84}.
    لا داعي لأن نكمل!!! خصوصا أن المساحة المخصصة للحلقة انتهت.


    إلى اللقاء في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.

    س/ محمود المختار الشنقيطي ((سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب))




المواضيع المتشابهه

  1. ومضات من كتاب"العمامة والوردة" : الندان ..أمريكا وإيران
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-06-2017, 09:58 AM
  2. الحمار والوردة ... بقلم آرا سوفاليان
    بواسطة arasouvalian في المنتدى فرسان الأدب الساخر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-15-2016, 02:41 AM
  3. فرانسوا على قبر أبي عمار
    بواسطة د. فايز أبو شمالة في المنتدى فرسان المواضيع الساخنة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-18-2013, 04:39 PM
  4. العمامة والوردة : فرانسوا نيكولو
    بواسطة محمود المختار الشنقيطي في المنتدى فرسان المكتبة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-17-2012, 01:39 AM
  5. العاشق والوردة: دراسات في شعر حسين علي محمد
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى فرسان الأبحاث والدراسات النقدية
    مشاركات: 26
    آخر مشاركة: 03-04-2009, 06:38 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •