التمرغ بالتاريخ
سأله: لما أراكَ ماشياً على قدميك وأنت تملك حصاناً؟
أجابه: تركته يتمرغ في التراب، وكانت آثار العصبية تظهر عليه، ففضلت أن أتركه ليرتاح وأسير على قدمي، فالمسافة ليست طويلة.
ـ أكان حصانك يلتفت بين الحين والحين الى خاصرته؟
ـ نعم.. كان يفعل ذلك..
ـ أكان حصانك يقعي كالكلب وينفخ؟
ـ نعم كان يفعل ذلك..
ـ أخشى أن تعود، وتجد حصانك قد نفق.
احتار الناس في ظاهرة تمرغ الحيوانات في التراب، فمنهم من ردها الى رغبة الحيوان في إزالة الطفيليات من على جلده، ومنهم من ردها الى إزالة العرق بتجفيفه بذرات الغبار ليكون مثل (مسحوق الأطفال)، ومنهم من ردها الى اكتساب طبقة إضافية تحول دون لسع الحشرات.
ولا تقتصر ظاهرة التمرغ على حيوانات بعينها، وبيئة بعينها، فالدب القطبي يتمرغ بالثلج، والفيل يتمرغ بالوحل، والطيور كالدجاج والنعام والنسور تتمرغ في التراب، ولا يبدو أن الأسباب السابقة التي وضعها الناس ليفسروا تلك الظاهرة تصلح لكل تلك الحالات.
فقال بعضهم، إنها تحية شكر وحمد للبيئة، وقال آخرون إنها (عنفصة) أي لا تتعدى كونها ظاهرة تنم عن (فسق) الحيوان بعد إحساسه بالشبع والأمان.
في دراسة التاريخ والاطلاع عليه، يحاول المؤرخون والسياسيون والأدباء أن يتتبعوا ظاهرة أو مجموعة ظواهر لاستخلاص العِبَرِ منها، وتدشين خِطاب يرشد الناس الى إتباع الطرق النافعة للخلاص.
لكننا نجد الكثير من الكُتاب والمثقفين يتعاملون مع موضوعات التاريخ، للتفاخر والتباهي بأمجادٍ غابرة، ويتوقفون عند تلك الأمجاد علهم يشبعون رغباتهم في تزكية أنفسهم. إنهم بعملهم هذا يتمرغون بالتاريخ من باب (العنفصة) و(الفسَق) لا أكثر.