للأجيال القادمة كي لا تنسى للتعميم والنشر
شرعية المقاومة في الاتفاقية العربية
لمكافحة الإرهاب
د.غازي حسين
تضمنت الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي سبق إقرارها في اجتماع مجلس وزراء الداخلية والعدل العرب، الذي انعقد في مقر الجامعة العربية في القاهرة في 22 نيسان 1998 أربعة أبواب و42 مادة.
تعرف المادة الأولى في البند الثاني الإرهاب بأنه كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه يهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، ويعرف البند الثالث من المادة الأولى الجريمة الإرهابية.
وتفرق المادة الثانية من الاتفاقية بين المقاومة والإرهاب وتستثني الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي من الإرهاب، وتنص على أنه «لا تعد جريمة، حالات الكفاح بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان من أجل التحرر وتقرير المصير وفقاً لمبادئ القانون الدولي».
ويتضمن الباب الثاني من الاتفاقية أسس التعاون العربي لمكافحة الإرهاب، والباب الثالث: آليات تنفيذ الاتفاقية، والباب الرابع «أحكاماً ختامية».
وهكذا نرى أن الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب وضعت تعريفاً محدداً للإرهاب والجريمة الإرهابية وآليات مكافحته مع التفريق بين المقاومة والإرهاب وتأييد مقاومة الشعوب للاحتلال الأجنبي، وبالتالي تلتزم الدول العربية بتأييد الانتفاضة والكفاح المسلح الذي تخوضه المقاومتان الوطنية والإسلامية الفلسطينية واللبنانية ضد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني الإسرائيليين وضد ممارسة «إسرائيل» للإرهاب والعنصرية كسياسة رسمية.
حاول وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أن يخطو خطوة صغيرة في الاتجاه الذي وضعه وزير الخارجية الأمريكي سيمبسون عام 1932. وتضمن رفض الولايات المتحدة الآثار التي تترتب على الاحتلال الياباني لمنشوريا، ورفض تسخير القوة العسكرية لتحقيق المكاسب الإقليمية.
وأعلن باول في نهاية تشرين الأول من عام 2001 «أن هناك فرقاً شاسعاً بين مفهوم الإرهاب ونضال بعض الجماعات في سبيل تحقيق الحرية من قوى ظالمة أو مطالبتها برفض المظالم وكسب الحقوق». وأكد باول بأنه «ليست كل الأشياء إما أبيض وإما أسود، وأن هناك مناطق رمادية يتعين معالجتها سياسياً».
ودعا باول للمرة الأولى «إلى الركون إلى الحكمة وإعادة النظر بمفهوم الحرية بالنسبة لشخص يناضل في سبيل نيلها، وبين مفهوم الإرهاب المتناقض تماماً معه». وأكد أن كل هذه الشهور التي جاء فيها العنف الإسرائيلي لم تسفر عن إقرار «الأمن الإسرائيلي».
أعلن وزير الخارجية الأمريكي هذه التصريحات الخجولة لأول وآخر مرة ولم يكررها ثانية على الإطلاق في الوقت الذي يمارس فيه الجيش الإسرائيلي أبشع أنواع الإرهاب والوحشية والعقوبات الجماعية والدمار وسياسة الأرض المحروقة.
وينظر الرئيس اوباما ووزير الدفاع الى الإرهاب والإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها «إسرائيل»، على أنها أعمال دفاعية، من أعمال الدفاع عن النفس، أي أن «إسرائيل» في حالة الدفاع المشروع عن النفس عندما تطلق الصواريخ الأمريكية من الطائرات الأمريكية الصنع على المدنيين العزل من الفلسطينيين. وبالتالي تفقد الولايات المتحدة الأمريكية صدقيتها وأهليتها ومسؤوليتها وأخلاقيتها عندما تدافع عن الإرهاب والعنصرية والإبادة الجماعية التي يرتكبها مجرم الحرب والسفاح شارون، وتعتبر في الوقت نفسه عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واللبنانية عمليات إرهابية يجب وقفها ومحاكمة مرتكبيها.
تعتبر الولايات المتحدة أن مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال وإرهاب الدولة الإسرائيلية عمليات إرهابية، بينما تنظر إلى ممارسة «إسرائيل» للإبادة الجماعية والعنصرية والاستعمار الاستيطاني كأعمال شرعية تدخل في نطاق الدفاع عن النفس.
وهكذا تتجلى بوضوح ازدواجية المعايير لدى الولايات المتحدة الأمريكية وفقدانها أي حس بالعدل والإنصاف ومبادئ الشرعية الدولية عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين، وبذلك يكون الموقف الأمريكي هو ذروة الإرهاب وأخطر أنواعه، ويظهر بجلاء أن إدارة الرئيس بوش منحازة انحيازاً أعمى للعدو الإسرائيلي، العدو الأساسي لشعب فلسطين وقضية فلسطين وللعروبة والإسلام.