الذكرى السنوية الثامنة عشر لمجزرة (قانا) الوحشية
الدكتور غازي حسين

عندما سأل طلبة جامعة ديترويت الأمريكية في أيار العام 2000 م شمعون بيريز عن مسؤوليته في مجزرة قانا أجابهم محملاً الأمم المتحدة مسؤولية المجزرة , وأنكر وجود أي تقرير للأمم المتحدة يحمل إسرائيل المسؤولية عنها واكتفى بتقرير وزارة الخارجية الأمريكية الكاذب الذي برأ إسرائيل من المجزرة . وأجاب في مؤتمره الصحفي على سؤال جريدة ديترويت نيوز قائلاً :"ما حصل في حادثة قانا جرى التحقيق فيه من قبل وزارة الخارجية الأمريكية ,ووجدوا أن إسرائيل غير مخطئة في قانا. وسأله صاحب جريدة "العربي الأمريكي" نهاد الحاج وقال :"تقرير الأمم المتحدة مغاير على ما يبدو لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية ومغاير لما تقول .إن بين المتظاهرين في الخارج , والد طفلين قتلا في قانا يحملونك مسؤولية المجزرة .ماذا تقول له؟" . فأجاب بيريز :"لم أر أي تقرير من الأمم المتحدة يدعم ما تقول ,الأمم المتحدة قامت بشيء لم يكن من واجبها القيام به ,أنا لم أعط الأوامر بالقصف ,ولم أرى أي تقرير من الأمم المتحدة يحمل إسرائيل المسؤولية."
وقف خلال محاضرة بيريز "حيدر البيطار" والد الطفلين عبد المحسن وهادي البيطار وسأل بيريز : "أنا والد طفلين استشهدا في قانا فلماذا أمرت بضرب مقر القوات الدولية هنالك وأنت تعلم بوجود (800) مدني لجأوا إلى المخيم ؟" فأجابه بيريز : "أنا لست قاتلاً ولا استمتع بقتل احد."
وهكذا اثبت كذب بيريز مقولة الفيلسوف الألماني شوبنهاور الذي قال : "إن اليهود أساتذة كبار في فن الكذب ." وزعم مجرم الحرب بيريز أن إسرائيل لم تفعل سوى ممارستها حقها في الدفاع عن النفس.
مضت السنون والأحداث واثبت أن بيريز شريك وفيّ لشارون سفاح صبرا وشاتيلا في الهولوكوست على مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس وبالأخص حارة الياسمينة.

- فما هي الحقيقة عن مسؤولية شمعون بيريز عن مجزرة قانا؟
في الساعة الثانية بعد ظهر 18 نيسان 1996 وفي خضم حرب " عناقيد الغضب " التي أشعلها بيريز على لبنان الشقيق إنهار وابل من القذائف الانشطارية على مقر قوات الطوارئ الدولية الذي يرفع علم الأمم المتحدة بعد أن لجأ إليه المئات من الأطفال والنساء والشيوخ لحمايته من وحشية الجيش الإسرائيلي وبربريته وتعطشه لسفك الدماء وقتل المدنيين الأبرياء , وبعد أقل من ربع ساعة تحول (107) منهم إلى أشلاء وجثث محترقة يصعب جداً تمييز أصحابها.


الأمم المتحدة :المجزرة متعمدة وليست خطأ تقنياً.
أجرى الجنرال فرانك فان كابين ,المستشار العسكري في الأمم المتحدة تحقيقاً رسمياً في موقع المجزرة ورفعه إلى الأمين العام للأمم المتحدة وجاء فيه" استحالة أن يكون قصف قاعدة اليونيفيل في قانا مجرد نتيجة خطأ تقني أو إجرائي فادح كما ادع ذلك مسؤولون في الجيش الإسرائيلي ." وأشار المستشار العسكري للأمم المتحدة في تقريره إلى احتمال أن يكون مسؤولون في الجيش الإسرائيلي هم في مركز من مستويات القيادة متورطين بإصدار الأوامر بقصف القاعدة التي كانوا يعلمون أنها تأوي المئات من المدنيين العزل. وأغضب نشر تقرير الأمم المتحدة إسرائيل وأزعج الولايات المتحدة الأمريكية.
كان الجيش الإسرائيلي يعلم علم اليقين بوجود مئات المدنيين في مقر الأمم المحتدة في قانا ولكن كبار ضباطه كعادتهم في الكذب وتشويه الحقائق أعلنوا أنهم أخطئوا بالتصويب لعدم وجود طائرة استطلاع بدون طيار لتصويب أهداف المدفعية بدقة. ولكن أحد عناصر القوات الدولية أظهر شريطاً للفيديو يبين بوضوح القذائف الإسرائيلية وهي تنفجر في الوقت نفسه الذي كانت تحلق فيه طائرة استطلاع إسرائيلية في الجو . وأعلن بيريز ,رئيس الوزراء آنذاك أن الجيش الإسرائيلي لم يكن على علم بوجود مدنيين في مركز الأمم المتحدة إلا أن موشعي ايلون ,رئيس الاستخبارات العسكرية قال أن ضباطه علموا بوجود المدنيين في المركز.
مارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً هائلة على الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي لعدم نشر التقرير عن المجزرة ,ولكن الأمين العام أصر على نشر التقرير ,وكشف التقرير الدولي بجلاء علم إسرائيل بوجود المدنيين في المقر وأن الجيش الإسرائيلي دمره عن عمد وليس عن طريق الخطأ وبالتالي يظهر بجلاء احتراف إسرائيل الكذب والتبريرات.والإبادة الجماعية والعراقة في الإجرام وفي الكذب للتغطية على المجازر التي ترتكبها.
وتندرج مجزرة قانا الوحشية التي يتحمل مسؤوليتها بيريز في إطار استمرار إسرائيل بارتكاب الإبادة الجماعية تجاه المدنيين العرب العزل تماماً كما فعل مجرم الحرب شارون و بيريز في قرية قبية وفي صبرا وشاتيلا و مخيم جنين إذ قتلوا المئات من الفلسطينيين وحولوا المخيم إلى ركام ومقابر جماعية ونقلوا عشرات الجثث في شاحنات إلى مقابر سرية خارج المخيم ومنع المجرمون اليهود الصحفيين من دخول المخيم فترة طويلة من الزمن .وهكذا يظهر بجلاء أن الهولوكوست أي الإبادة الجماعية سياسة رسمية دائمة لإسرائيل منذ تأسيسها وحتى اليوم وجزء لا يجزأ من العقيدة التي دونها كتبة التوراة والتلمود وبروتوكولات حكماء صهيون للسيطرة على الوطن العربي من النيل إلى الفرات وللسيطرة على العالم . وأصبحت جوهر الأيديولوجية اليهودية وسياسة رسمية دائمة للكيان الصهيوني في التعامل مع الشعب العربي الفلسطيني وبقية أبناء الأمة العربية.
أكد تقرير الأمم المتحدة أن قرار قصف المدفعية لمقر القوات الدولية تم بناء على أذن من القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي.

التربية الإرهابية والعنصرية للجيش الإسرائيلي
نشرت مجلة كول هاعير الإسرائيلية مقابلة مع خمس جنود شاركوا في مجزرة قانا وتدمير مقر الأمم المتحدة أظهرت التربية الإرهابية والعنصرية وحب سفك الدماء وقتل العرب وإبادتهم المتغلغلة في أوساط الجنود والضباط في الجيش الإسرائيلي.وأكدوا الخمسة أنهم غير آسفين على ارتكاب مجزرة قانا ,قائلين أن القتلى ليسوا إلا مجموعة من العرب ( الأوباش) .وبالتالي ظهر بجلاء أن الجيش الإسرائيلي وحش يعيش على سفك الدم العربي ويقتات من لحم الأطفال ,وهو جيش همجي وعنصري واستعماري وإرهابي لا يعيش إلا بالدم وعلى الدم وغذاؤه الطبيعي اللحم العربي. صرح جندي اشترك في ارتكاب المذبحة للمجلة المذكورة أن آمر المدفعية الذي قصفت مجموعته قانا قد قال لعناصره بعد دقائق من قصف المقرر الدولي أنه سواء زاد العرب أم نقصوا واحداً فالأمر سيان , وأضاف الجندي أن آمر مربض المدفعية قال لنا "أننا رماة ماهرون وعلينا أن نبقى كذلك وإن هناك ملايين من العرب على أي حال " . وقال جندي آخر للمجلة أن قائد الموقع قال لنا " أننا قمنا بواجبنا و أننا ممتازون وأن الأمر لا يتعلق بأكثر من عرابوشيم ( تعبير عبري عنصري يقصد منه إهانة العرب ) واعترف ضباط الجيش الإسرائيلي بأنهم تعمدوا قتل المزيد من المدنيين وتدمير المزيد من البنى الاقتصادية في لبنان لتحقيق أهداف حرب عناقيد الغضب وقهر إرادة الشعب اللبناني وإملاء الشروط على حكومته.

الرئيس الأمريكي عاقب الأمين العام للأمم المتحدة لنشره التقرير الأممي
اعترف بيريز في خضم الجدل حول مسؤولية الجيش وضباطه عن المجزرة وتحمل علناً وبوقاحة منقطعة النظير المسؤولية عنها وشن في الوقت نفسه هجوماً عنيفاً على الأمم المتحدة لنشرها التقرير الذي أظهر مسؤولية إسرائيل الكاملة عن ارتكابها, وحملت إسرائيل شهداء مجزرة قانا مسؤولية "جريمة" وجودهم داخل مقر القوات .
وعاقب الرئيس الأمريكي "بيل كلنتون" الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي على عصيانه تنفيذ أوامره بعدم نشر التقرير ورفض إعادة انتخابه مرة ثانية وأبعده عن رئاسة المنظمة الدولية لإرضاء اللوبي اليهودي وأعلن أيضاً بوقاحة منقطعة النظير أنها " خطأ من نوع الأخطاء التي تحصل دائماً في أيام الحروب وليست عملاً متعمداً كما ورد في تقرير الأمم المتحدة " وبرر الرئيس الأمريكي كلنتون مجزرة قانا وحرب عناقيد الغضب تماماً كما فعل الرئيس بوش وبرر الهولوكوست على الشعب الفلسطيني وقال كلنتون :" أن للإسرائيليين الحق في الدفاع عن أنفسهم ".
وهكذا يظهر كذب ونفاق رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية بالتشدق في احترام حقوق الإنسان ومبادئ وقرارات الشرعية الدولية ,وتظهر ازدواجية المعايير لديهم عندما يتعرض العرب للإبادة الجماعية, ويظهر الموقف الإسرائيلي كعادة اليهود بالكذب والتضليل بالإصرار على الكذب والاستهتار بالبشرية جمعاء.

مجزرة قانا أكثر وحشية من المجازر النازية
تفوق فظاعة وهمجية ووحشية مجزرة قانا فظاعة ووحشية أي مذبحة جماعية ارتكبت في أية بقعة من بقاع العالم وبشكل خاص تفوق جرائم النازية في أوروبا . فالمجزرة ارتكبها الجيش الإسرائيلي بأحدث القنابل الانشطارية عن سابق عمد وتصميم ضد أطفال ونساء وشيوخ هربوا من جحيم حرب إسرائيل العدوانية على وطنهم لبنان ولجأوا إلى مقر القوات الدولية .وارتكبت إسرائيل المجزرة في ظل وجود العديد من العهود والمواثيق و الاتفاقات الدولية التي تحرم الإبادة الجماعية وتعاقب عليها وتعتبرها من أفظع الجرائم ضد الإنسانية , ولم تكن موجودة إبان النازية وارتكبت مجزرة قانا بعد اعتماد العرب في قمة فاس الثانية وفي مؤتمر مدريد السلام كإستراتيجية وبعد أن وقعت مصر والقيادة الفلسطينية والأردن اتفاقات الإذعان في كمب ديفيد و أوسلو ووادي عربة. وأثبتت المجزرة والمجازر الجماعية التي قبلها أن إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية للعرب كسياسة رسمية ودائمة ومستمرة ومهما وقع العرب معها من اتفاقيات ومعاهدات .
وجاء الدفاع الأمريكي عن المجزرة وصمت دول الإتحاد الأوروبي ليشجع إسرائيل على المضي في الإبادة الجماعية للعرب. وأعتبر الصمت الدولي على المجزرة لطخة عار في جبين الدول الغربية التي تتشدق بالحضارة وحقوق الإنسان.فمذبحة قانا توجب وتفرض الشجب والإدانة والاستنكار والعقاب وتندرج في إطار الهولوكوست الإسرائيلي تجاه العرب والإرهاب الرسمي المنظم تجاه المدنيين العزل , مما يذكرّ بجريمة الإرهابي إسحاق شامير الذي اغتال وسيط الأمم المتحدة الكونت برنادوت .
إن مجزرة قانا لم تكن مجرد صدفة أو مجرد خطأ تقني في تحديد الهدف أو جهل في معرفة المتواجدين فيه وإنما جريمة نكراء خطط لها الجيش الإسرائيلي بموافقة رئيس الوزراء شمعون بيريز, وبالتالي فهي جريمة تتحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عنها وتقضي وجوب محاكمة بيريز ومحاكمة الضباط والجنود الذين نفذوها أمام المحكمة الجنائية الدولية لمجرمي الحرب وإجبار إسرائيل على دفع التعويضات لعائلات الضحايا والحكومة اللبنانية أسوة بمبادئ التعويضات التي ترسخت في اتفاقية التعويضات الألمانية ليهود العالم ولإسرائيل .و تبين أن" رجل السلام "شمعون بيريز لا يقل وحشية عن أسلافه السفاحين الإسرائيليين ديان و رابين و بيغن و شارون وباراك ,و تعتبر مجزرة قانا من أبشع جرائم الحرب وأكثر وحشية وهمجية من جرائم الحرب النازية.
إن المجتمع الدولي الذي عاقب النازيين على جرائمهم لا يجوز أبداً أن يكيل بمكيالين ولا يعاقب قادة إسرائيل والجيش الإسرائيلي على جرائمهم تجاه العرب , بل يجب أن يعاقبهم تماماً كما عاقب النازيين على مكانة المفاهيم والمبادئ التي ترسخت في العهود والمواثيق الدولية.
أننا لن نرتاح ولن يهدأ لنا ضمير إلا بمحاكمة الذين خططوا ونفذوا مجزرة قانا والانتقام منهم على جريمتهم النكراء وإجبار إسرائيل على عدم تكرار مثلها وإلزامها بدفع التعويضات إلى عائلات الضحايا. أكدت مجزرة قانا مجدداً أن إسرائيل هي العدو الأساسي للعرب و المسلمين بالأمس واليوم وغداً وما دامت موجودة , لأنها سرطان خبيث في جسد الأمة العربية والإسلامية والإنسانية جمعاء.