تعديل الميثاق الفلسطيني
منذ فترة طويلة أصبحت مقل في المتابعة لأسباب كثيرة ولكني الليلة فتحت صفحة (الدراسات الإسرائيلية)، وبعد إطلاعي على مقالة الدكتور غازي حسين عن الميثاق الفلسطيني رأيت أن أنشر هذه المشاركة وهي في الأصل كانت سبباً في تغيير موقفي وتوجهاتي عامي 1978-1979 أثناء الدراسة الجامعية وكانت جزءمن فصل في رسالة ماجستير عام 1997 لم تناقش كمثيلات سابقة لها كانت بعنوان "الآثار السياسية والاقتصادية للسوق الشرق أوسطية على دول المنطقة"، وأخيراً هي جزء من بحث منشور في مجلة محكمة عام 2005 بعد أن قررت حركة حماس المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2006. سبق القول: أن مؤتمر القمة العربي الأول وافق على إنشاء كيان فلسطيني مستقل في يناير 1964، وصدر قراره بتكليف (أحمد الشقيري) الاتصال بالدول الأعضاء والجماهير الفلسطينية من اجل الوصول إلى القواعد السليمة لتنظيم الجماهير الفلسطينية وتمكينها من القيام بدورها وتحرير وطنها وتقرير مصيرها، وقد استطاع أحمد الشقيري عقد المؤتمر التأسيسي للمجلس الوطني الفلسطيني في 28/5/1964 في القدس، وتم الموافقة فيه على إعلان منظمة التحرير الفلسطينية، والمصادقة على الميثاق القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية.مصطفى إنشاصيومن المعروف أن الميثاق القومي الفلسطيني يعود تاريخه إلى أغسطس/آب 1922، الذي جاء رداً على قرار عصبة الأمم المتحدة بإعلان الاحتلال (الانتداب) البريطاني على فلسطين، وربط (وعد بلفور) بصك الاحتلال (الانتداب). وقد تمسكت الحركة الوطنية الفلسطينية بهذا الميثاق طوال فترة جهادها ضد الاحتلال البريطاني، وبعد عام 1948 أيضاً استمر التمسك بالميثاق والتأكيد على ما جاء فيه من: اعتبار فلسطين وشعبها جزءً من الأرض العربية والأمة العربية. ورفض القبول بكيان العدو الصهيوني المغتصب لوطننا، وجاء الميثاق القومي الفلسطيني الذي أعده أحمد الشقيري ليدل على وعي استراتيجي عميق وفهم للظرف الذاتي والعامل الموضوعي، حينما قال في الخطاب الافتتاحي: "إننا نحن أهل فلسطين نرفض السير في أي طريق إلا طريق الكفاح والسلاح.. إن قضية فلسطين ليس لها حل سياسي أو دبلوماسي وليس لها حل في الأمم المتحدة ولا في المحافل الدولية الأخرى. إن قضية فلسطين، لا تحل إلا في فلسطين. ولا تحل في فلسطين إلا بالكفاح والسلاح. ولا تحل في فلسطين إلا بتعبئة الأمة العربية حكومات وشعوباً وفي مقدمتها شعب فلسطين". وفي دورته الثالثة التي عقدت في غزة بين 20-24/5/1966، قرر المجلس تعديل (المادة 22) من النظام الأساسي للمنظمة بحيث تصبح: "تنشئ منظمة التحرير الفلسطينية جيشاً من أبناء فلسطين يعرف بجيش التحرير الفلسطيني وتكون له قيادة مستقلة وواجبه القومي أن يكون الطليعة في خوض معركة تحرير فلسطين"[i]. لقد حددت مهمة جيش التحرير في ظل الفهم القومي للقضية، ودور الجماهير الفلسطينية كطليعة، لا في ظل الفهم الوطني الضيق كما سيأتي معنا. وفي كانون الأول 1967 تقدم أحمد الشقيري باستقالته إلى الجماهير الفلسطينية من رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية، فاجتمعت اللجنة التنفيذية واختارت عضو اللجنة "يحيى حمودة"، نائباً لرئيس اللجنة التنفيذية. وأصدرت بياناً في 25/12/1967 "أعلنت فيه أنها ستعمل بالتعاون مع جميع القوى الفلسطينية المقاتلة على إقامة مجلس وطني لمنظمة التحرير تنبثق عنه قيادة جماعية مسئولة تعمل على تصعيد النضال المسلح وتوحيده وتحقيق الوحدة الوطنية، وتعبئة الجهود القومية، وتطوير أجهزة المنظمة بما تتطلبه المرحلة الراهنة". بحث الفصائل عن الشرعيةالميثاق القومي
بعد انطلاق حركة فتح وفصائل فلسطينية أخرى حاملة شعلة الثورة، ورافعة لواء المقاومة والكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني عبر حدود بعض الدول العربية وخاصة الأردن بعد عام 1967، أصبح هناك سلطتان فلسطينيتان، سلطة شكلية وتمثلها منظمة التحرير، وسلطة شرعية تمثلها المقاومة، وذلك ما أقلق الدول العربية وجعلها تعمل جهدها كي تنضم هذه الفصائل إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وخاصة حركة فتح، التي كان البعض فيها كما ذكر (أبو إياد) "يخشى على الحركة أن تنالها البيروقراطية وأن يضعف نقاؤها الثوري نتيجة ذلك". ويعترف في نهاية كتابه أن هؤلاء كانوا على حق. وقد استطاع الرئيس جمال عبد الناصر إقناع حركة فتح وفصائل المقاومة الأخرى بالدخول في منظمة التحرير الفلسطينية والمشاركة في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة في الفترة ما بين 10/7/1968 إلى 17/7/1968، وفي هذه الدورة أكد المجلس على أن حقيقة القضية الفلسطينية أنها قضية تحرير، وأن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، واتخذ المجلس عدة قرارات بهذا الشأن أهمها: شجب الكيان المزيف
"2- شجب الكيان الفلسطيني المزيف: حذر المجلس في مقرراته من الدعوات المشبوهة لإنشاء كيان فلسطين مزيف يقوم على أساس إعطاء الشرعية والديمومة لـلعدو الصهيوني، الأمر الذي يتنافى كلياً مع حق الشعب العربي الفلسطيني في كامل وطنه فلسطين وذكرت قرارات المجلس الوطني أن مثل هذا الكيان المزيف هو في حقيقة حاله "مستعمرة إسرائيلية" تصفى القضية الفلسطينية تصفية نهائية لمصلحة العدو الصهيوني، وهو في الوقت نفسه مرحلة مؤقتة تتمكن فيها الصهيونية من التمهيد لدمج هذا الكيان دمجاً كاملاً في الكيان "الإسرائيلي". هذا بالإضافة إلى خلق إدارة عربية فلسطينية عميلة في الأراضي المحتلة، وشجب المجلس الوطني فكرة الكيان الفلسطيني المزيف في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد الخامس من حزيران 1967 شجباً مطلقاً. وأعلن أن أي فرد أو جهة عربية فلسطينية أو غير فلسطينية تدعو لهذا أو تؤيده هي عدو للشعب العربي الفلسطيني وللأمة العربية". كما أن المجلس اتخذ عدة قرارات سياسية على الصعيد الفلسطيني والعربي والدولي قرر: "عن قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في 22/11/1967 مرفوض لعدة أسباب منها أن القرار يضمن إنهاء حالة الحرب بين الدول العربية والعدو الصهيوني، ويترتب على ذلك فتح الممرات العربية المائية للملاحة (الإسرائيلية) والتزام الدول العربية بإنهاء المقاطعة العربية لـ(إسرائيل) وفتح الباب لغزو المنتجات (الإسرائيلية) جميع الأسواق العربية، ويتضمن القرار إقامة حدود آمنة ومتفق عليها مع (إسرائيل). وهذا ينطوي على الاعتراف الواقعي بها مما يتناقض وحق الشعب العربي الفلسطيني المطلق بكامل وطنه. وأكد المجلس أن الثورة الفلسطينية جزء من الثورة العالمية على الاستعمار والإمبريالية الأمريكية بشكل خاص". تعديل الميثاق ودور الجيش
وفي دورة المجلس الوطني الفلسطيني الخامسة التي عقدت ما بين 1- 4 شباط/فبراير 1969 كانت حركة فتح قد أمنت لنفسها الأغلبية المطلقة في مقاعد المجلس الوطني، وكفلت بذلك لنفسها قيادة منظمة التحرير، وتوجيهها الوجهة التي تريد، على حد ما ذكره أبو إياد في كتابه "فلسطيني بلا هوية". وقد تم في هذه الدورة اختيار الشهيد ياسر عرفات رئيساً لمنظمة التحرير، واللجنة التنفيذية. كما أنه تم في هذه الدورة اتخاذ عدة قرارات يمكن اعتبارها بداية التأسيس للانحراف والتراجع في المستقبل عن المسار الصحيح لما كان يجب أن تسير عليه قرارات المجالس الوطنية الفلسطينية، بدءاً من تغيير اسم الميثاق، إلى حذف، وتعديل، وإضافة مواد جديدة فيه. فقد قرر المجلس على صعيد النظام الأساسي والتعديلات القانونية أن يتم تعديل المادة الخاصة: 1- بشان جيش التحرير، بعد أن كان قرار إنشائه السابق ينص على: "وتكون له قيادة مستقلة وواجبه القومي أن يكون الطليعة في خوض معركة تحرير فلسطين". أي دوره يدل على وعيه بحدود قدرته، وبأبعاد القضية، ودور ومسؤولية الجيوش العربية. عدل المجلس النظام الأساسي بحيث يصبح: "وتكون له قيادة مستقلة تعمل تحت إشراف اللجنة التنفيذية وتنفذ تعليماتها وقراراتها الخاصة والعامة". لقد بدأ بالتأكيد على الأنا والهوية القطرية وفصلها عن بعدها القومي، والانفراد بالسلطة والسيطرة عليه، تمهيداً ليصبح عليه وحده في المستقبل عبئ تحرير فلسطين. وهذا الانحراف بالجيش عن الدور الذي حدده له المجلس سابقاً والذي كان نابعاً من إدراك واعي لأبعاد المعركة مع العدو الصهيوني، كان تمهيداً لإبعاد الجيش عن أداء دوره الطليعي وإبعاده عن معركته الحقيقة، والسيطرة عليه وإدخاله في المستقبل في معارك فلسطينية-فلسطينية، أو فلسطينية-عربية، بدعوى الحفاظ على القرار الزطني الفلسطيني المستقل، الذي أكده الميثاق الجديد. "3- أما بشأن الميثاق ذاته: فقد "قرر المجلس الوطني تغيير اسم الميثاق(*) ليصبح "الميثاق الوطني الفلسطيني" بدلاً من الميثاق القومي الفلسطيني لأن كلمة "الوطني" تنصرف إلى الشعب العربي الفلسطيني في حين أن كلمة "القومي" تنصرف إلى الأمة العربية. والميثاق هو للشعب الفلسطيني وليس لجميع الأمة العربية، وعدل المجلس كثيراً من مواد الميثاق الأصلي وحذف بعضها وأضاف إليها مواد أخرى". لقد كان لهذا التغيير دلالته الخطيرة التي كان يجب التنبه إليها منذ ذلك التاريخ، وهي السير بالقضية العربية المركزية –حسب المفهوم القومي- نحو القطرية، والذاتية الفلسطينية والتدرج إلى أن تصل إلى درجة الشوفينية والتعصب الوطني والقطري الذي جلب على القضية الكثير من الكوارث من الأردن إلى أوسلو، وكان سبباً في كثير من الحروب والدماء التي سالت في معارك جانبية مع الأخوة الفلسطينيين والأشقاء العرب، ومهد هذا إلى تحجيم القضية المركزية للأمة، وسهل على الدول العربية التخلص من التزاماتها ومسئوليتها القومية اتجاه القضية المركزية للأمة، وترك مسؤولية تحرير الأراضي أو استعادتها وفق ما تراه منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للجماهير الفلسطينية، كما قرر ذلك مؤتمر القمة العربي السابعة عام 1974. وقد كان أهم ما تم تغييره في الميثاق بعد الاسم، عبارة في المادة (21) من الميثاق القومي توحي بعدم قبول التسويات، حذفت من المادة (24) في الميثاق الوطني، التي قابلت المادة (21) وهي: "... ويؤيد الجميع المساعي الدولية التي تهدف إلى إقرار السلم على أساس الحق والتعاون الدولي". كما أن الميثاق الوطني الجديد قد أكد على ما أكد عليه الميثاق القومي منذ عام 1922، مع إضافات جديدة تتناسب ومتطلبات المرحلة الجديدة، وكلها تؤكد وحدة التراب الفلسطيني، وتُصر على التحرير لكامل التراب، وترفض كل الحلول السلمية والكيانات الفلسطينية المزيفة وغيرها. إلى هذه الدورة لم يكن هناك خطر في التغييرات التي حدثت على اسم الميثاق أو غيره من المواد، ولكن ما أن عقدت الدورة السادسة في القاهرة ما بين 1و6/9/1969، حتى اتخذت قرارات ذات أبعاد خطيرة على مستقبل ودور جيش التحرير الفلسطيني. فقد قرر المجلس في الناحية العسكرية: "- تكليف اللجنة التنفيذية متابعة بذل الجهود اللازمة لجعل جيش التحرير الفلسطيني حر الإرادة والقيادة بعيداً عن أية قيود عربية (تمهيداً لضمه لفتح بعد أن كان جزء من جيش كل دولة من الدول العربية بقيادة مستقلة). - تعمل اللجنة التنفيذية على إعداد جيش التحرير الفلسطيني ليكون النواة الرئيسة لجيش التحرير الوطني للثورة الفلسطينية، وذلك بزيادة حجمه ورفع مستوى تدريبه وتحسين نوعية السلاح".
[i]وثائق فلسطين، مرجع سابق، ص357.
(*) علماً أنه سيتم التغيير في الميثاق بعد ذلك مرتين أو أكثر، إلى أن يتم إلغاءه تماماً عام 1989 وليس عام 1996.