للأجيال القادمة كي لا تنسى للتعميم والنشر
الأمم المتحدة واعتبار المستعمرات لاغية وباطلة
د.غازي حسين
تنظر الولايات المتحدة الأميركية إلى ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي بازدواجية وتكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين وبشكل خاص في قضية فلسطين فتتغاضى عن الحق والعدالة وحقوق الإنسان فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني وتدعم سياسة إسرائيل الاستعمارية والإرهابية والعنصرية منتهكة بذلك أهم العهود والمواثيق الدولية.
قدمت اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان لسكان الأراضي المحتلة تقريرها لعام 1982 رقم أ /37/ 458 إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وجاء فيه:
"إن الانتهاك المستمر لحقوق الإنسان ناجم عن احتلال عسكري دام 15 سنة واتباع سياسة استعمار وضم الأراضي المحتلة. ولا يمكن للشعب الفلسطيني وكذلك الشعب السوري الرازحين تحت الاحتلال أن يتوقعا التمتع بحقوقهما الأساسية ما داما محرومين من حق تقرير المصير...
ولذلك فمن المهم أن يعترف المجتمع الدولي بأن انتهاك حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة لن يتوقف إلا عندما يسمح للشعب الفلسطيني بالتمتع بحقه في تقرير المصير. ولن يتمكن المواطنون السوريون في مرتفعات الجولان الواقعون تحت الاحتلال من ضمان حقوقهم حتى يعاد إدماج أراضيهم في الأراضي السورية..
وتلاحظ اللجنة الخاصة وجود اتجاه متزايد إلى تعزيز المستوطنات التي تم إنشاؤها بالفعل، لا سيما تلك الموجودة في مناطق تعتبر مكتظة بالسكان الفلسطينيين، كما في المناطق المحيطة بمدن الخليل ورام الله. وقد انتهت اللجنة إلى أن التعلل بالأمن دعماً لسياسة الضم والاستيطان ليس له مبرر". 94
وبحثت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في الدورة الثانية والأربعين التي عقدتها في الفترة الواقعة ما بين 3 شباط إلى 14 آذار 1986 مسألة انتهاك حقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة، بما فيها فلسطين، واعتمدت قرارين القرار الأول (1986 /1 ـ أ) أكدت فيه اللجنة من جديد أن الاحتلال ذاته يشكل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان للسكان المدنيين في الأراضي العربية المحتلة، وأكدت قلقها العميق لسياسة إسرائيل في الأراضي المحتلة القائمة على "عقيدة الوطن"، اليهودي، دولة ذات دين واحد، وكررت اللجنة بشدة إدانتها ورفضها قرار إسرائيل بضم القدس، وتغيير الطابع العمراني والتركيب السكاني، والهيكل أو الوضع المؤسسي للأراضي المحتلة، بما فيها القدس، واعتبرت كل هذه التدابير وما ينجم عنها لاغياً وباطلاً.
وأدانت اللجنة في القرار الثاني (1986 /باء) إسرائيل لعدم اعترافها بانطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي التي تحتلها منذ عام 1967، بما فيها القدس، كما أدانت بشدة سياساتها القائمة على إساءة معاملة المعتقلين والسجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية وتعذيبهم.
وتلبية لقرار مجلس الأمن رقم 605 عام 1987 بعث الأمين العام للأمم المتحدة ممثله ماراك غولدنغ لزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة ودراسة الوضع على الأرض.
وقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره إلى مجلس الأمن بناء على التقرير الذي رفعه غولدنغ جاء فيه:
"قال إن الفلسطينيين الذين تشاور معهم وكيل الأمين العام للأمم المتحدة يرفضون الاحتلال الإسرائيلي واشتكوا بمرارة من ممارسات قوات الأمن الإسرائيلية (الجيش الإسرائيلي وشرطة الحدود والشرطة المدنية ودوائر الأمن المعروفة باسم شين بيت) كذلك تكررت الشكوى (ضد مسؤولين في الإدارة المدنية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة) من معاملة الفلسطينيين باحتقار وصلف ويبدو أنهما متعمدان بقصد إذلالهم والحط من كرامتهم كبشر. وقدمت أيضاً شكاوى متعلقة بممارسة العنف بصورة روتينية في مراكز الاحتجاز، فضلاً عن نظام الحجز الإداري وقيل إن الغرض من الاستجواب هو في العادة انتزاع اعتراف لاستخدامه في الإجراءات اللاحقة أمام المحاكم العسكرية، وإن دوائر الأمن تستخدم ضغوطاً بدئية وتعسفية شديدة لتحقيق هذا الغرض" 95.
ويتسم التقرير بمنتهى الاعتدال خشية من إثارة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، لأن الحقيقة والواقع اليومي في الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر من ذلك بكثير.
واقترح الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره لمجلس الأمن الدولي
في الفقرة 27 قائلاً: "ولذلك فإن انجح السبل، ريثما يتم التوصل إلى تسوية سياسية، لكفالة سلامة وحماية السكان المدنيين في الأراضي المحتلة هو أن تطبق إسرائيل "أحكام اتفاقية جنيف الرابعة تطبيقاً كاملاً."
وتابعت لجنة حقوق الإنسان في عام 1988 تركيز اهتمامها على انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة، وقدمت تقريراً إلى دورتها الرابعة والأربعين التي انعقدت في الفترة الواقعة ما بين 1 شباط إلى 11 آذار 1988.
واتخذت قرارين "حول انتهاك حقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة بما فيها فلسطين". أكدت لجنة حقوق الإنسان في القرار 1988 /1 ألف من جديد إدانتها الشديدة لسياسة العنف الجسدي التي تتبعها إسرائيل في الأراضي المحتلة والمتمثلة في تكسير عظام الأطفال والنساء والرجال والتسبب في إجهاض النساء نتيجة الضرب المبرح. وأدانت قتل آلاف الفلسطينيين وجرحهم واعتقالهم وتعذيبهم.
ورفضت بشدة قرار إسرائيل بضم القدس، وحثت إسرائيل على الامتناع عن السياسات والممارسات التي تنتهك حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، وطلبت اللجنة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي أن يوصي مجلس الأمن بأن يتخذ ضد إسرائيل التدابير المشار إليها في الفصل السابع من الميثاق لاستمرارها في انتهاك حقوق الإنسان العربي.
عقدت اللجنة الخاصة المعنية بانتهاك حقوق الإنسان في الأراضي العربية المحتلة في شهري أيار وحزيران عام 1988 سلسلة من الاجتماعات في جنيف ودمشق وعمان والقاهرة. ورفعت تقريرها إلى الأمين العام للأمم المتحدة أكدت فيه أن استمرار سياسة الضم والاستيطان والإذلال والآلام نجمت عن مثل هذه السياسة، وسياسة القبضة الحديدية منذ عام 1985 والأحداث المروعة التي وقعت منذ كانون أول 1987 أدت إلى اندلاع الانتفاضة.
تقول اللجنة في تقريرها إن الاحتلال في حد ذاته يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان، وإن إنشاء المستعمرات في الأراضي المحتلة ونقل مدنيين إسرائيليين إليها عملية ضم، وهذا الموقف يشكل انتهاكاً صارخاً للالتزامات الدولية التي تلتزم بها إسرائيل بوصفها دولة طرفاً في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949.
وتحدث التقرير عن التوسع في فرض العقوبات الجماعية وتكثيفها واللجوء إلى أشكال جديدة من الانتقام الجماعي، مثل الجزاءات الاقتصادية، وهدم المنازل على نطاق لم يسبق له نظير، واستخدام حظر التجول بصورة منتظمة ولفترات طويلة مما أسفر عن نقص في الوقود والأغذية وتم اللجوء إلى حظر التجول وعزل المناطق المحلية أو الإعلان عن المناطق المحتلة بكاملها مناطق عسكرية مغلقة، وتأثرت حرية العبادة وكذلك حرية التعبير من جراء حظر توزيع الصحف إصدار أوامر إدارية لحجز الصحفيين وإعلان مناطق مختلفة كمناطق عسكرية مغلقة في وجه التغطية الصحفية وإغلاق وكالات الأنباء والصحف وإغلاق جميع الجامعات في الأراضي المحتلة مما أدى إلى ضياع السنة الدراسية بكاملها.
وطبقت عقوبات اقتصادية قاسية كقطع الماء والكهرباء وعدم السماح بإدخال الأموال إلى الأراضي المحتلة وقطع الاتصالات الهاتفية والإبعاد والنفي من الأراضي المحتلة مما يشكل انتهاكاً للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أن عمليات النقل القسري للأفراد أو الجماعات من أرض محتلة أمر محظور بغض النظر عن دوافعها" 96
وفي السادس من كانون أول 1988 اتخذت الجمعية العامة بناء على توصيات اللجنة السياسية الخاصة سبعة قرارات تتصل بتقرير اللجنة الخاصة المعنية بانتهاك حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة. وأكدت في القرار الأول رقم 43 /58 ألف أن الاحتلال في حد ذاته يشكل انتهاكاً جسيماً لحقوق الإنسان للسكان المدنيين في الأراضي العربية المحتلة. وأكدت من جديد أيضاً أن الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والأراضي العربية الأخرى هو ذو طابع مؤقت وبالتالي لا يعطي السلطة القائمة بالاحتلال أي حق كاف في المساس بالسلامة الإقليمية للأراضي المحتلة.
وأدانت الجمعية العامة بقوة السياسات والممارسات الإسرائيلية، بما فيها إقامة مستوطنات جديدة وتوسيع المستوطنات القائمة في الأراضي العربية، وإخراج سكان الأراضي المحتلة العرب وترحيلهم وطردهم وتشريدهم ونقلهم ثم حرمانهم من حقهم في العودة والتدخل في نظام التعليم وفي التنمية الاجتماعية والاقتصادية والصحية للسكان في الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة الأخرى.
وطالبت إسرائيل بأن تتخذ خطوات فورية لعودة جميع السكان العرب والفلسطينيين المشردين إلى ديارهم أو أماكن إقامتهم السابقة في الأراضي التي تحتلها منذ عام 1967.
وأكدت الهيئة العامة في القرار 43 /58 باء انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، وطالبتهما بأن تعترف بها وتتقيد بأحكامها وصوت على هذه الفقرة (148) مقابل صوت معارض واحد (إسرائيل) وامتناع أربعة أعضاء عن التصويت منهم الولايات المتحدة الأميركية.
وقررت الهيئة العامة للأمم المتحدة في القرار 43 /58 جيم أن التدابير والإجراءات التي اتخذتها إسرائيل وترمي إلى تغيير المركز القانوني والطبيعة الجغرافية والتكوين الديمغرافي للأراضي المحتلة، انتهاك لاتفاقية جنيف الرابعة وتشكل عائقاً خطيراً أمام الجهود الرامية إلى تحقيق السلام في الشرق الأوسط وطالبت بأن تتقيد إسرائيل بدقة بالتزاماتها الدولية وفقاً لمبادئ القانون الدولي وأحكام اتفاقية جنيف وصوت لصالح القرار 149 وعارضته "إسرائيل" وحدها وامتنعت ليبريا والولايات المتحدة الأميركية عن التصويت.
وأعربت الجمعية العامة في القرار 43 /58 دال عن استيائها من قيام إسرائيل باحتجاز آلاف الفلسطينيين أو سجنهم بشكل تعسفي وطالبت بالإفراج عنهم. وأيد القرار 150 دولة وعارضه الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
وشجبت الجمعية العامة استمرار "إسرائيل" في تجاهل قرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة ذات الصلة، وطالبت "إسرائيل" بإلغاء التدابير غير القانونية التي اتخذتها بإبعاد كثير من الفلسطينيين وأيد القرار 152 عضواً وعارضته إسرائيل فقط بينما امتنعت الولايات المتحدة الأميركية عن التصويت.
وأدان القرار 43 /58 واو إصرار إسرائيل على تغيير الطابع العمراني والتكوين الديمغرافي والهيكل المؤسسي والمركز القانوني للجولان العربي السوري المحتل. وأعلنت الجمعية العامة أن جميع التدابير التي اتخذتها "إسرائيل" لاغية وباطلة وتشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولاتفاقية جنيف وأيد القرار 149 دولة عارضته إسرائيل وحدها بينما امتنعت الولايات المتحدة الأميركية وزائير وليبريا عن التصويت.
وأظهرت نتائج التصويت في الأمم المتحدة أن جميع دول العالم تقف في كفة، بينما تقف "إسرائيل" والولايات المتحدة في الكفة الأخرى، وتنظر الولايات المتحدة لقرارات الأمم المتحدة بالمنظار الإسرائيلي، وتؤيد ممارسة "إسرائيل" للإرهاب والإبادة والعنصرية والاستعمار الاستيطاني كسياسة رسمية.
وفي 26 تشرين الأول 1988 وافقت الجمعية العامة في دورتها السنوية على طلب المجموعة العربية بعقد جلسة خاصة بشأن الانتفاضة أثناء النظر في تقرير اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية. وعقدت اللجنة الاجتماع في الثالث من تشرين الثاني عام 1988 وتحدث فيها رئيس اللجنة الخاصة وقال إن الأمم المتحدة تعتبر حيازة الأراضي عن طريق الحرب عملاً غير شرعي، وهذا يتطلب من إسرائيل أن تنسحب من الأراضي التي احتلتها نتيجة للحرب، كما أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي يشكل انتهاكاً لحقوق السكان العرب غير القابلة للتصرف. وأعلن أن إسرائيل تجاهلت اتفاقية جنيف الرابعة.
وفي ختام المناقشات اتخذت الجمعية العامة قراراً بشأن الانتفاضة أدانت فيه انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وطالبت إسرائيل بتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين في وقت الحرب، وأيد القرار (130) دولة وعارضته الولايات المتحدة وإسرائيل فقط وامتنع 16 عضواً عن التصويت.