زيَارَةٌ خَاصةٌ
... وأخيراً تم إشعارهم، بعد طول انتظار ونفاد صبر، بأن من وعدوهم بالعودة مرة ثانية لتفقد أحوالهم من جديد على وشك الوصول إلى قريتهم النائية، وأشيع بينهم أن زائريهم يحملون إليهم بدل البشرى بشارات كثيرة، لإعادة البسمة إلى ثغورهم، وإسكان الفرحة في قلوبهم، وتناهى إلى أسماعهم أن غير قليل من الهدايا الثمينة في طريقها إليهم مسرعة، وأن سائر ما سيشهدونه في يومهم هذا ستقر به أعينهم، وسيثلج صدورهم، وكفى بغيرة جميع الأيام الماضية منه حجة ودليلاً، ويكفي بالحسد المرتقب من الأيام القادمة له شاهداً وعلامة مشيرة ...
لم يطق أكثرهم البقاء حيث هم، فاندفعوا فرادى ومثنى وجماعات إلى مشارف قريتهم الصغيرة، ثم وقفوا منتبهين متأهبين وقت الظهيرة في ذلك اليوم القائظ، وقد تعذر عليهم كبح جماح شوقهم، ولم يفلحوا في إخفاء استبشارهم ومواراة انشراحهم، فما إن استبد بهم الوقوف الطويل، وأعياهم مد أعناقهم لرؤية القادمين من بعيد، حتى جلسوا مترقبين إطلالة موكب ضيوفهم وكأنه نجم سيلمع قريباً أو هلال ستثبت رؤيته بعد حين ...
بدأ اليأس يدب يسيراً فكثيراً إلى نفوسهم، ودنت الشمس من وقت غروبها أمام أعينهم، وفجأة مر بالقرب منهم سرب سيارات سوداء معتمة النوافذ مرور برق خاطف، فغشيهم أجمعين نقع كثيف خلفه وراء ظهره ...
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com