4 شباط 2017
في الخريف المقبل تنتهي ولاية المديرة العامة الحالية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، الأونيسكو. وفي 15 آذار المقبل يغلق باب الترشيحات لمَن سيخلفها في هذا المنصب. ليس عندي أيّ موقفٍ مسبق من السيدة فيرا خوري، مرشّحة لبنان الرسمي لمنصب المدير العام للمنظمة. ليس بيني وبينها أيّ معرفةٍ على الصعيد الشخصي، ولا أكنّ لها تالياً وعلى الإطلاق، لا عاطفة عداء ولا عاطفة مودّة. أما على الصعيد الثقافي، فلن أستدرج نفسي لإطلاق أحكام القيمة حيالها، لا في هذا الاتجاه ولا في غيره. حاشا. فأنا لا أريد أن أحرف بوصلة المقال عن هدفها.
هاجس البوصلة، أن جوهر لبنان الثقافي هو غاية هذا المقال. وعليه، أنا أملك رأياً واضحاً في شأن دلالات هذا المنصب الأمميّ الكبير، وفي شأن الأحمال الفكرية، والأعباء الثقافية، وما يوازيهما على مستوى الثقافة السياسية، مما يقع على عاتق الشخص المتولّي المنصب. فحوى هذا الرأي، أن السلطات تجرّأت على هذه الدلالات بخفةٍ غير مسبوقة، فعمدت في وقت سابق إلى تفسيرها تفسيراً محض "وظيفيّ"، أو إداريّ، أو تبسيطيّ، متسرّعةً في اتخاذ موقفٍ "ترشيحيّ" يشوبه الالتباس، وهو مثير للجدال، مما أدرج التعامل مع هذا المنصب في سياق جملة التعاملات الخاضعة للاعتبارات والمصالح السياسية. ثمّة ما لا يجوز البتّة التحايل عليه في هذا المضمار، أو التلاعب به. فيا لتعاسة كلّ سلطة، حين تتحايل على الدلالة وتتلاعب بالمعنى!
أملك في الآن نفسه، رؤية منهجية متكاملة لمعنى لبنان الثقافي، ولسلّم القيم وللمعايير التي ينبغي للبنان الرسمي ألاّ يحيد عنها تحت أيّ اعتبار، ووفق أيّ ظرف، وخصوصاً في لحظاتٍ وجودية ومصيرية، كهذه التي يعيشها بلدنا والمنطقة العربية بأسرها.
والحال هذه، يعزّ عليَّ أن أرى السلطات الإجرائية قد أتاحت لنفسها "التصرّف" بالمعايير وبسلّم القيم على هواها ومزاجها، فتلاعبت بـ"مصلحة لبنان العليا"، وعرضت المنصب الأممي هذا للمقايضة في سوق الحسابات السياسية الصغيرة.
يعزّ عليَّ أيضاً أن أشارك في نقاشٍ عقيمٍ كهذا مع السلطات. لكنه وقت الشهادة. وأنا أشهد لغسان سلامة، وأرشّحه لمنصب المدير العام للأونيسكو. وعليه، أنا أدعو الحكومة إلى إعادة النظر في قرارها، عارفاً في الآن نفسه أن شهادتي وترشيحي ودعوتي "لا قيمة لها" في موازين الطبقة السياسية الحاكمة. عندي سببٌ واحدٌ أوحد يدعوني إلى ذلك، أن لبنان المهدَّد في فكرته ومعناه وسمعته، يحتاج إلى غسان سلامة في هذه المنظمة الدولية المهيبة، حاجةَ المنظمة إلى مديرٍ من قامة هذا الرجل.
جريدة النهار االبنانية