إنه موضوع ليس بجديد، لكنه يتجدد باستمرار أمام الزخم الإبداعي بلا قناة سليمة لتسويقه...
يبدأ مشوار المبدع الحقيقي، من تهذيبه وتقويمه لتجربته، والتي تستهلك عمره وفكره ، وعلى حساب قناته المعاشية.
ويتعرض في هذه المرحلة لسرقات شتى لأن اسمه غير معروف.
وينطلق بعد هذا لقناة الانتشار فيرى من يسبقه إليها متسلقا، فيدخل عباب القنوات التعارفية كي يحجز مقعدا،منهم من يرفعه ، ومنهم من يضرب به الأرض...
حتى يصبح له اسما معروفا بعد النقد المر...
وهنا سيدخل عالما منوعا مختلفا مليئا بالمفاجآت ...والمنافسات، سوف تسأل من سيصفق لي الآن؟، هل من صفقت له فعلا؟
سوف تطبع كتابك مثلا.. وقد تكون رسومه مرتفعة، وقد لا تحصل على جمهور من المشترين جيد...قد يكون في الكتاب عيوب لم تنتبه لها...
وقد يحاول أحدهم سرقة أفكارك وأنت تناقشه في موضوع هام، فتغلق عليك فمك وتمضي في مشوار تكميم الأفكار...ومنعها من الخروج علنا...
قد يحاول احدهم استمالتك لتقوم ببعض أعمال ظاهرها خدمة بسيطة وباطنها فهم ميكانكية عملك واقتباس أفكار ...
قد يشرق لك كتاب دون علمك وتتذكر أنك لا تملك مالا كافيا لمواجهته قضائيا. وقد تجد ان الامر كله لا طائل منه وقد اعطى صورا زائفه من كتبك لبائعي الأرصفة..
وقد تشتري من المكاتب التي من المفروض ان تسوق لك كتبك فترى نفسك زبونا لها بقوة وضحية لأسعارها المرتفعة...
وقد تجد أخيرا أن المكسب الحقيقي للأفكار التجارية اللامعة والتي تتخطى المألوف لا لمن يملك اعمق وأكثرها قيمة...
تترد في المضي او الرجوع...وتقف في مفترق طرق...
***********
باختصار:
المبدع هو الضحية الأولى والأخيرة في معظم الأعمال...فإن لم يترجم إبداعه ويتحول لعمل تجاري فسوف يمضي مضيا متواضعا ،وربما أفرج عنه في آخر المشوار.. فالتسويق يحتاج مرانا، طريق مزينة بالمكر فضلا عن أمور أخرى صاحبها أدرى بها...
لن ننفي مرور من هو أهل لذلك لكن الشروط التجارية حاضرة هنا دوما..
لقد اشتكى الدكتور " نبيل المحيش" من ظلم دور النشر في السعودية.[1]
لكنه أمر عام لا تشجع الدار إلا من يحقق أرابحا عالية للجمهور، مقولة " الجمهور عاوز كدة" حقيقية...
ترتكز عملية النشر على أربعة اركان: المبدع الناشر ، المسوق والقارئ.[2]
إن دور النشر تحتكر نصف المردود صراحة، وهذه أول خطوة في الظلم ،فضلا عن الموزع الذي يقتسم المردود كذلك، هذا فضلا عن القارئ غير النشيط الذي يكسر مجداف الإبداع ويثبطه من التوالد.
يقول الاستاذ غسان: أن للتوزيع آلية منهجية نفتقدها في عالمنا، ونقول أن كل ما حولنا يفتقد للمنهجية، فالدار التي تحترم نفسها مثلا: تتواصل مع الكاتب سنويا لتعطيه تقريرا عن الجرد السنوي دون أن يطلبه، لكنها تحوله لمتسول ربحه، وهو المبدع الذي يجب أن يحترم أولا ويشجع على الاستمرار ، خاصة لو كان أمر الطابعة ماديا تكفل به وحده كما بات حاليا...وهذا يجعله سيد الأمر لا عبده...وضيع دار النشر بمحطة تحصيل حاصل أمام اسمها التجاري فقط..
وأما الازمات التي تعصف في البلاد العربية الآن ، بات أمر الإبداع مخنوقا جدا وكأن العالم يحاول قتل العقول وكسر الاقلام...[3]
يقول الأستاذ هيثم القباني حول ذلك:
إن الأزمات الاقتصاديّة التي تُعاني منها دول الربيع العربي وارتفاع أسعار الكتب أدّى إلى عزوف القرّاء عن شراء الكتب على مدار ثلاث سنوات؛ ما يزيد من تفاقم الأزمة بين الكاتب والمؤلف والناشر.
ما دفع إلى ظهور قطاع جديد وكبير من القرّاء لم يكن موجودًا.
وإن معظم دور النشر بها لجنة أو جهاز منوط بتقييم الأعمال التي تُعرض عليهم وفقًا لمعايير معيّنة ترتئيها هي ووفقًا لرسالتها التي تودّ توصيلها للجماهير.
يقول الاستاذ مسعد شعير: إن المشكلة التي تواجه الكتاب في العالم العربي هي ضعف الدعم الذي توليه الدول العربيّة للكتاب على عكس ما توليه من اهتمام كبير بالسينما والمسرح والفنون الأخرى، لافتًا إلى أن الكتاب يأتي في ذيل القائمة؛ الأمر الذي يضع الناشر والمؤلف في مأزق حقيقي.
حتى الكاتب الالكتروني والذي من المفروض ان يروج للكتب الورقية، تراه يدفعها للوراء أمامه.. وقد قالها الأستاذ هيثم القباني: انتشار الكتاب الإلكتروني الأمر الذي قلل الإقبال على الكتاب الورقي إلى جانب ظاهرة "قرصنة الكتب" وسرقة حقوق الناشر والمؤلف.
نعم فالكتب المجانية المتاحة على معظمها لم يؤخذ إذن صاحبها في النشر...فابتلعت سوقه وبخست بضاعته.. بينما في الغرب فإن تلك الحقوق مصانة بقوانين صارمة، ولو اشتكى أحدهم لأخذ حقه بطريقة ما...كمنا تقرأ وترى وتسمع من خلال منتدياتهم الثقافية.
وللعلم بات سرقة حقوق دور النشر منتشرة أيضا كما سمعنا من عدة دور للنشر في سوريا، فماذا بقي من عالم الإبداع؟.
وأخيرا وليس آخرا فشروط البدع في عصر الانحطاط العربي الإسلامي: يتسم ب:
1- أهمية ارتفاع الوفرة المادية للمبدع.
2- سعيه الفردي في تسويق عمله داخلا وخارجا.
3- محاولته ترجمة أعماله للغات الغربية وتحولها لكتب تباع في المواقع الغربية.
4- محاولته عدم توقيف فكره الولاد بمعوقات قد تقتل أداته وفكره.
كم من المبدعين يمتلكون هذه الإمكانيات؟، ضمن تلك الظروف الحارقة القاتلة؟.
والحديث يطول...لكنها تبقى علامات دامية في طريق الإبداع.
فلم لا نقوم بشراكة صادقة بين المبدع والناشر مثلا: كما يقول مؤسس دار مدبولي في مصر:
إن تقاسم التكاليف بين الناشر والمؤلف فكرة مشروعة جدًا، وتستمدّ مشروعيتها من كون عملية النشر ذات وجهين، "وجه إنتاجي ووجه خدمي".
ويعرّف مدبولي الوجه الانتاجي بأنه يعني تمويل الدار لكتاب أو فكرة كتاب، أما الخدمي فهو قيام الدار بتحويل المادة التحريريّة للكاتب إلى كتاب موجود في الأسواق.[4]
فهل هذا أوقف هذا الأمر في الواقع استغلال المبدع حقا؟. نتساءل.
وللموضوع بقية.
وكل عام وانتم بألف خير
*****
الخميس 2-10-2014
[1] المصدر: اليوم : المؤلف ضحية لدور النشر.. و الإنترنت أثر سلبا على الكتاب
[2] راجع ملف غسان الحبال وحمله من هذا الرابط: عنوان المقال: دور النشر يتبادلون الاتهامات والكتاب هو الضحية.
https://www.google.com/url?sa=t&rct=...76477589,d.cGU
[3] قالها الأستاذ " هيثم القباني: ولفتوا إلى أن الأزمات الاقتصاديّة التي تُعاني منها دول الربيع العربي وارتفاع أسعار الكتب أدّى إلى عزوف القرّاء عن شراء الكتب على مدار ثلاث سنوات؛ ما يزيد من تفاقم الأزمة بين الكاتب والمؤلف والناشر.
راجع الرابط للمزيد:
جريدة الراية - الكتاب الورقي ضحية الصراع ما بين المؤلف والناشر
[4] من مقال الأستاذ هيثم القباني: الكتاب الورقي ضحية الصراع ما بين المؤلف والناشر
جريدة الراية - الكتاب الورقي ضحية الصراع ما بين المؤلف والناشر