قال الإمام ابن الجوزي في مقدمة كتابه صفوة الصفوة: "إنما أنقل عن القوم محاسن ما نقل ، ولا أنقل كل ما نقل ، إذ لكل شيء صناعة ، وصناعة العقل حسن الاختيار"
.................................................. .................................................. ....................
عذاب أم كلثوم في قبرها .. بين الشرع الحكيم والعقل السليم!
محمود أحمد إسماعيل
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـفيروج وعلى نطاق واسع في سوق الكاسيت وأرصفة المساجد وبعض المنتديات على الانترنت لمواد صوتية مختلفة( راجع الروابط) ، يزعم فيها أصحابها أنها تسجيل حي لأصوات بشرية تعذب في القبر!!، كما تداولت على الانترنت صور لشاب مات ودفن وبعد ثلاث ساعات من دفنه سمعوا له أصواتآ غريبه وعجيبه فأخرجوه من قبره وقد شاب شعره وهلك جسده من هول مارأى، ومن قبل انتشر فيديو لقبر المطرب عبد الحليم حافظ وهو ينبعث منه دخان كثيف، وقبر المطرب طلال مداح والثعابين تخرج منه، وأخيراً تداول الملايين من الناس في الأيام الماضية مقطعاً صوتيا سجل بمعرفة رجل يسمى ( أبو يعقوب) يزعم فيه سماع بعض الأصوات الرهيبة والاستغاثات من داخل قبر المطربة أم كلثوم، وذهب إلى القول بأن من لم يصدق ما قاله فليذهب بنفسه إلى القبر ليسمع ويرى ما رآه!. الملخص1- عذاب القبر من الأمور الغيبية التي جاءت الأدلة بثبوتها، وإن اختلف العلماء حول كيفية ذلك.2- كيفية العذاب وطبيعته أمر لا يعلمه إلا الله وحده.3- عذاب القبر غيب أخبر الله به النبي صلى الله عليه وسلم، والغيب لا يطلع عليه أحد من المخلوقين.4- أجمع جمهور أهل العلم على أن الأصل العام هو عدم إمكانية سماع عذاب القبر للبشر العاديين.5- يرى بعض العلماء إمكانية أن يسمع الأحياء عذاب القبور لكن الأصل عندهم جميعاً أن سماع عذاب القبر ليس هو الأصل .6- الفارق كبير بين إمكانية السماع في حد ذاته، وبين تحديد الصوت على أنه عذاب لفلان.7- أي إنسان مهما كانت قوته وإيمانه أضعف بصرا وسمعا، من أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر على حقيقته حتى وإن ادعى البعض ذلك.8- ماورد من الأحاديث الصحيحة يؤكد أن الميت يسمع الأحياء بعد دفنه وليس العكس الذي يروج له العامة.9- إذا وردت القصة عن أحد المسلمين فلا يلتفت إلى قوله، ولا يعنينا قوله لا من قريب ولا بعيد.10- إذا افترضنا أن ماسمع صحيح فإن الترويج للأمر بين الناس مخالف للشرع وأخلاق الإسلام وأدلة وجوب الستر على الميت.11- تصديق مثل هذه الحكايات يفتح علينا باباً للبدع والخرافات التي أمرنا أن ننأى بأنفسنا عن تصديقها أو الترويج لها.12- ليس غريبا أن يخرج علينا بعد ذلك من يبيع لنا أشرطة مسجلة بالصوت والصورة لملك الموت، أو عما قريب ننتظر إعلاناً عن يوم القيامة مكون من جزأين ، أو أن يقوم أحد الهواة بتسجيل صوتي لطلوع الروح !!.13- سجل بعض العلماء نفس الأصوات في باطن الأرض بسبب تحركات زلازل وبراكين .14- أن ما يُسْمَع بتسجيل الأجهزة أمر يحتاج إلى تفسير علمي أكثر من احتياجه إلى تفسير شرعي .15- الذي يترجح بالأدلة الثابتة وأقوال العلماء ، أن الأصل ليس هو سماع الأحياء لعذاب الموتى، ولكن الأصل هو حجب الله ذلك عن أسماع الناس ، وهذا فيه مافيه من حكم عظيمة.16- إذا كانت أم كلثوم قد أخطأت في دنياها مما يستوجب ذلك عذابها في قبرها فلماذا تأخر إعلان العذاب من يوم وفاتها في فبراير عام 1975 حتى الآن!!!.17- المؤمن الحقيقي هو الذي يجزم بخبر الله أكثر مما يجزم بما شاهده بعينه ؛ لأن خبر الله عز وجل لا يتطرق إليه احتمال الوهم ولا الكذبوبغض النظر عن صحة هذا الشريط الذي سمعناه، ومدى صدق دعوى من ادعى أنه رأى وسمع ما فيه أو سجله.. فإنه ينبغي الوقوف على بعض الحقائق الشرعية والعقلية الهامة:1- عذاب القبر ونعيمه من الأمور الغيبية الثابتة بالأدلة الشرعية، رغم اختلاف العلماء حول النعيم والعذاب هل هما على النفس والبدن؟ أم على الروح وحدها؟أم على البدن وحده؟ أما كيفية العذاب وطبيعته فهو أمر لا يعلمه إلا الله . 2- عذاب القبر غيب أخبر الله به النبي صلى الله عليه وسلم، والغيب لا يطلع عليه أحد من المخلوقين، إلا ما أطلع الله عليه رسوله صلى الله عليه وسلم، مثلما أراه الله وأطلعه على تعذيب شخصين. وهذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن سنة مطردة في أصله.3- أجمع جمهور أهل العلم على أن الأصل العام هو عدم إمكانية سماع عذاب القبر للبشر العاديين فقد روى مسلم في صحيحه أن السيدة عائشة دخلت عليها عجوزان من اليهود زعمت أن أهل القبور يعذبون في قبورهم فقالت فكذبهما – فخرجتا و دخل عليّ رسول الله عليه و سلم فقلت له ما حدث فقال صدقت إنهم يعذبون عذاباً تسمعه البهائم وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: .. "فيضرب ضربة يسمعه كل شيء... إلا الثقلان" أي الإنس والجن.4- لا يمكن قبول القياس أوالمقارنة أو المشابهة في رؤيا عامة الناس لعذاب القبر في الدنيا ، قياساً على رؤيا النبي لعذاب بعض الناس في القبر ؛ لأن رؤيا رسول الله والأنبياء عامة هي دون الناس ، ومن ذلك الحديث الطويل الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد أتاه آتيان ، فانطلقا معه ، وانه رأى عذاب المعذبين في حديث طويل ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : (فأتينا على مثل التنور – قال: فأحسب أنه كان يقول: -فإذا فيه لغط وأصوات. قال: فاطلعنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قال: قلت: ما هؤلاء؟ ثم ذكر الحديث وفيه : وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور، فإنهم الزناة والزواني ) رواه البخاري .5- برغم أن بعض العلماء يرون إمكانية أن يسمع الأحياء عذاب القبور ومن هؤلاء: شيخ الإسلام ابن تيمية ، وابن القيم وابن أبي العز شارح الطحاوية، والحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله ، والحافظ بن حجر رحمه الله ، والبيهقي ، ومن العلماء المعاصرين الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، والشيخ صالح الفوزان والشيخ ناصر السعدي، ويمكن الرجوع إلى تفاصيل أقوالهم في المراجع المذيلة بالبحث.إلا أن مايؤسف له أن بعض الناس قد اعتمد على اجتهادات هؤلاء العلماء ، ليثبت أن الأصل هو سماع الاحياء للموتى، وفات هؤلاء أن الأصل عند كل العلماء قاطبة أن سماع عذاب القبر ليس هو الأصل في المسألة، حتى عند من رأوا إمكانية أن يسمع الحي أحوال الميت في قبره.- قال الشيخ عبد العزيز البرعي في رده على سؤال مماثل : إن الله على كل شيء قدير والله عزوجل لو أحب أن يرينا لأرانا لكن هذا أمر يفتقد للواقع والواقعية ولو كان هذا الكلام صحيحاً لثبت بالأسانيد الصحيحه .- ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه: أن هذا ليس لازما في حق كل ميت ، كما أن قعود بدن النائم لما يراه ليس لازما لكل نائم ، بل هو بحسب قوة الأمور.- وقال شارح الطحاوية ابن أبي العز رحمه الله تعالى : وإذا شاء الله أن يطلع على ذلك بعض عباده أطلعه وغيّبه عن غيره ، ولو اطلع الله على ذلك العباد كلهم لزالت حكمةُ التكليف والإيمان بالغيب ، ولما تدافن الناس ، كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم :" لولا أن تدافنوا لدعوتُ الله أن يُسمعكم من عذاب القبر ما أسمع " . ولمّا كانت الحكمة منتفية في حق البهائم سمعته وأدركته.- ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : قال المهلب : الحكمة في أن الله يسمع الجن قول الميت قدموني ولا يسمعهم صوته إذا عذب بان كلامه قبل الدفن متعلق بأحكام الدنيا وصوته إذا عذب في القبر متعلق بأحكام الآخرة وقد أخفى الله على المكلفين أحوال الآخرة الا من شاء.- وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في رده على سؤال مماثل: : هل يمكن أن نطَّلع على عذاب القبر ؟ فقال : ( الأصل لا ، الأصل أنه لا يمكن وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : " لولا أن تَدافَنوا لدعوتُ الله أن يريكم عذاب القبر " ، إذن فالأصل أنه غير معلوم لكن قد يُطْلِعُ الله عليه بعض الناس إما برؤيا صالحة وإما باليقظة كما أطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على القبرين الذين يُعذبان كما في الصحيحين).7- ليس هناك من حجة عند من زعم أن ماسمعه هو عذاب القبر لفلان أو فلانة، لأن الفارق كبير بين إمكانية السماع في حد ذاته، وبين تحديد الصوت على أنه عذاب لفلان أو غيره.8- إن أي إنسان مهما كانت قوته وإيمانه أضعف بصرا وسمعا، من أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر على حقيقته حتى وإن ادعى البعض ذلك.9- ماورد من الأحاديث الصحيحة يؤكد أن الميت يسمع الأحياء بعد دفنه وليس العكس الذي يروج له العامة ومن ذلك حديث البخاري: (إذا وضع الميت في قبره وانصرف الناس عنه إنه ليسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرون)، ورغم أن هذا الحديث فيه دلالة على وقتية السماع ؛ لأنه يقول: (حين) أي ليس في كل حين يسمع، لكن على الأقل يمكن القول أن سماع الموتى للأحياء فيه نص وأدلة يمكن الكلام فيها، في حين أن سماع الأحياء للأموات على وجه العموم تفتقد إلى أي نصوص أو ادلة معتبرة.10- إذا وردت القصة عن أحد المسلمين فلا يلتفت إلى قوله، ولا تعنينا شهادته من قريب أو بعيد، والأمر لا يتعداه إلى غيره ، وينبغي أن ينصح بترك ذلك إن كان لا يعلم ، ولو رأى من نفسه الصدق فله أن يصدق نفسه دون نشر ذلك على الناس باعتبار مايترتب على ذلك من ضرر ومفاسد لا يعلم شرها إلى الله.11- إذا وردت القصة على لسان أحد من غير المسلمين فربما يريد بعضهم التشكيك في الدين، فإن صدقناهم على أنهم سمعوا عذاب القبر ثم نفوا بعد ذلك ، فإنه يؤدي إلى فتنة البعض في دينهم .12- إذا افترضنا أن ماسمع صحيح فإن الترويج للأمر بين الناس مخالف للشرع ؛لأن الأصل هو حرمة الموتى؛ والإنسان في الإسلام محترم ومكرّم حياً وميتاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم “كسر عظم الميت ككسره حياً” أي في الإثم، ويستدل بهذا الحديث على وجوب القصاص ممن يعتدي على الميت أياً كان وضعه، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث البخاري "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفْضَوْا إلى ما قدموا" ، لكن لو أخذ بعض الناس بأقوال بعض أهل العلم في جواز فضح الفاسق ، فمن يمكن له أن يفتي بفسق أم كلثوم أو غيرها حتى يجيز لنفسه استباحة حرمة الأموات؟!.13- إذا افترضنا أيضاً أن ماسمع صحيح فإن الترويج للأمر مخالف لوجوب الترغيب في الستر على الأموات عامة، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من غسل ميتاً ثم لم يفش عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من غسل ميتاً فستره ستره الله من الذنوب)، والمراد هنا ستر عورته ومايمكن أن يرى عليه من سواد وجهه بعد الموت يستوي في ذلك الإنسان قبل دفنه أو بعد دفنه.14- تصديق هذ النوع من الحكايات يفتح علينا باباً للبدع والخرافات التي أمرنا أن ننأى بأنفسنا عن تصديقها أو الترويج لها، وليس غريبا أن يخرج علينا بعد ذلك من يبيع لنا أشرطة مسجلة بالصوت والصورة لملك الموت، أو ننتظرإعلاناً عن يوم القيامة مكون من أجزاء، أو أن يقوم أحد الهواة بتسجيل صوتي لطلوع الروح !!.15- برغم أننا لا يمكن أن نقلل من عظم شأن عذاب القبر وهوله، إلا أنني أكاد أجزم والعلم عند أهل الله ثم عند أهل الاختصاص في مجالهم أنَّ بعض الأجهزة الخاصة لو وضعت في مكان ما كنواة الأرض ومايحدث فيها من زلازل وبراكين وتحركات داخل باطن الأرض تؤدي غالباً إلى نفس الأصوات وأشد، بل ذهب البعض إلى أن أصل الأصوات التي يروج لها مأخوذة من فيلم أجنبي مصحوبة بمؤثرات صوتية في حين أكد البعض أن نفس الأصوات تتكرر كل فترة في موضوع مختلف!. 16- يرى بعض المتخصصين أن تلك الأصوات المسجلة ليست إلا نتيجة مزج متعمد لعدد ضئيل من الأصوات البشرية ، حتى أن للكثير من تلك الأصوات نفس الشكل الموجي والتردد ولكنها مزاحة عن بعضها البعض ، ومن المعروف أنه يصعب جداُ أن يكون لاثنين من البشر نفس النمط الموجي للصوت إلا أن الأصوات احتوت على تطابقات فريدة لا توجد عادة لدى سماع جمهرة من الناس. 17- الكل يعلم أن فبركة مثل هذه الأصوات وتصنيعها لم يعد صعباً نظراً لتوفر البرمجيات المتقدمة التي تضفي مؤثرات صوتية وإمكانية تغيير صوت الرجل إلى امرأة أو حتى طفل. وعملية مضاعفة الصوت الواحد إلى مجموعة من الأصوات لن تكون أيضاً صعبة فهي صف لنفس موجة الصوت ووضع عدة نسخ منه في قنوات متوازية متزامنة على المسار الزمني Timeline ليتم تركيب الصوت النهائي والذي وصفته الصحف على أنه "صراخ الملايين من المعذبين"!.18- حتى وإن سجلت بعض الأصوات بالفعل فلا يلزم بالمرة أن يكون أصوات المعذبين في القبور ، والأمر برمته يحتاج إلى تفسير علمي أكثر من احتياجه إلى تفسير شرعي .19- من العجيب أن قبور السفاحين والظلمة في العالم لم يصدر منها أي أصوات ولاحتى قبور غير المسلمين، وكأن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب سوى المطربين والمطربات!.20- وأخيراً.. إذا كانت أم كلثوم قد أخطأت في دنياها مما يستوجب ذلك عذابها في قبرها فلماذا تأخر إعلان العذاب من يوم وفاتها في فبراير عام 1975 حتى الآن!!!.حكمة عدم سماع الإنسان لعذاب القبرمما سبق فإنه يترجح بالأدلة الثابتة وأقوال العلماء الثقات، أن الأصل ليس سماع الأحياء لعذاب الموتى، ولكن الأصل هو حجب الله ذلك عن أسماع الناس على وجه العموم لا الخصوص، وهذا فيه مافيه من حكم عظيمة وقد ذكرها بعض أهل العلم في ما يلي:- قال الشيخ ناصر السعدي رحمه الله تعالى : ومن حكمة الله أن نعيم البرزخ وعذابه لا يحس به الإنس والجن بمشاعرهم ، لأن الله تعالى جعله من الغيب ، ولو أظهره لفاتت الحكمة المطلوبة .- وقال الشيخ الفوزان حفظه الله : ومن حكمة الله أيضا أن ما يجري على الميت في قبره لا يحس به الأحياء لأن الله تعالى جعله من الغيب ولو أظهره لفاتت الحكمة المطلوبة وهي الإيمان بالغيب .- وقال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله : عذاب القبر من أمور الغيب ، وكم من إنسان في هذه المقابر يعذب ونحن لا نشعر به، وكم جار له منعم مفتوح له باب إلى الجنة ونحن لا نشعر به، فما تحت القبور لا يعلمه إلا علام الغيوب ، فشأن عذاب القبر من أمور الغيب ، ولولا الوحي الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ، ما علمنا عنه شيئاً ، ولهذا لما دخلت امرأة يهودية إلى عائشة وأخبرتها أن الميت يعذب في قبره فزعت حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخبرته وأقر ذلك عليه الصلاة والسلام ، ولكن قد يُطلِعُ الله تعالى عليه من شاء من عباده ، مثل ما أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على الرجلين اللذين يعذبان ، أحدهما يمشي بالنميمة ، والآخر لا يستنزه من البول .والحكمة من جعله من أمور الغيب هي:1- أن الله – سبحانه وتعالى – أرحم الراحمين فلو كنا نطلع على عذاب القبور لتنكد عيشنا، لأن الإنسان إذا اطّلِع على أن أباه ، أو أخاه ، أو ابنه ، أو زوجه ، أو قريبه يعذب في القبر ولا يستطيع فكاكه ، فإنه يقلق ولا يستريح . وهذه من نعمة الله سبحانه .2- أنه فضيحة للميت فلو كان هذا الميت قد ستر الله عليه ولم نعلم عن ذنوبه بينه وبين ربه عز وجل ثم مات وأطلعنا الله على عذابه ، صار في ذلك فضيحة عظيمة له ففي ستره رحمة من الله بالميت .3- أنه قد يصعب على الإنسان دفن الميت كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام : " لولا ألا تدافنوا لسألت الله أن يسمعكم من عذاب القبر" رواه مسلم .ففيه أن الدفن ربما يصعب ويشق ولا ينقاد الناس لذلك ، وإن كان من يستحق عذاب القبر عذب ولو على سطح الأرض ، لكن قد يتوهم الناس أن العذاب لا يكون إلا في حال الدفن فلا يدفن بعضهم بعضاً.4- أنه لو كان ظاهراً لم يكن للإيمان به مزية لأنه يكون مشاهداً لا يمكن إنكاره ، ثم إنه قد يحمل الناس على أن يؤمنوا كلهم لقوله تعالى):فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده ) غافر / 84 ، فإذا رأى الناس هؤلاء المدفونين وسمعوهم يتصارخون آمنوا وما كفر أحد لأنه أيقن بالعذاب ، ورآه رأي العين فكأنه نزل به .- وأحسن الشيخ محمد بن عثيمين "رحمه الله " عندما قال :إن الإنسان المؤمن حقيقة هو الذي يجزم بخبر الله أكثر مما يجزم بما شاهده بعينه ؛ لأن خبر الله عز وجل لا يتطرق إليه احتمال الوهم ولا الكذب ، وما تراه بعينيك يمكن أن تتوهم فيه ، فكم من إنسان شهد أنه رأى الهلال، وإذا هي نجمة ، وكم من إنسان شهد أنه رأى الهلال وإذا هي شعرة بيضاء على حاجبه وهذا وهم ، وكم من إنسان يرى شبحاً ويقول:هذا إنسان مقبل، وإذا هو جذع نخلة ، وكم من إنسان يرى الساكن متحركاً والمتحرك ساكناً ، لكن خبر الله لا يتطرق إليه الاحتمال أبداً. نسأل الله لنا ولكم الثبات ، فخبر الله بهذه الأمور أقوى من المشاهدة ، مع ما في الستر من المصالح العظيمة للخلق جميعا.والله أعلم.
http://www.onislam.net/arabic/fiqh-a-tazkia/fiqh-papers/130828-2011-05-24-07-04-03.html.................................................. ..........