فسق: خرج من حصنه أو مأمنه كخروج الرطبة من قشرتها.
ومن الفِسق المخرج عن الطاعة إلى العصيان: الاستقسامُ بالأزلام والذبحُ على النصب، وما أُهِلّ به لغير الله، وما لم يذكر اسم الله عليه قبل ذبحه أو نحره سالما أو من المنخنقة والموقوذة والمتردية وما أكل السبع قبل موته.
والفاسق هو من وقع عليه التكليف من الله فأباه استكبارا، وأول فِسْق على ظهر الأرض هو فسق إبليس باستكباره وإبائه التكليف من الله بالسجود لآدم، وسأل موسى ربه أن يفرق بينه وبين القوم الفاسقين وكان التكليف ﴿ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ التِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ﴾ المائدة، قد وقع عليهم فخرجوا عن الطاعة استكبارا حين قالوا ﴿يَا مُوسَى إِنَّا لن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ﴾ المائدة.
وعُدَّت مضارة الكاتب والشهيد ومضارة الحجيج فسوقا وبينت في تأصيلي التفسير أن العمل لا يستلزم الوصف أي قد تعترض موانع تمنع اتصاف صاحبه بالوصف كالـمُكرَهِ على الكفر بعمل أو قول واعترض مانع الإكراه فمنع وصفه بالكفر وكذا مضارة الكاتب والشهيد والحجيج فسوق ولا نسمي صاحبها فاسقا لوقوع اسم الفسوق على من تجرد من الإيمان.
وفسق من خرج عن السلم الاجتماعي سعيا بين الناس لإفساد ذات البين كالفاسق يجيء بالنّبإ الكاذب، وبهتك الأعراض كالذين يرمون المحصنات بالفاحشة ولا يأتون بأربعة شهداء وكالقرية التي كانت تعمل الخبائث وكانوا جميعا فاسقين.
وتضمن تفصيل الكتاب أن الفاسقين هم من يكفرون بالآيات المتلوة استكبارا أن يتبعوها ولا ينغلق إذن امتناعهم عن الحكم بما أنزل الله.
ووقع الوصف بالفسق في مقابلة الإيمان ومنزلةً بين منزلتي الكفر والعصيان.
ولعل الموت على الفسق الذي وعد الله به المنافقين يعني أن يختم لهم بالإصرار على الخروج من الإسلام.
ووقع الوصف بالفسق على قوم نوح وعلى فرعون الذي استخف قومه وعليهم لما أطاعوه وعلى الذين زاغوا من بني إسرائيل.
وأنزل الله رجزا من السماء على قوم لوط بما كانوا يفسقون، وعلى طائفة من بني إسرائيل وهو من الذكر في الأولين.
وإن مما استنبطت من أصول التفسير من تفصيل كتابٍ متشابهِ مثاني تضمن ذكرا من الأولين ووعدا في الآخرين اشتراك كل من أهل الكتاب ومنافقي هذه الأمة في نفس الأوصاف والأفعال والسلوك ومنها الوصف بالفسق على أهل الكتاب الذين تخلفوا عن الجهاد في سبيل الله مع موسى وعلى المنافقين المتخلفين في غزوة تبوك عن الجهاد مع النبي الأمي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وقد استدرج الله بالنعم قوما يفسقون من بني إسرائيل قبل أن يأخذهم بعذاب بئيس، ونبّأ الله في الكتاب المنزل كما في المائدة والحديد أن كثيرا من أهل الكتاب فاسقون.
وقد وعد الله وعدا حسنا غير مكذوب في سورة النور أن يستخلف الذين آمنوا وعملوا الصالحات في آخر هذه الأمة كما استخلف الذين من قبلهم، وإنما استخلف الله من قبل هذه الأمة طائفتين من الناس أولاهما: القلة المؤمنة مع نوح وهود وصالح وشعيب ... بتدمير المكذبين واستخلافهم في الأرض من بعدهم، وثانيهما: استخلاف داوود وسليمان وذي القرنين مكّن الله لهم في الأرض تمكينا خارقا معجزا، ولم يقع بعدُ الوعد المنتظر، ويوم يقع نفاذه فلن يكفر بعده إلا الفاسقون الخارجون المارقون عن الإسلام المصرون وأولئك المشار إليهم بالبعيد يوم نزل القرآن ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
وتضمن حرف آل عمران أن الله قد كلّف النبيين أن يشهدوا بصدق الرسول المصدق لما معهم وهو الكتاب المنزل وأن يؤمنوا به وينصروه، ووصف الله أولئك الذين يتولون وينقلبون عن موافقة النبيين يومئذ بأنهم هم الفاسقون المصرّون على الكفر استكبارا.
ولا تزال البشرية على موعد مع وعد الله أن يضلّ بالقرآن الفاسقين الذين ينقضون عهد الله من ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض كما بينته في مادة عهد ونقض ووصل وأمر.
ولا تزال البشرية على موعد مع وعد الله:
ـ ﴿َوالذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ الأنعام
ـ ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نٌّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا﴾ الإسراء
ـ ﴿بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ الأحقاف
ـ ﴿وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ﴾ الحشر
وبعد إغراق فرعون وبعد مواعدة موسى أربعين ليلة وحين آتى ربنا التوراة موسى نبّأه بقوله ﴿سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ الأعراف، نبوة لم تقع قبل نزول القرآن ونبّأ الله بها كذلك خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم في القرآن ولم يقع إرث قصور الفاسقين بعد نزول التوراة إلى يومنا هذا.