ادونيس حسن:
لماذا في حوران \ درعا\ يحدث ما حدث؟
للإجابة على هذا السؤال نقول :
" الجولان" كما جنوب لبنان , وكما فلسطين ذاتها , كان محط أطماع الصهيونية منذ وقت طويل .
وإذا كانت هذه الأطماع قد أخذت تتجسد وتأخذ طريقها للتنفيذ منذ قيام " الدولة " الصهيونية عام 1948 فان خلفياتها التاريخية وجذورها تعود إلى ما قبل قيام " الدولة بزمن غير يسير .
لنتفحص هنا على سبيل المثال لا الحصر عددا من الوثائق والتصريحات الصهيونية , التي تعود جميعها إلى ما قبل 1948 , والتي تؤكد حقيقة هذه الأطماع وجذورها تاريخيا .
في عام 1921 كتب المؤلف الصهيوني الأمريكي هوارس ميير كالين , في كتابه " الصهيونية والسياسة العالمية " يقول : " .. إن مستقبل فلسطين بأكمله هو بأيدي الدولة التي تبسط سيطرتها على الليطاني واليرموك ومنابع الأردن " . وقبل ذلك كان بن غوريون قد رسم في عام 1918 تصوره لحدود الدولة الصهيونية على الشكل التالي :
" تضم النقب برمته , ويهودا والسامرة , والجليل وسنجق حوران وسنجق الكرك ( معان والعقبة ) وجزء من سنجق دمشق ( أقضية القنيطرة ووادي عنجر وحاصبيا )
وجاء في المذكرة التي تقدمت بها المنظمة الصهيونية العالمية غلى المجلس الأعلى لمؤتمر السلام في باريس , في 3 شباط عام 1919 , والتي أوضحت فيها معالم الحدود التي تريدها للدولة الصهيونية , ما يلي
: " .. وجبل الشيخ هو أبو المياه الحقيقي بالنسبة لفلسطين , ولا يمكن فصله عنها بدون إنزال ضربة جذرية بحياتها .. فيجب إذن أن يبقى تحت سيطرة أولئك الذين هم أرغب وأقدر على إعادته إلى نفعه الأقصى "
وفي 16 شباط عام 1920 بعث ممثل الصهيونية الأمريكية لويس برانديس ببرقية إلى وايزمان يطلب فيها , باسم المنظمة الصهيونية الأمريكية , تدخل الحكومة البريطانية عمليا للحليلولة دون خسارة جزء كبير من " فلسطين الشمالية" , وفيها يقول
" .. الحدود الوطنية الشمالية والشرقية لا غنى عنها لقيام مجتمع يعيل نفسه بنفسه . فمن أجل تطور البلاد الاقتصادي في الشمال ينبغي أن تضم فلسطين مفارق مياه الليطاني عند جبل الشيخ (حرمون) , وإلى الشرق سهول الجولان وحوران .... "
وفي 29 \12\1919 عشية انعقاد مؤتمر سان ريمو الذي كان سيبحث موضوع اقتسام أقطار الشرق العربي بين الدول الاستعمارية وجه زعيم الحركة الصهيونية آنذاك حاييم وايزمان رسالة إلى رئيس وزراء بريطانية لويد جورج جاء فيها " في اللحظة التي توشك فيها أن تشترك مع زملائك في المفاوضات النهائية التي سيتوقف عليها مصير فلسطين تود المنظمة الصهيونية أن تتوجه إليك في موضوع يسبب لها أعمق القلق وهو مسألة الحدود الشمالية لفلسطين ... وضعت المنظمة الصهيونية منذ البدء الحد الأدنى من المطالب الأساسية لتحقيق الوطن القومي اليهودي , ولا داعي للقول أن الصهيونيين لن يقبلوا تحت أية ظروف خط سايكس بيكو حتى كأساس للتفاوض لان هذا الخط لا يقسم فلسطين التاريخية ويقطع منها منابع المياه التي تزود الأردن والليطاني وحسب , بل يفعل أكثر من ذلك إنه يحرم الوطن القومي بعض أجود حقول الاستيطان في الجولان وحوران التي يعتمد عليها إلى حد كبير نجاح المشروع بأسره "
وفي نيسان عام 1920 وجه بن غوريون مذكرة باسم اتحاد العمل الصهيوني إلى حزب العمال البريطاني جاء فيها " أن من الضروري أن تكون مصادر المياه التي يعتمد عليها مستقبل البلاد خارج حدود الوطن القومي اليهودي في المستقبل , فسهول حوران التي بحق جزء من البلاد يجب أن لا تسلخ عنها ,ولهذا السبب طالبنا دائما أن تشمل أرض إسرائيل الضفاف الجنوبية لنهر الليطاني وإقليم حوران من منبع اللجاه جنوب دمشق وجميع الأنهار التي تجري في المنطقة من الشرق إلى الغرب أو من الشمال للجنوب , وهذا يفسر أهمية الجليل الأعلى وحوران للبلاد بمجموعها , إن أهم أنهار أرض إسرائيل هي الأردن والليطاني واليرموك والبلاد بحاجة إلى هذه المياه بالإضافة إلى إلى أن الصناعة سوف تعتمد على توليد الكهرباء من هذه القوى المائية .
وحتى تنفذ الصهيونية مخططاتها وبرامجها وأفكار منظريها , اتجهت أنظارها إلى استغلال موضوع الأقليات القومية والطائفية في الوطن العربي , وليس فقط في سوريا ولبنان , حيث يقول الكاتب الصهيوني ديفيد كاما في كتابه " الصراع , لماذا ؟ وإلى متى؟ " :" إن هناك وطنا واحدا للعرب عائدا لهم , وليسوا غرباء فيه ألا وهو الجزيرة العربية أما بقية البلاد التي يقيمون الآن عليها فليسوا سوى محتلين لها مسيطرين عليها ويقيمون إمبراطورية مغتصبة ,ويستنكرون وبكل وقاحة الحقوق الطبيعية للشعوب التي لها الحق الشرعي في هذه المنطقة , قبل (الاحتلال العربي) إلا أن هذه الشعوب أصبحت الآن شعوبا وطوائف لاجئة في الشرق الأوسط لها كل الحق في تقرير المصير والاستقلال السياسي وهناك عبء في الحقوق أو الواجبات ملقى على كاهل الاسرائيلين كي يقدموا يد العون إلى أولئك المتعفنين في عبوديتهم بالسجن العربي , لذا يجب إيجاد لغة مشتركة وطريق عمل واحدة مع الأكراد في العراق والدروز في سوريا والزنوج في السودان والموارنة في لبنان , والأقباط في مصر , وسائر أبناء الشعوب والديانات التي تحارب سوية من أجل التحرير والاستقلال , إن من العدالة والنزاهة والحكمة السياسية أن تعمل إسرائيل على الفك التام للإمبراطورية التي تعتبر آخر إمبراطوريات الماضي التي انتهت في عصرنا "
ومن خلال ذلك نستطيع أن نستوعب المعنى الكامل للكثير من مشاريع التقسيم التي نفذ جزء منها وأجهض كما حدث في جنوب لبنان , وأخرى قيد التنفيذ مثل مشروع تقسيم العراق , ومنها تم تنفيذه هذا العام وهو تقسيم السودان ,
وقد ذكر حاييم وايزمان في رسالته إلى لويد جورج رئيس وزراء بريطانية بتاريخ 92\12\1919\ أنه " .. لا داعي إلى القول أن الصهيونيين لن يقبلوا تحت أية ظروف خط سايكس- بيكو , حتى كأساس للتفاوض , إنه لا يقسم فلسطين التاريخية ويقطع منبع المياه الذي يزود الليطاني والأردن فحسب , بل يفصل أكثر من ذلك بكثير .. أنه يحرم الوطن القومي اليهودي أجود حقول الاستيطان في الجولان وفي حوران التي يعتمد عليها إلى حد بعيد نجاح المشروع بأسره .... "
وهذا هو الكاتب والمنظر الصهيوني ارييه أورنشتاين يقول : " على نقيض الوحدة العربية التي ينادي بها العرب , إنني أؤمن بعد مدة بتفسخه وظهور طوائف عرقية وجغرافية , مثل لبنان المسيحي , ومنطقة الأكراد شمال العراق , وجبل الدروز , ودولة إسرائيل , وفي نهاية الأمر ستضم الأردن ... إلى هذا التجمع المتمثل في الهلال الخصيب , والذي سيكون بقيادة إسرائيل , وعندئذ ستتكاتف كل الدول الأعضاء في الاتحاد وتعمل لتطوير المنطقة ولتطبيق مجتمعات هندسية مختلفة , مثل استغلال مشترك لمياه الأردن واليرموك والليطاني وعندئذ ستكون هناك أهمية ثانوية للقضايا الإقليمية ".
لقد أعمى الحقد بصيرة هذا الكاتب عندما ظهر جهله واضحا بأن أكبر المفكرين القوميين العرب والمثقفين والأدباء هم من لبنان المسيحي , وأن قائد الثورة السورية الكبرى ضد المستعمر الفرنسي هو سلطان باشا الأطرش العربي من بني معروف من الجبل جبل العرب الأشم .
إن ما ينظرون له الكتاب والمفكرين الصهيانة يعكس تكوينهم الخالي من أي انسجام قومي وحتى ديني , فالمجتمع الصهيوني مؤلف من اليهود الشرقيين واليهود الغربيين , وكذلك اليهودي الروسي والأمريكي والعربي ووو إلخ .
وهم يدركون بما لا يدع مجالا للشك حجم التناقض الداخلي في تكوين دولتهم المزعومة , وأن هذا التناقض سيؤدي إلى انهيار كيانهم المصطنع , ولهذا السبب يصدرون تلك الأفكار من أجل تعميم حالتهم على المنطقة وإكسابها الشرعية ومبررات الوجود
ونرى الكثير من كتابهم ومواقفهم يسقط هذا الداخل الصهيوني على شكل برامج وأفكار في محاولة مكشوفة للدفاع عن استمرار حضورهم المحكوم بعوامل التاريخ والجغرافية بالزوال , مستغلين كل الوسائل والأدوات لتحقيق أهدافهم وغاياتهم
ولكن الشعب السوري الذي تربى وعاش على الصراع العربي الإسرائيلي , وخبر أساليبه المباشرة وغير المباشرة , وتشكل وعيه داخل هذا الصراع ,يعي بفطرته وبعفوية تامة ما يحاك ضد بلده , ولن يترك موقعه المقاوم بوجه المحتل الغاصب حتى تحرير آخر حبة تراب مغتصبة من أرضه, ولن يتخلى عن الثروات التي جناها عبر مسيرة كفاح طويلة ضد كل أشكال التفسخ والتقسيم , ولن يترك أهم ثروة وهي الأمن والأمان للعبث بها