• وهم الحرية :
وفي نيسان " إبريل " عام 1973 , وقع حاادث هز أرجاء العالم العربية , وترك موقف خطير , وآثار الكثير من التساؤلات عن مزاعم الحرية الصحفية . فبينما كانت التظاهرات تحتاج بيروت وغيرها من العواصم العربية مرددة مطالبتها بالانتقام كان الفلسطينييون في المناطق المحتلة يتفجعون علي مذبحة ثلاثة من الزعماء الفلسطينيين اغتالتهم قوة من الكوماندوس الإسرائيليين في العاصمة اللبنانية وفي يوم تشيع جثمان الشهداء الثلاثة في جنازة جماعية حافلة , اقيمت الصلوات علي أرواحهم في مساجد الأرض المحتلة , وقرعت اجراس الكنائس دقات جنائزية حزينة وكانت تعليقات الصحف العربية في الأرض المحتلة علي تلك الجريمة , كما هو متوقع , أقل حدة من تعليقات مثيلاتها في أنحاء أخري من العالم العربي ولكنها لم تكن أقل منها مرارة . فقد كنب غسان طبهوب المحرر في صحيفة " القدس " يؤمئذ بعدما اشترك في صلاة تذكارية علي أرواح الشهداء أقيمت في كنيسة بلدة بيرزيت التي ينتمي إليها أحدهم , وهو الشاعر الفلسطيني كمال ناصر – كتب مايلي :
" إن الصلاة التذكارية في كنيسة بيرزيت هي بمثابة رسالة إلي أمم العالم , وإلي زعماء الأمة العربية . الرسالة هي أن هذا الشعب لن يموت . فإذا كان اليابانيون يعتقدنون بتناسخ الأرواح , فإن الفلسطينيين يطبقون هذا الاعتقاد " ونتيجة لهذا المقال أرسل الرقيب الإسرائيلي بتهديد إلي أبو الزلف مع أمر بضرورة تقديم أي مادة يعتزم نشرها إلي الرقيب بما في ذلك الأعلانات التجارية والنعي والكلمات المتقاطعة , واضطر غسان طهبوب إلي التوقف عن الكتابة أسايع عدة في تلك الحقبة ثم انتقل للعمل في صحافة أبو ظبي .
أما صحيفة " الشعب " وهي في العادة أكثر جرأة وصراحة من غيرها . فقد نددت بمباها الإسرائيليين بالجريمة التي اقترفوها , وحذرتهم بأن أسطورة إسرائيل التي لا تقهر تخبو تدريجيا , وأن عليهم أن يتخلو عن مزاعم سعيهم إلي السلام لا يمكن أ، بتحقق عن طريق سفك الدماء وكتبت صحيفة " البشير الأسبوعية " أن عملية بيروت هي دليل جديد وواضح علي التصميم الإسرائيلي علي الإبقاء علي حالة الصراع الراهنة , حتي تتمكن من فرض سياسة الأمر الواقع , وبناء المزيد من المستوطنات وإبقاء مدينة القدس عاصمة موحدة لإسرائيل " .
غير أن أعنف ردود الفعل علي غارة بيروت ورد في صحيفة " الفجر" التي نشرت علي ربع صفحتها الأولي صورة لكمال ناصر مجللة بلسواد . وادعت الافتتاحية أن العملية تمت بالتنسيق بين إسرائيل ووكالة المخابرات الأمريكية , وتحدثت عن تورط المخابرات الإسرائيلية ونائب القنصل العام الأمريكي في القدس , أثر اجتماع عقد إيلات لتنسيق المعلومات بشأن تحركات الزعماء الفلسطينيين الثلاثة , إلا أن يوسف نصر ما لبث أن اعتراف بأنه لفق القصة بأسرها لتحقيق المزيد من الشعبية لصحيفته وبعتقد بعض المراقبين أن لهذا الاختلاق صلة بإختفاء يوسف نصر في وقت لا حق . غير أن نر القصة دون الحصول علي تصريح من الرقيب العسكري كلف يوسف نصر ونائبه جميل حمد أسبوعين من الاحتجاز , دون أن تبدي السلطات الإسرائيلية سببا واضحا لذلك . فقد كانت تعمد إلي تقريع من يخالف من المحررين قوانين الرقابة أو إلي إيقاع غرامة عليه , ولكن لم يسبق قبل تلك الحادثة أن احتجزت أيا منهم وفي محاولة منها لتبرير احتجازهما ذكرت أن الصحف الأخري نرت في تلك الفترة ما يمكن أن يوقعها تحت طائلة التهمة نفسها , دون أن يتخذ ضد محرريها أي إجراء .
وقد صدمت السلطات الإسرائيلية من مواقف المواطنين والصحافة العربية , لا فتراضها الساذج بأن العرب كانوا قانعين بالاحتلال وذكر البريغادير جنرال فيردي الحاكم العسكري للضفة الغربية يؤمنذ لمجلة " تيو ميدل ايست " " يونيو 1973" : " لقد كان رد فعل العرب إلي حد ما يختلف عما اعتدنا عليه في الماضي فلم يسبق أن شاهدنا رد فعل بهذا الشكل أو بهذا الاتساع " ومضي فيردي يقول : " أ السكان العرب أصبحوا يعرفون حرية التعبير التي سمحت بها الحكومة العسكرية , ويتقبلونها . وقد كانت هذه الحرية نفسها عنصرا في فورة التعاطف أثر غارة بيروت " .
ولكن واحدة من أهم الظواهر التي تمخضت عنها حرب رمضان , كانت تفجر مشاعر الفلسطينيين الوطنية , بمن فيهم سكان الأرض المحتة , وزاد الحمي الوطنية عنفا اعتراف مؤتمر القمة في الجزائر بمنطقة التحرير الفلسطينية الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني .
وكان بروز الشخصية الفلسطينية وتحديد معالم قيادتها مثار جدل الأرض المحتلة لسببين الأول تأثر ذلك علي الموقف الإسرائيلي من القضية الفلسطينية عامة , والأخر نزعة بعض السكان صوب الإبقاء علي صلات القربي مع الأردن . ولكن النشاطات السياسية في الأرض المحتلة اقتصرت في الفترة اللاحقة علي مؤيدي المنظمة فأضربت بعض المدارس كأعراب عن التأييد لحركة المقاومة وعلقت اللوحات التي تحمل شعارات المقاومة , والقيت قنابل نفظية علي الدبابات الإسرائيلية وفي تشرين الثاني " نوفمبر " 1973 سحبت بعض القوات من الجبهة لتعزيز إجراءات الأمن في الضفة الغربية بعد طعن جندي إسرائيلي وقتله في رام الله وفي مطلع كانون الأول " ديسمبر " جرح عشرون شخطا عندما القيت قنبلة يدوية علي رهط من الجنتود الإسرائيليين في القدس وفي الثامن منه جرح الحاكم العسكري الإسرائيلي من جراء قنبلة القيت علي سيارته وبعد يومين من ذلك التاريخ ابعدت السلطات الإسرائيلية ثمانية من الفلسطينيين البارزين من الضفة الشرقية من الأردن . وكان من بينهم رئيس بلدية البيرة الذي رفض أن يبعد طواعية فضربه الإسرائيليون وجرحوا ذراعه وأرغموه علي الأذعان بالعنف وبعد أيام نسفت السلطات الإسرائيلية بيوت خمسة أشخاص في جنين بتهمة مساعدة الفدائيين