مصطفى إنشاصي
لا أريد هنا أن أكرر المواقف المعروفة عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من اعتراض ونقد البعض له في بعض المسائل ولكن فقط تذكرة لدعاة الدولة والحقوق الفردية والمدنية أنه في الإسلام الحاكم فرد من أفراد المجتمع أمام شرع الله:


جميعنا يعلم أن عمر كان يقضي الليل يتحسس حاجة رعيته خوفاً أن يُقصر في حقهم فيُسأل عنهم يوم القيامة، وفي إحدى الليالي سمع حركة مريبة في أحد المنازل فقام بتسور سور البيت فوجد رجلان من المسلمين يشربون الخمر، وأراد أن يقيم عليهما الحد في الصباح، فاعترضا على ذلك بأنهم يشربا في ستر بيوتهم ولم يخرجوا للشارع ويؤذوا الناس وفي حالتهما ليس من حقه إقامة الحد عليهما شرعاً. لكنه أصر على ذلك فقالوا:


حدٌ بحد! فسأل مندهشاً أي حد يمكن أن يقام عليه؟! فقالوا: أن الله تعالى نهى المسلم عن التجسس وأنت تجسست!
ونهى عن دخول البيوت بدون أذن أهلها وأنت دخلتها دون إذن!
وأمر تعالى دخلوا البيوت من أبوابها وأنت تسورت الجدار!
فما كان منه إلا أن عقد معهم اتفاق ألا يقيم عليهما الحد شريطة أن يتركا شرب الخمر!


باللهِ عليكم يا دعاة الحقوق المدنية أين هي أمريكا داعية حقوق الإنسان من هذا النموذج وهي التي تتجسس على مواطنيها وتراقبهم عبر هواتفهم وشبكات الانترنت والكاميرات الخفية وغيرها، ونصيب الأقلية الإسلامية الأسوأ؟!


وعندما جمع عمر الناس في أحد الأيام وسألهم: لو قلت لكم أني رأيت فلان وفلانة يمارسان فعل الزنا أتصدقونني؟ فقالوا: نعم! وقد كان عازم الأمر على ذكر أسميهما وإقامة الحد عليهما، فقال له علي بن أبي طالب: أمسك! واستطرد: أربعة شهود أو إقامة الحد عليك. أي حد رمي المحصنات! ولم يكن لديه شهود فسكت!


باللهِ عليكم يا دعاة حقوق الإنسان والحقوق المدنية قولوا لنا: كم من المظلومين يقضون في السجون منذ سنوات بدون بينة ولا شهود ولا جريمة أصلاً؟! وكم من الأفراد الذين تنتهك حرماتهم يومياً سواء في بلداننا أو في بلدان الغرب راعي حقوق الإنسان وصاحب الدول المدنية؟! والأمثلة على ذلك كثيرة في حياة الخليفة العادل ولكن الذين أصبحت قبلتهم وقدوتهم هناك في عواصم الغرب عُميت أبصارهم وبصائرهم عن رؤية تلك النماذج وعُقدت ألسنتهم عن المطالبة بحكام يقتدون بها ويطالبون بالنماذج الغربية الزائفة عن الحقوق المدنية والفردية!


أو قد يكون الأمر استدعى من عمر عندما كان يتفقد رعيته في إحدى الليالي ومر بأحد الطرقات فسمع امرأة تنشد:
طَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ وَاسْوَدَّ جَانِبُهْ ... وَأَرَّقَنِي أَلا خَلِيلٌ أُلاعِبُهْ
فَوَاللَّهِ لَوْلا اللَّهُ أَنِّي أُرَاقِبُهْ ... لَحُرِّكَ مِنْ هَذَا السَّرِيرِ جَوَانِبُهْ
فسأل عنها، قالوا له: زوجها غائب في سبيل الله. فأسرع إلى ابنته أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها وسألها: كم تصبر المرأة، أي على فراق زوجها؟ قالت: أربع أو ستة أشهر. فوجه كتاباً مباشرة إلى قادة الجند في كل الأمصار يأمرهم ألا تزيد مدة ابتعاد المجاهدين المتزوجين عن أسرهم أكثر من أربعة أشهر. وهذا النظام تعمل به الآن كثير من الجيوش العربية.


أو عندما علم أن النساء يفطمن أبنائهن قبل أن يبلغوا سنتين من العمر لصعوبة الظروف وحاجتهم لحقهم في بيت مال المسلمين، وذلك يضر بصحتهم وبنيتهم الجسدية في الكِبر، فأمر بعدم الفطام قبل بلوغ الطفل سنتان وأمر بصرف حليب ونصيب للأطفال مثلهم مثل الكبار.


تلك القرارات يقدم طلب بها إلى سكرتارية أو أمانة سر مجلس الشعب (البرلمان) كي يحددوا جلسة أو جلسات لمناقشتها، وقد تطول جلسات النقاش ويتخذوا قرار بعد سنوات أو أشهر من الجدل، وقد يتم تنفيذه وغالباً يتم نسيانه كما يحدث في قضايا مصيرية في هذا الزمن وتحتاج إلى حلول سريعة لكنها تنتظر دورها في البرلمانات العربية، واحسبوا كم من الملايين الذين يتضررون أو يموتون أو يبتلون بأمراض اجتماعية وأخلاقية وهم ينتظر حلول لمشاكلهم، أو قد يكون البعض اعترض على قرارات عمر بأنه لا يوجد نص في القرآن أو السنة يقول بذلك؟ أو اعترض وزير المالية بأن الميزانية لا تسمح أو غير ذلك؟!


ومثلها عندما اقتضت حاجة الدولة إلى تشكيل دواوين وإنشاء سجلات لكتابة أسماء الجند والمواطنين الذين يحتاجون إلى خدمات أو حقوق وغيرها من الأمور الإدارية التي احتاجتها الدولة الإسلامية بعد اتساعها وصدرت فيها قرارات وأنشئت احتاجت إلى نص من القرآن الكريم أو السنة النبوية، أو إلى اجتماع أهل الحل والعقد (الشورى) ومناقشة تلك المسائل والجدل والاتفاق أو الاختلاف حولها؟!


مرتب التقاعد أو الإحالة على المعاش كأول من شرعه كان عمر ابن الخطاب ليهودي وليس لمسلم! كان عمر بن الخطاب يسير يوماً في الطريق فرأى رجلاً يتسول، فسأله عمر عن أمره؟ قال: أنا يهودي؟ سأله: وما ألجأك إلى هذا "التسول"؟ قال الرجل "الجزية والحاجة والسن". فقال عمر: والله ما انصفناك نأخذ منك شاباً ثم نضيعك شيخاً! والله لأعطينك من مال المسلمين، وأمر له بعطية وراتب من بيت مال المسلمين، ومن لحظته وليس بقرار من مجلس الشعب وضع عنه وعن ضرباءه الجزية، وأرسل إلى خازن بيت مال المسلمين فقال: انظر هذا وضرباءه ودفع راتب لهم من بيت مال المسلمين، ثم أرسل إلى عماله في الولايات أمراً بذلك! وقولته هذه بيان إسلامي عالمي في معنى المواطنة ومسئولية الدولة الإسلامية عن المساواة بين كل مواطنيها بغض النظر عن دينهم أو عرقهم ماداموا قبلوا بعهد المسلمين لهم بأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ولم يخونوهم أو يتآمروا عليهم!


وفي عقد الذمة الذي عقده خالد لنصارى الحيرة: "وجعلت لهم أيما ‏شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيا فافتقر، وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طُرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين هو وعياله!
وقصة إعطاء شرحبيل بن حسنة الرهبان من أموال الزكاة مشهورة في التاريخ. بمفهوم العصر وفر لهم حياة كريمة وهم أهل ذمة، أقليات، يا دعاة حقوق المواطنة والدفاع عن الأقليات التي لا يتذكرها الغرب وأمريكا خاصة إلا في وطننا أما المواطنين وليسوا أقليات في دولهم وكثير من حقوقهم مسلوبة ولا يتمتعون بحق المواطنة الكامل لا يذكرونهم!
وقصة عبادة بن الصامت الذي دعا نبطياً يمسك له دابته عند بيت المقدس فأبى، فضربه فشجه، فشكاه لعمر بن الخطاب، فأمره بالجلوس ليقتص منه النبطي الذي قبل بالدية!
أما قصة القبطي الذي قدم المدينة على عمر بن الخطاب شاكياً بأنه تسابق هو وابن عمرو بن العاص والي مصر فسبقه فقام بضربه وقال له: أتسبق ابن الأكرمين؟! فاستضافهما عمر وأرسل إلى عمرو بن العاص وابنه وعندما حضرا قال قولته المشهورة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟! وقال للقبطي اضرب ابن الأكرمين!


أم أن دعاة حقوق الإنسان وحقوق المواطنة الذين يريدون دولة لكل مواطنيها لا يرون من الإسلام إلا فرض الجزية على أهل الذمة - التي لا تساوي شيء بالنسبة لمبلغ الزكاة التي يدفعه المسلم – التي تُدفع مقابل إعفاءهم من الجيش والخدمة العسكرية وتوفير الأمن والحماية لهم، وفي حال عجز المسلمون عن ذلك لا يأخذوها:
وقد رد خالد بن الوليد لأهل حمص ما أخذه من جزية منهم بعد أن تراجع أمام الروم عن حمص.
وكذلك فعل أبو عبيدة بن الجراح ورد لأهل دمشق جزيتهم عندما لم يتمكن من حمايتهم،


وفي الوقت نفسه لم يروا ولم يدركوا معنى أن يقبل عمر بن الخطاب من قبيلة تغلب العربية النصرانية المشاركة في القتال إلى جانب المسلمين مقابل إعفاءهم من دفع الجزية لأنهم رأوا فيها تعارضاً مع أنفتهم العربية، كما كانوا موضع ثقة لا يُخشى منهم خيانة للمسلمين؟!


ذلك غيض من فيض لمَنْ يريد أن يعي ويفهم ليكف عن مهاجمة الإسلام ورميه بما ليس فيه. نحن في حاجة إلى بساطة الإسلام وسرعة حلوله في هذا العصر لإقامة الدولة الإسلامية الحقيقية التي تحترم حق المواطنة بغض النظر عن الدين أو العرق وبعيداً عن التعقيدات والروتين والبيروقراطية وغيرها من ألوان وصور وأشكال المعاناة التي نعيشها في هذا العصر، والتي تتوفر فيها الحرية والحقوق المدنية الحقيقية وليس الزائفة كما في الدول العلمانية المدنية على الطريقة الغربية.