بروفيسور عبد الستار قاسم
اجتمع المسلمون بكافة أطيافهم بممثلين من أربع وخمسين دولة افتراضيا لمناقشة وضع المرأة واحترامها أو احتقارها على المستوى العالمي. وقد تم طرح العديد من الآراء والأفكار الخاصة بهذا الأمر، وصبت أغلب الآراء في أن المرأة على المستوى العالمي ما زالت تعاني من الاضطهاد والاستهتار والعنصرية والتمييز غير المبرر بتاتا والاستعمال كأداة بدون إدراك لإنسانيتها وأهمية أدوارها التربوية والتعليمية والتنموية في المجتمع وعلى الساحة الدولية. وقد توصل المجتمعون إلى اتفاقية لا بد من تطبيقها من أجل صون المرأة والمحافظة على احترامها وكيانها ورفع كفاءتها في مختلف مجالات الحياة لتأخذ دورها الريادي والطليعي في تربية الأجيال وتحقيق الاستقرار والرخاء والتقدم. وفيما يلي بنود هذه الاتفاقية:
أولا: يؤكد المؤتمرون على حقوق المرأة المسلمة وغير المسلمة، ويدعون إلى تحقيق العدالة لها، ومساواتها مع الرجل حيثما تطلب الأمر مساواة. ومطلوب من كل المسلمين، بل من المفروض عليهم، التسليم بكل حقوقها التي نصت عليها التعاليم الإسلامية وعلى رأسها حقها في الميراث وحقها في اختيار الزوج. بل يدعو المؤتمرون إلى ضرورة تطوير قوانين في كل دولة تعطي المرأة حقوقها تلقائيا ودون أن تحتاج للمقاضاة في المحاكم.

ثانيا: يؤكد المؤتمرون إنه لا يجوز بتاتا استعمال المرأة كأداة للترويج للسلع والبضائع، وهذا استخدام ينال من مكانة المرأة لأته يستخدم جسدها أو مفاتنها لجلب انتباه المستهلكين. لا يجوز استخدام جسد المرأة في محافل عامة وفي وسائل الإعلام لإثارة الشهوة ورفع مستوى مبيعات الشركات والمعامل.

ثالثا: يؤكد المؤتمرون على حرية المرأة في المشاركة في الأعمال الاقتصادية والسياسية والتعليمية والاجتماعية ومختلف النشاطات العامة التي تعود بالفائدة على المجتمع. وحريتها في المشاركة ترفع من مستوى استيعابها للقضايا العامة وطرق مواجهة التحديات في المجتمع والدولة. وكلما شاركت المرأة في مختلف النشاطات الفكرية والثقافية والتعليمة تصبح أكثر قدرة على الدفع نحو تقدم المجتمع وبناء الأمة.

رابعا: لا حرية في تجارة الجنس التي تهين المرأة وتحتقرها وتجعل منها سلعة للشهوة والمتعة. المرأة ربة بيت ومسؤولة أسرة ومربية أجيال ولا يحق لأحد استخدامها لتحقيق أرباح مالية تحت عنوان حرية الجسد. وهنا أكد المؤتمرون أن حرية الجسد سواء كان جسد رجل أو امرأة في طهارته ونقائه وبريقه الإنساني، وحسن خلقه. يجب شن حرب على تجارة الجنس وإنقاذ المرأة من العهر والاستغلال. يستغل التجار جسد المرأة من أجل تحقيق الأرباح والانتعاش المالي، وهذا واضح ويتم الترويج له في وسائل كثيرة.

خامسا: استغرب المؤتمرون ربط حرية المرأة بإنجاب اللقطاء. لا حرية بإنجاب اللقطاء لأن في ذلك ما يهدم الأسرة، ويطرح في الشارع من لا يقوون على صناعة مستقبل جيد فينحرفون ويرتفع منسوب الأمراض الاجتماعية. وإذا كان من الحرية إنجاب اللقطاء فإن على المرأة التي تتجاوز أصول الزوجية أن تسجل اسم شريكها لكي يتم التعرف عليه كأب وإقامة أسرة ترعى من يتم إنجابهم. لا يجوز ترك أعداد غير الشرعيين للتزايد في المجتمع لأن في ذلك ما يثقل كاهل الدولة ويثقل كل المجتمع. ثم أين هي الحرية في أن يترعرع طفل دون أن يعرف أباه، ودون أن تكون هناك أسرة يحمل كل فرد فيها همّ الآخرين. الهدف هو بناء مجتمع، والأسرة هي اللبنة الأولى والأساسية لبناء مجتمع صالح يتمتع بمنظومة أخلاقية سامية.

سادسا: جميع أفراد الأسرة يشكلون مجتمع الأسرة وتماسكهم يعني تماسك المجتمع ككل. سن الثامنة عشرة لا يعني الانطلاق خارج العش. طهارة المرء سواء كان رجلا أو امرأة في منزله، في بيته، بين أفراد أسرته،. وما يعنيه المؤتمرون بالطهارة هو تحصين الفرد أخلاقيا، وتشجيعه على الإنجاز والمشاركة في النشاطات التي ترفع من مستوى المجتمع في مختلف مجالات الحياة. أما الانفلات الجنسي وتغييب الأسرة فيؤديان إلى تدمير المجتمع.

سابعا: حذر المؤتمرون من الانجرار وراء القيم الاجتماعية الغربية التي ما زالت تساهم في تدهور المجتمعات وإضعافها. صحيح أن أهل الغرب شجعوا العلماء والبحث العلمي والاختراع، ولهم كل الشكر على ذلك، لكن منظومتهم القيمية تؤخر ولا تقدم. هناك أمور لديهم يتم استحسانها مثل إقبالهم على العمل والإصرار على حرية الرأي والتعبير والتنافس على الإنجاز والابتعاد عن التدخل في الحياة الخاصة للناس، واحترام العامل والأجير والحرص على المستوى العلمي والمدارس والجامعات، الخ. هناك أمور جيدة ينفع التمسك بها المجتمعات ويدفع باتجاه العطاء والتقدم، لكن الكثير من ممارساتهم بحق المرأة تدفع إلى الخلف والتخلف. ويبدو أن العديد من المسؤولين العرب ومن ضمنهم مسؤولين فلسطينيين يعشقون ما يؤدي إلى التخلف ويعزفون عما يؤدي إلى التقدم.

ثامنا: طرق وأساليب رفع مستوى المرأة الاجتماعي والثقافي والفكري معروفة وواضحة، ولا تحتاج إلى الكثير من التعمق الفكري والجدل. إنما من المهم والواجب المفروض أن يحترم كل المسلمين نساءهم وبناتهم، ويعملوا جهودهم من أجل إزالة كل أنواع التمييز ضدهن. الله سبحانه خلق الناس جميعا من نفس واحدة وجعل بينهم مودة ورحمة. وإذا كان لقيم اجتماعية دخيلة أن تخترق الصفوف فذلك بسبب الثغرات التي يخلفها المسلمون. فلا تتركوا ثغرات يدخل منها من لا يريدون خيرا بالأمة.