150 عاماً على ولادة سيغموند فرويد
ماذا تبقى من نظرياته في التحليل النفسي؟
يحتفل العالم هذه الأيام، بالذكرى 150 لولادة سيغموند شلومو فرويد «6أيار 1856- 23 أيلول 1939» الذي يعتبر واحداً من أهم مؤسسي الطب النفسي على مستوى العالم حتى يومنا هذا. قوانين كثيرة ونظريات مختلفة توصل إليها فرويد خلال عمله في تحليل النفس البشرية، لكن قسماً كبيراً منها، لم يعد يعمل به في وقتنا الحالي، نتيجة تطور أبحاث ودراسات حديثة عدلت البعض من نظريات فرويد، ونفت صحة المناهج والأساليب الأخرى، تحديداً فيما يتعلق بأساليب المعالجة السريرية، لكن أحداً لا يستطيع إنكار الدور الكبير الذي لعبه، وساهم به فرويد في التأسيس للطب النفسي وتشريح النفس البشرية، بأساليب علمية بعد أن كان ينظر إلى عيوبها ومشاكلها، على أنها أعمال سحر أو شعوذة أو نتيجة قوى غيبية. حظي فرويد باهتمام كبير من والديه، دوناً عن بقية أخوته السبعة، نظراً لتفوقه المبكر في دراسته العلمية، لدرجة لم يكن والداه يسمحان لبقية أخوته باللعب أو إصدار ضجيج في المنزل، لأن هذا كان يزعج فرويد ويمنعه من التركيز في دراسته. ونظراً لتفوقه الاستثنائي، التحق فرويد بكلية الطب مبكراً وهو بعمر السابعة عشرة، لكن سنوات الدراسة الأربع المقررة لحصوله على الشهادة، امتدت إلى ثمانية أعوام، نتيجة كثرة اهتمامه بأبحاث ومجالات علمية مختلفة بعيدة عن مجال دراسته. وعبر فرويد مرات عدة عن عدم اهتمامه بأن يصبح طبيباً بالمعنى التقليدي، بقدر اهتمامه بالبحث العلمي، وبشكل خاص علوم التشريح البيولوجي، وهذا ما جعله يختص في مجال تشريح البنية العصبية للإنسان. بداية مشواره التطبيقي والعملي في مجال البحوث العلمية، كانت مع بداية عام 1880، عندما تعرف على الطبيب جوزيف بروير، الذي كان يعتبر واحداً من أشهر أطباء فيينا، ولعب دور الناصح والمرشد في حياة فرويد المهنية، كذلك ساعده مادياً مرات كثيرة، من أجل متابعة أبحاثه، بعد أن أعجب بأسلوبه الجديد والمختلف كلياً عن كل ما سبقه، فيما يتعلق بعلاج مرض الهستريا أطلق عليها فرويد تسمية «التفريغ» وتتلخص باستخدام الإيحاء التنويمي في معالجة المرضى، بمعنى محاولة تذكر الأحداث التي لم يستطيعوا تذكرها في حالة اليقظة التامة، بما فيها المشاعر والانفعالات الخاصة بالحدث، مما يساعد المرضى على التنفيس عن طريق الكبت الذي يعانون منه.في عام 1885 شهدت حياة فرويد العملية نقلة كبرى، عندما عين محاضراً في علم أمراض الجهاز العصبي، وتسلم على إثرها فرويد منحة مالية صغيرة مكنته من السفر إلى باريس، والعمل تحت إشراف الطبيب الفرنسي المشهور «جين شاركوه»، الذي استخدم التنويم المغناطيسي في علاج مرض الهستريا. ويعتبر هذه اللقاء مهماً جداً في حياة فرويد لكونه تعلم -من «شاركوه»- إمكانية علاج مرض الهستريا، باعتباره مرضاً نفسياً وليس اضطراباً عضوياً كما كان يشاع وقتها، وأيضاً لسماع فرويد من معلمه الجديد كلاماً يؤكد أن أساس المشكلات التي يعاني منها أحد المرضى الذين يخضعون للعلاج على يده، منشؤه جنسي، هذا ما بقي عالقاً في ذهن فرويد طويلاً قبل ان يتجه في أبحاثه كلها، نحو البحث والعمل على إمكانية أن تكون المشكلات الجنسية التي يعاني منها بعض البشر، سبباً أساسياً في الاضطرابات النفسية التي يعاني منها بعض المرضى النفسيين.في عام 1895 نشر فرويد واحدة من أهم مقالاته، التي تضمنت بحثاً عن مرض الهستريا، الذي تحول فيما بعد إلى نقطة انطلاق في تاريخ معالجة الامراض النفسية والعقلية، وحجر أساس لنظرية التحليل النفسي. وجاء البحث في موضوعة محددة تناولت أهمية الحياة العاطفية في الصحة العقلية اللاشعورية، وبينت ان كبت الميول والرغبات الجنسية، يحولها عن مسارها الطبيعي إلى أماكن غير طبيعية، مما يساعد في تطور مرض الهستريا.لم يتقبل الأطباء المعاصرون لفرويد نظريته الجديدة بسهولة، إنما لاقت اعتراضات بالجملة، لكن فرويد تابع أبحاثه وتجاربه على الرغم من مهاجمة معارضيه، إلى أن استطاع كشف الأسباب النفسية لمرض الهستريا، هذا ما حفزه على تطوير أبحاثه وتجاربه على أمراض عصبية ونفسية أخرى، ومحاولة الربط بينها وبين الاضطرابات والغريزة الجنسية، حتى وصل إلى خلاصة مفادها: إن أي اضطراب يصيب الغريزة الجنسية عند الإنسان، يمكن اعتباره السبب الأول والمباشر للأمراض النفسية والعصبية التي من الممكن أن تصيبه. لكن تعصبه لوجهة نظره وأسلوبه في البحث العلمي، جعله يعمل بعيداً ووحيداً، على أثر خلافات بالجملة جمعته مع أصدقائه وزملائه في العمل.من أهم النتائج التي وصل إليها فرويد لاحقاً، هي قدرته على تحليل النفس البشرية إلى ثلاثة مستويات أو أنظمة: الهو، الأنا، الأنا الأعلى. وعرف الشخصية البشرية على انها محصلة تفاعل واختلاط بين هذه الأنظمة الثلاثة. لكن بعد موت فرويد، تطورت العديد من المناهج والمدارس والأساليب في العلاج النفسي، والدراسات المختلفة التي تتقاطع مع الكثير مما تركه فرويد من نتائج، وهناك البعض الآخر الذي عمل على نسف كل ما جاء به فرويد وأعاد العمل مجدداً على أبحاث ودراسات جديدة، وبين هذه وذاك لا يستطيع أحد في يومنا هذا إنكار الجهود والنتائج التي توصل إليها فرويد، الذي كان وما يزال واحداً من أهم الأسماء والعلماء الذين لعبوا دوراً هاماً في فهم النفس البشرية، ومن ثم معالجة أمراضها ، وما أكثرها!.

أنس زرزر

http://www.albaath.news.sy/user/?id=1153&a=102688