الكتابة عند المرأة العربية تفجير للمكبوت والمخفيتعاني المرأة العربية الكاتبة عبر مسيرة حياتها الثقافية صعوبات جمة وتأثيرات اجتماعية وأدبية ونفسية من خلال النظرة الضيقة لدورها من قبل الرجل والمجتمع العربي..
وبقدر ما سنتحدث عن دور المرأة الكاتبة سيكون الرجل حاضراً في الحديث داخل سياق من الصراع والحرب اليومية تارة، والتفاعل والتساكن تارة أخرى، مع الإقرار بأن هناك (جنوناً) ذكورياً خاصاً يتلخص في القول بأن الرجل أقوى من المرأة دوماً، هناك شيء لا واع في الرجل يقاوم الاعتراف بالقدرة التي يمكن أن تحوزها المرأة، اللهم إلا القدرة على الخيانة والكذب، هي إذن لا تقدر على الكتابة أو الإبداع، هي تضع وتلد فقط، أما فعل الإبداع والكتابة فهو المجال الخصوصي للرجل لأن التاريخ يعلمه أن المرأة برهنت على عدم إمكانية الإبداع والتحديد والاكتشاف، وهذا واقع حضاري قائم في عرقه.
إن المرأة العربية تلقى هكذا في مجال الكتابة لأن التاريخ الذكوري يزرع فيها القناعة ويضيقها بعدم قدرتها على الابتكار، من هنا تبدأ المرأة بالابتعاد عن مجال الإبداع والكتابة لأنها تشعر بخوف لا مثيل له من هذا العالم السحري المرتب من طرف الرجل، إنه موضوع مؤطر حسب استراتيجية ذكورية معلومة ومساهمة المرأة في هذا النظام من خلال فعل الكتابة لا يمكن أن يتم إلا بعد تقديم تضحيات لا حصر لها بحيث تعرف مسبقاً أن هذه التضحيات هي قدرها، كالموت والمرض، لكن النظام الرمزي الذكوري السائد حين يسمح للمرأة العربية بإعلان كتابتها لا ينطلق في ذلك من تقدير لقيمة ما تكتب وما تنتج بقدر ما يسعى إلى توريطها وإبرازها ككاتبة ضعيفة لا تستطيع الالتحاق بمستوى كتابة الرجل، ويعمل على إشعارها بأنها ناقصة، لا تبدع إذا كتبت، وبالتالي يغدو النظام الذكوري فخاً لا حدود له في إمكانية تسهيل الانتقاص من إبداع المرأة....
إن الرجل يسعى إلى تسييج حرية المرأة وإلى فرض كتابته ككتلة عبقرية مطلقة يستحيل أن تضاهيها كتابة المرأة الضعيفة، إن الأمر يتعلق بصراع قوي وبمسألة حرية، فالرغبة في اكتساح حرية كلية تستدعي إلغاء حرية الآخرين على اعتبار أن الآخرين يشكلون عوائق تصطدم بها هذه الرغبة في الحرية الكليانية، وهكذا فبالنسبة للرجل (تأكيده على اختلافه الجوهري مع المرأة يعني تأكيداً على وعي في حالة قوة شبه رباني أي تأكيده على جوهر).
وحين تفرض كتابات المرأة العربية ذاتها داخل التنسيق الذكوري ولو باعتبارها هامشاً ينعتها الرجل بأنها ليست امرأة ولا تستجيب لخصائص الأنوثة الضرورية للمرأة، فهي تفتقد إلى الماهية والعناصر المؤسسة لجوهرها هي كائن لا ملامح له لأنها فقط، صورة المرأة.
هكذا نجد (المرأة الكاتبة) محاصرة على كل الأصعدة: في وجودها، في قيمها، في إبداعها، في حريتها، ونجد أن سلطة الرجل تترصدها على الدوام، حتى وإن تغيرت لها الأوضاع والعقليات وتمكنت من التعبير بالكتابة عن رغبتها في التساوي مع الرجل.
فالمرأة كائن حسي سجين أشياء ولا يمكن أن يرقى إلى مستوى متقدم فكري، لأن هذا المستوى من اختصاص الرجل وبذلك يكرس الرجل ويغذي الثنائية الميتافيزيقية للسعادة والعقل ويصبح جسد المرأة هو السلبي المستكين وعقل الرجل عنصراً إيجابياً فاعلاً، من هنا يأتي الحلم العارم الذي يمتلك كل رجل في الخلود.
إن المرأة العربية كثيراً ما تتخذ من الكتابة وسيلة لحل تناقضاتها مع الرجل أو الأم أو المجتمع الذكوري بشكل عام، هي لا تكتب من أجل السيطرة على الرجل كما يفعل هو بواسطة القانون والأدب، لأنها حين تريد أن تسيطر عليه تستعمل كتابة موضوع خاص لا يفقه الرجل تفكيك رموزه بسهولة، فهي ترمي في الكتابة والكلام إلى تفجير كل شروح جسدها وتموجاته، ومع ذلك تبقى كتاباتها بعيدة كل البعد عن رغبتها العارمة في الإطاحة باللغة الضرورية لصياغة رغبتها في الكتابة لمحاولة الرد على القهر الوجودي العام الذي تمارسه عليها العلاقات الاجتماعية والأخلاقية والنفسية الذكورية.
فالكتابة إذاً هي تفجير للمكبوت والمخفي، والمرأة من خلال مختلف أشكال كتابتها الجسدية والرمزية تستدعي المكبوت المتراكم عبر الزمن لتعلنه في حوارها، صراعها، مع الرجل، خصوصاً حين تقترن هذه الكتابة مع الحركات النسوية، مع ذلك يمكن أن نتساءل: إلى أي حد تمكن الخطاب التحرري النسائي العربي من صياغة ملامحه وتحديد بدائله، وهل اللغة والخطاب يسعفان استراتيجياً، هذه العملية الشاملة والجذرية في الصياغة؟.
والجواب هو أن جل الكتابات العربية المتعلقة بمبدأ المرأة سواءً قام بها الرجال أو النساء والتي تريد أن تعطي لنفسها أبعاداً تحررية تنسى أن اللغة لا تخضع دوماً لثبات الخطاب، والخطاب بدوره يمكن أن يتغلب على ذاته دون أن يمكن المرء من إدراك ذلك لأنه فيه تلتقي الحضارة بالتاريخ وبالسياسة وبالسيكولوجيا، فاللغة ليست وسيلة تعبير أو للتواصل وتبادل المشاعر والأفكار إنها مسكن الكائن ومأواه كما يقول الكاتب (هاديغر)، وبها يعمل بشكل لا واعٍ على صياغة هويته وإعلان ذاته للآخر والآخرين.
ومن هنا فإن المرأة العربية الكاتبة تصوغ كتاباتها بشكل مختلف تماماً عن أشكال كتابة الرجل سواءً تعلق الأمر بالكتابة المخطوطة أو أشكال الكتابات التي لا تتوقف المرأة عن ممارستها الثقافية، فالمرأة باعتبارها كائناً مختلفاً في تكوينه وجسده عن الرجل وباعتبار تواجدها في مجتمع ذكوري، تعمل على الدوام على إظهار نفسها بشكل مغاير، ولكي تغرس حبها وتؤسس علاقة مع الآخر تنتخب الصورة التي تحملها عن ذاتها أكبر من جسدها الحقيقي الواقعي.
ويمكن القول: إن المرأة العربية في كتاباتها تنطلق من فضاء يحكمه الاختلاف بأنها تريد أن تضع الرجل أمام ما يريد تجاهله، وكما تقول الكاتبة هيلين إكسواس (لأنني أكتب عن رجل الحب وانطلاقاً منه إنني أكتب به الكتابة والحياة سيان، الكتابة حركة الحب).
نستخلص من كل ما تقدم أن المرأة الكاتبة تمتلك مناصة لا متناهية لصياغة الرموز والكتابة، فعلينا أن نفك الأسوار من حولها لأنها تمتلك سلطة هائلة تتمثل في قدرتها على الإغراء والجذب من بعيد من خلال خلف المسافة، ومن هنا فإن التعامل مع المسافة التي تنسجها المرأة بإغرائها يقتضي التموضع ضمن مسافة هذه المسافة.

د. رحيم هادي الشمخي

http://www.albaath.news.sy/user/?id=908&a=81519