الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل
وضعها فوق القانون الدولي
د. غازي حسين
تنطلق «إسرائيل» من عنصرية اليهودية والصهيونية والقوانين الإسرائيلية التي صاغها مؤسس «إسرائيل» دافيد بن غوريون ويشرعها المستعمرون اليهود، والتي لا مثيل لها على الإطلاق في التاريخ البشري، حتى إبان النازية في ألمانيا والأبارتايد في جنوب إفريقيا، فالصهيونية أسوأ من النازية، وإسرائيل أسوأ من ألمانيا النازية، والصهاينة فيها أسوأ من النازيين وأسوأ بني البشر على الإطلاق.
تعود عنصرية القوانين الإسرائيلية إلى مصدرين أساسيين: الأول: عنصرية التوراة والتلمود.
والثاني: عنصرية الصهيونية التي استمدت عنصريتها من عنصرية اليهودية والحركات العنصرية واللا سامية في القرن التاسع عشر في ألمانيا وفرنسا وخاصة عنصرية ـ فريدريش نيتشه، حيث استبدل آحاد عام (غيزنبيرغ) «اليهودي» بالآري في نظرية النخبة.
وصاغ بن غوريون عنصرية القوانين الإسرائيلية في قانوني العودة والجنسية على أساس الدين اليهودي وقوانين الأراضي والطوارئ والأحوال المدنية وغيرها العنصرية.
وجاءت حكومة نتنياهو العنصرية وزادت من تشريع قوانين عنصرية جديدة، مما جعل «إسرائيل» أكبر دولة عنصرية ظهرت في تاريخ البشرية.
لقد رسخ كتبة التوراة والتلمود أن فلسطين هي أرض الميعاد من النيل إلى الفرات، وصاغ الآباء الصهاينة أكبر أكذوبة صهيونية وهي »أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»
وأكد بن غوريون عند تأسيسه لإسرائيل أن خارطة «إسرائيل» هي من النيل إلى الفرات، وأن لا معنى لإسرائيل بدون القدس ولا معنى للقدس بدون الهيكل.
وأقام السفاح شارون جدار الفصل العنصري في داخل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها «إسرائيل» في حرب عام 1967، ويؤكد نتنياهو مراراً وتكراراً أن الضفة الغربية بما فيها القدس أراض يهودية محررة وليست محتلة خلافاً لقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة التي تعتبرها أراض فلسطينية محتلة. وأصدرت حكومة نتنياهو أكبر مجموعة من القوانين العنصرية منذ تأسيس «إسرائيل» وحتى اليوم وعلى أساس عنصري ضد الفلسطينيين لكونهم عرباً وليسوا يهوداً.
وطبعت هذه الينابيع والقوانين العنصرية «الصهيونية» في القرار الأممي رقم 3379 الذي أصدرته الأمم المتحدة في عام 1975 بالعنصرية والتمييز العنصري، ولا تزال القوانين العنصرية تصدر في «إسرائيل» حتى يومنا هذا، مما طبع عنصريتها بعنصرية الدولة وعنصرية القوانين الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي.
ويبحث العقل اليهودي عن خطط «خلاّقة» لشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وترحيل الفلسطينيين داخل إسرائيل أي من الناصرة وكفرياسيف وعكا وأم الفحم بموجب رؤية الدولتين إلى دويلتهم الفلسطينية المزمع إقامتها كمصلحة إسرائيلية ولإنهاء الصراع، والاعتراف الفلسطيني والعربي بيهودية الدولة.
وتعمل إسرائيل حالياً بدعم من اليهودية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية بتسويق خطة يهودية عنصرية واستعمارية خطيرة وحقيرة بوضع ما يسمى مشكلة المهاجرين اليهود من البلدان العربية مقابل مشكلة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
وتعتبر «إسرائيل» نفسها دولة جميع اليهود في العالم، ورفعت الصهيونية العالمية وإسرائيل فيما بعد عدد اليهود في فلسطين منذ عام 1918 من (60) ألفاً إلى حوالي ستة ملايين ونصف المليون.
وعملت على تهجير يهود ألمانيا والنمسا وبولندا إلى فلسطين واستغلت المبالغة في اضطهاد اليهود الاندماجيين غير الصهاينة في عهد هتلر لإقامة إسرائيل وترحيل الفلسطينيين.
وقامت «إسرائيل» بترحيل يهود البلدان العربية إليها لزيادة طاقاتها العسكرية والاقتصادية والاستيطانية، فالصهيونية وإسرائيل والدول الغربية هم الذين هجروا ودعموا تهجير يهود البلدان العربية إلى فلسطين المحتلة، لذلك لا يمكن على الإطلاق الأخذ بقول «إسرائيل» أنها احتضنت اللاجئين اليهود من البلدان العربية وإن على البلدان العربية توطين اللاجئين الفلسطينيين فيها، وترفض استعادة اللاجئين الفلسطينيين لأراضيهم وممتلكاتهم في الوقت الذي يحق لليهودي من أصل مصري أن يستعيد أملاكه في مصر وحتى في ألمانيا وفي العديد من البلدان العربية الأخرى.
إن طرح «إسرائيل» التعويضات عن أملاك اليهود في البلدان العربية والتي بحسب زعمها تتجاوز أراضي وأملاك الفلسطينيين يعني شطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم في البلدان العربية، وأن على الدول العربية أن يدفعوا للإسرائيليين ولإسرائيل زيادة الفرق في قيمة أملاك اليهود.
ويعني هذا إن إسرائيل واليهودية العالمية تفتش عن مصادر تمويل جديدة بعد أن أرهقت ألمانيا والنمسا وسويسرا بدفع التعويضات واكتفت بالأموال والأسلحة المجانية التي حصلت عليها وتتجه بالمستقبل لابتزاز دول الخليج العربية والحصول على الأموال الطائلة منها بدعم وتأييد كاملين من الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد رفع قادة «إسرائيل» والأحزاب الصهيونية والدينية والمستوطنون اليهود عنصرية الدولة الإسرائيلية تجاه العرب إلى مستوى القداسة الدينية، مما يلبس إسرائيل لباس أخطر وأحقر دولة عنصرية في العالم القديم منه والحديث، بل وأخطر من ألمانيا النازية لانتهاك إسرائيل العهود والمواثيق الدولية التي وضعت بعد الحرب العالمية الثانية ولم تكن موجودة إبان النازية.
ثبت بجلاء للأمم المتحدة وجميع المنظمات الدولية والرأي العام العالمي أن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين قد نتجت عن مخططات ولجان الترحيل التي وافقت عليها المؤتمرات الصهيونية وشكلتها الوكالة اليهودية في فلسطين والحكومة الإسرائيلية، وحققتها جراء ارتكاب المجازر الجماعية بحق الفلسطينيين كمجزرة دير ياسين والحروب العدوانية وأهمها حرب عام 1948 وحرب عام 1967 العدوانيتين.
فهي إذاً التي تسببت بنشوء مشكلة اللاجئين وترفض حلها بالسماح لهم بالعودة إلى ديارهم التي أُخرجوا منها تطبيقاً لمبادئ القانون الدولي والعهود والمواثيق والقرارات الدولية.
وتتحمل «إسرائيل» التي جاءت من وراء البحار واغتصبت فلسطين بالحروب والمجازر الجماعية تجاه الشعب الفلسطيني المسؤولية التاريخية والقانونية والسياسية والمادية عن ترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم وسياسة التطهير العرقي التي مارستها وتمارسها بحقهم وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها والمسؤولية المادية عن قتل مئات الآلاف من الفلسطينيين والعرب وعن تدمير أكثر من 560 من القرى والبلدان ومئات الآلاف من المنازل الفلسطينية.
ووصلت وحشية وهمجية إسرائيل حداً تستكثر فيه على الفلسطينيين حتى صفة اللاجئ التي أسبغتها الأمم المتحدة على عدة ملايين من أبناء الشعب الفلسطيني ممن رحلتهم وشردتهم بعيداً عن ديارهم وخارج فلسطين، وأنشأت الأمم المتحدة هيئة الأونروا لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين حتى عودتهم إلى ديارهم التي هجروا منها بموجب القرار المعروف بقرار العودة والتعويض رقم 194، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 237.
وتتصاعد عنصرية «إسرائيل» والقوانين الإسرائيلية يوماً بعد يوم في القرن الحادي والعشرين لأن الولايات المتحدة الأمريكية وضعت إسرائيل فوق القانون الدولي والقرارات الدولية وقوى مبادئ الحق والعدالة والإنصاف والعهود والمواثيق الدولية.
بدأت «إسرائيل» وأنصارها من أعضاء الكونغرس الأمريكي بحملة نزع صفة اللاجئ عن أبناء وأحفاد الذين هجرتهم بالحروب العدوانية والمجازر الجماعية بذريعة أنهم ولدوا بعد النكبة، على الرغم من أن جميع الدول العربية التي ولدوا وترعرعوا فيها لا تمنحهم حقوق المواطنة ولا جنسيتها تطبيقاً لقرار جائر اتخذته جامعة الدول العربية وألحق أفدح الخسائر والأضرار والعنصرية بأبناء وأحفاد اللاجئين في الدول العربية، بالإضافة إلى ممارسة إسرائيل العنصرية والإرهاب و الإبادة وتدمير المخيمات داخل فلسطين.
ويتعرض اللاجئون الفلسطينيون إلى حملة من الكونغرس الأمريكي لدعم الرواية الصهيونية المنطلقة من عنصرية اليهودية والصهيونية والقوانين والممارسات الإسرائيلية وتسويقها للمنظمات الدولية والأمم المتحدة بتغييب أكبر عدد ممكن من اللاجئين الفلسطينيين بإلغاء صفة اللاجئ عنهم.
وأقر الكونغرس الأمريكي مؤخراً تعديلاً على قانون اقترحه العضو الجمهوري مارك كيرك بالتشاور مع عضو الكنيست عينات ويلف يهدف إلى نزع الشرعية الدولية عن أبناء وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين أسوة بالقوانين العنصرية التي أقرتها حكومة نتنياهو، أكثر الحكومات عنصرية وفاشية في تاريخ الكيان الصهيوني.
وتعمل إسرائيل واللوبيات اليهودية على نزع صفة اللاجئ عن أكبر عدد ممكن من اللاجئين باستغلال دعم الإدارات الأمريكية والكونغرس الأمريكي للاستعمار الاستيطاني اليهودي وعنصرية وإرهاب إسرائيل وثقل الولايات المتحدة ووزنها وسيطرتها على الأمين العام للأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتهديد بقطع الأموال التي تقدمها لشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وتبادل الأراضي والاعتراف الفلسطيني والعربي بيهودية الدولة بإقامة أكبر غيتو يهودي عنصري وإرهابي في قلب المنطقة العربية والإسلامية.
يؤكد القانون الدولي أن صفة اللاجئ لا تنطبق فقط على الشخص الذي تعرض للاضطهاد والتهجير وحده بل وأيضاً على ذريته من أبناء وأحفاد، وأن حق العودة إلى ديارهم ينطبق على هؤلاء جميعاً.
إن اللاجئين الفلسطينيين يعانون أبشع أنواع الاضطهاد والعنصرية والتمييز العنصري داخل إسرائيل وفي البلدان العربية التي يعيشون فيها باستثناء سورية التي ساوتهم بمواطنيها، ويتمسكون بحقهم في العودة إلى ديارهم بسبب معاناتهم الدائمة والمستمرة في البلدان المذكورة.
إن قضية فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية، وهي جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، وأن حق عودتهم اللاجئين إلى ديارهم جوهر قضية فلسطين، وأن لا استقرار ولا سلام في منطقة الشرق الأوسط وبقية العالم إلا بعودتهم إلى ديارهم، وإقامة الدولة الديمقراطية العلمانية في كل فلسطين التاريخية والتي تساوى فيها جميع المواطنين بالحقوق والواجبات، وأن مصير إسرائيل، ككيان صهيوني واستعمار استيطاني ونظام إرهابي وعنصري وغدة سرطانية خبيثة إلى الزوال.