بعد انقطاع الكهرباء عن أجزاء من أمريكا وكندا
ثغرات تهدد التكنولوجيا الرقمية!
* إعداد محمد الزواوي
لقد ظهرت تصدعات وشروخات في حلمنا بمستقبل عال للتقنية عندما حدث ذلك الانقطاع التام في الكهرباء في شمال أمريكا، وغصت مدن شمال شرق الولايات المتحدة ومعظم أنحاء مقاطعة أونتاريو الكندية بالظلام الدامس، مما أدى إلى تشريد عشرات الآلاف من الناس، وإرجاعهم ثانية إلى حقبة ما قبل العصر الرقمي الذي نعيشه اليوم. وقد استغرق الأمر بالنسبة لكثير من الناس أكثر من مجرد اتصالات هاتفية أرضية مكثفة قبل أن يكتشفوا أن انقطاع التيار تعدى كونه مجرد ظاهرة محلية في منطقتهم، فقد شمل انقطاع التيار الكهربائي في شمال أمريكا مساحة تجاوزت أكثر من 15 مليون كيلو متر مربع.
أما بالنسبة للذين يستخدمون الهواتف المحمولة فلم يكن الأمر سهلاً عليهم، فمعظم أبراج التوصيل الخاصة بالهواتف المحمولة والتي تعتمد على الكهرباء قد تعطلت تماما، مخلفة وراءها مستخدمي الهواتف المحمولة في حالة من العجز التام، ولم يكن في يدهم سوى مجرد أدوات بلاستيكية لا تستطيع إجراء اتصالات بأي مكان.
وقد ظلت بعض الهواتف المحمولة تعمل في بعض المناطق بسبب وجود مولدات بديلة لديها، مما وضع أصحابها تحت طلب كثيف، ففي أحد شوارع تورنتو كانت هناك فتاة تعرض استخدام هاتفها المحمول نظير دولارين للدقيقة، وقالت الفتاة التي تبلغ من العمر 18 عاماً: «انظروا! الكهرباء انقطعت، يجب علينا أن نسرع ونستغل الموقف، فهذا شيء ثمين يجب ألا يفوتنا!!».
ولوحت هي وأصدقاؤها الخمسة بدولاراتهم الثمانية التي كسبوها في أول خمس دقائق من حملتهم بعد انقطاع الكهرباء.
مواقع الإنترنت
وكان الوضع سيئا أيضا بالنسبة لمواقع الإنترنت التي كانت تعتبر دوما على أنها الملاذ الأخير في أوقات الأزمات، ولكنها أصبحت هي الأخرى بلا فائدة، فبالرغم من أن الإنترنت كان لا يزال يعمل في معظم الأنحاء، إلا أن مستخدمي الشبكة لم يستطيعوا فتح حاسباتهم الشخصية للدخول على الإنترنت بسبب انقطاع الكهرباء، وحتى عندما عادت الكهرباء لم يستطع الكثيرون الدخول على الإنترنت بسبب الضغط الكبير على شبكات الكهرباء مما أدى إلى تعطل الكثير من نقاط التحويل المحلية. ومن حسن الحظ أن معظم أنظمة الهواتف الأرضية كانت لا تزال تعمل، ولكن في معظم الأحوال كانت دون الميزات الإضافية مثل إظهار رقم الطالب والتي تحتاج إلى مصادر طاقة إضافية.
وفي شركة Bell Canada قال المتحدث باسم الشركة أندرو كولي ان أنظمة الهاتف وخدمات الإنترنت ظلتا تعملان دون انقطاع، كما ظلت شبكات الشركة تعمل بصورة جيدة، ولكن نتيجة للضغط الكبير على الشبكات قال ان الشركة طالبت العملاء بألا يستخدموا هواتفهم المحمولة والخطوط الأرضية من وإلى المناطق المتأثرة بانقطاع التيار إلا في الأغراض الأساسية، وبألا يطلبوا أرقام الخدمات أو الطوارئ مثل 911 من أجل طلب معلومات عن الوضع الحالي لكيلا يحدث مزيداً من الضغط على الشبكات. ولكن حتى أولئك الذين استطاعوا الدخول على الإنترنت لم يستطيعوا الدخول على بعض المواقع، فقط ظل موقع Globeandmail.com يعمل على مولد طاقة احتياطي مثله مثل موقع بورصة الأوراق المالية في تورنتو
CBC.ca، ومواقع أخرى مثل Google.ca
وCanada.com، في حين ظلت مواقع كندية كبرى لا تعمل حتى بعد مرور 24 ساعة من انقطاع الكهرباء مثل مواقع Eye.net وThestar.ca Thespec.com .
الإذاعة تقود الطريق
وقد وجد الناس أنفسهم مجبرين على الحصول على الأخبار عن طريق الوسائل التقليدية القديمة، فالمسافرون الذين ظلوا محبوسين في قلب المدن المزدحمة بشدة لساعات طويلة كانوا يستمعون إلى مذياع سياراتهم، ولكن فقط لمحطات إذاعية معينة.
ففي تورنتو على سبيل المثال تعطلت شبكات إذاعية كبرى مثل 680News الإخبارية التي ظلت معطلة لفترة طويلة قبل أن يقوم العاملون في شركة Rogers
Radio المالكة للإذاعة باستخدام المولدات
البديلة في حالات الطوارئ، في حين عانت محطات إذاعية أخرى تابعة للشركة من فترات انقطاع متفاوتة، مثل محطات
CHFIFM وAM590 وJackFM، كما صرح
بذلك السيد شك ماكوي نائب الرئيس والمدير العام لشركة Rogers Radio.
وكغيرها من محطات الراديو العادية التي تعمل على موجات AM كان يجب على شركة 680News أن تعتمد على مصادرها للطاقة لتتمكن من إذاعة الأخبار، أما المحطات التي تعمل على موجات FM والتي كلها تذيع من برج CN في تورنتو فقد كانت في حاجة إلى طاقة بسيطة من أجل إرسال إشارات البث إلى أجهزة الإرسال، وقد أكد القائمون على أنظمة الطاقة البديلة في حالة الطوارئ الخاصة بالبرج أن كافة المحطات التي استطاعت أن تستقبل تلك الإشارات يمكنها أن تعيد بثها ثانية.
أما محطة CBCTV الإخبارية فقد ظلت فترات من الصمت قبل أن يتمكن فنيوها من تشغيل مولدات الطاقة البديلة وإيجاد طرق أخرى لبث إشاراتها التلفزيونية عبر البلاد، وفي النهاية استطاعت نشرة
CBC Newsworld أن تستمر في البث من
خلال فرعها في كالياري الإيطالية.
أما إذاعة CBC1 (والتي تذيع على الموجة 99 ،1FM) فقد تعرضت إلى فترة طويلة من الصمت هي الأخرى قبل أن يقوم المذيعون بالانتقال إلى قناة CBC2 (والتي تعمل على الموجة 94 ،1FM)، واستطاعت أن تقوم بتغطية متواصلة عن حالة انقطاع الكهرباء في البلاد.
أما محطة الحوارات الإذاعية CFRB وهي واحدة من الإذاعات الرسمية التابعة لمدينة تورنتو، فقد ظلت على الهواء دون انقطاع واستمرت في تغطيتها لمجريات الأحداث هي الأخرى.
الأنظمة الرقمية
لقد أضيرت الكثير من الصناعات التي تحولت إلى الاعتماد على الأنظمة الرقمية مؤخراً، وبخاصة تلك التي تقوم بتنفيذ أعمالها عن طريق شبكة الإنترنت، وبالرغم من أن بعضا من تلك الشركات كانت لديها مولدات طاقة بديلة، إلا أن عملاءها لم يستطيعوا الوصول إلى الخدمات التي تقدمها تلك الشركات بسبب انقطاع وسائل الطاقة عنهم.
وقد ألغيت الكثير من رحلات الطيران أو تم تأجيلها بسبب انقطاع الكهرباء، مخلفة وراءها آلاف المسافرين الذين قضوا ليلتهم نائمين على مقاعد المطارات أو يبحثون عن أماكن خالية في الفنادق، وقد تم تحويل أكثر من ألف مسافر إلى مطار مدينة وينيبيج المجاورة التي لم تتأثر بانقطاع التيار الكهربائي بعد تحويل رحلاتهم التي بلغت 6 رحلات طيران كان من المفترض أن تقلع من مطار تورنتو الدولي، وألغيت كافة الرحلات الذاهبة إلى مطارات تورنتو وهاميلتون وأوتاوا، وقد وقف المسافرون في طوابير طويلة من أجل إعادة تنظيم مواعيد رحلاتهم، ثم بعد ذلك ذهبوا في رحلة أخرى للبحث عن غرف في الفنادق لقضاء الليل.
وقد أظهر انقطاع الكهرباء مدى اعتماد الثورة الرقمية الكبيرة على الطاقة الكهربائية، وكيف أن ذلك الاعتماد قد وضع ضغوطا متزايدة على قدرات أنظمة الطاقة لتوليد الكهرباء المطلوبة. وقد تعطلت جميع المتاجر الكبرى التي تعمل بنظام الحاسبات المتقدمة التي تقرأ البطاقات الورقية على السلع التي تعمل بنظام التشفير أو «الباركود»، كما عانى الموظفون من استخدام الآلات الحاسبة التي تعمل يدوياً لحساب قيمة المشتريات للمستهلكين، أما في محال البقالة الصغيرة التي لم يوجد فيها مولدات طاقة احتياطية فقد كان أصحابها أكثر قلقاً بسبب فساد المواد الغذائية التي أصبحت بلا تبريد وتعرضت لخطر الذوبان بعد تعطل الثلاجات بسبب انقطاع التيار الكهربائي.
وفي تورنتو كان هناك أحد محال البقالة التقليدية يعمل في جد رغم الظلام، وكان مضاء بشمعتين فقط، في حين اصطف المشترون من أجل شراء مواد البقالة، في الوقت الذي كان الموظفون يمسكون بآلات حاسبة تقليدية تعمل بالطاقة الضوئية في يد، وفي اليد الأخرى كشافات تعمل بالبطاريات من أجل حساب قيمة المشتريات.
المؤسسات الكبيرة
أما المؤسسات الكبيرة التي مقرها الأبراج العالية في مدينة تورنتو فقد استخدمت الإضاءة البديلة المخصصة للطوارئ على الفور، وبدت منها بعض النقاط المضيئة في سماء المدينة بحلول الغروب. وبعيدا عن فقدان بعض البيانات على الحاسبات الشخصية التي لم يتم حفظها وقت انقطاع التيار، فقد استمرت كافة أنظمة الكمبيوتر المركزية في العمل. ولكن مع تعطل بعض الأنظمة الأخرى، فقد وجدت بعض الشركات أنه من المستحيل الاستمرار في العمل، لذا أعطت موظفيها إجازة، وأمرتهم بألا يعودوا ثانية في ذلك اليوم إلا إذا كان عملهم لا يسمح بتأخيره.
وقد أدى انقطاع التيار الكهربائي إلى فرص تجارية جديدة لبعض المؤسسات، فقداستغلت شركات التأمين الفرصة للترويج لمنظومات «المخاطر الناتجة عن انقطاع الإنترنت» للشركات التي لم تتطور سياساتها التأمينية بصورة تتفق مع تطور أنظمة الكمبيوتر التي لديها.
ويقول جون سباجنولو من معهد المعلومات التأمينية بنيويورك: «للأسف الشديد أن معظم الشركات تعمل في بيئة من القرن الحادي والعشرين، ولكن بأنظمة تأمين ترجع إلى القرن العشرين، فقد تغيرت آليات إدارة المخاطر مع التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم».
ويضيف السيد سباجنولو: «بصرف النظر عن شكل خطوط إنتاج تلك الشركات أو الخدمات التي تقدمها، فتقريبا كل الشركات الكبيرة اليوم تعتمد على شبكات الحاسب الآلي، ولكنهم يجب أن يعترفوا أن مخاطر أمن الشبكات تختلف تماما عن المخاطر التقليدية الأخرى مثل مخاطر الحرائق وخلافه، فإذا ما قام أحد المخترقين أو فيروس ما بتعطيل شبكاتهم أو دمر برامج الحاسب أو البيانات الخاصة بالشركة، فإن معظم الأعمال اليوم لا يوجد لديها أي صورة من صور التغطية البديلة، فشركات التأمين قد استثنت هذه المخاطر من الاتفاقيات التأمينية العادية، والآن تعرض شركات التأمين منظومات تأمينية خاصة بتلك المخاطر، فسواء كانت الشركة تقوم بأعمالها عن طريق الإنترنت أو عن طريق تخزين بيانات العملاء على خادمات أو حتى إذا كانت فقط تستخدم البريد الإلكتروني، فكل تلك الشركات تقع تحت نطاق الخطر».
إن رجوعنا فجأة للاعتماد على التكنولوجيات القديمة قد أثبت ما كان يقوله عدد من الخبراء فيما يتعلق بأنظمة الطاقة الحالية، فقد صرحوا بأن شبكات الولايات المتحدة سهلة الاختراق بصورة كبيرة.
وقد نشر البنتاجون تقريراً عام 1996 ركز فيه على احتمالية حدوث هجوم إرهابي، وقال ان التوسع في تحرير الإجراءات والقيود، إضافة إلى المنافسة التي خلقتها تلك الصناعة قد شكلت «اعتماداً متزايداً على أنظمة المعلومات في تشغيل وصيانة ومراقبة البنية التحتية الأساسية، مما أدى إلى وجود مساحة كبيرة من احتمالية الاختراق لم تكن موجودة من قبل في تاريخ الصراع مع الإرهاب».
وقد حذرت مجموعة تطوير سياسات الطاقة القومية الأمريكية منذ عامين عندما كانت تحت رئاسة نائب الرئيس الأمريكي الحالي «دك تشيني» من أن «البنية التحتية لوسائل الطاقة الأمريكية سهلة الاختراق لأي عطل مادي أو على شبكات الإنترنت، والذي يمكن أن يهدد تكامل وأمن ذلك النظام، ويمكن أن تحدث أعطال مفاجئة نتيجة حوادث طبيعية، مثل حدوث موجات مغناطيسية أرضية مفاجئة أو زلازل أو عن طريق حوادث أو فشل في المعدات أو لوجود تخريب متعمد».
وقد أصبحت معظم الخدمات تعتمد على بعضها البعض بصورة متبادلة، بما في ذلك الصناعات المختلفة مثل الطاقة الكهربائية والمواصلات والاتصالات وإمدادات المياه وأنظمة البنوك، مما يزيد من المخاطر بأن حدوث عطل بإحداها سوف يؤدي إلى تعطل الجميع، كما حدث في انقطاع الكهرباء في الولايات المتحدة وكندا.
..... الرجوع .....