-
باحث في علم الاجتماع
الدولة الإسلامية: نحفظ حقوق الأقليات (13)
مصطفى إنشاصي
وقبل أن نلقي الضوء على بعض التطبيقات الإسلامية للجانب المدني – كما قلنا إن صح التعبير - في الدين الإسلامي نود أن نوضح نقطة مهمة تحكم المسلم في تعامله مع أهل الذمة بالمصطلح الإسلامي أو الأقليات بالمصطلح المعاصر، لنرد بها على مَنْ يبررون مطالبتهم بإبعاد الإسلام عن حياتنا حرصاً منهم على حقوق الأقليات، وكأن الإسلام مشهود عنه طوال تاريخه اضطهاد تلك الأقليات وذبحها وتشريدها كما هو تاريخ الغرب مع الأقليات حتى اليوم؟!
وهم لو عادوا إلى التاريخ الإسلامي لوجدوا أن أشقائنا في الوطن من غير المسلمين لم يتمتعوا بالحريات الحقيقية والحصول على كامل حقوقهم إلا في ظل الإسلام، وأنهم لم يتساووا هم أشقائهم المسلمون في الاضطهاد وفقدان الأمن والاطمئنان إلا في عهد الأنظمة العلمانية والمدنية التي تحكمنا، التي زرعت الفتنة والخلاف والعداء سواء الديني أو الحزبي أو العرقي وغيرها بين أبناء الوطن الواحد من أجل أن تلعب على تناقضاتهم في استمرارها في الحكم!
ولا أريد أن أسرد عشرات من المواقف تثبت وحدة المجتمع المسلم (مسلمون ونصارى ويهود وإن كان الأخيرين لا أمان لهم طوال التاريخ ولا انتماء لأي وطن) طوال فترات تاريخه قبل الاحتلالات الغربية والدعوات العلمانية، التي تؤكد أن الإسلام والإسلام وحده هو الضمانة الوحيدة لنيل أشقائنا في الوطن كل حقوقهم وهم آمنون، لكن نقول لمَنْ جهل وتجاهل حسن معاملة الإسلام لأشقائنا غير المسلمين في كل بقاع الوطن الإسلامي: أن عليهم هم أن يعود ليتعلموا ويعلموا إلى عهود ومواثيق رسول الله صلَ الله عليه وعلى آله وسلم لأهل الكتاب عند مصالحتهم ودخولهم في عهد الإسلام وذمته، وتعهده بإعانتهم على ترميم كنائسهم وبيوت عبادتهم من بيت مال المسلمين في حال عجزوا عن ذلك، وإعالة فقرائهم ومحتاجيهم ومرضاهم والإنفاق عليهم من بيت مال المسلمين، أو في أحاديثه وتحذيره للمسلمين من أذيتهم أو سوء معاملتهم!
وإلى ممارسة الخلفاء الراشدين التي سيأتي معنا بعضاً منها في إنصافهم أشقائنا في الوطن وخاصة عمر بن الخطاب، وإلى وصية علي بن أبي طالب التي كان يوصي بها الولاة عند إرسالهم إلى ولاياتهم أو في كتبه المشهورة: أنك ستجد لك أخاً في الدين أو نظيراً في الخلق (شقيق في الإنسانية يقصد أهل الكتاب) ويأمرهم أن يتقوا الله فيهم وأن يحسنوا معاملتهم دون أن يميزوا فيها بين مسلمين وأهل كتاب!
إلى ما كتبه كثير من بطارقة وقساوسة الكنائس في وطننا إلى نظرائهم في الغرب بدء من بطريرك القدس الذي وصف لنظير غربي له حسن معاملة المسلمين لهم ووفاءهم بالعهد مقارنة بأبناء دينهم زمن الرومان عندما حكموهم سابقاً، وإلى عهد عمر بن الخطاب لنصارى القدس عند فتحها ورفضه الصلاة في كنيستهم، وإلى عهد الفاتحين المسلمين لنصارى مصر وما بعثوه من أمن للمشردين والخائفين والإفراج عن المسجونين من بطاركتهم وقساوستهم أيام حكم الرومان، وردهم عليهم كنائسهم التي سبق أن أخذها الرومان منهم، وإلى قتال نصارى وطننا أيام الحروب الصليبية مع المسلمين ضد نصارى الغرب ومنهم أسماء كثيرة أبلوا بلاءً لا يقل عن بلاء المسلمين أنفسهم...
وليس انتهاء باستطلاع رأي أذكره جيداً أجرته جريدة الأهرام القاهرية أيام دراستي الجامعية في مصر تقريباً عام 1979 أو 1980، مع مثقفين أقباط عن رأيهم في الإسلام وموقفهم منه: وقد أجمع حوالي 85% ممَنْ استطلعت آرائهم على أن نصارى مصر لم يتمتعوا بالحرية وكامل الحقوق إلا في ظل الحكم الإسلامي، وأنهم لم يشعروا بالغربة وعدم الأمان على أنفسهم وتُصادر حقوقهم إلا في ظل الأنظمة العلمانية، ولا تعليق!
ذلك لأنه عندما تمتلئ النفس بالجانب الروحي وتطمئن القلوب إلى أن مردها إلى واحد أحد وسيحاسبها على ما صنعت في دنياها فإن أحسنت أحسنت لنفسها وإن أساءت فعليها، ذلك الجانب الروحي هو الأساس المتين الذي تقوم عليه الدولة الإسلامية أفراداً وجماعات (التقوى والخوف من الله واستشعار رقابته الدائمة والرغبة في رضاه والحصول على الأجر والثواب …)، يحقق ما تعجز عن تحقيقه كل قوانين الأرض وتشريعات البشر لأن الإنسان فيه يعيش في كنف ورعاية ورقابة الله تعالى لا عيون الدولة ومخبريها، فيمنعه ذلك الشعور وتلك الرقابة من ارتكاب أي خطأ أو جريمة تُغضب الله تعالى، ويجعله يحرص على إتقان عمله، ويجعله أقرب إلى الناس وأنفع … ومَنْ لا يردعه ضميره والخوف من الله تعالى ورقابته عليه فيردعه السلطان والعقاب كما قال عثمان بن عفان: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن! وذلك دور الدولة في حفظ سلامة المجتمع الإسلامي وأمنه في مواجهة المجرمين!
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى