منتديات فرسان الثقافة - Powered by vBulletin

banner
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 17 من 17
  1. #11
    لي عودة بالنسبة لقضية خصوربة الارض فهو امر حيوي ونهمله علميا للاسف مما يؤدي بالاراضي الخصبه للتصحر
    ابو فراس

  2. #12
    3ـ الفوارق الواضحة بين مردود العمل بالزراعة والعمل بالقطاعات الأخرى، وهروب العاملين بالقطاع الزراعي الى قطاعات أخرى.

    لماذا يجب على الفلاحين تأمين طعام الآخرين دون مكافأة؟
    قامت معظم الحضارات القديمة على سواعد العبيد والفلاحين. وإن كان العبيد يحملون صفاتهم من اسمهم، والمقترن بالعبودية وملكية الأرض، فإن الفلاحين لا يبتعدوا كثيرا عن تلك الصفة في عهد الإقطاع والملكيات الواسعة.

    وبعدما تغيرت الأوضاع، واختفى عصر العبودية كما اختفى عصر الإقطاع، فإن النظرة الى الممتهنين للزراعة والفلاحة، لا زالت تحتل مقعدا في أسفل الرتب الاجتماعية، وقد كانت النظرة واضحة لأواسط القرن الماضي في العراق ـ مثلا ـ عندما كان (الحساوي) أي من يزرع وينتج الخضراوات، نادرا ما يطرح عليه التحية من قبل غير صنفه. وحتى أيامنا الحاضرة تستنكف بنات المدن من الزواج من أبناء الفلاحين، حتى لو غيروا مهنهم!

    هذه النظرة، تجسدت في أسعار منتجات الفلاحين من حبوب وخضراوات ولحوم وغيرها، فقد تمعنت بمفكرات*1 والدي رحمه الله الذي كان يثبت بها أسعار المواد منذ عام 1925 وحتى وفاته عام 1984، فوجدت أن سعر القمح الذي كان سائدا عام 1955 مثلا يساوي نصف سعر القمح الذي كان عام 1995، حيث كان المُد (20كغم) يساوي 2 دينار أي 6 دولارات عام 1955 في حين كان سعر المُد عام 1995 يساوي 4 دنانير أردنية، ولو حسبنا سعر الصرف عام 1995 لكان المد يساوي 6 دولارات، أي لم يتغير شيئا، في حين كان سعر الليرة الذهبية عام 1955 يساوي دينارا تقريبا، كانت الليرة الذهبية تساوي حوالي 112 دينارا أردنيا.

    لقد أحس الفلاح، أن وضعه أشبه بالقاعدة التي لا تتغير كمسألة الثأر والشرف، وغيرها، فأضيف إليها احتقار الفلاح واحتقار تعديل أسعار منتجاته. مما جعل الفلاحين يحلمون بمستقبل أفضل لأولادهم يخلصهم من البؤس الذي عاشه آباؤهم. فكانوا يبعثون بأولادهم للمدارس والجيش ويبيعون أراضيهم لتكملة دراسة أبنائهم.

    فروق في أجور العاملين

    حتى أن نظرة الرواتب لاحقت العاملين في القطاع الزراعي (الاشتراكي)، ففي العراق مثلا، كانت الرواتب الشهرية لعمال الزراعة حوالي 22.5 دينار، أي ما يعادل 70 دولارا في وقتها (حسب سعر الصرف آنذاك 1976), بالمقابل كان عمال مناجم الكبريت في المشراق 65 دينار، والعاملين في النفط يصل الى 90 دينارا، (200ـ 300 دولار حسب سعر الصرف آنذاك). ولم تكن الأقطار العربية الأخرى تختلف في سياساتها نحو رواتب العاملين في الزراعة عن العراق.

    الوافدين والعمل بالزراعة

    لم أجد عام 1982 إلا عاملين من أهل منطقة الأغوار الأردنية، بين العدسية وتل الأربعين، في حين كان بقية العمال من أقطار عربية أخرى. ولما كان هؤلاء العمال الوافدين باستطاعتهم التنقل بين قطاع وقطاع، فإنهم حتما سيختارون القطاعات التي تدفع لهم أجورا أعلى، مما وضع أصحاب المزارع المحليين أمام خيارين : إما أن يدفعوا القيمة المعادلة لسعر العمالة في السوق، فترتفع كلفة الإنتاج، في حين لم تتغير الأسعار بشكل يعادل تلك التكاليف، وإما أن يتركوا أراضيهم دون زراعة، وهو الأكثر شيوعا، هذا في المناطق الإروائية.

    أما في المناطق البعلية أو الديمية (التي تعتمد على الأمطار) فغالبا ما يتم خذلان المزارعين دون الحصول على موسم جيد، وإن جاء موسم جيد فإن أجور الحراثة والحصاد والنقل ستأكل المربح كاملا، فيضطر المزارعون لبيع مزروعاتهم لمربي الأغنام الذين لا تقل معاناتهم عن معاناة الفلاحين، فيدفعوا القليل من المال بحيث يبقى خيار بيعهم المزروعات أقل سوءا من حصدها واستخلاص الحبوب منها.

    رواتب مجزية لأعمال تقل أهمية عن الزراعة

    وجد المزارعون، أن راتب حارس العمارة، أو آذن في دائرة حكومية يساوي ما ينتجه 40 هكتار (400 دونم) من القمح كمتوسط في سنين متوسطة الإنتاج، وأن تلك المهنة أي الحراسة والخدمة لا تحمل معها أي معاناة للتلاؤم مع الأحوال الجوية. فلماذا يجب على المزارع أن يختار الزراعة بشقائها وقلة أرباحها، ويترك تلك المهن المريحة والنظيفة؟ هل من أجل خدمة المواطن والوطن وحسب؟ ولماذا على المزارع أن ينفرد بتلك التضحيات؟ أليس الوطن للجميع.

    اتهامات متبادلة

    إن قلت على الدولة أن تدفع رواتب كريمة لعمال الزراعة، فسيقول لك قائل: ولماذا نعطيهم رواتب وعملهم لا يكاد يساوي قيمة تلك الرواتب؟ لقد أجريت دراسة (لم تنشر مع الأسف) بالاشتراك مع عشرة من المختصين في عشر محطات للبحث العلمي في محافظة نينوى (الموصل/ العراق) بين عامي 1975 و1978، وكان متوسط عمل العامل الفعلي يوميا ساعة واحدة و13 دقيقة خلال ثلاث سنوات من المراقبة غير الظاهرة، في حين دوامه الفعلي يجب أن يكون 8 ساعات حسب قوانين العمل.

    وإن قلت للعامل: لماذا لا تزيد من وتيرة إنتاجك؟ فيبتسم ويقول: أمن أجل هذا الراتب الحقير أزيد عملي؟

    تسرب الأرباح بين المنتج والمستهلك

    لتعقيد عمليات الإنتاج وطرق تصريفه، فإنه في بعض الأحيان لا يساوي السعر الذي يدفع في أرض المزرعة ربع السعر الذي يدفعه المستهلك الأخير للسلعة. هذه الحالة تكون جلية وواضحة في السودان وأغوار الأردن. والثلاثة أرباع الأخرى تذهب للوسطاء والناقلين والمضاربين وتجار الجملة الخ.

    خلاصة:

    إذا كانت المشاريع الزراعية تقوم على أربع ركائز (العمل ورأس المال والإدارة ومستلزمات الإنتاج) فإنها في حالة ملكية المشروع من قبل صاحبه، فإنه سيصطدم بعدم جدوى مشروعه الاقتصادية. وإن كانت للدولة أو للشركات فإن قوانين السوق وسوء الإدارة وضعف المال والمكائن وترهل العمالة ستجعل المشروع خاسرا، لا محالة .. فالبحث بتلك المسألة يتطلب البحث بمسائل كثيرة.

    هامش
    المفكرة: هي دفتر جيب يحتوي صفحات بعدد أيام السنة، يذكر بأوقات الصلاة، وبعض المواسم الزراعية، كان البعض يقتنيه ليدون عليه حالة مزروعاته ومن توفى ومن تزوج وحالة الطقس وأسعار المواد (تبن، لحم، قمح، قماش الخ).

  3. #13
    معلومات قيمه جدا اوافق عليها عبر موضوع كامل متكامل
    ولي عودة للاضافه
    اهلا بك استاذ عبد الغفور
    ابو فراس

  4. #14
    حياك الله أخي أبو فراس

    أعلم أن مثل تلك المواضيع لا تشد الآخرين للانجذاب لها

    ولولا موجة الغلاء في المواد الغذائية لما اطلع عليها سوى حضرتكم

    تقبل احترامي وتقديري

  5. #15
    4ـ توقف تراكم الخبرات الموروثة وإحلال خبرات جديدة لم يستطع الفلاح التعامل معها بشكل جيد.

    التعلم البدائي، يأتي مع العادات والبيئة والحاجة للتعايش مع قسوة المحيط، وهو شبيه بتناقل الخبرات عند حيوانات البرية، فالهرب من الأخطار والاستدلال على ما يصلح للأكل، كلها مهارات بدائية. لكن الرقي يتم في وضع أسس لكل شيء ويتم نقلها للآخرين من خلال الإرشادات والمحاذير المكتوبة أو المنقولة بالمشافهة. فعدم سحق السنابل في صباح باكر بعد ليلة كلها ندى، سيعيق عملية استخراج القمح من سنبلته، والرعي في الصباح الباكر بأعشاب بقولية قد يسبب حالات نفوق عند المواشي، وأكل الفول الأخضر بكثرة من الحقول قد يؤدي الى الوفاة، ودق الحجارة السوداء الخشنة في ثقوب ألواح الدرس تحتاج الى تبييت الماء في تلك الثقوب، والتعامل مع لدغات العقارب والأفاعي له مهارات قد يكون عمرها آلاف السنين.

    كلما زاد الرقي زادت معه فروع العلم وكثرت التخصصات، فإن كان الطبيب في العهد العباسي يهتم باللغة والفلك والموسيقى، فإن فرعا واحدا من الطب هذه الأيام له عشرات الاختصاصات التي يتفرغ الطبيب لها وحدها دون غيرها، وكذلك هي الهندسة والمحاماة والزراعة.

    معلومات منقطعة عن الواقع

    كما أنه لا يجوز للأمي أن يتقدم لامتحان الشهادة الثانوية، إذ يُفترض التدرج بتأسيسه حسب الأصول التعليمية، فإنه لا يجوز تعميم علوم الزراعة على العاملين بالزراعة لا ترتبط مع ما كانوا يعرفون ويمارسون، سواء بطرق الزراعة أو بأصناف المزروعات أو الوسائل المستخدمة في العمليات الزراعية.

    هي ليست دعوة للتشبث بالقديم وترك الجديد، بل هي دعوة ـ وإن كانت متأخرة ـ لصنع مقتربات مفهومة لدى العاملين بالزراعة لتقبل الجديد والتعامل معه بكفاءة عالية. وهذا يتطلب مجموعة من الاستعدادات ـ مع الأسف ـ لم تقم دولة عربية واحدة بالانتباه لها كما يجب.

    فعمليات التطوير والانتقال من الأساليب القديمة تحتاج الى تهيئة مجموعة من العوامل نذكر منها:

    المبشرين بالحداثة الزراعية

    نعم، لقد انتشرت كليات الزراعة ومحطات البحث العلمي التي تعني بالزراعة في البلدان العربية، وأصبحت علوم الزراعة بمتناول اليد بالنسبة للجميع، ولكن ذلك لم يحل المشاكل الزراعية ولم يرتق بالمزارع للمستوى المعروف عالميا، رغم أن هناك من سيقول غير ذلك، مستدلا بارتفاع مستوى الإنتاج في بعض القطاعات كالدواجن والألبان والخضراوات وغيرها، ومستدلا بأن النسبة العاملة في الزراعة الآن في معظم البلدان العربية تقل كثيرا عما كانت عليه قبل عقود، وإن إنتاجية الوحدة الواحدة يزيد عما كانت عليه. لكن لا بد من تثبيت الملاحظات التي تجعل من أداء المؤسسات العلمية أقل مستوى منه في البلدان المتقدمة:

    1ـ تأخر تعيين خريجي الزراعة في وظائفهم، سواء الحكومية أو الأهلية، مما يجعلهم يبتعدون عما تعلموه في جامعاتهم ومعاهدهم. وقد يكون الحل لهذه المشكلة، بتشريع نظام يشبه (الخدمة الإجبارية العسكرية) يوضع به هؤلاء الخريجون في حقول أو منشئات زراعية مع محترفين ينقلون هؤلاء من كونهم طلابا الى حالة يمكن الاستفادة منها بسرعة أكبر.

    2ـ نمطية تعيين هؤلاء الخريجين، حيث لوحظ أن تعيينهم يكون في أمكنة بعيدة عن العمل الفعلي، ويكونون مسئولين مباشرين، وتبقى فترة خدمتهم عدة سنوات حتى يتم نقلهم الى أمكنة أكثر احتياجا للفنيين، فيكون الوهم أنهم خبراء (بحكم مدة خدمتهم السابقة) في حين أن نفعهم يكون معدوما. ويمكن حل تلك المسألة بالتنسيق مع نقابات المهندسين الزراعيين ومؤسسات التدريب لجعلهم معاونين لمهندسين زراعيين أكثر احترافا حتى يصبح وضعهم مطمئنا في أداء دورهم. هذا في الدوائر الحكومية.

    3ـ أما في المؤسسات الأهلية، فيكون التعيين الأول لديهم لدى أشخاص أو مؤسسات لا تقدر أن تقيم جودة أدائهم، ولكن انخفاض قيمة الراتب الأولي تجعل صاحب العمل يغض النظر عن كفاءة المهندس، كما تجعل المهندس الذي أرهقه الانتظار القبول بالراتب. ولكن ـ مع الأسف ـ قد يتم تصدير هؤلاء لدولة عربية أخرى بشهادات خبرة مزيفة، أو حتى يمكن تصديرهم لمؤسسة في نفس البلد، بحجة أن له مدة خدمة (كذا سنة) .. والنتيجة النهائية هي ضخ فنيين غير ممتازين في البلدان العربية. إلا ما ندر، والنادر لا يقاس عليه.

    4ـ رسائل الماجستير والدكتوراه، تبقى حبيسة مختبرات وصالات الكليات ولا يتم تحويلها الى برنامج يخدم قطاع الزراعة بشكل جيد. وسنعود لاحقا لتلك النقطة.

    5ـ أساليب تناقل المعلومات من الفنيين الى من يحتاجها من المزارعين لا تتم بوجه طيب، لعدم تطبيق أساليب يتقبلها المزارعون .. وسأنقل شكلا كان متبعا في محطات البحث العلمي بمحافظة نينوى بأواسط السبعينات من القرن الماضي:

    كان هناك مجمع لمحطات البحث العلمي الزراعي، تضم محطة بحوث بساتين ومحطة تنقية البذور والتقاوي ومحطة وقاية المزروعات ومحطة للأنواء الجوية ومحطة للغابات ومحطة لبحوث الإنتاج الحيواني..

    كان ملحق بتلك المحطات فندق لاستقبال القادة الريفيين وهم أفضل المزارعين في مناطقهم وقراهم، وكان ملحق لهذه المحطات فرقة مسرح ريفي.. وقاعات خاصة للمحاضرات، لم يكن الجلوس فيها على مقاعد (كالتلاميذ) بل كانت الجلسة بشكل حرف U ، وتكون اللهجة بالعامية والمحاضرة كأنها قصة، فإن كان القصد التحذير من ذبابة الباميا (ذكر فيها تشريب الباميا) ليشترك كل الحضور بالاستفسار والانتباه دون ملل.

    وإن استطاع أعضاء فرقة المسرح الريفي تحويل تلك المحاضرات الى عمل مسرحي يقدم في المساء للقادة المقيمين بالفندق فإن الفائدة ستكون مضاعفة.

    المزارعون لا يلبون دعوات التثقيف الزراعي

    في أواسط الثمانينات من القرن الماضي، أقمنا ورشة في مدينة (الرمثا بالأردن) بالتعاون مع 16 من حاملي الدكتوراه في مختلف المجالات الزراعية، ودعونا 400 مزارع للاستماع لأوراق البحث المقدمة من المحاضرين، حضر كل المحاضرين ولم يحضر أي مزارع، وبعد مرور أكثر من ساعة تذمر بها المحاضرون، انطلقت الى الجالسين في الدكاكين وأحضرت ما يقرب من العشرين وعندما حضروا أرهقوا المحاضرين بأسئلة عن أي شيء ـ عدا موضوع الورقة ـ فأحدهم يسأل عن عدم انتظام إسالة المياه، وآخر يسأل عن قروض مؤسسة ليس للمحاضرين شأنا بها!

    في عام 1994 حاولنا(في بلدية الرمثا) ابتكار طريقة لنقل المعلومات الزراعية، عن طريق المهرجانات (آخذين درسا من الفشل السابق)، فحاولنا تنظيم أسبوعا ثقافيا شاملا، يُكرم فيه أفضل مزارع للزيتون وأفضل مربي للدواجن وأفضل مربي للنحل وهكذا .. ليترافق هذا مع المهرجان الثقافي وقمنا بالتنسيق مع غرفة التجارة والبنوك والجامعات المحيطة، لتخصيص جوائز قيمة للمبدعين في تلك المجالات، ولنجعل الآخرين يتساءلون عن السبب في حصول فلان على الجائزة، لندفع المهتمين من الفلاحين في طلب المعونات الفنية، لكن مع الأسف لم ننجز ذلك لحل البلديات في وقتها.

    خلاصة:

    ليس المهم أن يكون عندنا مختصين، بل المهم أن نجعل خبراتهم في متناول أيدي العاملين في قطاع الزراعة، وهذا يتطلب مزيد من وضع البرامج في مختلف المجالات حتى تحل المعرفة الزراعية الحديثة محل القديمة، والتي أصلا لم تعد باقية!

  6. #16
    5ـ اختفاء الأصناف من الحبوب وحتى الحيوانات التي تعايشت بالماضي مع بيئات الزراعة العربية، وإحلال أصناف لم تدرس جيدا في المنطقة.

    شاهدت قبل شهور عينة من بذور (القمح) أحضرها أحد الأصدقاء العاملين في أحد مراكز البحث العلمي بوزارة الزراعة، وقد أخبرني أن تلك العينة هي نتاج جيل ثاني من بذور عثر عليها أحد المنقبين في آثار منطقة (طبقة فحل)*1 وقد وجدت محفوظة بطريقة معينة في أحد الأوعية الفخارية، وقد قدر الخبراء عمر تلك البذور بحوالي ألفي عام، ومع ذلك أنتجت بعد زراعتها بعض السنابل التي شاهدت حبوبها (وهي أمامي الآن على المنضدة) كانت بذرة القمح تزيد بطولها عن مرتين ونصف عن بذرة القمح الاعتيادية.

    ما هو الصنف

    في التقسيم النباتي والحيواني، تقسم المملكة الحيوانية الى أقسام وصفوف ورتب وعائلات وأنواع وأصناف وتحت أصناف. فإذا كان التفاح مثلا، نوع يتبع للعائلة التفاحية التي تتبع للرتبة الوردية، فإن (أحمر مايس أو الجولدن) هما صنفان من نوع، ويكون صنف للأبقار هذا (جيرسي) وهذا (فريزيان)، وللدجاج اللاحم، هذا (لوهمان) وهذا (هبرد) ويكون تحت الصنف تطويرا للصنف فنقول: أن (جيفي هبرد) لون أو تحت صنف من (هبرد) .

    هذا باختصار شديد، من يكون من أعمارنا ويحاول تذكر أصناف الدجاج السائدة بالخمسينات والستينات من القرن الماضي، سيتذكر الدجاج (الأندلسي) وهو ما كان يُطلق عليه (بلدي). كذلك كان يرى أصنافا من الأبقار ضئيلة الحجم قليلة الإنتاج، عجولها صغيرة جدا بحجم (الجدي الصغير)، وكان يتذوق بعض أصناف البندورة (الطماطم) حامضة صغيرة الحجم، وكان يطبخ أصناف من البطاطا (البطاطس) والقرع مختلفة عما هي عليه الآن.

    لسنا بصدد المذاق الذي هو على علاقة بالذاكرة الموظفة للتقييم، وهي مهمة، وغالبا ما نسمع من ينتقد أصناف هذه الأيام ويقارنها مع ما كان منتشرا في السابق، فيترحم على خيار أيام زمان وعلى البيض البلدي الخ، وهذه مسألة لا وزن لها، عندما نناقش موضوع ملائمة الصنف للبيئة وغزارة إنتاجه، والكيفية التي يكون لدينا قليل من العاملين في الزراعة باستطاعتهم تأمين الغذاء لباقي المواطنين، الذين ينصرفون لتغطية أعمال أخرى.

    كيفية تطوير الأصناف

    الصنف الموجود في المنطقة أصلا، هو أكثر الأصناف الملائمة للمنطقة، وهي نقطة أساسية لا يمكن إغفالها حتى في البحث العلمي. فالأصناف البرية من التفاح والكمثرى في شمال العراق، موجودة بصورة وحشية، دون تدخل الإنسان في تكثيرها ورعايتها. وأغنام (العواسي) الموجودة في غرب العراق وكامل بلاد الشام أكثر ملائمة للبيئة من تلك المستوردة كما هي أصناف (النعيمي) في جنوب العراق وعموم بلدان الجزيرة العربية، كما هي الأصناف الموجودة في السودان والصومال من (السواكن).

    هذا بالأساس، لكن، يبحث المنتج باستمرار لتطوير الأصناف لديه، فهذا يشتري كبشا شُهد لأمه بكثرة الإنتاج، وهذا يشتري فحلا من الإبل، وهذا يختار سنابل من القمح داخل حقله ليحسن البذور لديه. هذا على الصعيد الأهلي والتطوعي للمزارعين والمربين.

    أما على صعيد الحكومات، فقد ظهر نشاط لا يمكن الانتقاص من أهميته في عموم الأقطار العربية. فتم إنشاء محطات البحث العلمي، وتم التعاون مع المنظمات الدولية كالأمم المتحدة أو منظمة الزراعة والغذاء التابعة للجامعة العربية، وتلك الجهود ساهمت وتسهم في تطوير الأصناف وإيجاد تقليد علمي اقتصادي يسير على بداية طريق لحل مشاكل الغذاء في المنطقة العربية.

    ماذا نريد من الصنف؟

    1ـ زيادة إنتاجه، فإن كان أصنف (شملالي) من الزيتون (تونسي)، و(الليصي) أو (الصوري) الموجود في بلاد الشام، تمتاز بارتفاع نسبة الزيت فيها، فإنها قليلة الإنتاج، مقارنة مع أصناف (كاردينال وجرافة و نابالي).

    2ـ تغطية أطول فترة ممكنة من التسويق، فلا يهم حسن مذاق صنف (دكس رد) من الخوخ (الدراق) أو صنف (شدة سوداء) من العنب، إذا كانت فترة وجوده بالسوق لا تتعدى عشرة أيام، فلا بد من اختيار سلسلة من الأصناف تغطي أطول فترة ممكنة، فيتم اختيار (ديس العنز) و (الحلواني) الى جانب (شدة سوداء) لبقاء أصناف العنب 4ـ 5 شهور وهكذا.

    3ـ مقاومة الأمراض والظروف الجوية. هناك أصناف تعيش في مناطق مختلفة في العالم بنجاح، ولكن عند نقلها الى قطر عربي، يسوء إنتاجها، فبرتقال (بعقوبة) في العراق أكثر ملائمة من (أبو صرة) مثلا. وصنف الأبقار الشامية التي كانت في (غوطة دمشق) أكثر ملائمة من صنف (هولشتاين فريزيان) التي غزت المنطقة. وهذا يقال عن أصناف دجاج (لوهمان) الأكثر ملائمة من (الروس).

    4ـ الاستساغة، هناك أصناف يقبل عليها الأوروبيون، لا يستسيغها المستهلك العربي، لخاصية في عاداته وارتباطها بالذاكرة وطرق تحضير الطعام.

    ماذا عن الأصناف المحلية؟

    رغم تفوق الكثير من الأصناف العالمية في غزارة إنتاجها على الأصناف المحلية، فإن الدعوة للحفاظ على الأصناف المحلية تبقى جديرة بالاهتمام، لأغراض البحث العلمي وتهجينها مع الأصناف المستوردة.

    لذا، ندعو وزارات الزراعة في تأسيس متاحف أو حدائق أو مؤسسات تحصر فيها الأصناف المحلية وتعزلها عن الخلط مع الأصناف المستوردة، للرجوع إليها في عمليات البحث، خيرا من أن تنقرض ونعلن الندم في وقت لا يفيد فيه.

  7. #17
    6ـ تدني البحث العلمي، وانقطاع هيئاته العاملة عن التواصل شعبيا مع المزارعين والمنتجين المحليين.

    البحث بحد ذاته، هو إعمال العقل لإيجاد مخرج من ورطة أو مشكلة ما. في العراق يطلق الأهالي هناك على الدجاج البلدي اسم (بحاث) أي الذي يجتهد للعثور على رزقه، وهناك من يقول : لا، إن الأصل في البحث هو (البحش) أي نبش التربة لالتقاط الرزق من تحتها، على العموم لا فرق بين المنحيين.

    في القطاع الاقتصادي، يكتشف من يقوم بالإنتاج أن هناك انخفاضا في مبيعاته، نتيجة وجود سلع مشابهة يطرحها آخرون بسعر أقل، فيقبل المشترون على تلك السلع ويمتنعون عن السلع التي ترتفع أسعارها.

    تتركز مهمة بحث المنتجين الصغار، على تقليل الكلفة في إنتاج السلعة، مع تحسين مواصفاتها، من حيث الاستساغة والتغليف والقيمة الغذائية (في منتجات الغذاء). وهذا يتطلب البحث في كل عنصر من عناصر إنتاج السلعة، المواد الخام العمالة، النقل، الخ.

    أما بالنسبة للدول، فالبحث يأخذ منحى أكثر شمولا من البحث الذي يقوم به الأفراد أو الشركات الخاصة. فهو يعني الأمن بالدرجة الأولى، فتحقيق الأمن الغذائي، يقلل من المعاناة المرضية الناتجة من نقص الغذاء، ويقلل من الجنوح الى الجريمة التي تكون أحد مسبباتها ضيق الرزق. وتسمى الدول المتخلفة بذاك الاسم، عندما تقل قدرتها على تأمين الغذاء لأبنائها، وتعتبر متخلفة حتى لو كانت غنية إذا ما جاء دخلها من نوع معين من النشاط الاقتصادي، فإن كانت تعتمد على القمح وحده أو الفوسفات وحدها أو النفط وحده أو الألماس وحده، فهي متخلفة. فالتنوع بالاقتصاد والحضور الاقتصادي في مجالات مختلفة عالميا، هو ما يعطي الدولة صفة التقدم والريادة.

    هل نحن بحاجة الى البحث العلمي الزراعي؟

    قد يستغرب البعض من طرح هذا السؤال، ولكن ما دفعني الى طرحه هما سببان:

    الأول: أن هناك من السياسيين والمسئولين في البلدان العربية من طرح مثل هذا السؤال وآمن به، ودفع من يؤمن به ليؤثر على الأداء الحكومي في المجال الزراعي وحجة هؤلاء تنبع من اعتقادين:
    أ ـ أن عمومية العلم (مشاعيته العالمية) تجعلنا نستفيد ممن قطعوا شأوا بعيدا في هذا المجال، وليس بإمكاننا اللحاق بهم لضعف كوادرنا وإمكانياتنا، فلماذا نصرف أموالا طائلة في مجالات لسنا في وضع يسمح لنا بها، إضافة الى أن المجال الزراعي هو من المجالات التي يمكن تغطيتها بالاستيراد، خصوصا أن مردود الإنتاج في بلادنا أضعف من أنه يبقي العاملين متشبثين فيه، إضافة الى أن كلفته هي أكثر من الناتج المحصل عليه.

    لقد واجه الذين أطلقوا شعار (الزراعة بديل النفط) في العراق أواسط السبعينات من القرن الماضي، حملات انتقاد كبيرة، حيث قيل في وقتها أن إنتاج ثلاثة أيام من النفط كفيل لأن نحضر القمح من أستراليا للعراقيين بما يكفيهم طوال العام. واكتشف هؤلاء أنهم كانوا على خطأ عندما أثيرت عملية منع توريد القمح للعراق، التي رافقت الحملة الغربية ضد ما أسموه (المدفع العملاق) وأسلحة الدمار الشامل (في الثلث الأول من عام 1990 أي قبل غزو الكويت!)

    ب ـ إن البحث العلمي، لن يكون ذا فائدة، في بلد لم يستكمل أسس بناءه العام على مختلف الأصعدة، وهذا نراه في الأقسام المخصصة للدراسات النووية خصوصا في بلدان المغرب العربي، حيث يعاني الخريجون من انعدام فرص العمل، فيضطرون للهجرة، فما فائدة أن تصرف دولة نامية على تهيئة كوادرها لتصدرهم أخيرا (مجانا) الى الدول المتقدمة؟

    هل هناك أبحاث في الدول العربية؟

    نعم هناك أبحاث، لكنها لا ترتقي الى درجة تغطية الحاجة الى البحث. فما الفائدة من أن يخرج علينا أحدهم ويقول : (لقد اكتشفت الجوارب أو معجون الأسنان؟) والعالم اكتشفها منذ أمد. فالبحث النافع هو كإشارة المرور، يجب أن يكون قريبا من النقطة الواجب التحذير منها، ويسبقها، لا يتبعها، (أمامك منعطف، أمامك منحدر، ممنوع المرور)، ولن يكون من تلك الإشارات فائدة إذا كان وجودها بعد المنعطف أو المنحدر أو بمنتصف الطريق الممنوع المرور من خلاله.

    حاولت الأمم المتحدة، من خلال منظمة الزراعة والغذاء الدولية FAO أن تلزم (أدبيا) الدول بتخصيص 2% من ميزانياتها للبحث العلمي، ولكن في بلادنا لم تصل هذه النسبة عشر هذا التخصيص المنصوح فيه. وحتى تلك النسبة الضئيلة لا يستفاد منها تلك الاستفادة الموازية لما خصص لها من أموال.

    ولو ألقينا نظرة على الأرقام التالية المأخوذة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي والمجموعة الشرقية، لتبين لنا فداحة الأوضاع المتخلفة لدينا:*1


    صرفت البلدان المتقدمة 81 مليار دولار للبحث العلمي، بمعدل111دولار/مواطن
    صرفت دول أوروبا الشرقية 40مليار دولار، بمعدل 114دولار/مواطن
    صرفت كل الدول النامية 2مليار دولار بمعدل 1دولار/مواطن.
    أستراليا 880 مليون دولار بمعدل 76 دولار/مواطن
    كندا 1.350 مليار دولار بمعدل 61 دولار /مواطن
    الولايات المتحدة 31 مليار بمعدل 146 دولار/مواطن
    السودان 9 ملايين دولار بمعدل نصف دولار /مواطن
    العراق 25 مليون دولار بمعدل 2.3 دولار/مواطن
    مصر 47 مليون دولار بمعدل 1.5دولار/مواطن

    عناصر العلوم والتكنولوجيا تتمثل في :

    1ـ مكانة العلوم والتكنولوجيا في جميع مراحل التعليم وأنواعه في المجتمع. وهذه تبدأ عادة بالمرحلة الدراسية المتوسطة وتستمر حتى التخصص في أعلى المعاهد والجامعات.

    2ـ البحوث العلمية وعمليات التطوير. وتناط مهامها بكليات الزراعة ومعاهدها ومراكز البحث العلمي بوزارات الزراعة. كما يمكن للاتحادات الزراعية النوعية (اتحاد منتجي الدواجن، الأسماك، الأشتال، الخ) القيام بتلك البحوث وتمويلها بالتعاون مع النقابات المهنية والدولة.


    3ـ تسخير نتائج البحوث وتطبيقها فورا. وهذا يتم عبر محطات البحث العلمي ونقل التجارب من خلال فرق الإرشاد المتدربة على النقلات العلمية النوعية.

    4ـ الخدمات العلمية والتكنولوجية: وهذا ممكن أن يكون بشكل مختبرات تلحق بالكليات ومعاهد الزراعة العالية تكون على صلة بالجمهور لترشده وتحل مشاكله.




    هوامش
    *1ـ جدول ذكره غانم سعد الله/ ورد في المؤتمر الفني الدوري السادس لاتحاد المهندسين الزراعيين العرب/صفحة 631

صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

المواضيع المتشابهه

  1. ليلة الطائرة الشراعية (مقالات ملفقة 10\3)
    بواسطة محمد فتحي المقداد في المنتدى فرسان المقالة
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 04-26-2017, 11:56 AM
  2. في بلداننا
    بواسطة خليل حلاوجي في المنتدى فرسان الخواطر
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-09-2017, 12:28 AM
  3. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-13-2012, 06:36 AM
  4. الروزنامة الزراعية
    بواسطة عبدالغفور الخطيب في المنتدى فرسان العلوم العامة.
    مشاركات: 42
    آخر مشاركة: 09-29-2010, 07:35 PM
  5. تحسين القيمة الغذائية للمخلفات الزراعية
    بواسطة بنان دركل في المنتدى فرسان العلوم العامة.
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-16-2007, 06:29 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •